ميانمار: إعادة الروهينغيا ستكون “كارثية” في ظل الظروف القائمة في شمال ولاية راخين

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن مجتمعات الروهينغيا في شمال ولاية راخين في ميانمار تواجه العمل القسري، وأزمات غذائية وصحية، وقيودًا قاسية على حرية التنقل، وتصاعد النزاع المسلح، محذّرةً من تبني قرارات متسرعة بشكل خطير بشأن إعادة اللاجئين من بنغلاديش.

وستعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم مؤتمر رفيع المستوى  بشأن وضع مسلمي الروهينغيا والأقليات الأخرى في ميانمار. ويهدف المؤتمر إلى صياغة خطة لعودة أكثر من مليون لاجئ من الروهينغيا يقيمون في بنغلاديش إلى موطنهم في ميانمار، بعدما أجبر جيش ميانمار معظمهم بعنف على الفرار بين عامي 2016 و2017.

أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع 15 لاجئًا من الروهينغيا وصلوا إلى بنغلاديش خلال العام الماضي، وكان آخر وصول في يوليو/تموز 2025. جاء اللاجئون من بلدتي مونغداو وبوثيدونغ، اللتين انتزعهما جيش أراكان من جيش ميانمار في 2024. كما تحدثت المنظمة مع موظفي وكالات تابعة للأمم المتحدة، ودبلوماسيين، وباحثين، ومنظمات إنسانية دولية.

والتقت منظمة العفو الدولية مع ممثلين عن الجناحين السياسي والإنساني لجيش أراكان: الرابطة المتحدة لأراكان (ULA) ومكتب التنسيق الإنساني والتنموي (HDCO).

وقال جو فريمان، الباحث المعني بشؤون ميانمار في منظمة العفو الدولية: “إن الظروف الراهنة في شمال ولاية راخين بعيدة كل البعد عن الجاهزية اللازمة لعودة الروهينغيا بشكل آمن. فجيش أراكان، بالنسبة للكثير من الروهينغيا، حل محل جيش ميانمار كقوة قمعية. يستخدم جيش ميانمار المدنيين الروهينغيا كدروع بشرية في قتاله ضد جيش أراكان، وتشن جماعات مسلحة من الروهينغيا هجمات جديدة في المنطقة. كما زاد التقليص الكبير في المساعدات الأمريكية من تفاقم الأزمة الإنسانية حيث شحّت الموارد وارتفعت الأسعار بشكل حاد.

ورغم أهمية تسليط الضوء على المستوى الدولي على أزمة الروهينغيا من خلال مؤتمر اليوم، فإن أي محاولة للمضي قدمًا في عملية إعادة اللاجئين بدون معالجة المخاطر الجسيمة التي تواجه كافة المجتمعات -الروهينغيا والراخين والأقليات الإثنية الأخرى في بنغلاديش وميانمار- ستكون كارثية.

“هذا ليس بلدكم”

تخضع شمال ولاية راخين، المحاذية لبنغلاديش، حاليًا لسيطرة جيش أراكان، بينما يسيطر جيش ميانمار على سيتوي عاصمة الولاية، وهي نقطة رئيسية لدخول المساعدات والتنقل.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، شن جيش أراكان، المتحالف بشكل فضفاض مع جماعات مسلحة معارضة أخرى تقاتل جيش ميانمار منذ انقلاب 2021، هجومًا أخرج الجيش من معظم المناطق الشمالية للولاية. وبات يسيطر فعليًا على الحدود مع بنغلاديش.

لطالما استغل جيش ميانمار التوترات الإثنية في ولاية راخين بين السكان البوذيين من إثنية الراخين وبين السكان المسلمين من الروهينغيا، فعمل مع جماعات الروهينغيا المسلحة وجند قسرًا مدنيين من الروهينغيا للقتال ضد جيش أراكان البوذي.

بسبب النزاع، وجد المدنيون من الروهينغيا والراخين أنفسهم عالقين بين جيش أراكان وجيش ميانمار، الذي منع وصول المساعدات الإنسانية القادمة من العاصمة سيتوي، وشن غارات جوية عشوائية قاتلة. ففي وقت سابق من هذا الشهر، قُتل ما لا يقل عن 19 طالبًا من إثنية الراخين أثناء نومهم إثر إحدى تلك الغارات الجوية. 

مئات الآلاف من الروهينغيا هم من النازحين داخليًا، فيما فر أكثر من 150,000 من رجال ونساء وأطفال الروهينغيا إلى المخيمات عبر الحدود في بنغلاديش خلال الأشهر العشرين الماضية، ليصل العدد الإجمالي للاجئين إلى نحو 1.2 مليون شخص، وفقًا للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

ووثّقت منظمة العفو الدولية ومنظمات أخرى انتهاكات للقانون الدولي الإنساني واعتداءات متزايدة على المدنيين ارتكبها جيش أراكان، بما في ذلك هجمات عشوائية وعمليات احتجاز تعسفية.

بالنسبة للمدنيين الروهينغيا، تبدو الحياة تحت حكم جيش أراكان مشابهة لألم العيش سابقًا تحت حكم جيش ميانمار. ويزعم العديد منهم أنها أسوأ، إذ يوضعون دومًا في دائرة الشك بارتباطهم بجماعات مسلحة من الروهينغيا. وأفاد تقرير للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في 2 سبتمبر/أيلول أن “القيود على حقوق وحريات الروهينغيا التي فرضتها الحكومات السابقة لا تزال قائمة”، وأن جيش أراكان، شأنه شأن جيش ميانمار، ينكر هوية الروهينغيا ويكتفي بوصفهم بالبنغال أو المسلمين.

من جانبهم، يحاجج ممثلو جيش أراكان بأن جماعتهم ضحية لحملات دعائية يحرّكها ناشطون ومجموعات مسلحة من الروهينغيا.

بحسب شهادات جمعتها منظمة العفو الدولية، تخضع مجتمعات الروهينغيا في شمال ولاية راخين لقيود قاسية وضعها جيش أراكان على حرية التنقل، وحظرٍ تمييزي على الصيد أو سُبل العيش الأخرى، والعمل القسري، إضافة إلى عدم كفاية سبل الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم والمساعدات الإنسانية. وما زالوا يتعرضون للقتل أو الإصابة في ظل استمرار النزاع.

قال شاب في العشرينات إنه بينما كان جنود جيش أراكان يقودونه وأفراد عائلته إلى مخيم للنازحين داخليًا، شاهد أربعة أشخاص على الأقل يفقدون أطرافهم نتيجة انفجار ألغام أرضية تحتهم.

ووصف رجل يبلغ من العمر 60 عامًا، فرَّ مع عائلته في يوليو/تموز 2025، الحياة في مخيم للنازحين داخليًا في بلدة بوثيدونغ، حيث نُقل بعد أن استولى جيش أراكان على البلدة وانتزعها من سيطرة جيش ميانمار في مايو/أيار 2024. وقال إن جيش أراكان كان يبحث في المخيم عن أعضاء في مجموعات مسلحة من الروهينغيا وأنهم “كانوا يأخذون أشخاصًا بشكل عشوائي من بين الحشد ويخفونهم”.

كما أُجبر السكان في المخيم على العمل، بما في ذلك في مناطق القتال على خطوط الجبهة.

وأوضح: “كانوا يجبروننا على حمل الحجارة والطوب إلى نقاط التفتيش التابعة لهم وتكديسها هناك بينما كنا جائعين. وبما أنني كنت كبيرًا في السن، لم يُجبروني على تحمل كل هذا العناء، لكن أولادي اضطروا للقيام بهذا العمل الشاق أكثر من 10 مرات… وإذا رفضنا العمل كانوا [عناصر جيش أراكان] يوسعوننا ضربًا، ويجبروننا على الانبطاح أرضًا ورؤوسنا إلى الأسفل بينما يواصلون ضربنا”.

وذكر من أقاموا في مخيمات النازحين داخليًا في ميانمار، قبل أن يفرّوا إلى بنغلاديش، أن طعامهم كان نادرًا وعبارة عن أرز وماء عكر يُستقى من بئر موحلة، وأن أطفالًا فارقوا الحياة بعدما أنهكهم الإسهال.

وأضاف الرجل الستيني: “لم يقدموا لنا [جيش أراكان] شيئًا، بل بدا كأنهم يفرحون حين يموت أحدنا. كانوا يقولون لنا: ’هذا ليس بلدكم. هذا بلدنا، أرضنا وماؤنا وهواؤنا -لا شيء هنا يخصكم. إرحلوا عن بلادنا”.

وقيل للناس على لسان جيش أراكان إنه إذا لم يلتزموا بقواعده أو رفضوا العمل، فسيطردون من ميانمار.

“لا مدرسة، ولا دواء، ولا مساعدات”

قال شاب يبلغ من العمر 25 عامًا، قضى ثمانية أشهر نازحًا عن منزله في بلدة بوثيدونغ قبل أن يصل إلى بنغلاديش في يناير/كانون الثاني من هذا العام، إن الأوضاع في مخيم النازحين الذي عاش فيه كانت “مريعة”.

وأوضح: “لا مدرسة، ولا طبابة، ولا طعام، ولا ماء، ولا مساعدات. كنا أحيانًا نعود خفية ببعض الأرز من القرى التي لم تُحرق بعد. كنا نستعمل ماء بركة واحدة فقط، وكنا بحاجة لاستئذان جيش أراكان للذهاب إلى أي مكان”.

وقال إن شقيقه تعرض لإطلاق النار وأصيب على يد جيش أراكان عندما كان الجنود يحاولون نقل مجموعات كبيرة من الناس قسرًا وتعذَّر عليهم التحرك بالسرعة المطلوبة. وفي حادثة أخرى، قال الرجل إن عناصر جيش أراكان اشتبهوا بكونه عنصرًا في إحدى جماعات الروهينغيا المسلحة وانهالوا عليه بالضرب لانتزاع معلومات منه. وعندما طلبت زوجته الحامل منهم أن يتوقفوا، قال إنهم اعتدوا عليها بالضرب أيضًا، وهو ما يعتقد الزوجان أنه تسبَّب بمشكلات في نمو طفلهم بعد ولادته.

وأضاف: “كانت معاملة جيش أراكان لنا أسوأ من معاملة جيش ميانمار. كلما اندلعت معركة بين الطرفين، كانوا يجبروننا على تنظيف آثارها، فنحمل الجثث والأنقاض ونلقي بها في النهر. أرغمت على القيام بذلك أكثر من 10 مرات من دون أي مقابل. وطُلب من كل عائلة أن ترسل شخصًا يتراوح عمره بين 15 و70 عامًا للقيام بالعمل القسري. وفي حال رفض أحدهم، كانوا ينهالون عليه بالضرب”.

وقالت امرأة تبلغ من العمر 35 عامًا، وصلت هي أيضًا إلى بنغلاديش في يناير/كانون الثاني 2025 بعد أن سارت خمسة أيام عبر تضاريس جبلية برفقة أطفالها، إن المزارعين كانوا مرغمين على دفع ضريبة من الأرز لجيش أراكان، فيما كان على الروهينغيا تقديم طلبات مدفوعة الرسوم للحصول على تصريح للسفر.

وأضافت: “في ظل حكم جيش أراكان، كان لزامًا على كل أسرة أن توفر حراس ليليين، من صبية لم تتجاوز أعمارهم العاشرة حتى رجال في السبعينات من العمر، وأن ترسل أفرادًا منها للقيام بالعمل القسري ما لا يقل عن خمس مرات في الشهر”. وأردفت أن الشبان كانوا أيضًا يجندون قسرًا لالتحاق بجبهات القتال. وقالت: “في حال رفض أحدنا، كان يُطلب منا مغادرة البلاد أو مواجهة العواقب”.

تتطابق الأوصاف المتعلقة بالقيود المفروضة على حرية التنقل التي فرضها جيش أراكان مع تفاصيل وثائق سفر حصلت عليها منظمة العفو الدولية، تظهر التصاريح المطلوبة للانتقال من مكان إلى آخر. ذكر أحد الذين أجريت معهم المقابلات أن وثائق السفر الإلزامية كانت تُستخرج مقابل رسوم، وأن بعضها لم يكن صالحًا إلا لمدة يومين فقط. وقال آخر إن جيش أراكان لم يكن يسمح سوى لعدد محدود من الأشخاص بمغادرة منازلهم لإنجاز الحاجات الأساسية، ولمدة ساعة واحدة فقط.

بموجب القانون الدولي، يُقصد بالعمل الجبري أو القسري كل أعمال أو خدمات تُغتصب من أي شخص تحت التهديد بأي عقوبة، ولم يتطوع هذا الشخص بأدائها بمحض اختياره.

وفي معرض ردهم على هذه المزاعم، صرّح ممثلون عن جيش أراكان لمنظمة العفو الدولية أنهم لا يفرضون العمل القسري على المدنيين، غير أن المحتجزين، مثل المدانين بجرائم أو أسرى الحرب، قد يُطلب منهم أحيانًا القيام بأعمال أو يُعطون مهام بوصفها “تمارين”. وأضافوا أن أي أنشطة تنظيف عُقب النزاع كانت عملًا مجتمعيًا تطوعيًا، وأنه رغم وجود رسوم على تصاريح السفر، فإنها تراوحت بين 2,000 و3,000 كيات ميانماري، أي ما يعادل دولارًا أمريكيًا واحدًا إلى دولار ونصف.

“لم يكن يُسمَح لنا أن نصطاد السمك”

قال برنامج الأغذية العالمي في أغسطس/آب إن “مزيجًا قاتلًا من النزاع والحصار وتخفيضات التمويل يدفع باتجاه ارتفاع حاد في مستويات الجوع وسوء التغذية”. وأضاف أن نسبة الأسر غير القادرة على تلبية احتياجاتها الأساسية من الغذاء في وسط ولاية راخين بلغت 57% مقارنة بـ 33% في ديسمبر/كانون الأول 2024. وقال إن الوضع في شمال ولاية راخين، حيث لا تنشط المنظمات الدولية، هو على الأرجح “أسوأ بكثير”.

وقال رجل يبلغ من العمر 45 عامًا، وصل إلى بنغلاديش في يوليو/تموز 2025، إن أفراد مجموعة الراخين الإثنية في بلدة بوثيدونغ كان يُسمح لهم بصيد الأسماك والتنقل بحرية، بينما حُرم الروهينغيا من هذا الحق.

وأوضح: “لم يكن يُسمَح لنا أن نصطاد السمك أو أن نذهب إلى النهر. لم يكن بوسعنا أن نعمل أو نشتري الطعام. بدأ جيش أراكان يطالبنا بالمال ويجبرنا على العمل القسري من دون أجر، كما حظر التنقل بين القرى. كل من رفض كان يُعاقب بقسوة”. وأضاف أن ذلك شمل الاحتجاز والحرمان من الطعام.

وتابع: “في أحد الأيام، حاولت أن أخرج للصيد طلبًا للبقاء. فأمسكني عناصر جيش أراكان وضربوني بعقب بندقية… ثم أخذوا السمك الذي اصطدته”.

قال ممثلو جيش أراكان لمنظمة العفو الدولية إن قيود التنقل وكسب المعيشة لم تكن تمييزية، بل طُبقت أيضًا على مجتمعات الراخين. وقالوا إن هذه القيود كانت ضرورية، بحكم النزاع المسلح، لضمان أمن المجتمع. وأضافوا أن الروهينغيا، الذين أشاروا إليهم بالمسلمين، منحوا وظائف، وأن حقوقهم وحرياتهم ستُصان وتُحترم، مستشهدين بإعادة فتح مسجد في بلدة مونغداو مؤخرًا كان مغلقًا منذ زمن طويل.

واختتم جو فريمان حديثه بالقول: “نرحب بأي خطوات يتخذها جيش أراكان لمنح مجتمعات الروهينغيا حقوقًا طال إنكارها، ونأمل أن تتطابق تعهداته العلنية بشأن الشمولية والعدالة والمساءلة مع الواقع على الأرض، وعليه تجنب إظهار وجه للمجتمع الدولي ووجه آخر للروهينغيا”.