حقوق الإنسان تتعرّض للاعتداء بعد عاميْن على هيمنة الرئيس سعيّد على السلطة

خلفية

بعد مرور عاميْن على هيمنة الرئيس قيس سعيّد على السلطة، لا تزال حالة حقوق الإنسان في تونس آخذة في التدهور. فقد أُهدِرت ضمانات الحماية المؤسسية لحقوق الإنسان بالكامل تقريبًا، وفقدت السلطة القضائية ضمانات استقلاليتها، واستهدفت المحاكم العسكرية، على نحو متزايد، منتقدي الرئيس بإعمال قوانين قمعية، بينما ضاق المجال أمام ممارسة الحق في حرية التعبير على نحو شديد. ومنذ 25 جويلية/تموز 2021، فتحت المحاكم تحقيقات وفي بعض الحالات، قدمت 39 شخصًا على الأقل إلى ساحة المحاكمة لممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير.

تراقب منظمة العفو الدولية وتُوثِّق تقويض حقوق الإنسان في البلاد، وكذلك الأثر الناجم عن قرارات الرئيس سعيّد على ضمانات حمايتها. وفي 25 جويلية/تموز 2021، علَّق الرئيس سعيّد البرلمان وأقال رئيس الوزراء وتولى السلطة التنفيذية للبلاد، مستندًا إلى صلاحيات الطوارئ التي اِدَّعى أنها ممنوحة له بموجب الدستور.

ومنذ ذلك الحين، فَكَّك معظم المؤسسات المستقلة والأساسية لحماية حقوق الإنسان، كمجلس مستقل يُشرف على السلطة القضائية وهيئة كُلِّفت بفحص القوانين الجديدة من حيث اتساقها مع أحكام الدستور التونسي الصادر في 2014. ومنح الرئيس نفسه صلاحيات غير مقيّدة في الحكم.

بعد مرور 12 عامًا على الثورة التي أطاحت بزين العابدين بن علي، الدكتاتور الذي طال حكمه لمدة 23 عامًا أحكم خلالها قبضته على تونس وارتكب انتهاكات شنيعة لحقوق الإنسان، لا تزال الظروف القائمة في البلاد تنذر بالعودة إلى نظام لا تُحتَرَم في ظله حقوق الإنسان ولا سيادة القانون. تتعرّض حرية التعبير للاعتداء، وتحوم التهديدات حول حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، بينما تُسحَق الحقوق في محاكمة عادلة. كذلك، تعرّض مهاجرون ولاجئون وطالبو لجوء للاعتداء والاعتقال التعسفي، عقب تصريحات الرئيس سعيّد التي تنُم عن الكراهية. وقد حُلّت أو عُطّلت المؤسسات التي كانت تُعتبر بمثابة حصون تحمي الأفراد من الانتهاكات.

ماذا حصل منذ 25 جويلية/تموز فصاعدًا؟


الرئيس سعيّد يستولي على السلطة

انتهاك حقوق الإنسان: حرية التنقل

قرارات تعسفية بمنع السفر تصدر بحق 50 شخصًا على الأقل، من بينهم قضاة ومسؤولون كبار بالدولة وموظفون حكوميون ورجل أعمال وعضو بالبرلمان، بعد مرور شهر واحد على هيمنة الرئيس على السلطة

اقرأوا المزيد
انتهاك حقوق الإنسان: محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية

10 مدنيين على الأقل يُحاكَمون أمام محكمة عسكرية، من بينهم صحفي وعضوان بالبرلمان ومُدوِّن.

اقرأوا المزيد
انتهاك حقوق الإنسان: حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها

مشروع قانون لتنظيم منظمات المجتمع المدني يُسّرب، ويحتوي على أحكام عديدة من شأنها عرقلة العمل المدني وتمويل المنظمات

اقرأوا المزيد
انتهاك حقوق الإنسان: حرية التجمع

السلطات التونسية تحظر التجمعات العامة قبل حلول الذكرى السنوية الـ 11 للثورة التونسية في 14 جانفي/كانون الثاني 2022.

اقرأوا الزيد
انتهاك حقوق الإنسان: الحق في محاكمة عادلة

الرئيس سعيّد يُصدر المرسوم عدد 11 بحلّ المجلس الأعلى للقضاء المستقل واستبداله بهيئة مؤقتة خاضعة لسيطرته بشكل كبير

اقرأوا المزيد
انتهاكات حقوق الإنسان: حرية التعبير وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها والتجمع السلمي

تحقيقات جنائية تُفتح بحق ما لا يقل عن 20 عضوًا بالبرلمان شاركوا في جلسة عامة على الإنترنت للاحتجاج على هيمنة الرئيس سعيّد على السلطة

اقرأوا المزيد
انتهاك حقوق الإنسان: الحق في محاكمة عادلة

الرئيس سعيّد يُصدر المرسوم عدد 35 الذي يمنحه صلاحية فصل القضاة ووكلاء النيابة من مناصبهم، متى أراد ذلك؛ و57 قاضيًا يُعزَلون تعسفًا في اليوم نفسه

اقرأوا المزيد
انتهاك حقوق الإنسان: الحق في محاكمة عادلة

السلطات التونسية تُصدر دستورًا جديدًا بعد عملية مُسرَّعة يشوبها الغموض ويُعتمَد بعد استفتاء للتصويت عليه؛ ويُقوِّض الدستور الضمانات المؤسسية لحقوق الإنسان وينتقص من استقلالية السلطة القضائية على نحو أبعد.

اقرأوا المزيد
انتهاك حقوق الإنسان: الحقوق في المحاكمة العادلة

المحكمة الإدارية في تونس العاصمة تُصدر حكمًا طارئًا تأمر فيه بإعادة 49 من أصل الـ57 قاضيًا ووكيلًا للنيابة الذين عزلهم الرئيس سعيّد تعسفًا في 1 جوان/حزيران 2022، لكن السلطات التونسية لا تمتثل لقرار المحكمة

اقرأوا المزيد
انتهاك حقوق الإنسان: حرية التعبير

السلطات التونسية تُصدر المرسوم عدد 54، وهو قانون قمعي بشأن مكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال يمنح السلطات صلاحيات واسعة النطاق لقمع حرية التعبير وانتهاك خصوصية الأفراد على الإنترنت

اقرأوا المزيد
انتهاك حقوق الإنسان: محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية

محكمة الاستئناف العسكرية تحكم على ستة مدنيين، من بينهم أربعة سياسيين مُعارِضين ومحامٍ بارز، بالسجن لفترات تراوحت بين خمسة أشهر و14 شهرًا لإدانتهم بتهمتي “هضم جانب موظف عمومي” و”الإخلال بالراحة العامة”.

اقرأوا المزيد
انتهاكات حقوق الإنسان: حرية التعبير وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها والتجمع

السلطات تفتح تحقيقات جنائية بحق ما لا يقل عن 21 شخصًا، منذ فيفري/شباط 2023، لتوجيه إليهم اتهامات لا تستند إلى أي أسس بالتآمر؛ وتسعة أشخاص على الأقل يُحتَجَزون على ذمة هذه التحقيقات.

اقرأوا المزيد
انتهاك حقوق الإنسان: التمييز المجحف

الرئيس قيس سعيّد يُدلي بتصريحات تنُمّ عن العنصرية وكراهية الأجانب بحق الأفارقة السود، ما يثير موجة من أعمال العنف وعمليات الترحيل بإجراءات موجزة والاعتقال التعسفي.

اقرأوا المزيد
انتهاك حقوق الإنسان: حرية التعبير

القطب القضائي لمكافحة الإرهاب بتونس يحكم على رئيس حزب حركة النهضة راشد الغنوشي بدفع غرامة والسجن لمدة عام واحد على خلفية تصريحات علنية أدلى بها في العام السابق

اقرأوا المزيد

ما هو الوضع الحالي؟

دستور يُشكِّل خطرًا على حقوق الإنسان

في 30 جوان/حزيران 2022، طرح الرئيس سعيّد مشروع دستور يُرسِّخ سلطاته ويهدد حقوق الإنسان. وقد أُصدِر الدستور بعد صياغته في إطار عملية مُسرَّعة يشوبها الغموض من دون إجراء أي مشاورات فعَّالة مع منظمات المجتمع المدني أو الأحزاب السياسية. وعلى النقيض من ذلك، صاغ المجلس الوطني التأسيسي المُنتخَب الدستور التونسي السابق في عام 2014، في إطار عملية استغرقت عاميْن وشملت جميع الأطياف واتسمت بالشفافية وانطوت على ضمانات فعَّالة لحماية حقوق الإنسان.

وفي 25 جويلية/تموز 2022، اُعتُمِد الدستور الجديد، وحظي بنسبة تأييد بلغت 94% في استفتاء كانت نسبة المشاركة بالكاد أعلى من 30%. ولم يمنح دستور 2022 السلطة القضائية في تونس الضمانات اللازمة للعمل باستقلالية وحيادية كاملتين، وذلك لأسباب تضمنت منح السلطة التنفيذية الصلاحية في تعيين القضاة وعزلهم واتخاذ الإجراءات التأديبية ضدهم.

وعلى عكس دستور 2014، يقوَّض الدستور الجديد الحق في المحاكمة العادلة بشكل كبير بحذف أحد الأحكام الذي كان يمنع محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية. وإضافة إلى ذلك، يحتوي الدستور على أحكام مُقلقة تفسح المجال أمام السلطات لاستغلال الدين كذريعة لإجراء تعديلات قانونية لا تتواءم مع التزامات تونس الدولية بشأن حقوق الإنسان.

وعلى الرغم من أن دستور 2022 حافظ على بعض الحقوق الأساسية، فإنه يمنح الرئيس صلاحيات غير مقيّدة في حالات الطوارئ ويُلغي آليات الرقابة المُستخدَمة لمساءلة السلطات. فلا ينص الفصل 96 المتعلق بـ”التدابير الاستثنائية” على منح الضمانات اللازمة لحماية حقوق الإنسان في حالة الطوارئ. وعلى عكس دستور 2014، لا يفرض الفصل مدة زمنية محددة يُعاد النظر بعدها في القرار ولا ينص على أي سبل للطعن ضد تلك التدابير.

التحقيقات المُوجَّهة وعمليات اعتقال منتقدي السلطات والمعارضين السياسيين

منذ 25 جويلية/تموز 2021، وقع تونسيون، من بينهم صحفيون وأعضاء بالبرلمان ورموز سياسية ورئيس سابق، جميعًا في مرمى استهداف السلطات ولُوحِقوا قضائيًا بسبب معارضتهم لهيمنة الرئيس على السلطة.

وعلى وجه الخصوص، تُجرى تحقيقات مع 21 شخصًا، تضمنوا رموزًا من المُعارَضة ومحامين ورجال أعمال، في إطار القضية المعروفة بقضية “التآمر”. ويُحتَجَز تعسفًا في الوقت الحالي سبعة أشخاص على الأقل على ذمة هذه التحقيقات، من بينهم ناشطا المعارضة جوهر بن مبارك وعصام الشابي والسياسيان خيام التركي وعبد الحميد الجلاصي والمحاميان غازي الشواشي ورضا بلحاج. أفرجت السلطات عن الناشطة شيماء عيسى والمحامي لزهر العكرمي بعد حملة مناصرة كبيرة لإطلاق سراحهما، لكن لا يزال التحقيق جاريًا في التهم نفسها.

أما المعتقلين، فيتمّ التحقيق معهم بتهم مُلفَّقة بالتآمر بموجب 10 فصول من المجلة الجزائية التونسية، بما فيها الفصل 72 الذي ينص على توقيع عقوبة الإعدام على مَن يحاول “تبديل هيئة الدولة”. ويواجهون أيضًا عدة تهم بموجب قانون مكافحة الإرهاب الصادر في 2015، والذي ينص الفصل 32 منه على توقيع عقوبة السجن لمدة تصل إلى 20 عامًا على “مُكوّني التنظيمات أو الوفاقات [الإرهابية]”. ويأتي اعتقالهم واحتجازهم على خلفية ممارسة حقوقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، وهي جميعًا حقوق تحظى بحماية المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، بما فيها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب،

اللذين تشكِّل تونس فيهما دولة طرف. ولم يتورط أيٌ منهم في أي عمل يرقى إلى درجة الجرائم المُعترَف بها في القانون الدولي؛ ومن ثَمَّ، فإن التهم المُوجَّهة إليهم لا تستند إلى أي أسس.

واستهدفت السلطات التونسية، تحديدًا، أعضاء حزب حركة النهضة، أكبر أحزاب المُعارَضة في البلاد؛ إذ بدأت إجراء التحقيقات الجنائية بحق 21 قياديًا وعضوًا بالحزب على الأقل واعتقلت ما لا يقل عن 12 آخرين. واُعتُقِل رئيس الحزب ورئيس مجلس النواب السابق، راشد الغنوشي، في 17 أفريل/نيسان 2023 في إطار قضية منفصلة بتهمة “التآمر ضد الدولة”، التي تضمنت 11 شخصًا آخرين على الأقل. ويجري التحقيق مع الغنوشي في قضايا جنائية أخرى. وفي 15 ماي/أيار، أصدرت محكمة مكافحة الإرهاب في تونس حكمًا بالسجن لمدة عام واحد على الغنوشي، الذي يبلغ من العمر 81 عامًا، ودفع غرامة على خلفية تصريحات علنية أدلى بها خلال جنازة في فيفري/شباط 2022. وكان هذا الحكم الأول الذي يصدر بحقه منذ ثورة 2011.

واُعتُقِل نور الدين البحيري، أحد كبار القياديين بحزب النهضة أيضًا ووزير العدل السابق، في 13 فيفري/شباط 2023 لمحاولة “تبديل هيئة الدولة”، وأُضيف أيضًا إلى قضية “التآمر”. واُعتُقِل البحيري قبلًا في 31 ديسمبر/كانون الأول 2021، ثم أُفرِج عنه بعد احتجازه تعسفًا لمدة 67 يومًا بدون توجيه أي تهمة إليه. وفي أفريل/نيسان 2023، أجرت السلطات تفتيشًا مُكثّفًا للمقر الرئيسي لحزب حركة النهضة في تونس العاصمة لفترة زمنية مُطوَّلة بعد إغلاقه. ووفقًا لما ذكره الحزب، منعت السلطات أعضاءه من عقد أي اجتماعات بمقراته في أرجاء البلاد.

الاعتداء على حرية التعبير وتهديد حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها

كانت حرية التعبير إحدى أهم مطالب ثورة 2011 وأثمن مكاسبها المُحققة. وعلى الرغم من أن الكثير في تونس يواصلون انتقاداتهم لأفعال الرئيس بدون أن تطالهم عواقب جزائية، فإن المحاكم، ومن بينها المحاكم العسكرية، قد لاحقت منتقدي الرئيس قضائيًا لوصفهم أفعال الرئيس بـ”الانقلاب” أو الإدلاء بتصريحات تعتبرها السلطات كاذبة أو “مهينة”. ومنذ 25 جويلية/تموز 2021، فتحت السلطات تحقيقات بحق ما لا يقل عن 39 شخصًا للتعبير السلمي عن آرائهم، بموجب قوانين تضمنت المرسوم عدد 54، وهو قانون قمعي جديد بشأن مكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال والذي يفرض عقوبات مُشدَّدة بالسجن استنادًا إلى عبارات مبهمة مثل “الأخبار الزائفة”.

ويمنح المرسوم السلطات صلاحيات واسعة في مراقبة كيفية استخدام الأشخاص لشبكة الإنترنت. ومنذ اعتماد المرسوم في 13 سبتمبر/أيلول 2022، بدأت السلطات إجراء التحقيقات بحق ما لا يقل عن تسعة أشخاص، تضمنوا صحفيين ومحامين ونشطاء سياسيين. فيجري التحقيق مع الصحفي نزار بهلول، مدير موقع “بيزنس نيوز” الإخباري، منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بموجب الفصل 24 من المرسوم؛ بسبب مقال انتقد فيه رئيس الوزراء. ويجري التحقيق أيضًا مع محامي حقوق الإنسان العياشي الهمامي منذ ديسمبر/كانون الأول 2022؛ بسبب تعليقات إذاعية أدلى بها حول وزير العدل. وفي حالة محاكمة بهلول والهمامي وإدانتهما، قد يواجه كلاهما السجن لمدة تصل إلى 10 أعوام.

ومنذ 25 جويلية/تموز 2021، أدلى الرئيس سعيّد عدة مرات بتعليقات انطوت على تهديدات لمنظمات المجتمع المدني. ففي خطاب مُصوَّر بالفيديو في 24 فيفري/شباط 2022، اتهم هذه المنظمات بخدمة مصالح أجنبية. وفي الخطاب نفسه، قال إنه يعتزم منع المنظمات غير الحكومية من تلقي أي تمويل من الخارج. ولا يُمثل الهجوم اللفظي التهديد الوحيد الذي يُداهم الحيّز المدني في تونس. فقد سُرِّب مشروع القانون إلى جمعيات في المجتمع المدني بتونس في جانفي/كانون الثاني 2022. وإذا اُعتُمِد هذا المشروع، سيُعرقل عملها بمنح صلاحيات واسعة النطاق للسلطات بالتدخل واعتراض أنشطة منظمات المجتمع المدني وتمويلها؛ إذ أنه قد يُعيد فرض أحد المتطلبات التي كانت تُفرَض على جمعيات المجتمع المدني في عهد بن علي للحصول على تصريح من الحكومة، قبل أن يمكنها العمل.

ويُنظِّم أيضًا أنشطة جمعيات المجتمع المدني وما تنشره من مواد، استنادًا إلى اعتبارات تُصاغ صياغةً مُبهمةً وفضفاضةً للغاية مثل “تهديد وحدة الدولة”، ويُلزِم بالحصول على موافقة مسبقة من البنك المركزي التونسي لتلقي أي تمويل من الخارج. ويجيز كذلك للسلطات حلّ جمعيات المجتمع المدني من دون أي رقابة قضائية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بينما كان يُجرى الاستعراض الدوري الشامل الرابع لتونس، أشارت السلطات إلى اعتزامها تعديل قانون الجمعيات في البلاد بدون إبداء أي تفاصيل أخرى، وذلك في تقرير وتعليقات مكتوبة قدمتها إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

Amnesty International

طالبوا السلطات التونسية بوضع حد لتراجع حالة حقوق الإنسان في تونس

الاعتداء على الحقوق في محاكمة عادلة

تُرجِم هجوم الرئيس قيس سعيّد لفظيًا في تصريحاته على السلطة القضائية إلى مراسيم تُقوِّض من استقلاليتها وتنتقص من الحقوق في المحاكمة العادلة. وإضافة إلى ذلك، يتواءم الدستور الذي اُعتُمِد في 25 جويلية/تموز 2022 مع رؤية الرئيس لنظامٍ قضائي يُشكِّل محض وظيفة من وظائف الدولة، لا سلطة منفصلة ومستقلة عنها ذات ضمانات وثيقة لحمايتها من تدخلات الحكومة. ويُمكِّن مشروع الدستور الرئيس من تعيين القضاة بموجب مراسيم ويتيح المجال أمام الحكومة لاتخاذ إجراءات تأديبية بحق القضاة، بدلًا من منح هذا الحق حصريًا لمؤسسة مستقلة. وتُعيد هذه الرؤية إلى الأذهان كيف كان يسير عمل السلطة القضائية في عهد بن علي، دكتاتور تونس السابق، حينما كان تعيين القضاة ووكلاء النيابة مرهونًا بموافقته وخاضعًا لنفوذه.

وبعد الإطاحة ببن علي في 2011، أنشأت السلطات التونسية المجلس الأعلى للقضاء للإشراف على المسارات الوظيفية للقضاة ولحماية السلطة القضائية من تدخلات السلطات التنفيذية. وبعد مرور 11 عامًا، قرر الرئيس سعيّد منفردًا حلّ المجلس الأعلى للقضاء. ففي 5 فيفري/شباط 2022، وبعد أشهر من توجيه اتهامات إلى السلطة القضائية بالفساد والإهمال، أعلن الرئيس في خطاب مُصوَّر بالفيديو بوزارة الداخلية أن على المجلس “أن يُعتبر في عداد الماضي من هذه اللحظة”. وفي 12 فيفيري/شباط 2022، أصدر سعيّد المرسوم عدد 11 وحلّ بموجبه المجلس واستبدله بمجلس مؤقت جديد، مانحًا نفسه صلاحية كبرى للتحكُم في المسارات الوظيفية للقضاة والإجراءات التأديبية.

وفي 1 جوان/حزيران 2022، أحكم الرئيس سعيّد سيطرته على السلطة القضائية على نحو أكبر بإصدار المرسوم عدد 35 بتعديل المرسوم عدد 11، الذي يمنحه السلطة في فصل القضاة ووكلاء النيابة من مناصبهم، متى أراد ذلك. ووفقًا للمرسوم عدد 35، فإن فصل قاضٍ أو وكيل نيابة من منصبه بقرار من الرئيس يفضي إلى بدء ملاحقة جنائية تقوم على مزاعم حول سوء السلوك. وفي اليوم ذاته، أُصدِر مرسوم في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية (الجريدة الرسمية) بأسماء 57 قاضيًا عزلهم الرئيس سعيّد تعسفًا.

وفي 10 أوت/آب 2022، أمرت المحكمة الإدارية في تونس العاصمة بإعادة 49 من أصل الـ57 قاضيًا ووكيلًا للنيابة الذين عُزِلوا تعسفًا، إلا أن السلطات التونسية لم تمتثل لقرار المحكمة، متجاهلة تمامًا أي اعتبار لسيادة القانون. وكان ينبغي لهؤلاء القضاة ووكلاء النيابة، رجالًا ونساءً، أن يحظوا بحقوقهم في العمل وفي المحاكمة العادلة، كما أمرت المحكمة. وبدلًا من ذلك، فإنهم يقعون حاليًا تحت رحمة التدابير التعسفية التي تتخذها الحكومة بحقهم.

وفي 1 جوان/يونيو 2023، بعد مرور عام على عزل الرئيس سعيّد للقضاة تعسفًا، كررت منظمة العفو الدولية و36 منظمة حقوقية على الصعيديْن الدولي والوطني دعواتها إلى إلغاء المرسوم عدد 35.

خطاب الكراهية والاعتداءات على المهاجرين واللاجئين

أدلى الرئيس سعيّد، في 21 فيفري/شباط 2023، بتعليقات عنصرية نَمَّت عن كراهية الأجانب وأثارت موجة من أعمال العنف بحق السود، بما فيها اعتداءات وعمليات ترحيل بإجراءات موجزة واعتقال تعسفي لرعايا أجانب من دول إفريقية. فقد قال سعيّد إن “جحافل المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء” قد توافدوا إلى تونس، “مع ما يؤدي إليه هذا الوضع من عنف وجرائم وممارسات غير مقبولة”. وأضاف أن هذا الوضع “غير طبيعي” ويُشكّل جزءًا من “ترتيب إجرامي يرمي إلى تغيير التركيبة الديموغرافية” وتحويل تونس إلى “دولة أفريقية فقط ولا انتماء لها للأمتين العربية والإسلامية”.

وبعد تصريحات الرئيس، اعتقلت الشرطة تعسفًا ما لا يقل عن 840 مهاجرًا ولاجئًا وطالب لجوء في عدة مدن بتونس خلال فيفري/شباط 2023. وانتهى المطاف ببعضٍ منهم بالاحتجاز التعسفي في مركز احتجاز الوردية سيء السمعة، وهو منشأة تُستَخدَم فقط في احتجاز الأفراد على خلفية جرائم متعلقة بالهجرة.

وبحلول منتصف ماي/أيار، خلصت منظمة العفو الدولية إلى استمرار احتجاز مهاجرين إلى أجل غير مُسمى بالوردية في ظل ظروف مريعة وبدون اتخاذ الإجراءات القانونية الواجبة أو إتاحة المجال أمامهم للاتصال بمحامين.

وقد تصاعدت الاعتداءات على الأفارقة السود أيضًا عقب تصريحات الرئيس التي نَمَّت عن الكراهية، مع خروج مجموعات غوغائية إلى الشوارع للاعتداء على المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء. واندلعت توترات لاحقًا في مدينة صفاقس بالساحل الجنوبي للبلاد، أسفرت عن وفاة مهاجر في ماي/أيار ورجل تونسي في جويلية/تموز. وعلى إثر ذلك، نُفِّذَت عمليات طرد جماعي لمئات المهاجرين وطالبي اللجوء من الأفارقة السود، بحسب ما ذكرته جمعيات حقوقية.

بدأ الأمر عندما تحدث الرئيس عن السود. لم أستمع إليه، لكنّ بعض رفاقي في الشقة لاحظوا محتوى عدائي على فيسبوك ومجموعات غوغاء تهاجم مهاجرين. بعد أيام قليلة على الخطاب، جاءت مجموعة من الشبان أمام المنزل وأخذوا يصرخون ومعهم عصي، حوالي الساعة السابعة مساءً ولم نعرف كيف نتصرّف. ترجر، مهاجر من نيجيريا

تونس العاصمة – تونس، 21 مارس/آذار 2023: شخص يحمل لافتة خلال التظاهرة التي أقيمت أمام مقر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العاصمة التونسية للمطالبة بالمساعدة في الإجلاء من البلاد وسط موجة عنف متزايدة تستهدفهم. (الصورة لـHasan Mrad/DeFodi Images via Getty Images)

تونس: تدهور حقوق الإنسان على مدى عام منذ هيمنة الرئيس على السلطة

نتائج وتوصيات

كان العامان اللذان أعقبا منح الرئيس سعيّد صلاحيات واسعة لنفسه في 25 جويلية/تموز 2021 حافليْن بالكوارث على صعيد حقوق الإنسان الأساسية وضمانات حمايتها في تونس. فقد شهدت هذه الحقوق والضمانات تعديات وتهديدات من جانب الرئيس سعيّد بل وقد أُهدِرَت. وتدعو منظمة العفو الدولية السلطات التونسية إلى ما يلي:

  • الإفراج على الفور عن جميع المُحتَجَزين تعسفًا، ووقف محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، ووقف التحقيقات الجنائية والملاحقات القضائية بحق الأشخاص لمجرد ممارستهم السلمية لحقوقهم الإنسانية، بما فيها الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها والتجمع السلمي؛

  • إلغاء المرسوم الرئاسي عدد 54 وإلغاء جميع القوانين الأخرى التي تُجرِّم الممارسة المشروعة للحق في حرية التعبير أو تعديلها؛

  • الالتزام علنًا بضمان حماية الحيّز المدني في تونس والإبقاء على الحقوق الممنوحة بموجب المرسوم عدد 88 التقدمي الذي صدر بعد الثورة؛ وتوضيح ما إذا كانت الحكومة تعتزم تعديل المرسوم وإعلانها كيفية عقد المشاورات المزمعة بصورة فعَّالة مع الجمعيات غير الحكومية بشأن أي تغييرات تشريعية؛

  • إلغاء المرسوميْن عدد 35 و11 على الفور، لإلغاء صلاحية الرئيس في عزل القضاة وتعزيز الاستقلالية القضائية بإعادة المجلس الأعلى للقضاء الذي حُلّ؛

  • حماية الحقوق الإنسانية للرعايا الأجانب من الأفارقة السود، بمَن فيهم المهاجرون وطالبو اللجوء واللاجئون؛ ووضع حد لممارسات الاحتجاز التعسفي للمهاجرين وعمليات الإعادة بإجراءات موجزة والتي لا يُتاح فيها إجراء تقييم للمخاطر الناجمة عن إعادتهم القسرية؛

  • إجراء تحقيقات مستفيضة وفعَّالة تتسم بالاستقلالية والحيادية والشفافية على جناح السرعة بشأن الاعتداءات بحق الرعايا الأجانب من الأفارقة السود، بمَن فيهم المهاجرون وطالبو اللجوء واللاجئون؛ ومساءلة أي شخص يُشتبَه في مسؤوليته عن ذلك وإتاحة سبل التماس العدالة والانتصاف الفعَّال أمام الضحايا.

إن أوضاع حقوق الإنسان في تونس تتسم بالهشاشة، وتستدعي المبادرة بالتحرُك على الفور. انضموا إلينا وحثوا السلطات التونسية على ضمان الإفراج الفوري عن جميع المُحتَجَزين تعسفًا، ووقف الملاحقات القضائية للأشخاص لمجرد ممارستهم السلمية لحقوقهم الإنسانية. وحثوا الرئيس قيس سعيّد وحكومته على وقف تعدياتهما على ضمانات المحاكمة العادلة وعلى حماية حقوق اللاجئين والمهاجرين.