الصحفيون الأتراك يخضعون لحالة حصار-باستطاعتك مساعدتهم كما ساعدتنا

في السجن، تظل التحديات النفسية من أعظم التحديات. ومع أن الأوضاع قد تكون مروعة إلى حد كبير، إلا أنه ما دامت لديك تغذية جيدة وماء نظيف ومكان تلجأ إليه، فبإمكانك أن تصمد جسدياً. لكن ما يمكن أن يشلك عقلياً، وحتى أن يجهز عليك، هو ذاك الشعور باليأس والعزلة.

ولذلك، عندما علمنا، بعد ستة أشهر من القبض علينا، أن حملة عالمية لتحريرنا قد انطلقت، تغير كل العالم من حولنا.

ففي 2013، كان قد قبض علينا في مصر أثناء عملنا كصحفيين مع فضائية “الجزيرة” ووجهت إلينا سلسلة من التهم بدوافع سياسية تتعلق بعملنا. وفي تلك الزنازين الباردة والقذرة، حيث لم تكن لدينا فكرة عما يخبئه المستقبل لنا، لم يكن هناك الكثير مما يشعرك بأن ثمة ما هو إيجابي، وهذا ما جعل تلك التسريبات الخجولة الأولى التي وصلتنا عن حملة #FreeAJStaff تعني لنا الكثير الكثير، فالعالم بأسره قد بدأ يتحرك من أجلنا.

فمنذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو/حزيران 2016، شن الرئيس رجب طيب أردوغان حملة قمعية واسعة على حرية التعبير، إلى حد أوصل الصحافة المستقلة إلى حالة من الموات.

بيتر غريستي و محمد فهمي

فإلى جانب تذكيرنا بأننا لسنا منسيين، جعلنا ذلك ندرك أننا جزء من قضية أكبر بكثير من أنفسنا. وساعد على إعطاء تلك الأيام الطويلة مغزى وانتشلنا من القاع الذي أحسسنا بأننا قد ألقينا فيه. والأهم من ذلك، ساعدت الحملة، في نهاية المطاف كذلك، على إنهاء محنتنا في السجن.

احتشد أناس من شتى أنحاء العالم بأعداد هائلة للمطالبة بحريتنا، لأنهم أدركوا مدى الظلم الذي وقع علينا. رأوا كيف تم حبسنا بسبب تهم ملفقة، واتخذوا موقفاً بدعمنا. ولم يذهب ذلك سدى.

والآن نحن بحاجة ماسة لحشد تلك الطاقات من جديد.

إذ ثمة مأساة تتكشف رويداً رويداً في تركيا. فالصحافة المستقلة تقتلع من جذورها بصورة منهجية. وأبواب السجون عادت لتفتح وتغلق بلا هوادة، أما المنافذ الإعلامية فباتت المجالس الموالية تفبرك لها، بينما يلقي الصمت المريب بظلاله ليلف كل شيء، بعدما كان المشهد الإعلامي يعج بالحياة وبالأصوات المتنوعة، ولا يهدأ.

فمنذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو/حزيران 2016، شن الرئيس رجب طيب أردوغان حملة قمعية واسعة على حرية التعبير، إلى حد أوصل الصحافة المستقلة إلى حالة من الموات. أغلق ما لا يقل عن 156 منفذاً إعلامياً، وغدا ما يقدّر بنحو 2,500 صحفي وعامل في الإعلام بلا عمل. بينما تقول يونكا شيك، التي يقبع زوجها الصحفي الاستقصائي أحمد وراء القضبان منذ ديسمبر/كانون الأول: “حبْس أحمد ليس سوى رسالة إلى الآخرين مفادها: الشاطر فيكم يتكلم، إذا كانت لديه الجرأة”.

إن كل هذه التدابير التي اتخذت ضد الصحافة المستقلة مؤلمة لكل مبصر. ولكن ما يوجع القلب هو تلك القصص التي رافقت القبض على أكثر من 120 من العاملين في الإعلام في أعقاب محاولة الانقلاب، واحتجازهم رهن الحبس الاحتياطي في انتظار المحاكمات.

فعقب الصدمة الأولى التي أصابتنا بعد القبض علينا في مصر في السنة الأولى، اعتقدنا أن هذه غلطة شنيعة سرعان ما سيتم تصحيحها. ولم يكن بمقدورنا أن نتصور أننا سنقضي مئات الأيام في انتظار أن نحاكم، في ظروف رهيبة.

إذ كانت السجون المصرية التي ألقينا فيها تعج بالعديد من الأشخاص الذين عارضوا الحكومة أو تحدوها. ولذا نفهم تماماً اليوم كيف يمكن أن تكون الأوضاع في سجون تركيا الآن، وكيف يشعر زملاؤنا الذين يقبعون في زنازينها.

فعندما لم نكن نحشر فوق بعضنا بعضاً مع رجال آخرين كثر إلى حد لم نكن نستطيع معه الجلوس، كان يلقى بنا في زنازين الحبس الانفرادي، حيث كان الواحد فينا يصل في كثير من الأحيان إلى حافة الجنون. فالشعور بالعزلة والسأم أمر يصعب وصفه.

ومع أن الحالة التي تواجه الصحفيين المسجونين في تركيا قد لا تكون مماثلة لما كنا عليه، إلا أننا نفهم يأسهم ومدى شعورهم بالإحباط. وما يجعل الأوضاع في تركيا أشد بؤساً هو أن الحكومة التركية ما انفكت تنكر بأن الصحفيين محبوسون بسبب عملهم. ليتم شطب قصص وهوية أولئك الأفراد. ولهذا السبب فإن من الضرورة بمكان أن نرفع، نحن الذين خارج القضبان، صوتنا ونعطيهم صوتاً.

لقد بدأت حملة #FreeAJStaff كتحرك صغير على “تويتر”، ولكنها تنامت خلال أسابيع لتصبح حركة عالمية. ولتُخرج إلى العلن أفضل ما في وسائل التواصل الاجتماعي: الإلحاح، والوتيرة المتسارعة، والتصدي الجريء لقضية كان من الممكن لو لم نفعل ذلك أن تُسحق. وفي النهاية، أنجزت ما يربو على ثلاثة مليارات بصمة تضامن.

في أحلك ساعات حبسنا- عندما كنا نشعر بأننا أسرى معركة يائسة مع ماكينة الظلم، وعندما كنا قد نسينا كيف يبدو الغروب- كنا نشعر أحياناً بأننا لم نعد موجودين. وكان من الممكن ببساطة أن نتلاشى. ولكن ما أبقى على الدماء تسري في عروقنا هو تلك المعرفة بأن الناس يفكرون فينا.

وعندما يكون جديراً بمحبي الحرية رفع الصوت من أجلنا والمطالبة بتحقيق شعار #FreeAJStaff، فإن من الجدير بهم أيضاً رفع الصوت من أجل جميع الصحفيين الذين يلقى بهم وراء القضبان .

بيتر غريستي و محمد فهمي

إن إدراكنا التام لما عنته تلك الحملة لنا في وقت حاجتنا ذاك هو ما يجعلنا اليوم ندعم حملة #FreeTurkeyMedia. نريد لجميع من يقبعون وراء القضبان في تركيا اليوم أن يعرفوا أننا معهم. ونريدهم أن يعرفوا أن الأيام التي يقضونها هناك، مهما كانت مفزعة، لن تذهب سدى.

فهُم في الصفوف الأولى على خط النار في معركة حرية التعبير- معركة حق الجمهور في أن يعرف، ومعركة الصحافة الحرة لمجتمع يعج بالحياة، ليس في تركيا فحسب، وإنما في أرجاء العالم كافة.

من الصعب أحياناً تقدير قيمة شيء حتى يُنتزع منك. ولكن تذكر: إن مجتمعاً لا يملك فيه الناس الحق في أن يتناقلوا ما لديهم من معارف سيظل مجتمعاً آيلاً للسقوط. ومن دون صحافة مستقلة، لن يكون هناك جدل حر بين الناس؛ ولا محاسبة لذوي السطوة؛ ولا مراقبة أو تقصٍ لانتهاكات حقوق الإنسان.

إن لاعتقال الصحفيين أثر يجمد الدم في عروق الجميع، ويجعلهم أسرى للخوف من أن يرفعوا صوتهم. ولذا، وبينما تهدف حملة #FreeTurkeyMedia إلى إخراج صحفيي تركيا من السجن، فإنها في الوقت نفسه بصدد خلق مستقبل أفضل لحقوق الإنسان في تركيا، وإرسال رسالة واضحة إلى جميع أولئك الذين يسعون إلى خنق حرية الكلام في أرجاء العالم كافة.

لقد كنا طيلة ما يربو على 400 يوم قضيناها وراء القضبان في مصر نشعر بالحصانة لمعرفتنا بأن أناساً في شتى أنحاء العالم يناضلون من أجل حريتنا. وعندما يكون جديراً بمحبي الحرية رفع الصوت من أجلنا والمطالبة بتحقيق شعار #FreeAJStaff، فإن من الجدير بهم أيضاً رفع الصوت من أجل جميع الصحفيين الذين يلقى بهم وراء القضبان لأنهم ببساطة يقومون بواجبهم. ولهذا السبب نضم صوتنا اليوم إلى نداء #FreeTurkeyMedia.