تونس: ارتفاع مقلق في عدد المدنيين الذي يَمْثلون أمام محاكم عسكرية

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن المحاكم العسكرية في تونس تستهدف المدنيين بشكل متزايد، وفي بعض الحالات، بسبب انتقادهم العلني للرئيس قيس سعيد منذ أن أعلن استحواذه على سلطات جديدة واسعة النطاق في 25 جويلية/تموز. وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة وحدها، حقق القضاء العسكري مع ما لا يقل عن عشرة مدنيين، أو حاكمهم، بشأن مجموعة من الجرائم. وسلّطت المنظمة الضوء على أربع حالات مثل فيها مدنيون أمام القضاء العسكري لمجرد انتقادهم الرئيس: وهي حالة المذيع التلفزيوني عامر عياد، وحالتا النائبين في البرلمان عبد اللطيف العلوي وياسين العياري، وحالة الناشط على فيسبوك، سليم الجبالي.

وقالت : “لا ينبغي أبدًا محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية. ومع ذلك، في تونس، يبدو أن عدد المدنيين الذين يمثلون أمام نظام القضاء العسكري يتزايد بمعدل مقلق للغاية – ففي الأشهر الثلاثة الماضية وحدها، فاق عدد المدنيين الذين مثلوا أمام المحاكم العسكرية عددهم في السنوات العشر السابقة مجتمعة”.

“وفي أربع حالات، يمثل المدنيون أمام المحاكم العسكرية لمجرّد التعبير السلمي عن رأيهم المنتقد للحكومة. وبينما يناقش التونسيون المستقبل الغامض لبلدهم، من المهم أكثر من أي وقت مضى أن تحمي السلطات حقهم في القيام بذلك بحرية – حتى عندما يُعتبر ذلك “مهيناً” – دون خوف من الاضطهاد.”

بينما يناقش التونسيون المستقبل الغامض لبلدهم، من المهم أكثر من أي وقت مضى أن تحمي السلطات حقهم في القيام بذلك بحرية – حتى عندما يُعتبر ذلك “مهيناً” – دون خوف من الاضطهاد.

هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية

في 22 سبتمبر/أيلول، أصدر الرئيس قيس سعيد المرسوم بقانون رقم 117، الذي يعطل جميع فصول الدستور التونسي باستثناء فصلين والتوطئة، ما يمنح الرئيس السيطرة على معظم جوانب الحكم، بما في ذلك الحق في التشريع من خلال المراسيم، وتنظيم وسائل الإعلام، والمجتمع المدني، والمحاكم. وفي بادئ الأمر، فرضت السلطات 11 إقامة جبرية تعسفية، على الأقل، على بعض أعضاء في البرلمان، ومسؤولين سابقين، ولكنها رفعت فيما بعد أوامر الإقامة الجبرية في جميع الحالات الـ11.

محاكمات عسكرية للمدنيين

بين عامي 2011 و2018، وثقّت منظمات حقوق الإنسان ما لا يقل عن ست حالات لمدنيين، مثلوا أمام القضاء العسكري؛ وقد تم تجاوز هذا العدد في الأشهر الثلاثة الماضية وحدها. 

ومن بين المدنيين الذين يمثلون حالياً أمام محاكم عسكرية، ستة أعضاء في البرلمان من ائتلاف الكرامة، من بينهم عبد اللطيف العلوي، إلى جانب المحامي مهدي زقروبة.  وأخبر أنور أولاد علي، رئيس فريق الدفاع القانوني عن الرجال، منظمة العفو الدولية أنه يجري التحقيق معهم بشأن مشاجرة وقعت مع الشرطة في مطار تونس الدولي في 15 مارس/آذار 2021. ويواجهون تهماً تتعلّق بالاعتداء على النظام العام، والاعتداء ضد أمن الدولة، وإعاقة أو هضم جانب الموظفين العموميين أثناء تأديتهم لوظيفتهم. وفي حين أن بعض هذه التهم تتعلق بجرائم معترف بها بموجب القانون الدولي، فإن المدنيين الذين يواجهون مثل هذه التهم ينبغي أن يمثلوا أمام محكمة مدنية وليست عسكرية.

وتسمح مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية التونسية لنظام القضاء العسكري بمحاكمة المدنيين في ظروف محددة. وينص الفصل 91 من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية على المعاقبة بالسجن لكل شخص عسكري أو مدني يقوم في محل عمومي بتحقير عَلَم الجيش أو انتقاد أعمال القيادة العسكرية أو يمس كرامتها.

ويمنح القانون التونسي الرئيس السيطرة النهائية على تعيين القضاة وممثلي النيابة العمومية في نظام المحاكم العسكرية، بناءً على ترشيحات وزيري الدفاع والعدل. ونتيجة لذلك، تفتقر المحاكم العسكرية إلى الاستقلالية. وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، لا ينبغي أبدًا أن يمثل المدنيون أمام محاكم عسكرية، بغض النظر عن التهم الموجهة إليهم.

تنص المبادئ التوجيهية، الصادرة عن اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، المكلفة بتفسير الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب – والذي تعد تونس دولة طرفاً فيه – على أنه لا ينبغي للمحاكم العسكرية “في أي ظرف من الظروف أن تكون لها ولاية قضائية على المدنيين”.

الاعتقال بسبب الانتقاد

في 3 أكتوبر/تشرين الأول، اعتقلت الشرطة التابعة للفرقة الوطنية لمكافحة الاجرام كل من المذيع عياد، والبرلماني العلوي من منزلهما في مدينتي المنستير وتونس العاصمة، على التوالي، بعد يومين من ظهورهما معاً في البرنامج التلفزيوني “حصاد 24” الذي يقدّمه عياد. وخلال البث، أبدى الرجلان ملاحظات انتقادية للرئيس قيس سعيد، وعبّرا عن شكوكهما فيما يخص درجة السلطة الفعلية الممنوحة لنجلاء بودن، التي عينها قيس سعيد مؤخراً لرئاسة الحكومة الجديدة في تونس.

كما تلا عياد ابيات من قصيدة للشاعر العراقي المعروف، أحمد مطر، عن حوار تخيلي ساخر بين الشاعر وديكتاتور.  ومن جانبه قال العلوي إن اجراءات الرئيس قيس سعيد الأخيرة يجب أن تعتبر “انقلاباً” ويجب مناقشة الموضوع على هذا النحو.

وقامت منظمة العفو الدولية باستعراض مقطع فيديو للبرنامج الذي أتاحته على الإنترنت القناة الخاصة التي بثته، وهي قناة الزيتونة. ووجدت المنظمة أن العلوي وعياداً لم يدليا بأي تصريحات يبدو أنها تشكل لغة تمييزية مجحفة، أو تحريضاً على العنف، أو تتجاوز بغير ذلك النقد السياسي السلمي كما يكفله القانون الدولي.

وأخبر المحامي مالك بن عمر، الذي يمثل الرجلين وكان حاضرا أثناء استجواب الشرطة الأولي لعياد، منظمةَ العفو الدولية إن أسئلة الشرطة ركزت على تصريحات عياد خلال بث الأول من أكتوبر/تشرين الأول. وقال مالك بن عمر إن الشرطة أظهرت له أمراً من مكتب ممثل النيابة العسكرية بالتحقيق مع الرجلين فيما يتعلق بالبث.

وفي 5 أكتوبر/تشرين الأول، أمر قاضي تحقيق بالمحكمة الابتدائية العسكرية الدائمة بتونس بحبس عياد وأفرج عن العلوي مؤقتاً على ذمة التحقيق بموجب الفصل 67 من المجلة الجزائية، الذي ينص على دفع خطية والسجن كل من يرتكب أمرا موحشا ضد رئيس الدولة، وكذلك الفصلين 72 و128 من المجلة الجزائية والفصل 91 من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية.

وفي 22 نوفمبر/تشرين الثاني، سيواجه عضو آخر في البرلمان، وهو ياسين العياري، المحاكمة بتهم المس من كرامة الجيش وارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة. وتستند التهم إلى تعليقات على فيسبوك وصف العياري فيها قرار 25 جويلية/تموز بتعطيل البرلمان بأنه “انقلاب عسكري بتخطيط وتنسيق أجنبي”، واستخدم كلمات مثل “فرعون” و “أبله” لوصف الرئيس.

وفي 13 أكتوبر / تشرين الأول، حكمت محكمة عسكرية في مدينة الكاف على الناشط سليم الجبالي بالسجن لمدة عام بتهم من بينها ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة والمس من كرامة الجيش. وقال محامي الدفاع عمر الرواني لمنظمة العفو الدولية إن الإدانة استندت إلى تعليقات الجبالي على فيسبوك والتي ندد فيها بتركز السلطات في أيدي سعيد منذ 25 جويلية/ تموز.

وبموجب المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن تونس ملزمة بحماية حرية التعبير من خلال الامتناع عن معاقبة أي شخص بسبب الانتقاد، أو عدم الاحترام المفترض تجاه الشخصيات العامة والقادة والمؤسسات. وتشير التوجيهات بشأن تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى أنه حتى إهانة شخصية عامة يجب اعتبارها خطابا مكفولاً بموجب العهد.