قالت منظمة العفو الدولية، قبل إضراب جماعي للأسرى عن الطعام بدءًا من الأسبوع المقبل بمناسبة يوم “الأسير الفلسطيني” في 17 أبريل/نيسان؛ إن سياسة إسرائيل التي مضى عليها عقود طويلة والخاصة باحتجاز الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة في سجون داخل إسرائيل، وحرمانهم من الزيارات العائلية الاعتيادية، ليس سياسة قاسية فحسب؛ بل تُعدُّ أيضًا انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
وتلقي شهادات جمعتها المنظمة من أفراد عائلات، ومن أسرى فلسطينيين محتجزين في السجون الإسرائيلية؛ الضوء على المعاناة التي تكابدها عائلات حرمت في بعض الحالات من رؤية أقاربهم المحتجزين لسنين عديدة.
وقالت ماجدالينا مغربي نائبة المديرة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “إن سياسة إسرائيل عديمة الرحمة في احتجاز الأسرى الفلسطينيين الذين اعتقلوا في الأراضي الفلسطينية المحتلة في سجون داخل إسرائيل هي انتهاك صارخ لاتفاقية جنيف الرابعة. إنه أمر غير قانوني وقاس، وقد تكون عواقب ذلك وخيمة على الأسرى وأحبائهم، الذين غالبًا ما يُحرمون من رؤيتهم لأشهر، وفي بعض الأحيان لسنوات دون نهاية”.
بدلاً من نقل الأسرى الفلسطينيين غير المشروع خارج الأراضي المحتلة، يجب على إسرائيل أن تضمن إبقاء جميع الفلسطينيين الذين اعتقلوا هناك في السجون ومراكز الاحتجاز في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ماجدالينا مغربي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي لمنظمة العفو الدولية في القدس
وتضيف ماجدالينا:”بدلاً من نقل الأسرى الفلسطينيين غير المشروع خارج الأراضي المحتلة، يجب على إسرائيل أن تضمن إبقاء جميع الفلسطينيين الذين اعتقلوا هناك في السجون ومراكز الاحتجاز في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وحتى ذلك الحين، يجب على السلطات الإسرائيلية أن تتوقف عن فرض قيود مفرطة على حقوق الزيارة كوسيلة لعقاب الأسرى وذويهم، وأن تضمن توافق ظروف الاحتجاز مع المعايير الدولية”.
ويطالب الأسرى الفلسطينيون، الذين يستعدون للقيام بإضراب واسع عن الطعام الأسبوع المقبل، بسلسلة من المطالب؛ بما فيها المطالبة بإنهاء القيود التي تفرضها إسرائيل على الزيارات العائلية والتواصل مع أفراد الأسرة. ويُمنَع المعتقلون الفلسطينيون لأسباب أمنية من إجراء مكالمات هاتفية مع عائلاتهم. وقد أعلن عن الإضراب عن الطعام أحدُ زعماء حركة فتح المعتقلين وهو مروان البرغوثي. وقد أعلن عدد من الأحزاب السياسية الأخرى والأسرى أنهم سوف ينضمون إلى الإضراب.
ووفق القانون الإنساني الدولي، يجب أن يُحتجَز المعتقلون من الأراضي المحتلة في الأراضي المحتلة، وليس في أراضي القوة المحتلة. كما يجب أن يُسمَح لهم باستقبال الزوار، لاسيما الأقارب المباشرين، في فترات منتظمة، وبشكل متكرر قدر الممكن.
وفقا لـ”نادي الأسير الفلسطيني”، وهي منظمة غير حكومية، هناك حاليًّا 6500 معتقل فلسطيني، بمن فيهم ما لا يقل عن 300 طفل، احتجزوا لأسباب تتعلق بالأمن في سجون ومرافق احتجاز تديرها إسرائيل. وتقع كل تلك المرافق الـ 17 داخل إسرائيل عدا واحدًا. أما الغالبية الساحقة من المعتقلين فهم من الرجال، وهناك 57 معتقلة، بمن فيهن 13 فتاة دون سن 18 سنة. ومن بين الأسرى ثلاثة عشر من أعضاء “المجلس التشريعي الفلسطيني”. ويُحتجز نحو 500 شخص على الأقل احتجازاً إداريًّا، وهي ممارسة تهزأ بالضمانات المطلوبة بموجب القانون الدولي لمنع الاحتجاز التعسفي دون تهمة أو محاكمة. وقال الناطق الرسمي باسم “هيئة شؤون الأسرى والمحررين” حسن عبد ربه إن ما لا يقل عن 1000 معتقل ممنوعون زيارة ذويهم لهم لـ”أسباب أمنية”. وأضاف أن هناك حاليًّا ما بين 15-20 سجينًا محتجزين بالعزل، يُحظَر عليهم أي اتصال مع الأسرى الآخرين ويحرمون من الزيارات العائلية.
“أحمد البالغ من العمر 32 عامًا من مدينة الخليل والمحتجزٌ حاليًّا احتجازًا إداريًّا في “سجن كتسيوت/النقب” في صحراء النقب، والذي تم تغيير اسمه حمايةً لهويته، تلقى زيارة عائلية وحيدة رغم قضائه بشكل متقطع خمس سنوات ونصف السنة في أحد السجون الإسرائيلية بين عامي 2005 و2017. وقال لمنظمة العفو الدولية إنه يعتزم المشاركة في الإضراب الجماعي أملاً في أن يشكل ذلك ضغطاً على السلطات للسماح لوالدته البالغة من العمر 70 عامًا بزيارته وهي التي رُفِض منحُها تصريحًا لزيارته مرارًا وتكرارًا. وقال أحمد إنه اعتقل سبع مرات في المُجمل. ومن المقرر تجديد أمر اعتقاله الإداري في 29 يوليو/تموز.
وقال أحمد: “لقد زارني أهلي مرة واحدة أثناء وجودي في السجن. في عام 2006 تمكنت أمي وأبي من زيارتي لأن والدي كان مريضًا. كان عمره 75 سنة حينها، كانت آخر مرة رأيته فيها. وتوفي بينما كنت في السجن”.
ويضيف أحمد:”لا يمكن لأحد زيارتي، فأمّي في عقدها السابع من العمر، وحُرمت من الحصول على تصريح الزيارة لأسباب أمنية…لا أعرف متى سوف يُطلَق سراحي أو كم سأمضي من الوقت في السجن، أريد أن أتمكن من رؤية عائلتي. السلطات الإسرائيلية تستخدم التصاريح لمعاقبتي…لا أعرف كم تبقّى لوالدتي من العمر وإن كنت سوف أتمكن من رؤيتها إذا أو عندما يـُطلَق سراحي”.
وقالت نجاة الآغا، وهي امرأة عمرها 67 عامًا من خان يونس في قطاع غزة لمنظمة العفو الدولية إن ابنها، ضياء الآغا، وعمره 43 عامًا، مسجون في إسرائيل منذ 25 سنة. فعندما كان عمره 19 سنة حكم عليه بالسجن مدى الحياة بعد إدانته باتهامات بالقتل. وهو محبوس في “سجن نفحة” في “متسبيه رامون” في الجنوب.
وقالت والدته: “لا أعرف لماذا رفض منحي تصريح بالزيارة. عمري 67 عامًا. أي تهديد أمني أشكّله على إسرائيل؟ كل ما أريده هو رؤيته والتأكد من أنه على ما يرام. لا أعلم كم سأعيش، فأي زيارة لي قد تكون زيارتي الأخيرة. أنا أخشى الموت من دون أن أراه”.
” كلّ مرة أتقدّم بطلب للحصول على تصريح يتمّ رفض طلبي. مرّ عام تقريبًا لم أرَ فيه ولدي، ذلك شيء مدمّر. إنهم يعاقبوننا، وهم يحاولون كسرنا “.
وفقا لأنظمة “مصلحة السجون الإسرائيلية” يحق لكل الأسرى زيارات عائلية مرة كل أسبوعين. ومع ذلك، وعلى أرض الواقع، ونظرًا لأنه يجب على الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية التقدم بطلبات للحصول على تصاريح لدخول إسرائيل، فإن زياراتهم تتم على منوال أقل بكثير في أغلب الأحيان. كما تسمح أنظمة “مصلحة السجون الإسرائيلية” للسلطات بإلغاء حق سجين ما بتلقي الزيارات العائلية لأسباب أمنية.
ويبقى أسرى غزة الأكثر تأثرًا بالقيود الإسرائيلية؛ وذلك بينما لا يمنح الجيش الإسرائيلي التصاريح للأسر من قطاع غزة إلا مرة كل شهرين. وتؤثر هذه السياسة على نحو 365 أسيرًا من غزة محتجزين حاليًّا في إسرائيل. وباﻹضافة إلى ذلك، فإن أسرى حماس، إلى جانب أسرى آخرين يعيشون في أقسام السجن نفسها، لا يُسمح لهم إلا بزيارة واحدة في الشهر، بغضّ النظر من أين هم.
ومنذ عام 1969، كانت “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” المسؤولة عن تأدية دور الوساطة، وتيسير جميع النواحي المتعلقة بالزيارات العائلية للأسرى من الضفة الغربية وقطاع غزة، دون أي مساعدة لوجستية أو مالية من إسرائيل. إن سكان الضفة الغربية وقطاع غزة يتقدمون للحصول على تصاريح زيارة عن طريق الصليب الأحمر، ويعتمدون عليها لترتيب النقل إلى السجون بالاتفاق مع “مصلحة السجون الإسرائيلية”. في يوليو/تموز عام 2016، خفضت “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” عدد الزيارات المنسقة لذوي الأسرى من الضفة الغربية من زيارتين إلى زيارة واحدة في الشهر. وقال أحد ممثلي “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” لمنظمة العفو الدولية إن القرار اتخذ بغية تحسين إدارة موارد “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” بسبب انخفاض حضور العائلات للزيارات.
لكن تقليص عدد الزيارات لا يؤثر على النساء والأطفال والاسرى الذين يعالجون في المستشفيات، ومنذ ذلك الحين، استحدثت “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” ثلاث زيارات سنوية إضافية لجميع الأسرى ، خلال أيام الأعياد.
“ريهام” (ليس اسمها الحقيقي)، امرأة فلسطينية عمرها 27 عامًا من رام الله سُجن أخوها في إسرائيل لمدة 15 عامًا، كان عمرها 12 سنة عندما ألقي القبض عليه. وهو يمضي حكمًا بالسجن لمدة 30 عاماً، محتجز حاليًّا في “سجن هداريم”. وقالت إن حالة الشك في انتظار نتائج الحصول على تصريح الزيارة يشكل ضغطًا كبيرًا على أسرتها. ومنذ أكتوبر/تشرين الأول من عام 2016، رُفِض منح ريهام تصاريح الزيارة العادية لأسباب أمنية، ويتوجب عليها الآن تجديد التصريح بعد كل زيارة. وقد سمح لأمها المريضة بزيارة أخيها مرتين خلال أربع سنوات قبل وفاتها. ولم يسمح له بحضور جنازتها.
إنهم يسعون إلى كسر إرادتنا وإرهاقنا، حتى نخفف زياراتنا لأقاربنا بسبب كل أشكال الإذلال، وعمليات التفتيش، والإساءة، والشتائم من جنود أو حرس السجون
ريهام، امرأة فلسطينية سُجن أخوها في إسرائيل لمدة 15 عامًا
ووفق “مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان”، فإن الرحلة إلى السجن بالنسبة لغالبية سكان الضفة الغربية الذين يريدون زيارة أقاربهم المحتجزين تستغرق بين 8 وحتى 15 ساعة تبعًا للسجن ومكان الإقامة. ويتعرض أقارب الأسرى لعمليات تفتيش جسدي مطولة، وأحيانًا يُطلًب منهم خلع ملابسهم أثناء التفتيش.
وقالت ريهام:” السلطات الإسرائيلية تلعب بعواطفنا، إنها تعذبنا وتعاقبنا. إنهم يسعون إلى كسر إرادتنا وإرهاقنا، حتى نخفف زياراتنا لأقاربنا بسبب كل أشكال الإذلال، وعمليات التفتيش، والإساءة، والشتائم من جنود أو حرس السجون”.
خلفية
وبالإضافة إلى المطالبة برفع القيود المفروضة على الزيارات العائلية، سيطالب الأسرى المضربون عن الطعام بسلسلة مطالب، بما فيها المطالبة بتحسين تلقي الرعاية الطبية؛ والمطالبات بزيادة مدة الزيارة من 45 دقيقة إلى 90 دقيقة؛ والمطالبات من السجينات بزيارات عائلية من دون الحواجز الزجاجية للسماح للأمهات بحضن أطفالهن؛ وتحسين ظروف الاحتجاز بما في ذلك تخفيف القيود المفروضة على إدخال الكتب، والملابس، والغذاء، وغير ذلك من الهدايا من أفراد الأسرة؛ وإعادة بعض المرافق التعليمية؛ وتركيب هواتف لتمكين الاسرى من التواصل مع عائلاتهم.