قالت منظمة العفو الدولية إن الرئيس التونسي قيس سعيد، في الشهر الأول منذ توليه سلطات استثنائية، قد استخدم على نطاق واسع حظر السفر التعسفي في تونس خارج الأطر القضائية، ودعته إلى احترام حق التونسيين في حرية التنقل. وفي 23 أوت/آب، أعلن الرئيس تمديد تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه “حتى إشعار آخر”.
وقد وثقت المنظمة حالات ما لا يقل عن 50 شخصاً، من بينهم قضاة وكبار موظفي الدولة، وموظفي الخدمة المدنية، ورجال أعمال وأحد البرلمانيين، منعوا من السفر إلى الخارج خلال الشهر الماضي دون أي إذن قضائي، أو أمر مكتوب، أو إبداء الأسباب، أو إطار زمني للحظر. ومن المرجح أن يكون العدد الإجمالي، للذين يواجهون حظر السفر منذ 25 جويلية/تموز، أكبر بكثير.
وقالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “إن تجميد الرئيس سعيد لعمل البرلمان إلى أجل غير مسمى لا يمكن أن يكون مبرراً لانتهاك الحقوق والحريات في البلاد أو تقويض القضاء. فقد فرضت السلطات التونسية حظر سفر غير قانوني وتعسفي على أشخاص في الأسابيع الأخيرة دون مبرر، وفي غياب أي أمر قضائي، في انتهاك صارخ لحقهم في حرية التنقل.
“وحتى في ظل الظروف الاستثنائية، ينبغي أن يكون الشخص قادراً على الاطلاع على الأدلة التي يستند إليها حظر السفر، والطعن فيها. وأما إذا أرادت السلطات التونسية أن يُنظر إلى هذه الإجراءات على أنها خطوات مشروعة باسم مكافحة الفساد أو ضمان أمن الدول، فإنها بحاجة إلى إيجاد وسيلة محدودة وخاضعة للمساءلة للقيام بذلك بحيث لا تمنع قطاعات واسعة من الجمهور من السفر إلى الخارج”.
وفي خطاب ألقاه في مطار تونس في 16 أوت/آب، أشار الرئيس قيس سعيد إلى الانتقادات الأخيرة لحظر السفر من قبل مجموعات المجتمع المدني والأحزاب السياسية التونسية، قائلاً إنه لا ينوي تقويض الحق في حرية التنقل، فهو “مكفول بموجب الدستور والمعايير الدولية.” وقد برر القيود المفروضة حديثاً بأنها جزء من الجهود المبذولة لمنع الأشخاص المشتبه في تورطهم بالفساد، أو في أنهم يشكلون تهديداً أمنياً، من الفرار من البلاد.
ولكن مراجعة منظمة العفو الدولية لخمسين حالة تُظهر أن أولئك الممنوعين من السفر لم تكن ضدهم دعوى قضائية فعلية ولم يكن هناك تحقيق قضائي جار لهم، وأن مسؤولي أمن المطار أبلغوهم شفهياً ولم يقدموا لهم أمراً قضائياً، كما هو مطلوب بموجب القانون التونسي. إن عدم وجود قرار مكتوب، أو سبب لتقييد حرية تنقلهم، يقوض أيضاً قدرتهم على الطعن في الحظر أمام المحاكم التونسية. وقد تم إبلاغ أولئك الذين تم حظرهم من السفر شفهياً من قبل مسؤولي أمن المطار بأن هذا كان قراراً اتخذته وزارة الداخلية، أو في حالة واحدة، هو قرار صادر عن ” كبار المسؤولين في القصر الرئاسي”.
وينص القانون التونسي رقم 75-40 المؤرخ في 14 ماي/أيار 1975، والذي ينظم إصدار وثائق السفر، بوضوح على أن السلطات القضائية هي الكيان الوحيد المخول بإصدار حظر السفر. كما ينص القانون على تقديم أسباب حظر السفر، وإبلاغ الناس بالقرار على وجه السرعة، وأن لهم الحق في الطعن في القرار.
في 19 أوت/آب، مُنع من السفر 23 من كبار الموظفين الحكوميين من هيئات الرقابة والتفقد و21 فرداً من عائلاتهم، كانوا متوجهين إلى تركيا لقضاء عطلة جماعية. وكانت المجموعة جميعها مؤلفة من أعضاء في جمعية أدانت ما تعرضت له من حظر في بيان نُشر على حسابها على فيسبوك. وقال أحد أعضاء المجموعة، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لمنظمة العفو الدولية إن شرطة الحدود تركت 30 منهم، بينهم أطفال، ينتظرون خمس ساعات في غرفة انتظار في مطار تونس، دون توفير طعام أو ماء، ولم يقدموا لهم قراراً خطياً، ولم يفسروا أسباب حظر السفر. وقد أرغم مسؤولو الحدود 14 عضواً آخرين في المجموعة، كانوا قد دخلوا إلى الطائرة بالفعل، على النزول منها. ولم يكن قد تم إبلاغ أي شخص في المجموعة، في أي وقت، بأي إجراءات قضائية ضدهم – سواء كانت أوامر توقيف أو استدعاءات للتحقيق.
وأضاف قائلاً: “لم يكن هناك أي مبرر لمثل هذه المعاملة المهينة. فكلنا مديرون كبار في الإدارة العامة التونسية، وليس لدينا سجل جنائي أو دعوى قضائية معلقة، وكنا قد أبلغنا جميع السلطات المعنية بهذه الرحلة”.
وحتى في ظل الظروف الاستثنائية، ينبغي أن يكون الشخص قادراً على الاطلاع على الأدلة التي يستند إليها حظر السفر، والطعن فيها.
هبة مرايف، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية
ومُنع زياد عجرة، وهو مهندس معماري ومدير شركة، من السفر إلى تركيا لقضاء عطلة في 10 أوت/آب. وأخبر منظمة العفو الدولية أنه أرغم على الانتظار لمدة 45 دقيقة حيث أجرى الضباط مكالمات هاتفية قبل إبلاغه شفاهياً بأنه ممنوع من السفر بسبب “تعليمات من كبار المسؤولين”. وعندما سأل لماذا؟ قالوا: “ليست لدينا أي معلومات”، ولم يقدموا له أي قرار مكتوب.
وتم إيقاف اسكندر الرقيق، وهو رجل أعمال وناشط سياسي، في المطار أثناء سفره إلى تركيا في 9 أوت/آب، واستجوبته الشرطة بشأن عمله وأنشطته السياسية. وأجبر على الانتظار لمدة ساعتين قبل إبلاغه بمنعه من السفر بناءً على أوامر من “كبار المسؤولين في القصر الرئاسي”. وقد طلب الرقيق تقديم وثيقة مكتوبة ليتمكن من الطعن في القرار، لكن الضباط قالوا إنهم لا يستطيعون إعطائه أي شيء. وأخبر منظمة العفو الدولية أنه منذ 25 جويلية/ تموز، أعرب على فيسبوك عن آراء تنتقد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس، بما في ذلك وصف قرار الرئيس بتعليق عمل البرلمان بأنه “انقلاب”.
وأما إيمان لعبيدي، وهي قاضية في المحكمة الابتدائية في قرمباليا، مدينة تقع على بعد 40 كم جنوب تونس العاصمة، فكانت مسافرة إلى تركيا لقضاء عطلة في 6 أوت/آب. وأُجبرت على الانتظار لمدة ساعتين قبل أن تُخبر بأنها مُنعت من السفر بسبب “إشعار” من وزارة الداخلية بشأنها. وكانت على علم بزميلين آخرين على الأقل، ممنوعين من السفر.
ومُنع أنور بن الشاهد، عضو البرلمان عن حزب التيار الديمقراطي، من السفر إلى فرنسا في 15 أوت/آب. وأخبر منظمة العفو الدولية أن ضباط الشرطة أخذوا جواز سفره وأبقوه منتظراً لمدة ساعة قبل إبلاغه بفرض حظر سفر عليه دون أي توضيح آخر.
وتحث منظمة العفو الدولية الرئيس سعيد، والسلطات المعنية، على إنهاء استخدام حظر السفر التعسفي، واحترام حرية التنقل على النحو المكفول بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وكلاهما صادقت عليهما تونس. ويجب أن تكون أي قيود على هذا الحق ضرورية ومتناسبة وخاضعة لمراجعة قضائية ذات مغزى.
خلفية
في 25 جويلية/تموز، بعد يوم من الاحتجاجات، أعلن الرئيس سعيد عن تجميد عمل البرلمان مؤقتاً لمدة 30 يوماً متذرعاً بالمادة 80 من الدستور، والتي فسرها على أنها تمنحه الحق في اتخاذ إجراءات استثنائية بما فيها تجميد البرلمان في حالة وجود “خطر داهم مهدد لأمن البلاد واستقلالها”.
انتهى