اللاجئ السابق الذي أنقذ أفراداً من عائلته في أحد شواطئ اليونان

غياث الجندي هرب من سوريا إلى المملكة المتحدة قبل 18 عاماً. إنه واحد من بين آلاف من المتطوعين الذين نذروا أنفسهم لمساعدة اللاجئين الذين أخذوا يصلون إلى اليونان منذ السنة الماضية. لكنه لم يتوقع أن ينقذ ذات يوم أفراداً من عائلته كانوا على متن زورق مطاطي.

عندما سافرت جواً إلى جزيرة ليسفوس في اليونان، لم تكن عندي أدنى فكرة أن أفراداً من عائلتي سيصلون أيضاً مع اللاجئين على متن زورق مطاطي. لقد كان الأمر محض صدفة.

لقد كان ذلك اليوم من شهر ديسمبر/كانون الأول يوماً مشمساً، ومشرقاً، لكن الجو كان بارداً جداً. انتابني أغرب شعور في حياتي في ذلك اليوم. لقد كانت لحظة بالغة الصعوبة، ولم أكن أرغب في حدوثها على الإطلاق.

لم يكن أي شخص يرغب في مغادرة سوريا. نحن من طرطوس، وهي مدينة جميلة تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط. سُجِنت وعُذِّبت لمدة أربع سنوات بسبب مزاولتي نشاطي الصحفي وعملي في مجال حقوق الإنسان. ولهذا اضطررت لكي أغادر سوريا إلى المملكة المتحدة في عام 1999.

كان أخي صافي يدير محلاً لبيع الهواتف المحمولة في طرطوس حتى السنة الماضية، عندما أطلق شخص النار باتجاه المحل. وعندئذ أصبح البقاء هناك محفوفاً بالمخاطر الحقيقية. كان ابن أخى، مازن، يحاول التهرب من التجنيد الإجباري في الجيش السوري. ولهذا، فر إلى لبنان برفقة آخرين، ومن هناك انتقلوا بعد أيام قليلة إلى تركيا.

ثم تلقيت رسالة مفادها بأنهم دفعوا مالاً لأحد الأشخاص مقابل نقلهم إلى جزيرة ليسفوس في اليونان. بذلت جهدي لكي أُجنِّبهم مخاطر هذه الرحلة البحرية على متن القارب- كنت على استعداد لاقتراض بعض المال من أجل إبقائهم في تركيا. لكنهم اتخذوا قراراً مختلفاً، ولهذا كنت بطبيعة الحال على استعداد لمساعدتهم.

وهكذا قلت لهم ألا يسافروا خلال الليل لأنه لو حصلت حادثة، فإنهم سيكونون معرضين للغرق على الأرجح. وأن يرتدوا معاطف واقية من المطر وأكياساً بلاستيكية في أرجلهم لأن معظم سترات النجاة غير حقيقية. 

وقلت لهم أيضاً ألا يصرخوا لأن الصراخ يخيف الأطفال.

لم يدرك غياث إلا بعد انقضاء عملية الإنقاذ أن الطفلة الصغيرة سيرين التي كانت تقف أمامه هي ابنة أخيه البالغة من العمر ثلاث سنوات. 
© Private
لم يدرك غياث إلا بعد انقضاء عملية الإنقاذ أن الطفلة الصغيرة سيرين التي كانت تقف أمامه هي ابنة أخيه البالغة من العمر ثلاث سنوات. © Private

التئام الشمل بعد 17 عاماً

كنت أعرف بالضبط المكان الذي سوف يصلون إليه لأنهم أخبروني بهذه المعلومات عن طريق الواتس آب. استغرقت الرحلة من الساحل التركي إلى جزيرة ليسفوس ساعة و50 دقيقة. عندما كنت أنتظر وصولهم، كأنني كنت في مكان آخر أي كأنني أعيش في فقاعة.

انزلقت على ظهري إلى أسفل التل حيث كان من المقرر أن تلقي الأمواج القارب الذي يقل أخي وباقي الركاب. كان المكان صعباً جداً؛ لقد كانت يداي مليئتين بالشوك والدماء.

الشخص الوحيد الذي تعرفت عليه هو صافي بالرغم من أننا لم نلتق لمدة 18 عاماً. زوجته نينا كانت تبكي لأنها اعتقدت أن ابنتها قد لقيت حتفها بعدما داس بعض اللاجئين على بطن رضيعتها من شدة الخوف. زملائي الأطباء فحصوها واكتشفوا أن قلبها كان يخفق. التقطت عدة أطفال كانوا على متن القارب، بمن فيهم ابنة أخي، سيرين. لم أتعرف عليها حتى وقت لاحق.

ذهبنا باتجاه المعكسر الرسمي، موريا، بغية تسجيلهم لكنه كان غاصاً باللاجئين: كان الناس نائمين في الخارج، وكان الجو بارداً جداً. كان علي أن أتدبر مسألة الإيجار بالنسبة إلى عائلتي؛ إذ لم يكن مسموحاً للاجئين السكن في الفنادق أو ركوب سيارات الأجرة. عرض أحد اليونانيين عليهم غرفة لقضاء الليل.

أخذتهم لتناول وجبة العشاء ثم عدت لحضور نوبتي الليلية. كانت الصدمة بادية علي، وقضيت الليل في إفراغ القوارب من ركابها.

سافر أفراد عائلتي إلى ألمانيا حيث حصلوا على الإقامة هناك. يستعدون للذهاب إلى مدرسة لتعلم اللغة الألمانية، كما ينتظرون مقعداً في حضانة من أجل الابنة الصغيرة. السكان المحليون يعاملونهم بمنتهى اللطف: إنها معاملة تفيض بالإيجابية على نحو مدهش. قالت لي زوجة أخي: ” أشعر بأن الناس يعاملونني الآن كإنسان.” لقد أنجبت ولداً في صحة جيدة.

غياث (وسط) وعائلته، التئم شملهم بعد 18 عاماً من الفرقة ورحلة بحرية محفوفة بالمخاطر من تركيا إلى جزيرة ليسفوس في اليونان في ديسمبر/كانون الأول 2015. © Private
غياث (وسط) وعائلته، التئم شملهم بعد 18 عاماً من الفرقة ورحلة بحرية محفوفة بالمخاطر من تركيا إلى جزيرة ليسفوس في اليونان في ديسمبر/كانون الأول 2015. © Private

أصعب شيء أن يكون المرء لاجئاً

أصعب شيء عندما يكون المرء لاجئاً هو أن يجعلك الناس تشعر بأنك غير مرغوب فيه، وكأنك أتيت لتأخذ أموالهم. لم يضطر هؤلاء الناس إلى ترك بلدهم من أجل الحصول على فرص عمل.

ذات مرة، أنقذت طفلاً صغيراً يبلغ من العمر 6 أيام فقط كان يرتعش من شدة البرد. سألت أمه التي كانت صغيرة جداً لماذا جاءت بمفردها؟ أجابت قائلة: “قصفتنا طائرة وقُتِل عدة أشخاص. ولهذا، أخذت رضيعي وتوجهت إلى المركب على أمل أن أنجو.” اختفى زوجها عندما كانت حاملاً في شهرها الثالث، وقُتِل أقاربها، ما العمل إذن؟

إنها أيقونتي. إنها في السويد الآن، إنها لا تزال تعيش في مخيم، لكنها ورضيعها يعيشان في أمان. عندما أسألها كيف تشعر الآن، تجيب قائلة: “أنا سعيدة. ليس هناك براميل متفجرة.”

أخبرني العديد من اللاجئين أنهم لن يقبلوا البقاء في أوروبا يوماً واحداً إذا كان هناك وقف لإطلاق النار في سوريا. الهروب من سوريا هو الحل الوحيد للبقاء على قيد الحياة.

الترحيب بنا هو الذي يحدث الفرق الحقيقي

الوضع في اليونان أسوأ بكثير الآن مقارنة بالوقت الذي جاءت فيه أسرتي إلى البلد. في مارس/ آذار، أصبح مركز موريا مركز اعتقال مغلق بسبب الاتفاق الجديد بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، والذي يهدد بإعادة المهاجرين واللاجئين إلى تركيا أي من حيث أتوا.

الناس عالقون في مختلف أنحاء البر اليوناني، في ظروف عصيبة ولا يتلقون سوى دعم محدود. عندما تطوعت في الآونة الأخيرة في أثينا، شاهدت رُضَّعاً لا تتجاوز أعمارهم ثلاثة أيام يُرسلون من المستشفى ليعيشوا في مخيمات في ظل حرارة رهيبة. هناك حالة حقيقية من اليأس.

المتطوعون والنشطاء هم الذين يحدثون الفرق الحقيقي خلال هذه الأزمة. 90% منا يتكفلون بنفقاتهم الخاصة. لم أشعر بالخوف، كما لم أر لاجئاً عدوانياً: إنهم يعرفون أننا هنا لمساعدتهم.

عندما يكون الناس مُرحَّباً بهم، فإنهم يشعرون بالأمل- إنهم يحتاجون إلى هذا الأمل أكثر من أي شيء آخر. إنهم يحتاجون إلى الاستقرار، وأن لا يشعروا بأنهم مصدر إزعاج بالنسبة إلى الآخرين خلال مسعاهم نحو الاستقرار. إن الشعور بالترحيب يعيد لهؤلاء الناس إنسانيتهم وكرامتهم.

ولهذا السبب، فإن الحلول مثل إعادة التوطين تبقى بالغة الأهمية. لا يمكن أن نترك الناس يخوضون رحلات محفوفة بمخاطر جمة برفقة أبنائهم في قوارب، في أيدي مهربين سيئين، أو يَعلَقون لعقود في أماكن مثل كينيا أو باكستان.

بالنسبة إلى هؤلاء اللاجئين جميعاً، فإن القدرة على السفر بشكل آمن وقانوني إلى بلد يوفر لهم الحماية يعني منح أطفالهم فرص المستقبل. عندما تكون أباً أو أماً، لا ترغب في أن يولد أبناؤك في حيرة بحيث لا تستطيع اتخاذ قرارات مصيرية بشأن مستقبلهم- إنك ترغب في أن يذهبوا إلى المدرسة، وأن يشعروا بالأمان والاستقرار.

توفير الحماية للاجئين ليس هبة تُمنح لهم وإنما حق من حقوق الإنسان. ينبغي أن نطالب حكوماتنا بالعمل معا من أجل إيجاد حلول لهذه المشكلة الآن.