لبنان: عائلات الضحايا محبطة بعد إطلاق سراح موقوفي انفجار المرفأ

على “مجلس حقوق الإنسان” إنشاء بعثة للتحقيق

(بيروت، 25 يناير/كانون الثاني 2023) – قالت “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية” اليوم إن المدعي العام التمييزي اللبناني أمر في 25 يناير/كانون الثاني 2023 بالإفراج عن جميع المشتبه بهم في قضية الانفجار الكارثي، الذي وقع في مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020. هذا التحرك غير المسبوق وسط التدخل السياسي المتفشي يتجاوز التحقيق الجنائي الجاري في الانفجار.

للمساعدة في تأمين مسار نحو الحقيقة والعدالة للضحايا، ينبغي على “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة” إصدار قرار طارئ لإنشاء بعثة محايدة لتقصي الحقائق في انفجار مرفأ بيروت.

قالت لما فقيه، مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “قد يكون لبنان بلا رئيس، لكن ذلك لا يعني أن الدول الأخرى لا تستطيع أن تتقدم لقيادة حماية الحقوق الإنسانية للناس في لبنان. التقصير الفادح في توفير العدالة لضحايا انفجار مرفأ بيروت لن يؤدي إلا إلى تقويض الاستقرار وسيادة القانون في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ لبنان”.

بعد نحو عامين ونصف، توقف التحقيق المحلي بغياب أي تقدم متوقع بسبب طعون قانونية عديدة من قبل سياسيين متهمين في القضية بهدف استبدال المحقق الرئيسي القاضي طارق بيطار.

في 23 يناير/كانون الثاني، اتخذ القاضي بيطار خطوات لتخطي التعثر في التحقيق. استنادًا إلى تحليل قانوني، قال إن القواعد التي تحكم عزل القضاة المنصوص عليها في المادة 357 من القانون 328 لا تنطبق على دوره، وإن محاولات عزله قد تكون انتهكت المبدأ الدستوري لفصل السلطات.

مع استئناف بيطار عمله، أمر بالإفراج عن خمسة مشتبه بهم احتُجزوا بين أغسطس/آب 2020 وسبتمبر/أيلول 2021، واتهم آخرين. استدعى بيطار المدعي العام التمييزي غسان عويدات؛ ومدير عام الأمن العام عباس إبراهيم؛ ومدير عام أمن الدولة طوني صليبا؛ والقائد السابق للجيش جان قهوجي؛ وضابطَيْ المخابرات السابقَيْن جودت عويدات وكميل ضاهر؛ ورئيس “المجلس الأعلى للجمارك” أسعد الطفيلي؛ وعضو المجلس الأعلى للجمارك غراسيا القزي؛ والقضاة غسان خوري، وكارلا الشوا، وجاد معلوف.

من الواضح أن السلطات اللبنانية مصممة على عرقلة العدالة

آية مجذوب، نائبة مديرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ردًا على ذلك، أشار القاضي عويدات، الذي اتهمه القاضي بيطار، إلى أن الأجهزة الأمنية لن تنفذ أوامر بيطار، معتبرًا إياها “باطلة“. أرسل وزير العدل التحليل القانوني للقاضي بيطار إلى “مجلس القضاء الأعلى” لمراجعته، زاعمًا أنه قد يؤثر على “سرية التحقيق”.

بعد ذلك، أمر القاضي عويدات بالإفراج عن جميع المحتجزين في قضية انفجار بيروت، مشيرًا إلى أن التحقيق متوقف منذ أكثر من عام، واستشهد بالحق في محاكمة سريعة بموجب القانون الدولي. قال بيطار لوسائل إعلام لبنانية محلية إن تطبيق القوات الأمنية قرار مدعي عام التمييز بالإفراج عن الموقوفين سيكون انقلابًا على القانون. بعد ساعات من صدور أمر المدعي العام التمييزي، بدأت قوات الأمن بإطلاق سراح 17 موقوفًا على خلفية الانفجار.

كما وجه المدعي العام اتهامات إلى القاضي بيطار بارتكاب جرائم عدة، منها “اغتصاب السلطة”، ومنعه من السفر، واستدعاه للاستجواب في 26 يناير/كانون الثاني.

كررت السلطات اللبنانية عرقلة التحقيق المحلي في الانفجار عبر حماية السياسيين والمسؤولين المتورطين في الانفجار من الاستجواب، والملاحقة القضائية، والتوقيف. وثّقت هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، و”ليغل أكشن وورلدوايد”، و”المفكرة القانونية”، و”لجنة الحقوقيين الدولية” مجموعة من الشوائب الإجرائية والمنهجية في التحقيق المحلي، منها التدخل السياسي الفاضح، وحصانة المسؤولين السياسيين الكبار، وعدم احترام معايير المحاكمة العادلة، وانتهاك الإجراءات القانونية الواجبة.

قدم السياسيون المشتبه بهم في القضية أكثر من 25 طلبًا لإقالة القاضي بيطار وقضاة آخرين معنيين بالقضية، ما تسبب في تعليق التحقيق مرارًا أثناء الفصل في القضايا. أدت آخر سلسلة من الطعون القانونية المرفوعة ضد القاضي بيطار إلى تعليق التحقيق في 23 ديسمبر/كانون الأول 2021.

على مجلس حقوق الإنسان إصدار قرار يؤسس ويرسل، من دون تأخير، بعثة مستقلة ومحايدة لتقصي حقائق بشأن انفجار بيروت. على البعثة أن تثبت الحقائق والظروف، بما فيها الأسباب الأصلية للانفجار، بهدف إثبات مسؤولية الدولة والأفراد ودعم العدالة والتعويضات للضحايا.

كان الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت من أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ. أرسل الانفجار موجات صادمة في أرجاء المدينة، فقتل 220 شخصًا على الأقل وجرح أكثر من 7 آلاف شخص، وألحق أضرارًا جسيمة بالممتلكات. يشير تحقيق متعمق أجرته هيومن رايتس ووتش إلى تورط محتمل لشركات مملوكة لأجانب، وكذلك كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين في لبنان.

كان انفجار بيروت مأساة ذات أبعاد تاريخية، نجمت عن عدم حماية الحق الأساسي في الحياة.

قالت ميراي خوري، والدة الياس خوري (15 عامًا) الذي قُتل في الانفجار، للمنظمتين: “نحن مصدومون.  في أي دولة نعيش؟ كل هذا يثبت أن التحقيق الدولي هو أملنا الوحيد، وأن مجلس حقوق الإنسان هو طريقنا الأساسي. متى سيفتح قادة العالم أعينهم على هذا الظلم الرهيب ضدنا؟”

قالت المنظمتان إنه من الواضح الآن أكثر من أي وقت مضى أنه لن يُسمح للتحقيق المحلي بالتقدم ولن يحقق العدالة، ما يجعل إنشاء بعثة دولية لتقصي الحقائق بتكليف من مجلس حقوق الإنسان الأممي أمرًا أكثر إلحاحًا.

أرسل الناجون من الانفجار وأهالي الضحايا رسالتين إلى الدول الأعضاء والدول المراقبة في مجلس حقوق الإنسان لحثهم على دعم قرار إنشاء تحقيق دولي. وجهوا رسالة أخرى إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان في مارس/آذار 2022.

دعت أكثر من 162 جهة تضم منظمات حقوقية لبنانية ودولية، وناجين، وأهالي الضحايا أعضاء مجلس حقوق الإنسان لتقديم مثل هذا القرار. أيد عشرات من أعضاء “مجلس النواب” اللبناني وثلاثة أحزاب سياسية دعوات أهالي الضحايا والمجتمع المدني لإجراء تحقيق.

قالت آية مجذوب، نائبة مديرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “ضربت السلطات اللبنانية بالقانون عُرْض الحائط، فتجاوزت بلا خجل التحقيق الجنائي الجاري وانتقمت من قاضٍ لم يفعل سوى تأدية وظيفته. من الواضح أن السلطات اللبنانية مصممة على عرقلة العدالة. منذ وقوع الانفجار، أوقفت التحقيق المحلي مرارًا، وحَمَت نفسها من المساءلة على حساب حقوق الضحايا في معرفة الحقيقة، والعدالة، والإنصاف”.