على أرض منطقة نائية في جزيرة ساموس اليونانية، تقع منشأة ذات إجراءات أمنية مُشدَّدة، يحيط بها سياج من الأسلاك المعدنية الشائكة وتملؤها حاويات بيضاء. إنه “المركز المغلق الخاضع للمراقبة”، وهو مخيم للّاجئين يموله الاتحاد الأوروبي ويستقبل طالبي اللجوء إلى اليونان، الذين يفِد معظمهم من بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا.
منذ عام 2020، دعمت المفوضية الأوروبية اليونان لإقامة “مراكز مغلقة خاضعة للمراقبة”، اُستُهدِف بها استبدال ما كان يُسمى سابقًا بـ”النقاط الساخنة” لاستقبال طالبي اللجوء على جزر بحر إيجة، والتي كثيرًا ما سادتها أوضاع غير لائقة.
وتعهد الاتحاد الأوروبي بأن هذه المراكز ستكون “مهيأة لأي أحداث أو تغيرات مستقبلية وعلى مستوى يرقى إلى المعايير الأوروبية” وستضمن “أوضاعًا معيشية أفضل“. ومع ذلك، وجدت منظمة العفو الدولية، خلال زيارة في ديسمبر/كانون الأول 2023، “كابوسًا مخيفًا”؛ مخيم شديد الحراسة يفتقر إلى أبسط الخدمات والبنى التحتية الأساسية، وتحتجز فيه السلطات طالبي اللجوء احتجازًا تعسفيًا وغير قانوني على نحو ممنهج، بذريعة إخضاعهم لإجراءات التعرُّف على الهوية.
ما المقصود بمركز مغلق خاضع للمراقبة؟
بعدما دمرت الحرائق مخيم موريا للّاجئين في جزيرة ليسفوس اليونانية في عام 2020، قدمت المفوضية الأوروبية 276 مليون يورو من أموال الاتحاد الأوروبي إلى خمسة مراكز جديدة “متعددة الأغراض” في جزر بحر إيجة، تضم منشآت لاستقبال اللاجئين وطالبي اللجوء واحتجازهم قبل ترحيلهم.
وكان “المركز المغلق الخاضع للمراقبة” في جزيرة ساموس أول المراكز التي اُفتُتِحت في عام 2021، ويقع في منطقة منعزلة في ضواحي المدينة الرئيسية، فاثي، حيث تتواجد معظم منشآت البنية التحتية المدنية والخدمات ومنظمات المجتمع المدني.
ويُطبَّق في المركز نظام صارم من القيود والمراقبة، والذي يتمثل، من بين أمور أخرى، في سياج مزدوج من الأسلاك المعدنية الشائكة، وكاميرات المراقبة، والبنى التحتية الأمنية المادية والرقمية، وتسيير دوريات الشرطة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، والتعاقد مع شركات خاصة لتوظيف ضباط أمن.
وفي أبريل/نيسان 2024، فرضت هيئة حماية البيانات اليونانية غرامة على السلطات اليونانية، بسبب ارتكابها مخالفات لتشريعات حماية البيانات، خلال استخدامها للأنظمة الأمنية، من بينها تلك المستخدمة أيضًا في مركز ساموس.
تنتشر كاميرات المراقبة والأسلاك الشائكة حول المركز مما يخلق ‘بيئة تشبه السجن’. ولم يكن لدى الناس ما يكفي من الماء أو الرعاية الصحية الكافية، وفي بعض الحالات، لم يكن لديهم حتى أَسرّة ينامون عليها، في حين أنهم غير قادرين على مغادرة المركز لأسابيع، وأحيانًا لأشهر متواصلة.
ديبروز موتشينا، المدير الأول لبرنامج التأثير الإقليمي لحقوق الإنسان في منظمة العفو الدولية
كيف يعيش المقيمون في “المركز المغلق الخاضع للمراقبة” في جزيرة ساموس؟
شهد مركز ساموس اكتظاظًا بين سبتمبر/أيلول 2023 ويناير/كانون الثاني 2024، نتيجة ازدياد عدد الوافدين بدايةً من يوليو/تموز، ليصل عدد المقيمين ذروته عند 4,850 شخصًا في سبتمبر/أيلول 2023.
وكانت القدرة الاستيعابية للمركز في بادئ الأمر كافية لإيواء 2,040 شخصًا، إلا أن السلطات غيّرت العدد ليصبح 3,650 شخصًا في سبتمبر/أيلول 2023. وقد أُجرِي هذا التغيير دون اتخاذ أي تدابير واضحة لزيادة القدرة الاستيعابية.
وقد أدى ذلك إلى إسكان بعض الأشخاص في أماكن غير سكنية وحاويات، في ظل ظروف غير ملائمة، وإلى تفاقُم بعض المشكلات القائمة منذ وقت طويل في توفير الخدمات الأساسية، بما في ذلك نقص إمدادات المياه وعدم وجود أطباء بصفة دائمة.
وربما قد بلغت أوضاع معيشة المقيمين، لا سيما خلال اكتظاظ المركز، درجة لاإنسانية ومهينة، ما يُعَد خرقًا للحظر المفروض على سوء المعاملة.
ومنذ فبراير/شباط 2024، تراجع عدد المقيمين، إلى أن أصبح عددهم ضمن حدود القدرة الاستيعابية للمركز. ومع ذلك، لا تزال أوجه القصور الخطيرة قائمة فيما يتعلق بأوضاع المعيشة للمقيمين بالمركز، بما في ذلك توفير الخدمات الطبية والمياه الجارية.
ما هي القيود التي يواجهها المقيمون في المركز؟
يخضع المقيمون في المركز على نحو ممنهج لأوامر “القيود على الحرية”، التي تُقيِّد حركتهم بنطاق المركز فقط لمدة 5 أيام مبدئيًا، وقد تُمَّدد إلى ما يبلغ في المجمل 25 يومًا اعتبارًا من وقت وصولهم، وتُتَّبَع هذه الممارسة على نحو مفرط. وقال مقيمون في المركز ومنظمات المجتمع المدني إنه لا يمكن للأشخاص في كثير من الأحيان أن يغادروا المخيم لفترات تتجاوز 25 يومًا، وغالبًا دون أن يصدُر رسميًا بشأن حالاتهم أي قرار “يُقيِّد حريتهم”.
إضافةً إلى طول أمد هذه التدابير، لا يمكن للمقيمين أن يغادروا المخيم، إلا “لدواعٍ صحية خطيرة”. وعادةً ما تُطبَّق هذه القيود دون إجراء أي تقييم لكل حالة على حدة. ويتجاوز كل ذلك حدود ما يمكن اعتباره تقييدًا مشروعًا لحرية التنقل ويصل إلى درجة الاحتجاز غير المشروع.
ويُؤوَى القُاصرون غير المصحوبين بذويهم بمعزل عن غيرهم في “منطقة آمنة”، في قسم فرعي مُسيَّج داخل “المركز المغلق الخاضع للمراقبة”. ومع ذلك، تُفرَض قيود مُشدَّدة على تنقلاتهم، والتي تشمل منعهم من مغادرة المركز، باستثناء عند ذهابهم إلى المدرسة، ومؤخرًا عند حضورهم للأنشطة الترفيهية تحت إشراف جهات فاعلة في مجال حماية الطفل، وكذلك منعهم حتى من مغادرة “المنطقة الآمنة” لارتياد المساحات المخصصة لعامة المقيمين داخل المركز.
ويمكن أن تشكل هذه القيود تدخلًا غير مبرر في حقهم في الحرية والأمن وحرية التنقل، وتُنافي المعايير الدولية التي تعتبر احتجاز الأطفال لدواعٍ متعلقة بالهجرة انتهاكًا لحقوقهم وتنص على وجوب حظره.
“ما الذي تودون أن تشاركوه عن المركز المغلق الخاضع للمراقبة في جزيرة ساموس”؟
في مايو/أيار 2024، نظَّمت منظمة العفو الدولية ومنظمة “متطوعو ساموس” ورش عمل فنية مع أشخاص أقاموا سابقًا ومقيمين حاليين في “المركز المغلق الخاضع للمراقبة”. “متطوعو ساموس” هي منظمة من المجتمع المدني توفر فرص التعليم غير النظامي، وتُوزع الملابس، وتقدم الدعم النفسي والاجتماعي للاجئين والمهاجرين في جزيرة ساموس.
وحضر ورش العمل أشخاص يزورون المراكز المجتمعية التابعة لمنظمة “متطوعو ساموس”، وحضر أيضًا أشخاص من مجموعة دعم أفراد مجتمع الميم.
وطُلِب من الحضور المشاركين في ورش العمل الإجابة على أسئلة تحفيزية، والتي تضمنت ما يلي: “بماذا تشعرون حيال إقامتكم في مخيم ساموس”؟ و“ما الذي تودون تغييره في مركز ساموس”؟ و“ما الذي تتطلعون إليه مستقبلًا”؟ وكان يُجاب على تلك الأسئلة باستخدام الفن باعتباره شكلًا من أشكال التعبير التي تتخطى الحواجز والحدود التي تفرضها اللغة والثقافة.
وعبَّر المشاركون في ورش العمل عن وجهات نظرهم، ومشاعرهم الشخصية، والتجارب التي عاشوها داخل المخيم في الرسومات المعروضة في هذا المعرض الإلكتروني. تَرِد الرسومات مع التقرير الموجز الجديد الذي أصدرته منظمة العفو الدولية بعنوان “ساموس: ‘نشعر وكأننا في سجن في الجزيرة’: الاحتجاز غير القانوني والظروف المتردية في مركز للّاجئين يموله الاتحاد الأوروبي”.
(ملحوظة: قد تُذكَر أو تُعدَّل أو تُحذَف تمامًا التفاصيل الشخصية لأصحاب الرسومات، بناءً على رغباتهم.)
نواجه مشاكل تتعلق بالصحة النفسية. لقد فررت من الحرب. غادرنا سوريا من أجل مستقبل أفضل […] وليس [لأن نكون] هنا في [ظروف] غير آمنة أو نظيفة وصعبة لأسباب شتى. لقد تركت عائلتي في بلدي، والآن أشعر أنني معاقب هنا.
أنور*، رجل سوري
عندما جئنا إلى المخيم، كانت المياه تتوفر لثلاث ساعات يوميًا، فلم يتمكن الأشخاص من الاستحمام في نفس الوقت. كنا نضع المياه في إبريق، ونستحم مثلما كان الناس يستحمون منذ 70 عامًا.
بلال* سوري يقيم في المركز المغلق منذ 28 سبتمبر/أيلول 2023
تفسير رسم عمر
الجزء الأول:
يومي الأول في كامب ساموس
لقد كان شيئ جميل الوصول إلى جزيرة ساموس بعد معاناة في تركيا ورأينا الموت في البحر، لم نصدّق أنفسنا إنه إحنا لا زلنا عايشين ووصلنا الجزيرة بخير وسلامة.
لقد أتوا بسيارة إسعاف ودكاترة ليروا إذا أصيب أي أحد منا بأذى، لكن لم يصيب أي أحد بأذى الحمد لله. لقد أعطونا الأكل والشرب ونحن لا زلنا في الغابة وأعطونا بعض الملابس لأن أكثرنا أصبح مبلل من مياه البحر. لقد كان هناك طفلة أصابها بعض من البرد والحمى فأعطتها الدكتورة دواء باراسيتامول. لقد كانت لطيفة جدًا معنا وتحدثت معها وقالت لي إنها قد عملت في اليمن من قبل. اندهشت لقد زارت بلدي من قبل، كم كان هذا الشعور رائع.
الجزء الثاني:
لقد أخذونا في سيارة كبيرة لقد كان عددنا أكثر من 20 واحد. أول ما وصلنا إلى الكامب، أعطونا الأكل والشرب. وكان الأكل جميل جدًا، ولكن تأخرنا في كثرة الأسئلة والإجراءات. لقد كنا ميتين من التعب، لقد كنا نريد فقط أن ننام. انتهت إجراءاتهم وأخذنا البطانيات وذهبنا إلى مكان يسمونه المغلق. لقد وصلنا إلى هناك ولكن لقد استغربنا إنه لا يوجد به فراش، لقد نمنا على الأرض.
لقد كانت مشكلة للبعض، والبعض الآخر عنده الأمر عادي. أشغلنا المكيفات لأن الجو كان باردًا قليلًا، ونمنا بعد رحلة مليئة بالتعب والمغامرات…
نحن نعاني من مشكلة الماء في الحمام لأنه ينقطع أكثر الأوقات.
وإجراءات تقديم اللجوء تتأخر، لا أعلم ما هي المشكلة.
الوضع في المخيم غير آمن لأبنائي، إذ لا يمكنهم الذهاب إلى المرحاض بمفردهم، ويجب أن أرافقهم إلى هناك. وفي معظم الوقت، يتبولون على أنفسهم بسبب خوفهم من الخروج ليلًا إلى الحمام.
أمير*، رجل فلسطيني
مياه الحمام غير نظيفة وتنقطع باستمرار… أصاب القمل رؤوس أبنائي وتمر الصراصير عليهم وهم نائمون، ويستيقظون ليلًا ليروا صراصير تسير فوقهم؛ ما يسبب لهم الصدمة.
أمير*، رجل فلسطيني
إن العيش في مخيم ساموس، كأحد أفراد مجتمع الميم، أمر صعب للغاية، إذ لا يوجد مكان خاص لنا… لا يبالي أي شخص بما نشعر به. وقد تعرَّضت للسخرية، بينما يبدي بعض الأشخاص في المخيم الكراهية بسبب الهوية الجنسية، ما يجعلني أشعر بالحزن والاكتئاب.
أحد الذكور المقيمين في المركز المغلق بجزيرة ساموس
“حياتي من أجل الحرية” بريشة تسنيم
تعليقات تسنيم على “حياتي من أجل الحرية”
“إن استمرار وجود اللاجئين حتى الآن يُعَد بمثابة شهادة على صمودهم في مواجهة الصعوبات، في حين يواجهون العديد من التحديات، إذ يواصلون سعيهم من أجل بناء حياة جديدة وتأمين مستقبل أفضل، ويحتاجون إلى الدعم لتخفيف معاناتهم. كما يستحقون الاحترام والتقدير والفرصة لبناء حياة جديدة”.
أعلى اليسار: هذه غابة في تركيا يمر بها كل من يعبر الحدود، وهي أسوأ محطات الرحلة، لأنها تدمر صحتك ونفسيتك. فكل ما يجول في خاطرك حينها هو عبور الحدود، فقد تعترض الشرطة طريقك، أو حتى تذهب إلى السجن وتواجه الترحيل إلى بلدك في أي لحظة قبل أن تتمكن من العبور.
أدنى اليسار: يواجه كل شخص مصيرًا مختلفًا في هذه المرحلة – إما أن تنجح في الوصول إلى جزيرة ساموس أو أن تُعاد بالعنف إلى تركيا. وقد يتعرَّض الأشخاص هنا للموت في عرض البحر.
أدنى اليمين: هنا تقع الصدمة؛ تظن في البداية أن الأوضاع ستكون رائعة للغاية، لكن الواقع على النقيض من ذلك تمامًا؛ إنه سجن. يقولون هذه أوروبا؛ هنا تنال حريتك – لكن الأمر ليس كذلك.
أعلى اليمين: هذا هو الحلم. هذه هي الحياة الكريمة. الكل يحلُم بهذه اللحظة، أن تمتلك منزلك الخاص وحياتك الخاصة، دون أن تواجه المزيد من المشكلات، وتنسى معاناتك”.
كل ذلك يتعلق بالأمل، ففي كل مرحلة تتطلع إلى المرحلة التي تليها. وفي النهاية، تأمل في أن تحظى بحياة كريمة مع أسرتك.
تسنيم
لا يمكن أن يكون هذا هو النموذج المنشود من ميثاق الهجرة واللجوء للاتحاد الأوروبي
إن دعم المفوضية الأوروبية لإنشاء وتشغيل مركز جزيرة ساموس وغيره من “المراكز المغلقة الخاضعة للمراقبة” في الجزر اليونانية يعزز من مسؤولياتها حيال أي انتهاكات تنتج عنها.
وعلى غرار جميع المراكز الجديدة الممولة من الاتحاد الأوروبي، صُمِّم مخيم ساموس على نحو يتوافق مع المبادئ التي يستند إليها ميثاق الهجرة واللجوء للاتحاد، والذي جاء بمجموعة من الإصلاحات المُعتمَدة مؤخرًا في قانون اللجوء بالاتحاد الأوروبي.
وقد أعربت منظمة العفو الدولية مرارًا وتكرارًا عن بواعث قلقها من أن الميثاق قد يقوّض سبل اللجوء، ويزيد من مخاطر وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان، والاحتجاز الفعلي للأشخاص، لا سيما بفرض القيود على تنقلاتهم في أثناء خضوعهم للفحص، وإجراءات اللجوء على الحدود، والإعادة عند الحدود.
يجب على الاتحاد الأوروبي مساءلة اليونان على انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت في المركز، وضمان ألا يمثّل هذا المركز نموذجًا أوليًا تتبعه الدول الأعضاء لتنفيذ ميثاق الهجرة واللجوء الجديد.
بوسعنا أن نفعل ما هو أفضل
فكما أرتنا تسنيم في رسمتها بعنوان “حياتي من أجل الحرية”، لا يزال الأمل ماثلًا أمامنا.
ولا يزال أمام اليونان والاتحاد الأوروبي الفرصة للعمل على تحسين أوضاع المعيشة للأشخاص الذين ينتظرون صدور قرارات بشأن طلبات لجوئهم، وضمان احترام حقوق الإنسان ومراعاة أبسط صور المعاملة الإنسانية.
وإليكم كيف يمكنكم الضغط على الاتحاد الأوروبي للمبادرة بالتحرك:
اضمنوا احترام حقوق الإنسان في مخيم ساموس للاجئين
*ملاحظة: اُستُخدِمَت أسماء مستعارة للإشارة إلى جميع المقيمين في المركز المغلق الخاضع للمراقبة الذين أُجرِيَت معهم المقابلات.