ليبيا: محاكمة مسؤولين سابقين في عهد القذافي عبر الفيديو تُعتبر مهزلة

قالت منظمة العفو الدولية إن محاكمة مسؤولين ليبيين سابقين، ومن بينهم سيف الإسلام القذافي، عرضة لخطر التحول إلى مهزلة، بعد أن أمرت المحكمة اليوم بمحاكمته مع ستة آخرين عبر الفيديو.ففي 23 مارس/آذار، أي قبل يوم واحد من جلسة الاستماع الأخيرة في هذه القضية أُجري تعديلان على قانون الإجراءات الجنائية الليبي يسمحان بإجراء محاكمة عبر الفيديو. إن المحكمات عبر الفيديو ستعرِّض للخطر حق المتهمين السبعة جميعاً في محاكمة عادلة. وسيكون أثرها على سيف الإسلام بوجه خاص مثيراً للقلق لأنه لا يزال محتجزاً في مكان سري في الزنتان على أيدي مليشيا رفضت بشكل متكرر تسليمه إلى حجز الدولة في طرابلس. ويُحتجز المهتمون الستة الآخرون في مصراته في سجون خاضعة لسيطرة وزارتي العدل والدفاع.وقالت حسيبة الحاج صحراوي، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “إن السماح بمثول سيف الإسلام القذافي عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة يشكل تقويضاً خطيراً لحقه في المحاكمة العادلة. إذ أن سيف الإسلام ليس موجوداً في حجز الدولة، وأن التغييرات التي أُدخلت في قانون الإجراءات الجنائية، والقرار الذي أصدرته المحكمة اليوم ما هو إلا إضفاء قشرة لامعة من الشرعية على الارتباط بين المليشيات والسلطات المركزية. وبيت القصيد هنا هو أن سيف الإسلام القذافي، شأنه شأن مئات المعتقلين الآخرين، ما زال محتجزاً في مكان اعتقال غير رسمي.”ويُذكر أن سيف الاسلام القذافي يُحاكم في ليبيا مع 36 آخرين من المسؤولين الليبيين السابقين، ومن بينهم الرئيس الأسبق للمخابرات العسكرية عبد الله السنوسي. وهم يواجهون طائفة من التهم ذات الصلة بجرائم ارتُكبت إبان الانتفاضة والنـزاع المسلح في عام 2011. كما أن سيف الإسلام مطلوب إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمتين هما: ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وجرائم القتل والاضطهاد.وأضافت حسيبة الحاج صحراوي تقول: “كيف يمكن للسلطات الليبية أن تدَّعي أن سيف الإسلام القذافي سيُقدم إلى محاكمة عادلة، في الوقت الذي لا تستطيع أن تكفل مثوله جسدياً أمام المحكمة لمواجهة مثل هذه الاتهامات الخطيرة، التي ربما يعاقَب عليها بالإعدام؟ إن قرار المحكمة يؤكد على أنه يجب أن يتم تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، بما يتسق مع قرار المحكمة الذي صدر قبل نحو عام.”ولا يزال سيف الإسلام القذافي محتجزاً في مكان سري، ولا يُسمح له بالاتصال بالعالم الخارجي على نحو منتظم. كما أن ظهوره عبر الفيديو في جلسات المحاكمة يقوِّض حقه في حضور محاكمته. وعلاوةً على ذلك فإنه في أحسن الأحوال يتيح إلقاء نظره عابرة على اعتقاله، ولا يعطي مؤشراً على معاملته في الحجز وأثناء نقله إلى المحكمة ومنها. إن إجراء محاكمة في مثل هذه الظروف يمكن أن يحول دون اتصاله بمحاميه وأن يؤثر على قدرته على إعداد وتقديم مرافعة دفاعية فعالة.وتم تأجيل المحاكمة إلى 27 أبريل/ نيسان بغية إتاحة الوقت الكافي لإجراء الترتيبات الفنية الضرورية.وقالت حسيبة الحاج صحراوي: “بيدو أن السلطات عمدت إلى تعديل القانون بهدف السماح بالمثول أمام المحاكم عبر الفيديو، وذلك ببساطة لأنها غير قادرة على تأمين عملية نقل سيف الإسلام إلى حجز الدولة. وهذا يُظهر مدى ضعف سيطرة الدولة على الأمور.”وفي ظروف معينة، بما في ذلك بموجب إجراءات المحكمة الجنائية الدولية، يجوز إجراء أجزاء من المحاكمة عبر الفيديو. وفي حين أن ذلك يجب أن يكون استثناءً، فإن مثل هذه الأحكام يمكن أن يكون مقبولاً لأسباب أمنية بناءً على طلب المتهم نفسه، أو إذا تسبَّب المتهم باستحالة الاستمرار في المحاكمة أثناء حضوره. بيد أنه إذا كان المتهم موجوداً في حجز غير رسمي، ولا تستطيع المحكمة فرض سلطتها عليه، فإن حضوره عبر الفيديو ليس سوى شرعية وهمية.وذكر النائب العام أنه لا يمكن نقل سيف الإسلام من الزنتان إلى طرابلس لأسباب أمنية، وأن الأخير رفض نقله إلى طرابلس خوفاً على حياته. بيد أن منظمة العفو الدولية تعتقد أن هذه الحجة غير جائزة ما دام سيف الإسلام القذافي محتجزاً لدى المليشيات ومعرَّض للإكراه. إن عدم نقل المتهمين الستة الآخرين في مصراته إلى المحكمة في طرابلس من شأنه أن يعرِّض حقهم في المحاكمة العادلة للخطر بلا ضرورة.إن منظمة العفو الدولية تعترف بالتحديات الأمنية المتعددة التي تواجهها السلطات الليبية في فترة ما بعد النـزاع، وقد أعربت عن قلقها بشأن عمليات الاعتداء والاختطاف التي يتعرض لها المعتقلون الذين تم نقلهم. بيد أنه في الوقت الذي لا تزال فيه الشرطة القضائية ضعيفة، فإن السلطات يجب أن تركز على إعادة بناء المؤسسات وتحسين الأوضاع الأمنية.وقالت حسيبة الحاج صحراوي إنه: “بدلاً من تغيير القانون وتكييفه كي يتلاءم مع التحديات الأمنية والسياسية، فإن السلطات الليبية ينبغي أن تعمل على تسريع عملية تولي الإشراف على مراكز الاعتقال بعد نقلها من أيدي المليشيات.”إن المحكمات العادلة عنصر أساسي في التصدي للإفلات من العقاب والوصول إلى الحقيقة والعدالة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الدولية التي ارتُكبت إبان النـزاع.وأضافت تقول: “من الصعب تخيُّل كيفية إجراء محاكمة عادلة في ظل مناخ يخشى الشهود فيه الإدلاء بشهاداتهم، ويخشى المحامون تقديم مرافعاتهم، ويتلقى المدعون العامون والقضاة العديد من التهديدات، وتُعقد فيه المحكمات داخل مجمعات السجون أو عبر الفيديو بزعم التصدي لبواعث القلق الأمنية.”كما يساور منظمة العفو الدولية قلق بشأن حق جميع المتهمين الآخرين في القضية في تقديمهم إلى محاكمات عادلة. وقال محامون للمنظمة إنه لم يُتح لهم الوقت الكافي لمراجعة الأدلة وإعداد الدفاع في مرحلة الإجراءات التي تسبق المحاكمة. وتحدَّث بعضهم عن التعرض للترهيب والمضايقة، وظل تلقِّي التهديدات أمراً شائعاً في ليبيا منذ اندلاع النـزاع في عام 2011، ولا سيما بالنسبة للقضايا الحساسة.ولا يزال عبدالله السنوسي محتجزاً بدون السماح له بالاتصال بمستشار قانوني. ولم تتمكن عائلته من الاستعانة بمحام يرغب في تمثيله منذ تسليمه من قبل مورتانيا في عام 2012. وبموجب القانون الليبي، فإن المحكمة ينبغي أن تعيِّن محامياً يمثِّله في هذه القضية ويمضي فيها قُدماً.

خلفية

يُعتبر سيف الإسلام القذافي المتهم الرئيس بين 37 متهماً من المسؤولين السابقين، ومن بينهم رئيس المخابرات العسكرية الأسبق عبد الله السنوسي، ورئيس الوزراء الأسبق البغدادي المحمودي، والرئيس السابق للحرس الثوري منصور ضو، والرئيس الأسبق لجهاز الأمن الخارجي أبو زيد دورده وآخرون.وتتعلق تلك التهم المتعددة بشكل أساسي بمسؤولية التسلسل القيادي لسيف الإسلام والمسؤولين الرسميين السابقين وبالتحريض المزعوم على ارتكاب الجرائم التي ارتُكبت إبان النـزاع، أو إصدار الأوامر بارتكابها؛ ويعاقَب على بعض هذه الجرائم بالإعدام. ولم يمثُل اليوم سوى 23 متهماً أمام الدائرة الجنائية في محكمة الاستئناف العليا بطرابلس، الواقعة في مجمع مؤسسة الهضبة للإصلاح والتأهيل في طرابلس، وهي سجن ذو إجراءات أمنية مشددة تابع لوزارة العدل إسمياً. ولم يحضر معظم المحامين هذه الجلسة لأنهم يتوقعون تأجيلها.وكانت منظمة العفو الدولية قد التقت سيف الإسلام القذافي في سبتمبر/أيلول 2013 في مجمع المليشيا في الزنتان، ولكنها لم تتمكن من التحدث إليه على انفراد أو زيارة مكان احتجازه. ولا تزال المنظمة تشعر بالقلق من وضعه في الحجز الانعزالي لفترة طويلة ومن الآثار الضارة المحتملة التي يمكن أن يُحدثها ذلك على حالته الصحية ورفاهه وإمكانية تقديمه إلى محاكمة عادلة. ولا تزل الزيارات من قبل المنظمات الوطنية والدولية المستقلة، التي يجب أن يسمح بها النائب العام لسيف الإسلام، نادرة للغاية ويصعب تنظيمها. ومن الجدير بالذكر أن المراقبة المستقلة والمنتظمة لأماكن الاعتقال تعتبر إحدى الضمانات الرئيسية لعدم التعرض للتعذيب.

المواد المعدَّلة التي تقوِّض الحق في المحاكمة العادلة

في 23 مارس/آذار أقرَّ المؤتمر الوطني العام تعديلات المادتين 241 و 243 من قانون الإجراءات الجنائية الذي ينظم الحق في جلسات الاستماع العلنية، وتواجد المتهم في المحكمة، وهما مبدآن أساسيان لضمان المحاكمة العادلة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.فبموجب النسخة المعدَّلة للمادة 241 تُعتبر جلسة الاستماع علنية إذا تم بثها للجمهور عبر القنوات الفضائية والشاشات وغيرها من وسائل الاتصال.وبموجب المادة 243 المعدلة، فإنه يجوز للمحكمة استخدام وسائل الاتصال الحديثة لربط المتهم بقاعة المحكمة، إذا كانت هناك بواعث قلق على سلامته أو مخاوف من إمكانية فراره. وينطبق هذا الإجراء على الشهود والخبراء والمدعين العامين. كما يسمح التعديل بمحاكمة أكثر من متهم واحد في أكثر من قاعة محكمة واحدة.