المرأة هي الخاسر الأكبر من اللامساواة
في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، أطلق المنتدى الاقتصادي العالمي نداءً بجعل العام 2018 عام “ازدهار المرأة“، حاثاً حكومات العالم على النهوض بمشاركة المرأة في القوى العاملة حتى يصبح نصيبها منها مساوياً لنصيب الرجل.
ولكن قبل ذلك بشهرين، أي في نوفمبر/تشرين الثاني2017 ، كان المنتدى نفسه قد أشار إلى أن سد الفجوة الاقتصادية بين الجنسين سوف يستغرق 217 عاماً.
وقبل ذلك بنحو ثلاثة أعوام، أي في عام 2015وفي أعقاب ما قامت به المجموعات النسائية – ومنظمات التنمية وحقوق الإنسان من الحملات والجهود المتضافرة – فرضت الحكومات على نفسها التزاماً سياسياً بتحقيق المساواة بين الجنسين بحلول عام2030 ، في إطار أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة.
وهناك تباين صارخ بين الالتزام بتحقيق المساواة بين الجنسين في غضون 12 عاماً – بما في ذلك المساواة بين الرجل والمرأة في حق الحصول على الموارد الاقتصادية – والتكهن بأن يستغرق بلوغ هذه الغاية في واقع الأمر أكثر من قرنين من الزمان.
يبلغ التباين في الأجور بين الجنسين حالياً 23 %
الحواجزأمام تحقيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة
هناك حواجز موثقة بالدراسات والأبحاث تحول دون تمتع المرأة بحقوقها الاقتصادية والاجتماعية؛ فقد ذكرت الأمم المتحدة أن النساء لا يملكن سوى 12.8 % من الأراضي الزراعية في العالم، ويُعَدُّ الافتقار إلى ضمان الحيازة من أكبر العوائق التي تحول دون إحقاق حق المرأة في الغذاء والعمل والمسكن في المناطق الريفية والحضرية. وكثيراً ما تكون قوانين الميراث والأحوال الشخصية والملكية التي تنطوي على التمييز عقبةً تحد من قدرة المرأة على اكتراء أو امتلاك أو تسجيل الأراضي أو العقارات؛ ففي تقرير عن مملكة إسواتيني (سوازيلند سابقاً(، صدر عام 2018 ، أوضحت منظمة العفو الدولية كيف أن النظام التقليدي المعمول به في توزيع الأراضي، الذي يُسمَّى باللغة المحلية “كوخونتا“، والذي بموجبه يمنح شيوخ القبائل الأراضي للرجال عادةً، كثيراً ما ينطوي على غبن للمرأة، وإجحاف بحقوقها. وقد قالت لنا امرأة طردتها السلطات قسراً من بيتها بعد أن هدمته “إن المرأة تكابد صعوبة بالغة في نظام كوخونتا؛ أنتِ بحاجة إلى رجل، وإلا فلن تتمكني من الحصول على الأرض، ولن يسمع صوتك أحد“.
وقد ظلت منظمة العفو الدولية على مدى أكثر من عقد تحث الحكومات على كفالة الحد الأدنى من ضمان الحيازة للجميع، على أن يشمل ذلك الحماية من الطرد القسري، والمضايقة، وغيرها من التهديدات. ولكن ما برحت الحكومات تستحوذ على الأراضي لإقامة مشروعات تجارية كبرى أو لإعادة تطوير المناطق الحضرية على نحو يخل إخلالاً سافراً بالقانون الدولي، ويفضي إلى الطرد القسري للسكان.
ولكن الآثار المترتبة على ذلك تتباين تبايناً عميقاً بحسب نوع الجنس، فهي تجلب على المرأة مزيداً من البؤس والفقر بسبب عدم تمتعها بنفس القدر المتيسر للرجل من الحقوق في ملكية الأراضي والعقارات. وخير مثال على ذلك ما روته نسوة من طائفة سينغوير للسكان الأصليين في كينيا لمنظمة العفو الدولية عما تعرضن له من أعمال الطرد القسري من منطقة غابة إمبوبات في كينيا، الأمر الذي قضى على استقلالهن الذاتي المالي بعد أن حيل بينهن وبين الوصول إلى الغابة والأراضي والمواشي التي كنَّ يعتمدن عليها مصدراً لكسب الرزق، ومقوماً للهوية الثقافية. وقالت إحدى هؤلاء النسوة، ممن لم يتلقين أي تعويضات عما حاق بهن: “أصبحت الآن عالة على آخرين ]استضافوني في منزلهم[؛ بلا أرض، ولا فراش، بل لا أكاد أجد لقمة العيش؛ أسترزق من أعمال مؤقتة في مزارع الناس؛ أصبحت أعيش الآن في فقر مدقع“.
قصورجسيم في حماية حق المرأة في العمل وحقوقها في مكان العمل
يقول البنك الدولي إن البرازيل، ومصر، وفرنسا، والهند، وروسيا، و 99 دولة أخرى لا تزال لديها قوانين تمنع المرأة من العمل في وظائف معينة؛ ومن ثم فإن هناك أكثر من 2.7 مليار امرأة تحرمها قيود قانونية من اختيار نفس الوظائف المتاحة للرجل. وقد خلصت كلية فيلندنغ للصحة العامة، وهي مركز بحثي تابع لجامعة كاليفورنيا، إلى أن 87 دولة فقط تكفل المساواة في الأجور بين الرجل والمرأة في نفس العمل.
وتشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى أن 740 مليون امرأة يقمن بأعمال في قطاع الاقتصاد غير الرسمي الذي يفتقر إلى ضمانات الحماية القانونية، ولا يكاد يتيح للعاملين فيه سبل الاستفادة من أنظمة الضمان الاجتماعي.
أما العاملات في خدمة المنازل فكثيراً ما يجدن أنفسهن في وضع يسهل فيه إهدار حقوقهن؛__وقد قامت منظمة العفو الدولية بحملات في لبنان وقطر ومنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة وإندونيسيا، سلطت فيها الضوء على الأوضاع الهشة لخادمات المنازل، وسهولة تعرضهن لانتهاكات جسيمة لحقوقهن في العمل، وغيرها من حقوقهن الإنسانية، بسبب وجود ثغرات في قوانين العمل أو القصور في تنفيذ هذه القوانين، أو الاثنين معاً. كما تواجه النساء اللاتي يعملن في قطاعات الاقتصاد غير الرسمي وفي العديد من مناطق تجهيز الصادرات حواجز قانونية وعملية تحول دون انضمامهن للنقابات والاتحادات العمالية، وممارسة حقوقهن في التفاوض الجماعي.
وتقول منظمة العمل الدولية إن النساء يشكلن معظم القوى العاملة في قطاعات معينة من سلاسل الإمداد العالمي، مثل قطاع الملابس والبستنة، ولكنهن في الأغلب والأعم يتركزن بنسبة مفرطة في الوظائف المتدنية المنخفضة الأجور. وقد أبرزت الحملات المستمرة لمنظمة العفو الدولية المتعلقة بزيت النخيل والكوبالت في سلاسل التوريد العالمي، تقاعس بعض أغنى شركات العالم عن اتخاذ الإجراءات الكافية لمراعاة حقوق الإنسان في هذا المجال.
وتواجه المساعي المبذولة لسد فجوة الرواتب بين الجنسين تحديات مهمة نشأت عن بعض التغيرات الملحوظة في أنماط التوظيف، من قبيل تزايد نقل الأنشطة التجارية إلى الخارج، والاستعانة بمصادر خارجية في سلاسل التوريد العالمي، وكذلك في قطاعات التوظيف المؤقت القصير الأجل، خاصة حينما تكون مقترنة بانعدام الأمن الوظيفي وتدني الأجور.
ويجب على الحكومات اتخاذ إجراءات عاجلة لتكييف أطر الحقوق العمالية، وسبل تنفيذ القوانين بهدف سد الثغرات الماثلة في حماية حقوق المرأة، سواء حقها في الحصول على العمل أم حقوقها في مكان العمل. ومن واجب الشركات تحديد ومنع ومعالجة كافة المخاطر التي تهدد حقوق العمال وسائر حقوق الإنسان في عملياتها وسلاسل توريدها العالمية. كما يتعين على الحكومات إجراء تحول نموذجي جوهري في النهج المتبع في إسناد المسؤولية القانونية داخل مجموعات الشركات، وضمان تيسر سبل الإنصاف والتعويض لجميع الضحايا.
انخراطالمرأة في أعمال الرعاية والأعمال غير المدفوعة الأجر
لا تزال المرأة تتحمل العبء الأكبر من الأعمال غير المدفوعة الأجر وأعمال الرعاية؛ إذ تشير البيانات التي قامت الأمم المتحدة بتحليلها من 83 بلداً، إلى أن أعمال الرعاية والخدمة المنزلية غير المدفوعة الأجر التي تقوم بها النساء تفوق
ضعف نظيرها من الأعمال التي يقوم بهاالرجال؛ ومن شأن هذا أن يحد من قدرة النساء على اغتنام فرص التعليم والعمل المجزي، وأن يؤثر تأثيراً سلبياً على مدخولهن. وتقول منظمة العمل الدولية إن فجوات التعليم والعمل تضيق تدريجياً بين الرجل والمرأة، ولكن فجوة الأجور بين الجنسين لا تزال أوسع من المتوقع.
كما أن أوجه اللامساواة بين الجنسين في العمل، والعبء الثقيل من أعمال الرعاية والأعمال غير المدفوعة الأجر الواقع على عاتق المرأة، يفضي إلى فجوات في غطاء الحماية الاجتماعية للمرأة. وفضلاً عن ذلك، فإن النساء يشكلن نحو 65 % من الأفراد الذين تزيد أعمارهم عن سن التقاعد، ولا يتقاضون معاشاً تقاعدياً منتظماً. كما أن هناك ما يقارب 750 مليون امرأة لا يتمتعن بالحق القانوني في إجازة أمومة. ومن الضرورة بمكان أن تعترف الحكومات بأعمال الرعاية غير المدفوعة الأجر، وتعمل على الحد منها وإعادة توزيعها بشتى السبل، بما في ذلك الارتقاء بمستوى الخدمات العامة وبرامج الرعاية الاجتماعية.
ومما يزيد من وطأة مظاهر اللامساواة المشار إليها آنفاً ما اتخذته حكومات الكثير من دول العالم من تدابير تقشفية انتكاسية، وتخفيضات في ميزانية الخدمات العامة الأساسية. ففي إسبانيا، على سبيل المثال، أدت التأخيرات في تنفيذ التشريعات الرامية إلى تنظيم الرعاية الطويلة الأجل إلى آثار هائلة على مقدمي الرعاية غير الرسمية، وأغلبهم من النساء. وكذلك كان الأمر في تشاد حيث خلفت التدابير التقشفية آثاراً خطيرة على قطاع الصحة العامة، وقوضت سبل الحصول على الرعاية الصحية الأساسية المتاحة للنساء والفتيات من سكان المناطق الريفية. وكان لهذا آثار خطيرة على الفئات الضعيفة اقتصادياً مثل النساء والفتيات اللاتي يعشن في مناطق ريفية. وقد قالت امرأة حامل في التاسعة والعشرين من عمرها، تقطن في منطقة على بعد 12 كيلومتراً من أقرب مركز صحي، لمنظمة العفو الدولية: “لم آتِ هنا من قبل لأنه لم يكن لدي من المال ما أدفع به ثمن الفحوص الطبية، ولا أشتري به أقراص الحديد، أو أشتري حتى الكتيب …”.
يجبعلى الحكومات ضمان المساواة بين الجنسين
إنه لأمر إيجابي أن نرى أكثر من 100 حكومة قد عمدت إلى تتبع المخصصات المرصودة في ميزانياتها لتحقيق المساواة بين الجنسين؛ ولكن يتعين على الحكومات أن تفعل أكثر من هذا بكثير حتى يتسنى لها إرساء وتقييم وتنفيذ السياسات الضريبية والنقدية الملائمة، مما يضمن تحقيق المساواة المنشودة بين الجنسين. ويشمل هذا تنفيذ سياسات ضريبية تقدمية، والتصدي للتهرب الضريبي، والتدفقات المالية غير المشروعة، وبذلك يتوفر لها المزيد من الموارد المالية اللازمة لإحقاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمرأة.
إذا كانت الحكومات صادقة في عزمها على تحقيق المساواة بين الجنسين، فبمقدورها – بل من واجبها – أن تسعى لسد الثغرات القائمة في الأطر القانونية، وفي تنفيذ القوانين، وفي الإنفاق العام؛ فلا يمكن للمرأة أن تنتظر 200 سنة أخرى!