اللاجئون بحاجة إلى تغيير حقيقي
لم يفلح “الميثاق العالمي بشأن اللاجئين”، الذي بادرت الأمم المتحدة بوضعه، في تحقيق تغيير حقيقي لحوالي 25 مليون لاجئ. ففي يوليو/تموز2018، وبعد 18 شهراً من المشاورات، صدرت النسخة النهائية من “الميثاق”، الذي يهدف إلى تحسين استجابة المجتمع الدولي لحالات التشريد القسري الجماعي، إلا إنها جاءت مخيِّبة للآمال، فهي لا تعدو أن تكون مخططاً مخزياً للتنصُّل من المسؤولية.
ولن يكون من شأن هذا “الميثاق” أن يغيِّر أوضاع اللاجئين من طائفة “الروهينغيا”، الذين وصلوا مؤخراً إلى بنغلاديش، ولا أوضاع جيل من الشبان الصوماليين، الذين وُلدوا في مخيمات اللاجئين في كينيا، أو أوضاع اللاجئين الذين تقطَّعت بهم السُبل وسط ظروف مدمِّرة بلا وضع قانوني محدد على جزيرة ناورو طوال السنوات الخمس الماضية. أما فيما يتعلق بمناطق إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، والتي تأوي حالياً حوالي 31 بالمئة من مجموع اللاجئين في العالم، فلن يوفر “الميثاق” أي نوع من المساعدة.
أصواتاللاجئين تذهب أدراج الرياح
لم يسمع بمحتوى “الميثاق العالمي بشأن اللاجئين” سوى قلة قليلة من اللاجئين في العالم، ولم يتم التشاور معهم بخصوص عملية صياغته أو محتواه، ولم تُتح لهم فرصة المشاركة في مفاوضات إقراره. وقد كان القصد من هذا “الميثاق” أن يكون شاملاً ووافياً وجامعاً لأفضل الممارسات فيما يتعلق باللاجئين، إلا إن الزخم الذي كان يطمح إلى إقرار التزامات محدَّدة وشروط مُلزمة قد قُوِّض خلال الجولات الأولى من المناقشات. فقد خلت مسوَّدة “الميثاق “الأولية” إلى حد كبير من الالتزامات المترتِّبة بموجب قانون حقوق الإنسان وقانون اللاجئين، بل واستُبعدت مبادئ أساسية، مثل مبدأ حظر الإعادة القسرية ومبدأ الحق في طلب اللجوء. كما أُغفلت مسألة تغيُّر المناخ باعتباره سبباً من أسباب التشريد القسري، ولم يُخصص مجال يُذكر لإدراج آراء اللاجئين في نُظم أية آلية. أما ما بقي في النهاية فهو التحيُّز الشديد لمصالح الدول بدلاً من التحيُّز لحقوق اللاجئين.
تخفيضاتشديدة في حصص إعادة التوطين من جانب بعض الدول
إلا إن الأمر الأكثر مدعاة للغضب هو المبادرات التي اتخذتها بعض الدول خارج نطاق المفاوضات بخصوص”الميثاق”، حيث أظهرت إجراءات هذه الدول أنه من غير المحتمل أن تلتزم حتى بالطموحات الهزيلة التي أوصى بها “الميثاق”. فقبل وضع اللمسات الأخيرة على الصياغة النهائية لنص “الميثاق”، أفادت “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” بحدوث انخفاض بمقدار نحو 54 بالمئة في الفرص المُخصَّصة لإعادة التوطين، حيث بلغت 75188 فرصةً مقابل
163206فرص في العام الماضي، وذلك بسبب تخفيض حصص إعادة التوطين التي توفِّرها الدول، وهو أقل كثيراً من عدد الفرص المطلوبة الذي حددته “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” وهو 1,2 مليون فرصة.
فعلى سبيل المثال، خفَّضت حكومة الولايات المتحدة الحصة المُخصَّصة لقبول اللاجئين إلى 45 ألف لاجئ، وهو أدنى مستوى لها منذ إصدار “قانون اللاجئين” المحلي في عام 1980. وتعتزم الولايات المتحدة، على ما يبدو، تخفيض الحصة المذكورة إلى 30 ألف لاجئ في عام 2019. وفي الوقت نفسه، وثَّقت منظمة العفو الدولية ما لحق بالآلاف من طالبي اللجوء من أضرار كارثية لا يمكن إصلاحها، نتيجة سياسات إدارة ترامب المتعلقة بالحدود والهجرة، حيث شملت هذه السياسات فصل الأطفال عن عائلاتهم واحتجاز الأطفال والعائلات، فيما يمثل انتهاكاً للقانون الأمريكي والقانون الدولي على حد سواء.
الإعادةالقسرية
في أوروبا، أعادت بعض الدول قسراً أعداداً متزايدة من الأفغان الذين لم يتمكنوا من الحصول على وضع اللاجئ أو على أية أشكال أخرى من الحماية الدولية، بالرغم من تدهور الموقف الأمني في أفغانستان، وما تضمنته تقارير الأمم المتحدة من وقوع أعداد كبيرة من القتلى في صفوف المدنيين هناك. وقد وثَّقت منظمة العفو الدولية المخاطر التي يتعرض لها اللاجئون العائدون إلى أفغانستان من جراء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والعنف المتفشي. ومع ذلك، فقد شهد عام 2018 ، ترحيل 75 شخصاً قسراً من فنلندا؛ وإعادة 366 شخصاً قسراً من ألمانيا؛ وإعادة حوالي 28 شخصاً قسراً من هولندا؛ وإعادة 15 شخصاً قسراً من النرويج، هذا بالإضافة إلى ترحيل حوالي 10 آلاف أفغاني من أوروبا خلال الفترة ما بين عامي 2015 و 2016.
التنصُّلمن المسؤولية
تقاعست الحكومات الأوروبية أيضاً عن إصلاح قواعد اللجوء، أو الاتفاق على نظام مُوحَّد لتقاسم المسؤولية والتعاون من أجل حماية ومساعدة اللاجئين داخل أوروبا. ونتيجةً لذلك، فما زالت دول المواجهة تتحمل نصيباً غير مُتناسب من المسؤوليات فيما يخص عملية بحث طلبات اللجوء والبتِّ فيها. وعلى الرغم من الانخفاض الكبير في أعداد القادمين إلى أوروبا، فقد واصل الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه المُضي قُدماً في مُمارسات الاستعانة بجهات خارجية، والتي تهدُف إلى إبقاء اللاجئين مشرَّدين بعيداً عن الحدود الأوروبية، مع إلقاء المسؤولية على كاهل الحكومات في إفريقيا وفي أماكن أخرى.
وما زال اللاجئون والمهاجرون العالقون في ليبيا يتحمَّلون القسط الأكبر من عواقب السياسات الأوروبية، التي تدعم السلطات الليبية في إجراءاتها لمنع خروج هؤلاء الأفراد من حدودها، ولاعتراض طريق أولئك الذين يخاطرون بحياتهم آملين في بلوغ بر الأمان والتمتع بحياة أفضل في أوروبا. فخلال فصل الصيف، وردت أنباء تُفيدبأن أكثر من 1200 شخص قد لقوا مصرعهم، أو فُقدوا في البحر الأبيض المتوسط. كما تعرَّض آلاف الأشخاص لاعتراض طريقهم في عرض البحر وأُجبروا على العودة على أعقابهم إلى ليبيا، لكي يواجهوا هناك مخاطر الاعتقال التعسفي، والعنف، والإيذاء، والاستغلال.
وكان من شأن الاتفاق المبرم بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، والذي يُعد نموذجاً بارزاً للتنصُّل من المسؤولية، أن يؤدي إلى بقاء الآلاف من اللاجئين والمهاجرين قابعين في مخيمات مكتظَّة ومُزرية، يشرف عليها الاتحاد الأوروبي، على
الجزر اليونانية. وهناك، تعيش نساء وفتيات عرضةً للخطر على وجه الخصوص، حيث يتعرضن للتحرش، والعنف الجنسي، وغير ذلك من الانتهاكات.
وفي إسرائيل، استهلَّت الحكومة عام 2018 بإعلان الإجراءات الخاصة بها بشأن الترحيل إلى”بلدان أخرى”، وبموجبها تصدر إشعارات ترحيل للرجال السودانيين والإريتريين الذين يعيشون بمفردهم، ممن لم يتقدموا بطلبات للجوء بحلول نهاية عام2017 ، أو رُفضت طلبات اللجوء التي تقدموا بها، على أن يكون الترحيل إما إلى بلدهم الأصلي، أو إلى بلدين آخرين لم يُحدد اسمهما، ولكن من المفهوم عموماً أنهما أوغندا ورواندا. وفيما يتعلق بمن يرفضون المغادرة، فسوف يُحتجزون لحين رضوخهم لتنفيذ ذلك، وإلا فسوف يتم ترحيلهم قسراً. وقد أدت دعاوى قضائية أمام المحاكم إلى وقف تنفيذ تلك الإجراءات، إلا إنها لم تُوقف محاولات إسرائيل للتنصُّل من مسؤوليتها عن أولئك اللاجئين وطالبي اللجوء وإلقاء المسؤولية على عاتق أوغندا التي تأوي بالفعل حوالي 1,3 مليون لاجئ. ويمثل هذا العدد أكبر مجموعة من اللاجئين في إفريقيا، وواحداً من أكبر خمس مجموعات من اللاجئين على مستوى العالم. وتُعتبر تلك الإجراءات انتهاكاً لالتزام إسرائيل القانوني باحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية.
أنشطةشعبية سعياً لإيجاد حلول
في الوقت الذي تتخلَّى فيه الحكومات عن مسؤولياتها، تبرز أهمية الأنشطة الشعبية وأنشطة كسب التأييد. بيد أن الحكومات في
شتى أنحاء العالم تستخدم أساليب متنوعة بصورة متزايدة لعرقلة عمل الشخصيات والمنظمات التي تساعد المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين. وتُعد القوانين الإدارية والجنائية والقوانين الأخرى من بين التدابير التي تُستخدم لردع منْ يقدِّمون مثل تلك المساعدات، وتقييد حركتهم، ومحاكمتهم، ومعاقبتهم. وقد تراوحت هذه التدابير ما بين التحفُّظ على قوارب منظمة غير حكومية مخصصَّة للبحث عن المهاجرين العالقين في البحر الأبيض المتوسط وإنقاذهم، إلى اعتقال صحفي كان يجري تحقيقات صحفية بشأن ما ارتكبته الحكومة الأسترالية من انتهاكات في حق اللاجئين في جزيرة ناورو. وهكذا، أصبحت الأنشطة الساعية إلى الدفاع عن حقوق اللاجئين والمهاجرين محفوفةً بالمخاطر، بل وقد تشكِّل جريمة جنائية.
ومع ذلك، تنصُّ النسخة النهائية من “الميثاق العالمي بشأن اللاجئين” على ضرورة توفير مسارات إضافية للاجئين يمكنهم من خلالها الوصول إلى بلدان أخرى آمنة، مع التوصية بأن تتولى الدول “وضع برامج خاصة أو برامج برعاية مجتمعية كإضافة إلى البرامج المنتظمة لإعادة التوطين، بما في ذلك البرامج المجتمعية”، وهو مطلب طالما دعت إليه منظمة العفو الدولية.
وقد بدأت بعض الدول اتباع هذا النهج في غضون العام. ففي يوليو/تموز، أعلنت كلمن كندا، وبريطانيا، وإسبانيا، والأرجنتين، وأيرلندا، ونيوزيلندا أنها تتبنى مفهوم برامج الرعاية المجتمعية للاجئين، والذي يضع الأفراد والمجتمعات المحلية في صميم عملية تنظيم استقبال عائلات اللاجئين والترحيب بها والعمل على إدماجها في بلدان أخرى. وفي الوقت نفسه، أعلنت نيوزيلندا التزامها بزيادة الحصص المخصَّصة لأماكن اللاجئين من ألف مكان إلى 1500 مكان.
وفي عالم يزداد عدوانية يوماً بعد يوم، قد يكون التضامن والعمل المباشر من جانب المجتمعات والأفراد هو السبيل لتعزيز حق كل إنسان في السعي لإيجاد مأوى له والعيش بكرامة. ولهذا، ينبغي على الحكومات أن تحتفي بنماذج العمل التي انتهجها مواطنوها، وأن تقتدي بهم بدلاً من أن تُهددهم وتستهدفهم. والآن، وبعد أن انتهت المفاوضات، نأمل بأن ينظر عدد أكبر من الحكومات إلى “الميثاق العالمي بشأن اللاجئين” باعتباره نقطة البداية على طريق إحداث تغيير إيجابي، وليس نهاية لذلك الطريق.