الفلسطينيون يتحدّون الاحتلال الإسرائيلي ويقيمون قرية “باب الشمس”

عملية إخلاء الناشطين من قرية باب الشمس عنوةً تكون بمثابة تذكير مؤلم أن الحكومة الإسرائيلية ماضية يومياً في حرمان الفلسطينين من حقهم في التخطيط لبناء القرى وإقامتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة
© Uriel Sinai/Getty Images
عملية إخلاء الناشطين من قرية باب الشمس عنوةً تكون بمثابة تذكير مؤلم أن الحكومة الإسرائيلية ماضية يومياً في حرمان الفلسطينين من حقهم في التخطيط لبناء القرى وإقامتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة © Uriel Sinai/Getty Images

بقلم صالح حجازي،  الناشط في حملات منظمة العفو الدولية

مع السويعات الأولى من فجر يوم الأحد الماضي، قام أكثر من 500 شرطي إسرائيلي بمحاصرة حوالي 130 ناشطاً فلسطينياً في مخيم الاحتجاج الذي أقاموه على التلال المقابلة لمستوطنة معاليه أدوميم الإسرائيلية المقامة بشكل غير شرعي على الأراضي الواقعة شرقي القدس بالضفة الغربية المحتلة.

ولقد شُيّد قبل يومين فقط المخيم الذي أسماه الناشطون “قرية باب الشمس” على أراضي خاصة تعود ملكيتها لفلسطينيين، وذلك احتجاجاً على الاحتلال الإسرائيلي، واستمرار التوسع في بناء المستوطنات غير الشرعية، وما يصاحب ذلك من عمليات إخلاء قسري في الضفة الغربية.

ولقد تحرك عناصر الشرطة المدججين بالسلاح نحو موقع القرية بغية إجبار الناشطين السلميين على مغادرة المكان، وذلك بناء على أوامر صدرت بهذا الخصوص عن الحكومة الإسرائيلية، بالرغم من قرار من المحكمة العليا يوم الجمعة يقضي بعدم إزالة المخيم.

وعندما انقطع البث المباشر الذي كنت أتابعه للعملية عبر شبكة الإنترنت، تمكنت من متابعة ما يجري عبر موقع تويتر، حيث قام الناشطون بتغطية الاعتقالات وإخلاء الموجودين من الموقع لحظةً بلحظة.

وفي الصباح بادرتُ إلى إجراء بعض الاتصالات الهاتفية بغية الاطمئنان على الناشطين.  ولقد تمكنت من الوصول إلى زيد، وهو ناشط سبق لي وأن التقيت به العام الماضي لدى تعرضه للضرب على أيدي عناصر الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية عقب قيامه بالاحتجاج سلمياً في رام الله.

طلب مني زيد أن أعاود الاتصال به لاحقاً كونه كان متواجداً حينها في المستشفى برفقة شقيقه الذي أُصيب بنزيف داخلي حول عينه جراء العنف الذي مارسته الشرطة بحقه أثناء إخلاء الناشطين من الموقع.  هذا ما ينفي صحة التقارير الإعلامية إزاء المزاعم الإسرائيلية التي تحدثت عن أن عملية إجلاء الناشطين من الموقع قد تمت “بسلام”.

حاولت الاتصال بآخرين، وتمكنت فعلاً من الحديث إلى  سمير عبر وصلة فيديو عند حوالي الساعة السادسة مساءً بتوقيت القدس، حيث كان قد استيقظ من نومه للتو.

قال لي سمير بصوت تخلله الأنين الناجم عن الألم، وقد شرع في وصف ما حدث متناولاً سيجارة بيده: “أشعر وكأن بدني كله  جرحٌ واحدٌ كبير ؛ لقد أوسعوني ضرباً، وقد زاد البرد الشديد الطين بلة “.  وأضاف قائلاً، وهو ينفث دخان سيجارته:

“كان الظلام دامساً، والطقس شديد البرودة.  وكانت هناك مئات المصابيح الصغيرة – وهي أنوار المصابيح التي كان عناصر شرطة مكافحة الشغب يحملونها – تقترب صوبنا من كل اتجاه في الجبال.  كان المشهد خيالياً، تماماً كما لو كنا في أحد أفلام الخيال العلمي”.

واضاف سمير قائلاً: “بدأوا بمحاولة إبعادنا عن المكان عند الساعة الثانية صباحاً.  وكان هناك المئات من عناصر شرطة مكافحة الشغب في المكان.  ولقد بدوا كما لو كانوا من رجال الشرطة الخارقين بما حملوه من معدات وتجهيزات، ولم يكن في المكان سوى 130 ناشطاً منا، حيث بادرنا إلى التجمع والتمسك ببعضنا البعض وسط القرية.”

“لم نقاوم عملية الاعتقال، و لكننا لم نبد تعاوناً في الوقت نفسه.  وشرع رجال الشرطة في سحبنا واحداً تلو الآخر، وقاموا بركلنا لتفريق صفوفنا، ومن ثم بادر ما بين أربعة وستة رجال من الشرطة بحمل كل واحد منا بعيداً عن المكان”.

وتابع سمير وصفه للأحداث قائلاً: “لقد تعرضت للركل على ساقي اليسرى بقوة وعلى نحو متكرر إلى درجة أنني شعرت و كأنها قد كُسرت.  وقام ثلاثة من الجنود بسحلي بعيداً، وعندما أصبحت بعيداً عن مرأى الصحفيين، شرعوا بضربي بأكواع أياديهم، وأخذوا يركلونني على ظهري قبل أن يقذفوا بي نحو بعض الصخور.  ثم قام اثنان من الجنود بركلي بينما كنت مطروحا على الأرض.  ولقد ضُربتُ على عنقي وساقي اليسرى ثانيةً، وعلى ظهري أيضاً.وأضاف سمير قائلاً: “وُضعت بعد ذلك على متن حافلة للشرطة رفقة 40 ناشطاً آخراً، حيث تكدس بعضنا فوق بعض، وكان البعض منا بحاجة إلى الحصول على عناية طبية عاجلة.  ومع أننا كنا نرى سيارات الإسعاف بجانب الحافلة التي احتُجزنا فيها،الا أنهم رفضوا القيام بعلاج أي شخص على الرغم من تكرار مناشدتنا لهم بهذا الخصوص “.
“يتعين علي أن أتوجه إلى اجتماع الآن لمناقشة الخطوات التالية التي نعتزم القيام بها، ولكن دعني أقول لك ما يلي: سوف نعود إلى باب الشمس.  وحالنا في ذلك حال جميع اللاجئين الفلسطينيين منذ العام 1948، والذين سوف يعودوا إلى منازلهم.  فهذه هي البداية فقط”.

واختتم سمير وصفه لما جرى قائلاً: “تمثل هذه القرية رمزاً لمقاومة اللاعنف  الهادفة – فهي تشكل تحدياً عملياً للاضطهاد والظلم الإسرائيلي.  وهي قرية أقامها الشبان الفلسطينيون ممن لا ينتمون إلى أية جماعة أو حزب.  ولهذا يصبح من الطبيعي أن تحاول إسرائيل أن توقف تحركنا.  فلقد توقعنا قيامها بإخلائنا من المكان، ولكن ذلك لن يُثني عزمنا على الدفاع عن حقوقنا”.

ويمكن القول أن ذلك التحرك كان مصدر إلهام بالفعل؛ إذ طرح مثالاً جديداً ومبتكراً لكيفية قيام الفلسطينيين بالدفاع سلمياً عن حقوق الإنسان الخاصة بهم.  ولكن قصة باب الشمس تعكس أيضاً رواية الكثير من الفلسطينيين.

فبالقرب من موقع قرية باب الشمس يعيش حوالي 2300 شخص من عشيرة عرب الجهالين البدوية كلاجئين فلسطينيين في تجمعات متفرقة في المنطقة المعروفة باسم (إي 1، E1).  ويقيم أبناء تلك العشيرة هناك منذ أن قامت إسرائيل بتهجيرهم عن أراضيهم في صحراء النقب في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي.  ولقد تعرض البعض منهم إلى الإخلاء القسري على أيدي السلطات الإسرائيلية مرة أخرى في التسعينيات، وذلك من أجل التوسع في بناء المستوطنات غير الشرعية.

وأما اليوم، يعيش عرب الجهالين في ظل الخوف من التعرض للإخلاء القسري مرة أخرى، وذلك عقب إعلان إسرائيل عن خطة في عام 2011 تعكف من خلالها على تهجيرهم من بيوتهم بغية فسح المجال أمام إقامة مستوطنات جديدة.  ولقد صدرت أوامر تقضي بهدم وإزالة غالبية منازلهم، ومدارسهم، وبناهم التحتية، وهي الأوامر التي يمكن لأسرائيل أن تشرع بتنفيذها في أي وقت.وتُظهر عملية إخلاء الناشطين من موقع قرية باب الشمس المصير الذي ينتظر عشائر عرب الجهالين في القريب العاجل في حال قررت إسرائيل المضي قدُماً بتنفيذ خططها المزمعة، وهي التي أكدتها الحكومة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وصباح يوم الأحد الماضي، لإقامة المزيد من المستوطنات على أراضي المنطقة إي 1.

ولعل عملية إخلاء الناشطين من قرية باب الشمس عنوةً تكون بمثابة تذكير مؤلم أن الحكومة الإسرائيلية ماضية يومياً في حرمان الفلسطينين من حقهم في التخطيط لبناء القرى وإقامتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو الحق الذي يمنحه القانون الدولي للفلسطينيين، وليس للمستوطنين الإسرائيليين.

وهنا ينبغي على المجتمع الدولي أن يأخذ تلك الأحداث على أنها بمثابة تحذير باحتمال إجلاء التجمعات الفلسطينية كافة من منازلها في حال عدم القيام بأي تحرك فوري في وجه التوسع في بناء المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية، وبخاصة في المنطقة المعروفة باسم إي1.  وسوف تستمر منظمة العفو الدولية في مساندتها لتلك التجمعات الفلسطينية، ودعمها لحق الفلسطينيين في الاحتجاج السلمي.


اقرأ المزيد:

إسرائيل: ينبغي إلغاء خطة التهجير القسري لتجمعات بدو الجهالين – أخبار 2 فبراير 2012

إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة: أوقفوا التهجير: طرد وشيك للبدو من ديارهم لتوسعة المستوطنات الإسرائيلية