استمرارالإجراءات القمعية رغم وجود أسباب للتفاؤل في شرق آسيا

شاب عام حقوق الإنسان هذا، في إقليم شرق آسيا، تدابير قمعية تبعث على القلق، من قبيل انحسار فضاء العمل للمجتمع المدني، وتجدّد الحملات القمعية ضد المحامين وغيرهم من المدافعين عن حقوق الإنسان، وسادت روح من التشاؤم فيما يخص عقوبة الإعدام. وفي المقابل، أثار تزايد الأنشطة المناهضة لظاهرة التحرش الجنسي وما بدا من علامات إيجابية حيال العلاقات الجنسية المثلية في الإقليم، بعض التفاؤل بتحسن الأمور مع الانتقال إلى 2019.

الاعتقالاتالجماعية

شكّلت عمليات الاحتجاز الجماعي في صفوف الأويغور والكازاخيين وغيرهما من الطوائف الإثنية ذات الأغلبية المسلمة في إقليم شينجيانغ أويغور الصيني ذي الحكم الذاتي أحد أكثر التطورات المثيرة للقلق خلال السنة. فقد أرسل ما يصل إلى مليون شخص في دورات لإعادة التأهيل”، حيث يجري احتجاز الأشخاص إلى أجل غير مسمى دون محاكمة، ودون السماح لهم باستشارة محام أو بالطعن في عمليات احتجازهم. وتتضمن حملات “مكافحة الإرهاب” عن طريق التدخلات الحكومية هذه المراقبة الحثيثة والاعتقال التعسفي وإعادة التأهيل العقائدي القسري، وقد استهدف بها أشخاص سافروا إلى خارج البلاد أو اتصلوا بأشخاص خارجها، أو ظهرت عليهم بوادر انتماء ديني أو ثقافي أو سواه مما يمكن أن تشمله شبهة كونه “غير جدير بالثقة”. وقد حجبت عن أفراد عائلات من يجري”إعادة تأهيلهم” أي معلومات تتعلق بمصير أحبائهم، ما يتركهم في أشد الحاجة لتلقي أي ردود، ولكن دون أن يجرؤوا على إثارة الموضوع حتى لا يُستهدفوا هم أنفسهم بمصير مماثل.

وقد شكّل تصعيد الصين المخيف لاضطهاد الأقليات الإثنية محور اهتمام بارز لدى “لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري”. ففي استعراضها للحالة في الصين، في أغسطس/آب، سلطت اللجنة الضوء على تهميش اللغات والثقافات، وشددت على الطبيعة الغامضة والفضفاضة للتعريفات القانونية “للإرهاب” و”التطرف” و”النزعة الانفصالية”، حيث تجمِّد جميع الأنشطة السلمية التي يمكن أن يقوم بها الأويغور والتيبتيون وسواهم، وحتى تعاقبهم عليها. ففي مايو/أيار، على سبيل المثال، حُكم على الناشط اللغوي التيبيتي تاشي وانغتشوك بالسجن خمس سنوات بتهم زائفة تتعلق”بالتحريض على الانفصال”.

لقد تعرضت ني يولان، وهي ناشطة في مجال حقوق السكن في الصين، للإخلاء القسري من منزلها في عام 2017

أشكر الذين كتبوا من أجلي، فإن دعمكم السخي لم يساعدني أنا فحسب، بل ساعد أيضًا الصين على التقدّم في مجال حقوق الإنسان. وأودّ أن اعرب أن خالص امتناني لكم مرة أخرى.

محادثاتالسلام

شكّلت محادثات السلام الجارية بين شمال وجنوب كوريا تطوراً رئيسياً آخر في الإقليم يمكن لنتائجه أن تترك بصمات مهمة على واقع حقوق الإنسان في شبه الجزيرة الكورية. فطوال عقود، استخدم القادة على جانبي شبه الجزيرة الأمن الوطني كذريعة لتبرير فرض القيود التعسفية على الحق في حرية التعبير والرأي والفكر والتنقل. ويمكن لخفض التوتر في الصراع بين الجانبين أن يسهّل التواصل المنتظم بين العائلات التي تم الفصل بين أفرادها والسماح بتخفيف القيود المشددة المفروضة في كوريا الشمالية على تداول المعلومات والتواصل.

إن غياب حقوق الإنسان عن جدول المحادثات بين الرئيس الكوري الجنوبي مون جايإن والرئيس الكوري الشمالي كيم جونغأون يبعث على القلق العميق، رغم الجهود المبذولة للحد من التوترات وخلق فرص إيجابية. فمع تواصل المحادثات، يجب أن يخضع كيم جونغأون والقادة الآخرون لكوريا الشمالية للمساءلة عن الحالة الكارثية لحقوق الإنسان في البلاد، التي تصل في بعض جوانبها إلى جرائم ضد الإنسانية، بحسب وصف إحدى لجان الأمم المتحدة في 2014.

في الصين، لم يشهد العام تغييرات تذكر فيما يتعلق بقمع المدافعين عن حقوق الإنسان. فعقب انقضاء ما يزيد عن ثلاث سنوات على إطلاق الحكومة حملة قمعية واسعة ضد محامي حقوق الإنسان وغيرهم من الناشطين، ما زالت مصائر المحامين وانغ كوانجهانغ ويو وينشينغوغاو جيشينغ طي الكتمان. وثمة بواعث قلق خطيرة بشأن صحة المحامي السجين جيانغ تيانيونغ والناشط دونغ غوانغبينغ، بينما يواجه المدافعان عن حقوق الإنسان هوانغ غي وجين جيانغهوا حكمين بالسجن لفترة طويلة. وجميع هؤلاء يواجهون خطر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.

مواجهةظاهرة التحرش الجنسي

 على الرغم من ضيق فضاء العمل للمجتمع المدني في الصين، فقد شهد العام ومضات من الأمل. فقد شهد الحرم الجامعي للجامعات والفضاء الإلكتروني دعماً قوياً لحركة #MeToo لمناهضة ظاهرة التحرش الجنسي. حيث تزعم يو شين، وهي واحدة من الدعاة القياديين للحركة، حملة طلابية لدعم جهود عمال المصانع المضربين من أجل تشكيل نقابتهم العمالية الخاصة بهم. وعندما حاولت الحكومة إسكات هؤلاء الناشطين أو معاقبتهم، لقيت جهودهم دعماً مدوياً على المواقع الإلكترونية.

ولمست هونغ كونغ الآثار المتزايدة لتراجع الفضاء المتاح للمجتمع المدني أيضاً، حيث تواصل الحكومة استخدام تهم بتعريفات فضفاضة لمحاكمة المحتجين التابعين “لحركة المظلة” لسنة 2014. وتخلق هذه الملاحقات، بالإضافة إلى القرارات الصادرة حديثاً بالاستناد إلى مسوغات تتعلق “بالأمن القومي” لحظر ترخيص حزب سياسي يطالب بالاستقلال، والانتقام من الأشخاص لمناقشتهم مسألة استقلال هونغ كونغ عن البر الصيني، مناخاً يجمد أوصال الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات والانضمام إليها.

استمرار الخوف بالنسبة للكثيرين

 لم يتم تقدم يذكر إزاء وضع حد لعقوبة الإعدام في المنطقة. لكن الصين ما زالت تخفي مدى استخدامها لعقوبة الإعدام خلف دواعي “أسرار الدولة”. وفي منغوليا، يعتزم الرئيس اقتراح تشريع بقصد العودة إلى استخدام عقوبة الإعدام، التي ألغاها برلمان البلاد في 2017. وفي يوليو/تموز، نفذت اليابان سلسلة إعدامات غير مسبوقة، فقامت بشنق 13 شخصاً لتورطهم في هجوم قاتل بغاز السارين في 2015 على إحدى محطات مترو الأنفاق في طوكيو، وقيامهم بأنشطة غير قانونية أخرى. ويخشى أن بعض من الذين أعدموا كانوا قد تقدموا بطلبات لإعادة المحاكمة كانت لا تزال قيد النظر، ما يشكل انتهاكاً لحقهم في محاكمة عادلة. وفي أغسطس/آب، نفذت تايوان أول حكم بالإعدام منذ 2016، رغم إعلان الرئيسة تساي إنغ-وين صراحة عند تسلمها مهام منصبها أن حكومتها تعتزم إلغاء عقوبة الإعدام.

وفي هذا العام، وصل إلى جزيرة جيجو التابعة لكوريا الجنوبية مئات الرجال والنساء والأطفال اليمنيين الفارين من الحرب المدمرة والأزمة الإنسانية في بلادهم، مستفيدين من فرصة دخول السياح دون تأشيرة دخول. إلا أن ردود الكثيرين في كوريا الجنوبية تجاههم اتسمت بالريبة والعداء. فقد شهدت البلاد تصاعداً للهجة المناهضة للأجانب، وحتى أعمال عنف رافقت ردود فعل أفراد من الجمهور يشعرون بحساسيات ثقافية وبالخشية من الآثار الاقتصادية المترتبة على قدوم الأجانب. وعلى عكس ما لقيته التجمعات الأخرى من طالبي اللجوء الذين وصلوا إلى أجزاء أخرى من البلاد من معاملة، حظر على اليمنيين مغادرة الجزيرة طيلة أشهر إلى حين انتهاء الحكومة الكورية من معالجة طلبات لجوئهم، ما حد من فرص هؤلاء في أن يجدوا لأنفسهم سبيلاً لبدء حياة جديدة. وبحلول أكتوبر/تشرين الأول، كان نحو 300 من طالبي اللجوء اليمنيين قد حصلوا على “إذن

إنساني بالإقامة”، ما يعني أن باستطاعتهم السفر إلى مناطق أخرى من كوريا الجنوبية، ولكن يعني أيضاً أن عليهم مغادرة البلاد حالما تنتهي الحرب في اليمن.

بوادرأمل

 شهد إقليم شرق آسيا تطورات إيجابية فيما يتعلق بالاعتراف بحقوق الأزواج المثليين.  ففي يوليو/تموز، أصدرت المحكمة العليا لهونغ كونغ حكماً مفصلياً أكدت فيه أن الحرمان من حقوق الشراكة بين الأزواج المثليين يمكن أن يكون تمييزياً رغم الاستمرار في عدم الاعتراف بالتكافؤ في الزواج هناك. وفي اليابان يتبنى المزيد من البلديات وثائق مكتوبة للاعتراف بالشراكات المثلية، بينما يقدم عدد متزايد من الشركات اليابانية مكتسبات متساوية للأزواج المثليين. ولا يخلو ما يتحقق من تقدم بالنسبة للأشخاص المنتمين إلى مجتمع الميم في الإقليم من تحديات، فلا بد من بذل المزيد للتصدي لما هو قائم من تمييز ووصمة عار تلصق بالمثليين؛ بيد أن الإقليم يشهد علامات متنامية على تقبل اجتماعي أوسع للمساواة في الحقوق، وعلى رفض أكبر لمن يحاولون التراجع عما تحقق وإثارة عدم التسامح. ويتركز الاهتمام حالياً على عمليات استفتاء متضاربة في تايوان ستتضح أبعادها في وقت متأخر من 2018 ويمكن أن تحدد ما إذا كان ما ستقدمه الحكومة مجرد شكل مخفف من الحماية القانونية للأزواج المثليين، أم أنها ستكون أولى الدول الآسيوية التي تعترف بالمساواة في الزواج.