لا تزال تُبث صور صادمة في جميع أنحاء العالم لنساء ورجال وأطفال من الروهينغيا يتم إنقاذهم من قوارب متهالكة بعد خوضهم لرحلات بحرية خطيرة.
ووفقاً لما ورد من أنباء، لا يزال المزيد من القوارب – التي تحمل مئات آخرين من الروهينغيا – عالقة في البحر، وفي حاجة ماسة إلى لعملية الإنقاذ. ولا يوجد مكان لإنزال هذه القوارب، حيث تتجاهل البلدان الالتزامات الدولية بالسماح بإنزالها بأمان، متذرّعة بالقيود المفروضة بسبب تفشي وباء كوفيد – 19.
وتزيد هذه السياسات من خطر تكرار الأخطاء الخطيرة التي وقعت في عام 2015، عندما تركت عملية تفكيك شبكات الاتجار بالبشر، آلاف الروهينغيا عالقين في مياه جنوب شرق آسيا، مع احتمال فقدان المئات لحياتهم.
وهنا، توضح منظمة العفو الدولية سبب استمرار الروهينغيا في المخاطرة بكل شيء للفرار من مخيمات اللاجئين المزدحمة في بنغلاديش، وظروف الفصل العنصري في ميانمار.
نوضح أيضًا كيف يمكن لدول المنطقة أن تساعد، ولماذا لا يجب إعادة الروهينغيا إلى ميانمار.
من هم الروهينغيا؟
الروهينغيا هم أقلية عرقية في ميانمار، أغلبيتها من المسلمين. وحتى فترة متأخرة كان ما يزيد على مليون شخص منهم يعيشون في ولاية أراكان في غرب البلاد قرب الحدود مع بنغلاديش.
وقد أُلغيت وثائق إقامتهم جميعاً تقريباً، وليس لديهم أي مطالبة معقولة بالحصول على وثيقة إقامة في أي بلد آخر. وتصرُّ ميانمار على أنه لا توجد هكذا جماعة في البلاد، وبدلاً من ذلك تزعم أن هؤلاء الناس “مهاجرون غير شرعيين” من بنغلاديش. وإن رفضها الاعتراف بهم كمواطنين، يجعل أغلبيتهم عديمي الجنسيةً.
وكان لافتقارهم إلى وثائق الإقامة عدد من الآثار السلبية للغاية على حياتهم، وسمح للسلطات في ميانمار بتقييد حريتهم في التنقل تقييداً شديداً، مما أدى فعلياً إلى فصلهم عن بقية المجتمع. ونتيجة لذلك، فإنهم يكابدون من أجل الحصول على الرعاية الصحية والوظائف والالتحاق بالمدارس. إن هذا التمييز المجحف الممنهج يصل إلى حد نظام الفصل العنصري “الأبارتايد”، الذي يشكِّل جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي.
كيف انتهى المطاف بهذا العدد الكبير من الروهينغيا كلاجئين في بنغلاديش؟
منذ أغسطس/آب عام 2017، فرَّ ما يزيد على 740 ألف شخص من الروهينغيا من منازلهم في ولاية أراكان شمال ميانمار، وذلك في أعقاب إطلاق الجيش حملة عنف وحشية ضدهم.
وخلال تلك الحملة التي جاءت رداً على هجمات منسقة على مراكز أمنية شنَّتها جماعة مسلحة تُدعى “جيش إنقاذ روهينغيا أراكان” (أرسا) في 25 أغسطس/آب 2017، قام أفراد قوات الأمن بقتل آلاف الروهينغيا، واغتصبوا النساء والفتيات، واقتادوا الرجال والصِّبية إلى مراكز احتجاز تعرَّضوا فيها للتعذيب، وأحرقوا آلاف المنازل والقرى عن بكرة أبيها، فيما بدا واضحاً أنها جرائم ضد الإنسانية.
وخلُصت بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة إلى نتيجة مفادها أن تلك الجرائم ربما تشكل جرائم إبادة جماعية. وفي السنوات التي تلت الحملة، واصل الروهينغيا الفرار عبر الحدود، بأعداد أقل، هرباً من الاضطهاد، وتصاعد النزاع المسلح في ولاية أراكان. في أكتوبر/تشرين الأول 2018، قال أحد ممثلي بعثة تقصي الحقائق “إنها إبادة جماعية مستمرة” في ميانمار.
وفي حين أن الأزمة، في ولاية أراكان منذ أغسطس/آب، تعتبر أزمة غير مسبوقة في حجم عمليات النزوح، فإنها ليست المرة الأولى التي يتعرَّض فيها الروهينغيا لعمليات طرد عنيفة من منازلهم وقراهم وبلدهم على أيدي دولة ميانمار. ففي أواخر السبعينيات، وأيضاً مطلع التسعينيات، من القرن المنصرم أُرغم مئات الآلاف على الفرار من بنغلاديش إثر الحملات العسكرية القمعية الكبرى التي صاحبتها انتهاكات لحقوق الإنسان على نطاق واسع.
وفي الآونة الأخيرة، في 2016 – فيما اعتبره الكثيرون مقدمة لعنف 2017 – أُجبر ما يقرب من 90 ألف من الروهينغيا على الفرار إلى بنغلاديش بعد أن ردت قوات الأمن في ميانمار على الهجمات التي شنها جيش إنقاذ روهينغيا أراكان على مراكز الشرطة. واستهدفت حملة العنف المجتمع ككل. وفي ذلك الوقت خلُصت منظمة العفو الدولية إلى نتيجة مفادها أن تلك الأفعال ربما تصل إلى حد الجرائم ضد الإنسانية.
واليوم، تشير التقديرات إلى أن عدد اللاجئين الروهينغيا في بنغلاديش يبلغ نحو مليون لاجئ.
لماذا لا يزال الروهينغيا يفرون على متن القوارب؟
لقد بذل الروهينغيا – الذين يعيشون في ظروف الفصل العنصري في ميانمار ومقيدين بانعدام فرص كسب الرزق في مخيمات اللاجئين في بنغلاديش – محاولات للوصول إلى ماليزيا وتايلند وإندونيسيا وبلدان أخرى. ونظراً لافتقارهم إلى التأشيرات، ووثائق السفر، والقيود الصارمة على التنقل التي تجعل الاتصالات البرية شبه مستحيلة، فهي غالباً ما تكون الخيار الوحيد.
وفي الوقت الذي استضافت فيه حكومة بنغلاديش اللاجئين استضافة تستم بالكرم، إلا أنها لم تمنح الأغلبية صفة اللاجئين – مما تركهم بدون صفة قانونية على جانبيْ الحدود. وبنغلاديش ليست دولة طرف في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين أو بروتوكولها لعام 1967.
وفي بنغلاديش، يتم حشر الروهينغيا في مآوٍ بالية مصنوعة من القماش المشمع الهش والخيزران. وخلال موسم الرياح الموسمية المرتقب في يونيو/حزيران، قد تتعرض العديد من المنازل لأضرار بالغة كما في السنوات السابقة. ومنطقة كوكس بازار، حيث يوجد معظم اللاجئين الروهينغيا، عرضة للانهيارات الأرضية والفيضانات. وسيجعل الإعصار خلال هذه الفترة الوضع أشد سوءاً. والمخيمات مكتظة للغاية، بكثافة 40 ألف شخص لكل كيلومتر مربع. والمنطقة التي لجأ إليها معظم اللاجئين الروهينغيا واسعة إلى الحد الذي يمكن اعتبارها المدينة الرابعة من حيث الحجم في بنغلاديش، ويبلغ عدد سكانها حوالي مليون نسمة، بمن فيهم أفراد المجتمع المحلي المضيف.
فرضت السلطات البنغلاديشية عمليات إغلاق شاملة على الإنترنت على مخيمات اللاجئين، مما جعل المجتمع المحلي معزولاً بشكل متزايد، وغير قادر على الوصول إلى معلومات حاسمة حول كيفية حماية أنفسهم في هذا الوباء، حتى في الوقت الذي يهدد فيه وباء فيروس كوفيد -19 بقتل العديد من الناس في الأحياء الضيقة من المخيمات بعد اكتشاف الحالة الأولى هناك هذا الشهر.
كيف يمكننا مساعدة الروهينغيا العالقين في البحر؟
يجب على حكومات جنوب وجنوب شرق آسيا إطلاق عمليات البحث والإنقاذ فوراً من أجل الروهينغيا الذين تقطعت بهم السبل في البحر، وجلب الطعام والأدوية والسماح بالنزول الآمن. ويجب على السلطات ألا تعيد القوارب قسراً. ولا ينبغي أن تكون عملية التصدي لوباء فيروس كوفيد – 19 ذريعة لمنع الروهينغيا من الهبوط بأمان وطلب اللجوء.
ويجب على السلطات ضمان وصول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بشكل كامل ودون عوائق، إلى أولئك الذين يصلون بالقوارب. لا ينبغي ألا يمر الروهينغيا بأي ضائقة أكثر مما مروا به بالفعل، باستثناء وقتهم المطلوب قضاؤه في الحجر الصحي والعلاج الطبي الذي تديره الوكالات الإنسانية.
ويجب على حكومتيْ بنغلاديش وميانمار احترام التزامهما بالعودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين الروهينغيا. كما يجب على كلتا الحكومتين ضمان تمكين اللاجئين في بنغلاديش من الاختيار الحر والمستنير المتعلق بالعودة إلى ميانمار، وذلك بناء على توفير معلومات كاملة ومحايدة بشأن الأوضاع في ولاية اراكان، ومساعدتهم على البقاء في بنغلاديش إذا أرادوا ذلك.
كما يجب على كلتا الحكومتين ضمان التشاور مع الروهينغيا وإشراكهم في جميع القرارات التي تؤثر على مستقبلهم. وفي الوقت الراهن لا يحظى الروهينغيا بمقعد حول طاولة البحث، وتُتخذ القرارات المتعلقة بمستقبلهم بدون علمهم، وبالتالي بدون موافقتهم.
في وقت سابق من هذا الشهر، تم نقل الروهينغيا الذين أنقذتهم سلطات بنغلاديش إلى باشان شار، وهي جزيرة نائية قبالة الساحل بالقرب من العديد من مخيمات الروهينغيا للاجئين. وقالت السلطات إنهم لا يزالون في الحجر الصحي. وثمة العديد من بواعث القلق بشأن المرافق في باشان شار- بما في ذلك قدرة الجزيرة على تحمل الأعاصير المدمرة، وهو تهديد مستمر في بنغلاديش. والأهم من ذلك أن التقييم التقني للجزيرة من جانب الامم المتحدة لا يزال معلقاً لتحديد مدى إمكانية السكن هناك. ومن الأهمية بمكان ألا يظل الروهينغيا في الجزيرة ضد إرادتهم.
ويجب على السلطات أيضاً السماح بالتدفق الحر للمعلومات في كل من المخيمات المكتظة في بنغلاديش، وفي أجزاء من ولايتي أراكان الشمالية وجنوب ولاية شين حيث يتم حظر الإنترنت حاليًا ، بحيث يكون الروهينغيا على دراية تامة بالإجراءات اللازمة للتصدي للوباء، وكيفية حماية أنفسهم وأفراد أسرهم.
فضلاً عن الوصول إلى الإنترنت، يجب اتخاذ إجراءات تستهدف حماية اللاجئين الأكبر سنًا، حيث لا يتوفر للعديد منهم الوصول إلى الهواتف الذكية. وبالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة ملحة للحصول على المياه النظيفة والصابون والمساعدة بتطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي لجميع اللاجئين لضمان الحق في الصحة بالكامل في ظل انتشار الوباء.
ويجب على المجتمع الدولي أيضًا بذل المزيد من الجهد لدعم بنغلاديش، وتقاسم المسؤولية والعبء المالي لاستضافة ما يقرب من مليون لاجئ، في وقت يعاني فيه اقتصادها بالفعل من ضغوط من التباطؤ العالمي المرتبط بالوباء. وأخيراً، من حق اللاجئين الروهينغيا الاستمرار في طلب اللجوء في بنغلاديش، ويجب على الدول أن تُبقي على حدودها مفتوحة للاجئين الذين يفرُّون الآن أو سيفرُّون في المستقبل.
هل من الآمن عودة الروهينغيا إلى ميانمار؟
يواجه الروهينغيا خطر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في ميانمار. يحظر القانون الدولي – ولا سيما مبدأ عدم الإعادة القسرية – على الدول إعادة الأشخاص إلى مكان قد تتعرض فيه حياتهم أو حرياتهم لخطر جسيم.
في الواقع، ذكرت الأمم المتحدة مرارًا وتكرارًا أن الظروف في ميانمار ليست مواتية للعودة. فقد تدهورت الأوضاع في ميانمار بشكل أكبر بعد تصاعد القتال بين جيش أراكان – وهي جماعة مسلحة منفصلة تدعو إلى مزيد من الحكم الذاتي للبوذيين من أراكان – وجيش ميانمار في يناير/كانون الثاني 2019.
إن للروهينغيا حقاً إنسانياً غير قابل للانتقاص في العودة إلى ميانمار والإقامة فيها – فهي موطنهم، ويجب السماح لهم بالعودة إذا كان ذلك بمحض اختيارهم. ولكن الحكومات يجب ألا تقوم بتنظيم عودتهم ما لم تكفل سلامتهم، وأن تكون عودتهم طوعية ومستدامة وكريمة.
وكجزء من هذا، يجب تفكيك النظام الراسخ للتمييز المجحف والفصل الذي جعل الروهينغيا يفرون في المقام الأول. إن العودة الآمنة والكريمة تعني ضمان أنه بمجرد عودتهم، يمكنهم أن يتمتعوا بحقوق متساوية والمواطنة، وأن تتوقف الانتهاكات المنتظمة والمنهجية لحقوق الإنسان – بما في ذلك الجرائم بموجب القانون الدولي.
وتقتضي العودة الآمنة والكريمة بإخضاع الأشخاص المسؤولين عن الانتهاكات المروعة التي ارتُكبت ضد الروهينغيا للمساءلة. وكما هو واضح، فإن جميع مرتكبي الانتهاكات تقريباً مازالوا طُلقاء، ويفلتون من قبضة العدالة، ويحتفظون بمناصبهم في السلطة التي تمكِّنهم من اقتراف المزيد من الانتهاكات. ولا يمكن ترك الروهينغيا يعيشون في خوف من موجة جديدة من العنف، إذا نجوا، ستدفعهم إلى عبور الحدود مرة أخرى.
في يناير/كانون الثاني 2020 ، أمرت محكمة العدل الدولية ميانمار باتخاذ “إجراءات مؤقتة” لمنع أعمال الإبادة الجماعية ضد مجتمع الروهينغيا بعد أن رفعت غامبيا قضية تتهم ميانمار بخرق التزاماتها بموجب اتفاقية منع ومعاقبة الإبادة الجماعية لعام 1948. ولم تفعل سلطات ميانمار شيئاً يُذكر للامتثال للأمر حتى الآن.
ومع ذلك، فليس للمحكمة اختصاص لمحاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب انتهاكات ضد الروهينغيا، وضد الأقليات الأخرى في ولايات أراكان وكاشين وشمال شان. لذلك، يجب على مجلس الأمن الدولي إحالة الوضع في ميانمار إلى المحكمة الجنائية الدولية