بقلم ستيفان سيمانوويتز
رواية جورج أورويل “1984” التي تخيل فيها الكاتب المجتمع في حالة بؤس، استهلها بشخصية روائية تسمى، وينستون سميث، وهو يكتب في مذكراته عن فيلم شاهده. وقال ” تغُصُّ سفينة لها مميزات جيدة بلاجئين ثم تتعرض للقصف في مكان ما من البحر الأبيض المتوسط”. وتابع قائلا “شعر الجمهور بتسلية كبيرة وهو يشاهد طلقات الرصاص التي استهدفت رجلا بدينا وضخما يحاول أن يسبح بعيدا عن طائرة هليكوبتر كانت تترصده، أولا تشاهد الرجل وهو يتخبط في مياه البحر مثل خنزير البحر، ثم تشاهده من خلال عين التصويب في السلاح، ثم تشاهده وهو مليء بالثقوب وتتحول مياه البحر المحيطة به إلى اللون الوردي ثم يغرق في البحر بسرعة كبيرة وكأن الثقوب التي اخترقت جسمه سمحت بتسرب الماء إليه”.
وانتشر هذا الأسبوع مقطع فيديو يظهر سفينة تابعة لخفر السواحل اليوناني وهي تحاول كما يبدو قلب زورق مليء باللاجئين في البحر، وتطلق النار في الماء بالقرب من الزورق.
هذه ليست أوسيانيا في رواية “1984” وإنما أوروبا في عام 2020.
وقع الحادث كما ذكرت الأنباء قبالة السواحل التركية يوم الاثنين. وجاء في ظل المواجهة المتزايدة بين تركيا والاتحاد الأوروبي في أعقاب قرار الرئيس التركي أردوغان السماح للاجئين والمهاجرين بالتوجه إلى اليونان وبلغاريا حيث الحدود البرية والبحرية للاتحاد الأوروبي مع تركيا.
ومثلما كان الحال مع جمهور فيلم أورويل، شعر بعض أفراد الجمهور “بتسلية كبيرة”. إذ تداولت إحدى المعلقات ذات النزعة اليمينة هذا الفيديو على تويتر وقالت:”أنا حقًا أحب خفر السواحل اليوناني. تعال يا شعب اليونان العظيم. استعدوا لخوض المعركة. الغضب في وجه الغزو”.
لغة “الغزو” تكررت في عناوين الأخبار في مختلف أنحاء العالم في ظل تحدث الصحف عن “محاصرة” اليونان من قبل “حشود” أو “طوفان” من المهاجرين. وحتى صحيفة نيويورك تايمز نشرت يوم الثلاثاء تعليقا على صورة جاء فيه أن “السلطات اليونانية ظلت تستخدم الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لصد الجموع”.
لغة “الغزو” تكررت في عناوين الأخبار في مختلف أنحاء العالم في ظل تحدث الصحف عن “محاصرة” اليونان من قبل “حشود” أو “طوفان” من المهاجرين. وحتى صحيفة نيويورك تايمز نشرت يوم الثلاثاء تعليقا على صورة جاء فيه أن “السلطات اليونانية ظلت تستخدم الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لصد الجموع
ووصف ناطق باسم الحكومة اليونانية، ستيليوس بيتساس، مستخدما أكثر فأكثر المقارنة العسكرية، البلد بأنه يواجه “تهديدا غير متماثل” يمس أمن البلد معلنا أن أثينا أرسلت طائرات هليكوبتر هجومية إلى جزرها الشرقية في بحر إيجه.
وأصبحت لغة الغزو أكثر تداولا في وسائل الإعلام الرئيسية في ظل تردادها من قبل قادة سياسيين شعبويين حول العالم. هؤلاء الشعبوييون أذكوا كراهية الأجانب وأججوا النزعات الوطنية الخطيرة بهدف الحصول على السلطة والحفاظ عليها؛ إذ أقاموا سياجات وجدرانا لتكون تعبيرا ماديا على تحيزهم.
وكما أشار مؤخرا فيليبو غراندي، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن هذه اللغة ليست خاطئة فحسب وإنما بالغة الخطورة. وقال “هذه اللغة هي التي تَصِم اللاجئين، والمهاجرين، وأشخاص آخرين يتنقلون من مكان إلى آخر، وتعطي الشرعية لخطاب العنصرية، والكراهية، وكراهية الأجانب”.
وفي جزيرة ليسفوس اليونانية، التي غرق قبالة سواحلها شاب في مقتبل العمر يوم الاثنين، عمدت مجموعة صغيرة من سكان الجزيرة إلى عرقلة رُسُوِّ قوارب اللاجئين. وهناك تقارير تفيد بأن أطباء، وصحفيين، وعمال إغاثة، تعرضوا لهجمات عنيفة من قبل الحراس. وأُجبِرت المنظمة غير الحكومية “أطباء بلا حدود” هذا الأسبوع على تعليق أنشطتها لمدة يومين بسبب زيادة التوتر في الجزيرة.
وتنبع حالات الإحباط المتزايدة في اليونان من أوجه القصور الذي يشهده نظام اللجوء الأوروبي وغياب أي نظام لتقاسم المسؤولية بشأن طالبي اللجوء في الدول الأوروبية. ونتيجة لذلك، وجدت الدول الساحلية نفسها وهي إيطاليا، واليونان، ومالطا، مجبرة على التعامل مع الوضع لوحدها. وتعم صدّ محاولات البرلمان الأوروبي لإصلاح قواعد دبلن على يد قلة من البلدان.
وبدلا من محاولة إصلاح هذا النظام المختل الذي فشل في تلبية حاجات الدول الأمامية في الاتحاد الأوروبي وحاجات طالبي اللجوء، فإن قادة الدول الرئيسية في أوروبا يتجنبون الخوض فيه. هذا الوضع خلق فراغا ملأه بلهفة الشعبويون.
وإذا لم يتم التصدي لهم، فإنهم سيصيغون المحادثات واللغة التي نستخدمها من خلال نشر الخوف وتسليح التحيزات ضد اللاجئين.
وبدلا من إبقاء “قوى الظلام” مُعلَّقة، فإن القلعة التي تشيدها أوروبا حول نفسها تجعلنا نعيش، بشكل متزايد، في سجن من الخوف يؤججه الشعبويون.
وبعد مرور سبعين عاما على نشر رواية 1984، أصبحت عدة جوانب من رؤية أورويل – من المراقبة الجماعية المنتشرة إلى التأثير المخيف للغة المخادعة – أمرا شائعا. ولهذا، يجب أن نتصرف من أجل ضمان ألا تتحول معاملتنا للاجئين الهاربين من الحرب والفقر أيضا إلى حالة بؤس.
نُشِر المقال لأول مرة في مجلة نيوزويك الأمريكية