اليمن: شاهد عيان يصف مشاهد مروعة حيث هزت الانفجارات مستشفىً وسط الحديدة

  • تعرض المنطقة المحيطة بمستشفى الثورة الرئيسي للهجوم المستمر
  • يصف أحد العاملين الطبيين فرار مئات الموظفين والمرضى في حالة من الرعب

وفقاً لشهود عيان، تحدثوا إلى منظمة العفو الدولية، فر مئات من العاملين الطبيين والمرضى في حالة من الرعب – من بينهم امرأة تعاني من سوء التغذية وتحمل ابنتها، مرتدية رداء الجراحة، ورجل لا يزال موصلا بأنابيب القسطرة، حيث وقعت سلسلة من الانفجارات الهائلة هزت أحد المستشفيات وسط الحديدة أمس.

 قبل الظهر بقليل في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني، وقع هجوم، نفذه، حسبما ورد، التحالف بقيادة السعودية والإمارات العربية المتحدة بالقرب من مستشفى الثورة، أكبر مرفق طبي عام في الحديدة.

 وقد أفادت قناة “العربية” الإعلامية الموالية للسعودية أن الطائرات الحربية وطائرات الهليكوبتر الهجومية للتحالف استهدفت مواقع للحوثيين في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، من بينها المناطق المحيطة بالجامعة ومستشفى الثورة ومستشفى 22 مايو.
وأبلغ أحد العاملين الطبيين، الذي كان بداخل مستشفى الثورة في ذلك الوقت، منظمة العفو الدولية أن مئات المرضى والموظفين تفادوا وابلاً من الشظايا أثناء فرارهم من الذعر. واستمر القصف المتواصل بالقرب من المستشفى لما يزيد عن نصف ساعة.

وقالت لين معلوف، مديرة البحوث ببرنامج الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية: “من المفترض، في النزاع المسلح، أن تكون المستشفيات أماكن للملاذ الآمن. ولكن مع اشتداد المعركة من أجل السيطرة على الحديدة، يبدو أن كلا الجانبين عازم على إبطال قوانين الحرب، وتجاهل وضع الحماية حتى للمدنيين الأشد ضعفاً”.

من المفترض، في النزاع المسلح، أن تكون المستشفيات أماكن للملاذ الآمن. ولكن مع اشتداد المعركة من أجل السيطرة على الحديدة، يبدو أن كلا الجانبين عازم على إبطال قوانين الحرب، وتجاهل وضع الحماية حتى للمدنيين الأشد ضعفاً

لين معلوف، مديرة البحوث ببرنامج الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية

“إن الوضع يتزايد تدهوراً بشكل مؤلم، ويجب على مجلس الأمن الدولي أن يتكلم بصراحة قبل أن تتسبب معركة الحديدة في كارثة مدنية متفاقمة. فبالأمس، كان المرضى وموظفو المستشفى محظوظين بالفرار بحياتهم. أما إذا سُمح للأمور أن تسير على هذا النحو، فلن يمر وقت طويل قبل أن ينفد الحظ وتنزلق الحديدة إلى وضع مرعب”.

 “بدت الشظايا وكأنها مطر”

وقال أحد العاملين بمستشفى الثورة، في معرض حديثه إلى منظمة العفو الدولية بعد ساعات فقط من الهجوم، إن الانفجارات بدأت في حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً، ولكن لم يبد أن أحداً داخل المستشفى المزدحمة بدا وكأنه منزعج من الأمر لأن الانفجارات بدت بعيدة جداً في البداية. ولكن بعد شهور من المناوشات في ضواحي المدينة والضربات الجوية من قبل التحالف بقيادة السعودية والإمارات العربية المتحدة بين حين وآخر، أصبح العديد من سكان الحديدة معتادين على صوت الانفجارات البعيدة.

 ولكن سرعان ما أدرك مئات المرضى والموظفين بالمستشفى أنهم كانوا في خطر شديد. وجاءت الانفجارات قريبة بما يكفي لاهتزاز الماء في زجاجات المياه داخل المستشفى. وكانت الانفجارات مصحوبة بصوت الأسلحة المضادة للطائرات في مكان قريب.

وأضاف العامل الطبي قائلاً: “وفي الساعة الثانية عشرة إلا خمس دقائق من منتصف النهار، اشتدت حدة الانفجارات، واقتربت بكثير. وكنت خائف هذه المرة، لأنني سمعت أيضا صوت [الأسلحة المضادة للطائرات] لأول مرة. فهرعت إلى منطقة الاستقبال … وسمعت العديد من الانفجارات، وأصاب الرصاص أو الشظايا السقف المعدني لمدخل المستشفى، وسقطت كالأمطار. ما زلت أستطيع سماع دوي الانفجارات عندما خرجت من المستشفى، لكني لم أستطع التركيز على ذلك. فقد كنا جميعاً خائفين جداً على سلامتنا “.

وسمعت العديد من الانفجارات، وأصاب الرصاص أو الشظايا السقف المعدني لمدخل المستشفى، وسقطت كالأمطار. ما زلت أستطيع سماع دوي الانفجارات عندما خرجت من المستشفى، لكني لم أستطع التركيز على ذلك. فقد كنا جميعاً خائفين جداً على سلامتنا

أحد العاملين بمستشفى الثورة

 ووصف كيف أن الناس المذعورين فروا إلى شارع جمال خارج المستشفى، الذي يقع بالقرب من ميناء الصيد والجامعة في وسط المدينة، وفروا سيراً على الأقدام أو في السيارات والحافلات الصغيرة. وكانت طائرات التحالف بقيادة السعودية والإمارات العربية المتحدة تحلق في سماء المنطقة، وكان الدخان يتصاعد من كلية طب الأسنان في مجمع الجامعة، على بعد حوالي 500 متر. وقال إنه من المعروف على نطاق واسع أن الكلية كانت ملأى بالمقاتلين الحوثيين، سواء داخل المبنى أو المسلحين المتمركزين على السطح.

ومضى يقول: “رأيت مريضة تحمل مريضة أخرى. بدت وكأنها أم وابنتها. وكانت الأم جلداً على عظم، فكانت تعاني من سوء التغذية، فهي تعتبر أم يمنية نموذجية … ومع ذلك، استطاعت حمل ابنتها البالغة من العمر 15 أو 16 سنة بين ذراعيها. كانت ابنتها تبكي. كنت أعرف أنها إما أجريت لها عملية جراحية للتو أو كانت في مرحلة الإعداد للجراحة لأنها كانت تردي رداء جراحة أزرق. لا توجد كلمات لوصف شعوري في هذه اللحظة “.

“كما رأيت رجلاً يمشي بأقصى سرعة حسب قدرته بينما كان يحمل كيساً فيه بوله. كان لا يزال موصولاً بأنابيب القسطرة البولية أثناء الهروب من المستشفى. سيبقى هذا المشهد معي بقية حياتي. كان هناك الكثير من الأطفال أيضا. وبعض الآباء كانوا يحملون أطفالهم. رأيت 10 أو 12 طفلاً من بين جميع الأشخاص الآخرين الذين حاولوا الفرار “.

وقال العامل الطبي إنه عاد للعمل حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر. وبحلول ذلك الوقت، هدأت المواجهات في تلك المنطقة، لكن المستشفى كان شبه مهجور.وقال متحدث باسم مستشفى الثورة لرويترز إن إطباء وممرضات العناية المركزة ووحدة الحروق، وغرفة الطوارئ بقوا في المستشفى أثناء الهجوم. وقد أكد الشاهد الذي تحدثت إليه منظمة العفو الدولية هذا الأمر، قائلاً: “اختار بضعة من الأطباء والموظفين الطبيين الشجعان البقاء؛ وكنت من بين الأغلبية التي اختارت المغادرة”.

مرضى المستشفى في مرمى النيران

 
في أعقاب الهجوم، علق أحد موظفي منظمة الصحة العالمية في اليمن على موقع تويتر كيف أن مستشفى الثورة “كان يستخدم لخدمة حوالي 1500 شخص في اليوم [لكن] أصبح الوصول إله متعذراً تقريباً مع احتدام القتال الأرضي”. وتؤكد منظمة العفو الدولية أنه المستشفى العام الوحيد في الحديدة، الذي يخدم المدينة وأربعة أحياء نائية. وهناك مستشفيات أخرى في المدينة ولكنها خاصة، لذا فإلى جانب مستشفى الثورة، لا توجد بدائل مجدية للأشخاص ذوي الموارد المالية المحدودة للحصول على الرعاية الصحية.

فعلى هذا الأساس، يعد مستشفى الثورة بمثابة مرفق حيوي للمدنيين – من بينهم العديد من الأطفال – في الحديدة وعلى طول الساحل الغربي لليمن الذين يواجهون سوء التغذية الحاد وسط الأزمة الإنسانية الوخيمة في البلاد. ففي الأسبوع الماضي، حذرت اليونيسف من أن 59 طفلاً، 25 منهم في العناية المركزة، يواجهون “خطر الموت الوشيك” إذا زحف القتال إلىى المستشفى.
ويأتي الهجوم على مستشفى الثورة بعد أيام فقط من تأكيد منظمة العفو الدولية أن المقاتلين الحوثيين يعرضون المدنيين للخطر من خلال عسكرة مستشفى 22 مايو في الضواحي الشرقية للحديدة.

وذكرت مصادر على الأرض للمنظمة أنه تم إجلاء مستشفى 22 مايو منذ ذلك الحين. ووفقا لتقارير إعلامية، قامت قوات الحكومة اليمنية بعد ذلك بالسيطرة عليها في 9 نوفمبر/تشرين الثاني. كما أنها ليست هذه هي المرة الأولى التي يتأثر فيها مستشفى الثورة بالنزاع. ففي 2 أغسطس/آب، من هذا العام، وقع هجوم خارج المستشفى مباشرة، مما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من المدنيين، من بينهم هؤلاء الأوائل ممن هرعوا لمساعدة المدنيين الذين أصيبوا في غارة منفصلة على الميناء المجاور. وفي حين لا يزال من غير المؤكد من هو المسؤول عن الهجوم فقد أشار تحقيق أجراه موقع بيلينكات Bellingcat  على الإنترنت، بقوة إلى أن ذلك كان نتيجة لقذائف الهاون التي أطلقتها قوات التحالف بقيادة السعودية الإمارات من الجنوب.

وأبلغ سكان الحديدة منظمة العفو الدولية أن المقاتلين الحوثيين أغلقوا طريقين من الطرق الثلاثة، وتحصنوا فيهما، خارج مستشفى الثورة، معلنين أنهما “منطقتين عسكريتين”. يبدو أن صور القمر الصناعي التي تم فحصها بواسطة المنظمة تدعم ذلك الأمر. بما أن السكان ممنوعون من الدخول، فهم غير قادرين على التأكد من أنواع الأسلحة أو المعدات التي تحتوي عليها هذه المناطق الآن.
واختتمت لين معلوف قائلة: “يُخشى أن يكون الهجوم الأخير بالقرب من مستشفى الثورة ناجمًا عن الوجود المستمر للمقاتلين الحوثيين القريبين وأساليبهم المتمثلة في وضع وحدات المدفعية في المناطق المدنية. فتمركز قوات عسكرية في مناطق مدنية مكتظة بالسكان، وتنفيذ هجمات من هذه المواقع يعرض حياة المدنيين للخطر. ومطلوب من جميع الأطراف بذل قصارى جهدها لتجنب وضع أعيان عسكرية وسط المدنيين. فاستخدام المدنيين لحماية المقاتلين من الهجمات أمر محظور تماما، ويمكن أن يشكل جريمة حرب “.

إن القانون الإنساني الدولي واضح جداً، فالمستشفيات التي تقوم بوظائفها الطبية ليست هدفا أبداً – وكانت مستشفى الثورة، بشكل واضح جداً، مستشفى قيد الخدمة وقت الهجوم. وإلى جانب انتهاك قوانين الحرب، فإن الهجوم المتعمد على مستشفى قيد الخدمة بمثابة جريمة حرب. ويجب على جميع الأطراف المتحاربة أن توقف على الفور الهجمات التي تعرض حياة المدنيين للخطر، بما في ذلك الهجمات على المرافق الطبية أو بالقرب منها

لين معلوف

“إن القانون الإنساني الدولي واضح جداً، فالمستشفيات التي تقوم بوظائفها الطبية ليست هدفا أبداً – وكانت مستشفى الثورة، بشكل واضح جداً، مستشفى قيد الخدمة وقت الهجوم. وإلى جانب انتهاك قوانين الحرب، فإن الهجوم المتعمد على مستشفى قيد الخدمة بمثابة جريمة حرب. ويجب على جميع الأطراف المتحاربة أن توقف على الفور الهجمات التي تعرض حياة المدنيين للخطر، بما في ذلك الهجمات على المرافق الطبية أو بالقرب منها “. 
خلفية
في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني، أعلنت الحكومة اليمنية المدعومة من الأمم المتحدة أن “هجوماً واسعاً” يجري – بدعم من التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات العربية المتحدة – للاستيلاء على مدينة الحديدة الساحلية من جماعة الحوثي المسلحة التي في يدها مقاليد السلطة منذ 2015.