قالت منظمة العفو الدولية اليوم إنَّ مشروع الدستور الجديد الذي أصدرته السلطات التونسية في 30 جوان/حزيران، بعد مسار صياغة مُبهم ومسرّع، يقوّض الضمانات المؤسساتية لحقوق الإنسان، بما في ذلك عن طريق الإمعان في الحدّ من استقلالية القضاء. وكان الرئيس قيس سعيّد قد أعلن عن إجراء استفتاء على مشروع الدستور الجديد في 25 جويلية/تموز الجاري.
لا يوفر مشروع الدستور للقضاء التونسي الضمانات اللازمة للعمل باستقلالية وحيادية تامّتَيْن، ويزيل آليات الرقابة المُعتمدة لمحاسبة السلطات. وهو يتضمن أحكامًا مثيرة للقلق من شأنها أن تُعطي مجالاً للسلطات لتفسير الحقوق بطرق تقييدية باسم الإسلام. وفي حين أن مشروع الدستور المكتوب لا يزال يصون العديد من الحقوق الرئيسية، إلا أنه يمنح الرئيس صلاحيات طوارئ غير مقيّدة إلى حد كبير قد يستعملها لتقويض حقوق الإنسان.
وقالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “إنَّ المشروع المقترح يفكك العديد من الضمانات المنصوص عليها في دستور ما بعد الثورة ولا يوفر ضمانات مؤسساتية لحقوق الإنسان. تبعث إزالة هذه الضمانات برسالة مروعة وتمثّل نكسة لجهود بُذلت على مدى أعوام لتعزيز حماية حقوق الإنسان في تونس”.
“من الصادم أنَّ الشعب التونسي حُرم من شرح شفاف يوضح كيف تمت صياغة مشروع الدستور الجديد. يتوجّب على السلطات ضمان توفر المعلومات التي تحظى باهتمام عام للجميع، وإخضاع مشروع الدستور، كما هو الحال مع أي تشريع جديد، لتمحيص عام وسياسي فعلي ومجدٍ”.
في 19 ماي/أيار، أنشأ الرئيس سعيّد الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة، والتي كُلفت بصياغة دستور جديد خلف الأبواب المغلقة. ولم يُتَح للعموم الاطلاع على عمل الهيئة ولا المشاركة في مسار الصياغة لأن المرسوم الرئاسي المنشئ للهيئة فرض “سرية المداولات” على عملها. والأمر الأكثر إرباكًا هو أنه في 3 جويلية/تموز، قال رئيس الهيئة إنّ نصّ مشروع الدستور الذي أعلن عنه الرئيس سعيّد لا يمتّ بصلة إلى النصّ الذي أعدّته الهيئة.
مشروع الدستور الجديد المنشور في الرائد الرسمي )الجريدة الرسمية( هو نص جديد تمامًا لا يحافظ إلا على بعض أحكام الدستور الحالي. وإذا تم إقراره، فإنه سيحل محل دستور عام 2014، الذي صاغه المجلس الوطني التأسيسي المنتخب من خلال مسار شموليّ وشفاف استمرّ لعامَيْن وتضمّن ضمانات قوية لحقوق الإنسان.
تقويض استقلالية القضاء
ويقترح مشروع الدستور إنشاء ثلاثة مجالس عليا للقضاء للإشراف على السلطة القضائية، لكنه لا يضمن استقلاليتها.
المجلس الأعلى للقضاء، بموجب دستور 2014، هو هيئة تهدف إلى حماية القضاء من تدخل السلطة التنفيذية. وكان دستور 2014 قد عزّز استقلالية وحيادية المجلس الأعلى للقضاء من خلال اشتراط أن يكون ثلثا أعضائه على الأقل قضاة ينتخبهم أقرانهم. ولا يتضمن مشروع الدستور الجديد أي ذكر لكيفية تكوين المجالس العليا للقضاء.
بالإضافة إلى ذلك، ينص مشروع الدستور على أن القضاة يعيَّنون بأمر رئاسي مباشر بناء على توصية من المجلس الأعلى للقضاء، وهي انتكاسة مقارنة بدستور 2014 الذي كان يستلزم من الرئيس اتباع رأي مطابق من المجلس لتعيين القضاة، كما كان يفوّض المجلس بالإشراف على عزل القضاة وترقيتهم ونقلهم. ويفتح مشروع الدستور الباب أمام تأديب القضاة وعزلهم من قبل السلطات التنفيذية من خلال إزالة الإشارة إلى أن مثل هذه القرارات يجب أن تُتخذ وفقًا “لقرار معلل من المجلس الأعلى للقضاء”.
إنَّ المشروع المقترح يفكك العديد من الضمانات المنصوص عليها في دستور ما بعد الثورة ولا يوفر ضمانات مؤسساتية لحقوق الإنسان
هبة مرايف، منظمة العفو الدولية
وقالت منظمة العفو الدولية إنَّ المعايير الدولية تقتضي أن يكون تعيين القضاة وترقيتهم وتأديبهم مستقلًا بما فيه الكفاية عن السلطة التنفيذية، وأن يخضع لإجراءات شفافة، بما يتماشى مع مبدأ الفصل بين السلطات الذي يضمن الضوابط والتوازنات الفعالة بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية للحكومة ضد التجاوزات والانتهاكات.
ويأتي تآكل استقلالية القضاء التونسي المقترح في مشروع الدستور هذا بعد نحو عام من الهجمات المتتالية على القضاء منذ استيلاء الرئيس سعيّد على السلطة. ففي فيفري/شباط، استبدل الرئيس سعيّد المجلس الأعلى للقضاء المستقل بمؤسسة مؤقتة تحت نفوذه المباشر. وفي جوان/حزيران، منح نفسه بشكل غير قانوني المزيد من الصلاحيات لعزل القضاة تعسفيًا، وفصل 57 قاضيًا بإجراءات تعسفية.
كما يلغي مشروع الدستور شرطًا في الدستور الحالي ينصّ على تعامل المحاكم العسكرية مع الجرائم العسكرية فقط، والذي يهدف إلى حماية المدنيين من المثول أمام هذه المحاكم.
ونتيجة لتقاعس المشرعين عن إصلاح القوانين اللازمة للامتثال لهذا الشرط، استمرت محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية منذ 2014. ومع ذلك، فإن حذف هذه الضمانة من الدستور بالكامل قد يؤدي إلى تفاقم هذا الوضع، لا سيما بالنظر إلى الزيادة المقلقة في عدد المدنيين الذين حوكموا أمام المحاكم العسكرية منذ استيلاء الرئيس سعيّد على السلطة.
سلطات طوارئ غير خاضعة للرقابة
كما لا يوفّر الفصل 96 من مشروع الدستور الضمانات اللازمة لحماية حقوق الإنسان في ظل حالة الطوارئ.
وخلافًا لدستور عام 2014، فإنه لا ينص على أي هيئات للطعن في التدابير الاستثنائية ولا يفرض حدًا زمنيًا لمراجعة القرار. كما يُغفل هذا الفصل في مشروع الدستور الشرط السابق بأن “تؤمّن التدابير عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال”.
وفقًا للمعايير الدولية، لا ينبغي تطبيق سلطات الطوارئ والتدابير الاستثنائية إلا عندما يكون ذلك ضروريًا للغاية لحماية الأمن القومي من تهديد يطال “بقاء الأمة”. وذكرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، وهي هيئة الأمم المتحدة التي تراقب تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أنَّ التدابير التي لا تتقيّد بأحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عملًا بحالة الطوارئ يجب أن تكون استثنائية ومؤقتة. ويجب أن يكون الهدف الرئيسي للدولة هو العودة إلى الوضع الطبيعي.
مخاطر التنويهات الدينية في الفصل الخامس
ينصّ الفصل الخامس من مشروع الدستور على أنّ “تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدين والحرية”.
ويمكن لهذه اللغة في الكتابة أن تسمح لقادة الدولة والمشرعين والمحاكم بالإشارة إلى “مقاصد الإسلام” كأساس لتقويض حقوق الإنسان، خاصة عند مراجعة القوانين المتعلقة بالمساواة بين الجنسين أو الحقوق والحريات الفردية، بحجة أنها تتعارض مع المبادئ الدينية. وإذا ما تم إقرار هذا الفصل، قد يتيح التمييز ضد الجماعات الدينية الأخرى.
خلفية من المقرر إجراء استفتاء على مشروع الدستور الجديد في 25 جويلية/تموز، الذي يصادف مرور عام على تعليق الرئيس سعيّد عمل البرلمان ومنح نفسه الحق الحصري في الحكم بمرسوم وإعادة صياغة الدستور التونسي. ومنذ ذلك الحين، تجاوزت السلطات المحاكم بشكل متزايد لتفرض بشكل تعسفي إجراءات حظر السفر والإقامة الجبرية، وحاكمت عشرات الأفراد لانتقادهم الرئيس.