السعودية: تكميم الأفواه المعارضة

أداة قمعية

استُخدمت المحكمة الجزائية المتخصصة في السعودية منذ 2011 لإسكات الأصواتالمعارضة. وكان لذلك وقع مخيف. ومن جملة الذين أصدرت المحكمة عقوبات شديدة عليهم صحفيون، ومدافعون عن حقوق الإنسان، ونشطاء سياسيون، وكتّاب، ورجال الدين، ونشطاء حقوق المرأة. وقد ترأس قضاة هذه المحكمة – الذين يلجؤون على نطاق واسع إلى نظام جرائم الإرهاب، ونظام مكافحة جرائم المعلوماتية اللذين يتسمان بقسوة بالغة – محاكمات بالغة الجور، وأصدروا أحكاماً بالسجن تصل مدتها إلى 30 عاماً، والعديد من أحكام الإعدام.

لقد وثّقت منظمة العفو الدولية، في تقريرها الجديد الذي يحمل عنوان:تكميم الأفواه المعارضة: المحاكمات المسيّسة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة”، حالات 95 شخص – غالبيتهم العظمى من الرجال – حوكموا أمام المحكمة الجزائية المتخصصة بين 2011 و2019. ويضمون أفراداً عديدين حوكموا بتهم نابعة فقط من ممارستهم السلمية لحقوقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها والتجمّع. وسجّلت التفاصيل المحزنة لحالاتهم، وأنماط انتهاكات حقوق الإنسان التي تبيّنها هذه التفاصيل.

وكان عدة أشخاص سعوديين من الشيعة – من ضمنهم شبان حوكموا على “جرائم” ارتكبوها عندما كانت أعمارهم تقل عن 18 سنة – معرضين لخطر الإعدام الوشيك في أعقاب محاكمات بالغة الجور أجرتها المحكمة المذكورة. ولديهم أسباب وجيهة تدعوهم للخوف من حدوث أسوأ الاحتمالات؛ إذ نُفِّذ حكم الإعدام بما لا يقل عن 28 سعودياً من الشيعة منذ 2016.

انضموا إلى حملتنا الرامية إلى الإفراج عن جميع سجناء الرأي في السعودية، وضمان إجراء الإصلاحات الضرورية للغاية، لوضع حد لحرف مجرى العدالة الراسخ في المحكمة الجزائية المتخصصة.

افتراض البراءة ليس جزءاً من النظام القضائي السعودي.

طه الحاجي، محام مثّل العديد من المتهمين أمام المحكمة الجزائية المتخصصة

:اطلبوا من ملك السعودية

أطلقوا سراح النشطاء المسجونين

قصة سالم

إصلاحات حقوق الإنسان: الخطاب المعسول مقابل الواقع

تتعارض العبارات المعسولة للحكومة السعودية– التي ازدادت عقب تعيين محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولياً للعهد في يونيو/حزيران 2017 – تعارضاً صارخاً مع حقيقة وضع حقوق الإنسان. فجنباً إلى جنب مع بعض الإصلاحات الإيجابية – لاسيما المتعلقة بحقوق المرأة – شنت السلطات حملة قمع شديدة ضد المواطنين الذين يدعون إلى التغيير، ومن بينهم خبراء اقتصاديون، ومدرّسون، ورجال دين، وكتّاب ونشطاء، وهم دعاة سلميون ينادون بالإصلاحات ذاتها التي وعد ولي العهد بإجرائها أو إصدار قوانين بشأنها. واللافت أنه بحلول عام 2017 استهدفت السلطات تقريباً كل المدافعين عن حقوق الإنسان، وغيرهم من منتقدي الحكومة من خلال الاعتقالات التعسفية والتعذيب والمقاضاة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة، وسواها من المحاكم.

اللافت أنه بحلول عام 2007 استهدفت السلطات كل المدافعين عن حقوق الإنسان تقريباً.

منظمة العفو الدولية

وبالفعل أحكم الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي عهده قبضتيهما على أجهزة التحقيق والادعاء والأمن في البلاد. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017، حل نظام جرائم الإرهاب وتمويله محل نظام مكافحة الإرهاب لعام 2014. فحصر ذلك صلاحيات أمن الدولة بيدي الملك بتفويض النيابة العامة ورئاسة أمن الدولة اللتين أنشئتا حديثاً بسلطة إلقاء القبض على الأشخاص، والتحقيق معهم واستجوابهم، وإحالتهم إلى المحكمة الجزائية المتخصصة، علماً أن كلتي الهيئتين تتبعان الملك مباشرة، ونص القانون الجديد على عقوبة الإعدام على “الجرائم الإرهابية”، فضلاً عن نصوص تعاقب بشدة على الأفعال التي قد لا ترقى إلى أكثر من ممارسة الناس سلمياً لحقوقهم في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، والتجمع.

Amnesty International
Amnesty International

اقرأوا التقرير الكامل

قمع حرية التعبير السلمي وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها

يقبع اليوم جميع المدافعين عن حقوق الإنسان، وأصحاب الأصوات المستقلة السعوديين تقريباً، ذكوراً وإناثاً – خلف القضبان، حيث يقضون أحكاماً بالسجن أصدرتها عليهم المحكمة الجزائية المتخصصة. وقد جرت مقاضاة معظمهم بسبب عملهم السلمي في مجال حقوق الإنسان، ودعواتهم إلى الإصلاح. ومن بينهم جميع الأعضاء المؤسسين والعديد من أنصار أربع جمعيات مستقلة لحقوق الإنسان أغلقتها السلطات عام 2013، ممن لم يغادروا البلاد. وقد فر العديد من المعارضين، والنشطاء، والمفكرين المستقلين من البلاد لتجنب هذا الاضطهاد.

عوقب العديد من الذين أدانتهم المحكمة الجزائية المتخصصة لأنهم عبّروا عن معارضتهم، ودعوا إلى التغيير، وانتقدوا السلطات، وفضحوا الانتهاكات التي ترتكبها المديرية العامة للمباحث، أو لأنهم سلطوا الضوء على إخفاقات القضاء، غالباً من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. وقد وثّقت منظمة العفو الدولية منذ 2011 محاكمات 27 شخصاً من هؤلاء أمام المحكمة الجزائية المتخصصة والأحكام التي أصدرتها بحقهم. وهي تعد 22 من أصل الـ 27 الذين ما زالوا محتجزين سجناء رأي وتدعو إلى الإفراج عنهم فوراً ودون قيد أو شرط.

ومنذ سبتمبر/أيلول 2017، وفي موجات اعتقال متعددة جرت في مايو/أيار 2018 وأبريل/نيسان 2019، ألقت السلطات القبض تعسفاً على عشرات الأشخاص من بينهم نشطاء بارزون لحقوق المرأة، وكتّاب، ورجال دين، وأفراد من أسر النشطاء. وفي حين يظل العديد من أولئك رهن الاعتقال بدون تهمة أو محاكمة، يواجه آخرون محاكمات أمام المحكمة الجزائية المتخصصة وسواها من المحاكم في أعقاب معاناة محنة رهيبة قيد الاعتقال المطول السابق للمحاكمة والتعذيب والمعاملة السيئة قبل بدء محاكمتهم.

فمثلاً أُعيد في مايو/أيار 2018، اعتقال محمد البجادي الذي حوكم سابقاً بسبب عمله في مجال حقوق الإنسان. ويظل رهن الاعتقال مع نشطاء آخرين بدون تهمة أو محاكمة. ويواجه سلمان العودة – وهو رجل دين إصلاحي أُلقي القبض عليه في سبتمبر 2017 – عقوبة الإعدام في المحاكمة التي تجري له أمام المحكمة الجزائية المتخصصة.

وكان من المتوقع أن تمثل مدافعات عن حقوق الإنسان بينهن لجين الهذلول، وإيمان النفجان، وعزيزة اليوسف، وسمر بدوي، ونسيمة السادة – أمام المحكمة الجزائية المتخصصة، لكن بدلاً من ذلك أُحضرن للمثول أمام المحكمة الجزائية في الرياض لمحاكمتهن على عملهن السلمي في مجال حقوق الإنسان وقيامهن بحملات دفاعاً عن حقوق المرأة.

من مكافحة الإرهاب إلى تكميم الأفواه المعارضة

في أكتوبر/تشرين الأول 2008، أُنشئت المحكمة الجزائية المتخصصة لمحاكمة الأشخاص المتهمين بجرائم تتعلق بالإرهاب. وقد حاكمت بدايةً الأشخاص الذين يُشتبه بانتمائهم إلى عضوية تنظيم القاعدة أو بمناصرته، بيد أن إحالة مجموعة تضم 16 إصلاحياً من جدة إلى المحكمة المذكورة في مايو/أيار 2011 أذن بتغيير حاسم في عمل المحكمة ليشمل حالات الأشخاص الذين أرادت السلطات بكل بساطة إسكاتهم، وسرعان ما قدمت المحكمة الجزائية المتخصصة عضواً مؤسساً في جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية (حسم) للمحاكمة، وأصدرت عليه حكماً. ومنذ ذلك الحين واجه عديدون غيره محاكمات بالغة الجور أمام المحكمة بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم الأساسية.

لا تعمل المحكمة الجزائية المتخصصة وفق إجراءات معتمدة ومحددة بوضوح؛ فالمحكمة العليا تعين القضاة بدون أي معايير شفافة للتعيينات. ويعتقد محامو ونشطاء حقوق الإنسان أن المعيار الرئيسي هو ولاء القاضي المفترض للحكومة، وليس معرفته أو خبرته أو نزاهته القانونية.

وتقاضي السلطات الأفراد أمام المحكمة الجزائية المتخصصة بناءً على تهم فضفاضة أو عمومية جداً وغير محددة بوضوح في القانون تساوي في بعض الحالات بين الأنشطة السياسية السلمية، والجرائم المتعلقة بالإرهاب. وفي قائمة التهم المستخدمة في الإجراءات المتخذة أمام المحكمة المذكورة والتي حصلت عليها منظمة العفو الدولية، فإن أكثرها شيوعاً هي:

  • الخروج على ولي الأمر وإفتائه على ولي الأمر في المملكة العربية السعودية.
  • القدح علناً في ذمة المسؤولين ونزاهتهم،
  • زعزعة أمن المجتمع والتحريض على مخالفة النظام من خلال الدعوة إلى التظاهر،
  • الاتصال بجهات خارجية وتزويدها بمعلومات ووقائع غير صحيحة،
  • تأسيس أو الاشتراك في تأسيس جمعية غير مرخصة.

وتتعارض بعض التهم بحد ذاتها مع قانون ومعايير حقوق الإنسان، لأنها تُجرِّم الممارسة السلمية لحقوق الإنسان. وقد منح نظام مكافحة الإرهاب لعام 2014 المحكمة الجزائية المتخصصة الاختصاص الحصري لمحاكمة المتهمين بموجب القانون، ولتطبيق القانون بأثر رجعي. ووجد بعض الأشخاص الذين سبقت إدانتهم من جانب محاكم أخرى أنهم يواجهون تهماً مشابهة أمام هذه المحكمة، لكن مع أحكام أشد قسوة بموجب نظام مكافحة الإرهاب.

وتتضمن نسخة 2017 من النظام شأنها شأن سابقتها تعريفات عمومية وفضفاضة جداً “للإرهاب”، و”الجريمة الإرهابية”، و”الكيان الإرهابي”. كما أنها أدرجت نصوصاً تُعاقب على التعبير السلمي عن الآراء؛ فعلى سبيل المثال، تُفرض عقوبة بالسجن مدة تصل إلى 10 سنوات لإهانة الملك أو ولي العهد بصورة مباشرة أو غير مباشرة على نحو يتعارض مع الدين أو العدالة. كذلك لجأت السلطات على نطاق واسع إلى نظام مكافحة جرائم المعلوماتية لعام 2007 عندما قاضت منتقدي الحكومة، والمدافعين عن حقوق الإنسان، أمام المحكمة الجزائية المتخصصة مستشهدة بتغريدات ورسائل أخرى على الإنترنت كأدلة.

أطلع الآخرين على هذه الصفحة

أداة للقمع الوحشي: المحكمة الجزائية المتخصصة في #السعودية

يقبع اليوم جميع المدافعين عن حقوق الإنسان وأصحاب الأصوات المستقلة السعوديين تقريباً، ذكوراً وإناثاً – خلف القضبان، حيث يقضون أحكاماً طويلة بالسجن أصدرتها عليهم المحكمة الجزائية المتخصصة.

منظمة العفو الدولية

سحق احتجاجات الشيعة في المنطقة الشرقية

منذ 2011، واصلت السلطات حملة قمع عنيفة ضد الأقلية الشيعية في البلاد للقضاء على الاحتجاجات المطالبة بقدر أكبر من الحقوق والإصلاحات، وأيضاً بالإفراج عن المعتقلين المحتجزين من دون تهمة. وقد أُلقي القبض على المئات لصلتهم بالاحتجاجات التي جرت في محافظة القطيف بالمنطقة الشرقية التي تقطنها أغلبية من الشيعة. وأُطلق فيما بعد سراح معظم المعتقلين من دون توجيه تهم إليهم. أمام الباقون فقد احتُجزوا بدون تهمة أو محاكمة مدة سنة أو أكثر، ثم وُجهت تهم إليهم، وحوكموا أمام المحكمة الجزائية المتخصصة. مع ارتفاع حدة التوتر في المنطقة الشرقية، ألقى رجلا دين شيعيان معروفان بموقفهما المنتقد للحكومة – وهما نمر النمر وتوفيق العامر – خطبتين في 25 فبراير/شباط 2011 أيدا فيهما الدعوات لإجراء إصلاحات سياسية ودينية عاجلة. فأُلقي القبض عليهما. واستمر مسلسل الاعتقالات مع تواصل الاحتجاجات وفي 5 مارس/آذار 2011، أكدت وزارة الداخلية الحظر القائم منذ وقت طويل على الاحتجاجات التي تعتبر أنها تتعارض “مع مبادئ الشريعة الإسلامية وقيم وأعراف المجتمع السعودي”. ومنذ ذلك الحين جُلب ما يزيد على 100 شيعي سعودي للمثول أمام المحكمة الجزائية المتخصصة بشأن الانتقاد السلمي للحكومة في الخطابات أو في وسائل التواصل الاجتماعي والمشاركة في احتجاجات مناهضة للحكومة. وقد حوكموا بناءً على تهم غامضة ومتنوعة تتراوح بين تنظيم الاحتجاجات أو تأييدها والمشاركة المزعومة في هجمات عنيفة والتجسس لحساب إيران.
وإضافة إلى ذلك حُكم على شيعة بالإعدام، وأُعدموا على أساس جرائم ارتكبوها عندما كانت أعمارهم دون الثامنة عشرة بعد أن أدانتهم المحكمة الجزائية المتخصصة بناءً على “اعترافات” منتزعة تحت وطأة التعذيب. ويواجه ثلاثة شبان – هم علي النمر وعبد الله الزاهر وداوود المرهون – قُبض عليهم كل على حدة عام 2012 وتبلغ أعمارهم 17 و16 و17 عاماً على التوالي– خطر الإعدام الوشيك بعد صدور أحكام بالإعدام عليهم إثر محاكمات بالغة الجور أمام المحكمة الجزائية المتخصصة.
وفي الثاني من يناير/كانون الثاني 2016، أعلنت السلطات أن نمر النمر و46 سجيناً آخر ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام فيهم قد أُعدموا، وهو ما أطلق شرارة احتجاجات متجددة في المنطقة الشرقية. وما زاد في حدة التوتر استمرار المحكمة الجزائية المتخصصة في إصدار أحكام الإعدام والسجن مدداً طويلة بحق الشيعة المدانين بجرائم لها صلة بالاحتجاجات. وفي يوليو/تموز 2017، أُعدم عدد من الرجال الشيعة الذين أصدرت المحكمة المذكورة أحكاماً بالإعدام عليهم، وفي إبريل/نيسان 2019، نُفّذت أحكام جماعية بالإعدام في 37 رجلاً معظمهم من الشيعة.

في أول مرة شاهدته فيها لم أعرفه. ولم يكن الشخص ذاته. وعندما بدأ يتكلم عن تعرضه للتعذيب خلال زيارتنا الأولى احتجتُ أن أرى ذلك بنفسي، لذا طلبت منه أن يريني ما تحت ثوبه. لقد صُدمت.

شخص وثيق الصلة بيوسف المشيخص الذي أُعدم في 11 يوليو/تموز 2007 بسبب جرائم تتعلق بمشاركته في الاحتجاجات التي جرت في المنطقة الشرقية

تشكل المحاكمات أمام المحكمة الجزائية المتخصصة استهزاءً بالعدالة. وغالباً ما تُعقد الجلسات كلها أو معظمها سراً. ويبدي القضاة تحيزاً جلياً ضد المتهمين. ولا يدققون تدقيقاً صارماً في تأكيدات النيابة ولا يشككون فيها، ويقبلون بصورة مألوفة “اعترافات” المتهمين السابقة للمحاكمة كأدلة على الذنب، من دون التحقيق في كيفية الحصول عليها حتى عندما يتراجع المتهمون عنها في المحكمة، ويقولون إنها انتُزعت منهم تحت وطأة التعذيب.

وقد أجرت المحكمة الجزائية المتخصصة محاكمات لمتهمين وأدانتهم في غياب محامي الدفاع بعد منعهم من الحضور في بعض الحالات. واستخدم القضاة صلاحياتهم لإدانة المتهمين بناءً على تهم فضفاضة لا تشكل جرائم واضحة المعالم، وهم يعاملون المعارضة السلمية وحماية حقوق الإنسان والدعوة للإصلاح السياسي بوصفها جرائم ضد الدولة أو أعمالاً إرهابية.

وقد استعرضت منظمة العفو الدولية عن كثب ثماني محاكمات أمام المحكمة الجزائية المتخصصة لـ 68 متهماً شيعياً، أغلبيتهم حوكموا لمشاركتهم في احتجاجات معارضة الحكومة ولـ27 شخصاً جرت مقاضاتهم بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم في حريتي التعبير وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها. وخلصت في جميع الحالات إلى أن المحاكمات كانت بالغة الجور؛ إذ أُدين المتهمون بناءً على تهم غامضة و”عمومية” تُجرِّم المعارضة السلمية بوصفها “إرهابية”، وفي حالات كثيرة – حُكم عليهم بالإعدام، بناءً على “اعترافات” مشوبة بالتعذيب. وفي الحقيقة فإن كامل عملية العدالة المرتبطة بالمحكمة الجزائية المتخصصة تشوبها عيوب شديدة منذ لحظة الاعتقال، وحتى الاستئناف النهائي. وكان معظم المتهمين في المحاكمات التي وثقتها منظمة العفو الدولية:

  • قد اعتُقلوا بدون مذكرة اعتقال،
  • لم يُبلغوا بأسباب اعتقالهم،
  • احتجزوا بمعزل عن العالم الخارجي وفي العديد من الأحيان في الحبس الانفرادي من دون السماح لهم بمقابلة عائلاتهم أو محامٍ طوال أيام أو أسابيع أو أشهر،
  • تعرضوا للتعذيب أو بخلاف ذلك للمعاملة السيئة قيد الاعتقال السابق للمحاكمة لانتزاع “اعترافات” منهم عقاباً لهم على رفض “التوبة” أو لإكراه المعتقلين على التعهّد على الكف عن انتقاد الحكومة،
  • احتُجزوا بدون تهمة أو محاكمة مع حرمانهم من أي فرصة للطعن في احتجازهم مدة تصل إلى ثلاث سنوات ونصف السنة.

ومن أكثر ما يدهش في أخفاقات المحكمة الجزائية المتخصصة في المحاكمات التي استعرضتها منظمة العفو الدولية هو اعتمادها بدون أي تشكيك على “الاعترافات” التي تُنزع تحت وطأة التعذيب؛ إذ صدرت أحكام بالإعدام على ما لا يقل عن 20 رجلاً شيعياً خضعوا للمحاكمة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة على أساس مثل هذه “الاعترافات”، وأُعدم 17 منهم.

أبلغ حسين الربيع – وهو متهم في محاكمة جماعية للمحتجين من المنطقة الشرقية – المحكمة الجزائية المتخصصة أن المحقق قد صفعه وضربه وهدده بتعليقه من ذراعيه وصعقه بالتيار الكهربائي ما لم “يعترف”. كما أبلغ المحكمة المذكورة أن المحقق هدده بالتعذيب إذا لم يؤكد “اعترافه” أمام القاضي. وفي الواقع عندما رفض تأكيد اعترافه، حُرم من الطعام والماء، وهذا ما أفقده، وعيه واستدعى نقله إلى المستشفى. وكان مصاباً أصلاً بثمانية جروح نتيجة إصابته بالرصاص أثناء إلقاء القبض عليه. وقد أُعدم حسين الربيع في أبريل/نيسان 2019.

كل واحد من المتهمين في محاكمات المحكمة الجزائية المتخصصة التي استعرضتها منظمة العفو الدولية حُرم من الاتصال بمحام منذ لحظة القبض عليه، وطوال فترة استجوابه في سجن المديرية العامة للمباحث. وأفضل ما حصلوا عليها هو مقابلة محاميهم في الجلسة الافتتاحية لمحاكمتهم. وخلال المحاكمات، حُرم المتهمون من فرصة إعداد قضيتهم وعرضها أو الطعن في الحجج والأدلة الموجهة ضدهم على قدم المساواة مع الادعاء.

أخيراً، يتعرض حق الاستئناف للانتهاك. وتجري عمليات الاستئناف ضد الأحكام الصادرة عن المحكمة الجزائية المتخصصة خلف أبواب مؤصدة بدون حضور المتهمين أو محاميهم أو مشاركتهم. وفي حالات كثيرة لا يُبلَّغ المتهمون مقدماً بجلسة محكمة الاستئناف التابعة للمحكمة الجزائية المتخصصة، ولا يدرون إلا في وقت لاحق أن استئنافهم قد رُفض. وفي أغلب الأحيان لا تحيط السلطات القضائية المتهمين أو محاميهم أو عائلاتهم علماً بنتيجة الاستئناف حتى عند تأييد أحكام الإعدام.

توصيات

قد قدمت منظمة العفو الدولية توصيات إلى مختلف السلطات لضمان إجراء الإصلاحات اللازمة والملحة لوضع حد للعدالة الزائفة المتأصلة في المحكمة الجزائية المتخصصة، وتدعو منظمة العفو الدولية من جملة أمور:

  • عاهل السعودية وولي عهده إلى إطلاق سراح جميع سجناء الرأي فوراً ودون قيد أو شرط، وضمان إلغاء إداناتهم والأحكام الصادرة بحقهم وإعلان وقف رسمي لجميع الإعدامات وصولاً إلى إلغاء عقوبة الإعدام.
  • المجلس الأعلى للقضاء إلى إدخال إصلاحات جوهرية على المحكمة الجزائية المتخصصة لضمان قدرتها على إجراء محاكمات عادلة، وحماية المتهمين من الاعتقال التعسفي والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والإشراف على جلسات محاكمة عادلة بشأن التعويض المناسب على جميع ضحايا التعذيب وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها المسؤولون الرسميون، أو أولئك الذين يتصرفون نيابةً عنهم.
  • النيابة العامة إلى أن تعمل دون إبطاء على ضمان مقاضاة جميع الذين تتوفر أدلة مقبولة بشكل كافٍ على مسؤوليتهم عن التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وذلك بناءً على تهم جنائية في محاكمات عادلة، وإصدار أحكام عليهم – في حال إدانتهم – تتناسب مع خطورة الجرم بدون اللجوء إلى عقوبة الإعدام.
  • مجلس الوزراء إلى إنشاء لجنة تحقيق مستقلة في استخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة من جانب المديرية العامة للمباحث وغيرها من الجهات الرسمية، وإلى إلغاء نظام جرائم الإرهاب ونظام مكافحة جرائم المعلوماتية أو تعديلهما لكي يتوافقا مع القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وضمان عدم إنزال عقوبة الإعدام بأي شخص يقل عمره عن 18 عاماً عند ارتكاب الجرم المزعوم.
  • الحلفاء الاستراتيجيين للمملكة العربية السعودية إلى حث الحكومة السعودية على الاحترام التام لقانون ومعايير حقوق الإنسان ومراعاتها.
  • مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة إلى وضع آلية مراقبة لأوضاع حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية.