حرب اليمن: لا نهاية تَلوحُ في الأُفق

تحديث: 24 مارس/آذار 2020 

لا يُظهر النزاع في اليمن أي مؤشرات حقيقية على الانحسار مع دخوله عامه السادس، ولا يزال المدنيون من جميع أنحاء البلاد والأجيال يتحملون وطأة الأعمال القتالية العسكرية والممارسات غير القانونية للجماعات المسلحة الحكومية وغير الحكومية على حد سواء.

تُرتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك ما قد يصل إلى جرائم حرب، في جميع أنحاء البلاد. بحلول نهاية 2019، تشير التقديرات إلى أن أكثر من 233 ألف يمني لقوا مصرعهم نتيجة القتال والأزمة الإنسانية. في غضون ذلك، وثقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان قتل وجرح أكثر من 200 ألف مدني في القتال منذ مارس/آذار 2015. وقد اشتدت أزمة إنسانية من صنع الإنسان مع ما يقرب من 16 مليون شخص يستيقظون جوعى كل يوم.

نزاع متصاعد

إن الثورة الشعبية التي اندلعت في اليمن في 2011 التي أطاحت بالرئيس علي عبدالله صالح بعد 33 عاماً من تربُّعه على سدة الحكم بسبب اتهامات بالفساد والحكم الفاشل، وعلى خلفية نزاع مستمر وقديم مع الحوثيين، وهي جماعة مسلحة تتمركز في شمال البلاد، ويعتنق أعضاؤها المذهب الزيدي، وهو أحد فروع الشيعة.

وتم استبدال صالح بنائبه عبدربه منصور هادي، لتمهيد الطريق لمؤتمر الحوار الوطني. وبعد عامين من المشاورات، قدم مؤتمر الحوار الوطني مسودة لخريطة اتحادية جديدة قسمت اليمن إلى مناطق دون النظر في الوضع الاجتماعي الاقتصادي أو الإقليمي. ولم تحظَ الخطة بتأييد شعبي يُذكر، وقوبلت بمعارضة قوية من مختلف الفصائل، بما فيها الحوثيين.

اغتنم الحوثيون حالة السخط الشعبي، وشددوا سيطرتهم على محافظة صعدة والمناطق المجاورة في الأجزاء الشمالية من اليمن. وفي سبتمبر/أيلول 2014، تمكَّن الحوثيون من توسيع نطاق سيطرتهم على الأراضي، واستولوا على عدد من المواقع العسكرية والأمنية في العاصمة صنعاء – وقد ساعد على ذلك، إلى حد ما، تحالف المصالح الذي عُقد حديثاً مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي كانوا قد قاتلوه على مدى عقود. وعقب استيلاء الحوثيين على صنعاء في مطلع 2015، أُرغم الرئيس هادي وأعضاء حكومته على الفرار. 

وبحلول 25 مارس/آذار، قام تحالف من عدة دول بقيادة السعودية والإمارات العربية المتحدة، بالتدخل ضد الحوثيين بناءً على طلب الرئيس هادي بهدف إعادة الحكومة المعترف بها دولياً إلى السلطة.

وقد أطلق ذلك شرارة نزاع مسلح شامل، حيث شنَّ التحالف حملة قصف جوية ضد قوات الحوثيين. وعلى مدى السنوات اللاحقة امتدت رقعة النزاع لتشمل البلاد بأسرها وشهد تكاثر أطراف النزاع، من بينها عدد من الجماعات المسلحة المدعومة من التحالف. فالإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، رغم أنها ذكرت أنها انسحبت من اليمن في أكتوبر/تشرين الأول 2019 ما انفكَّت تقوم بتدريب وتمويل وتسليح جماعات مسلحة مختلفة منذ منتصف العام 2015 حتى أواخره، ودعمت بذلك انتشار العديد من المليشيات التي لا حصر لها والتي لا تخضع للمساءلة، من قبيل “الحزام الأمني” و”قوات العمالقة” و”قوات النخبة”.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2017، أحكمَ الحوثيون سيطرتهم في أعقاب اغتيال حليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وما زالوا حتى الآن يسيطرون على معظم المراكز السكانية، ومنها العاصمة صنعاء.

في حين أسفرت المحادثات المدعومة من الأمم المتحدة في السويد، والتي اختتمت في أواخر عام 2018 عن وقف إطلاق نار غير منتظم وهش في الحديدة طوال 2019، إلا أنها لم تسفر عن تبادل للأسرى كما كان يأمل في الأصل. ومع ذلك، ففي16 فبراير/شباط 2020، تم التوصل إلى خطة تفصيلية لتبادل الأسرى بين أطراف النزاع حول ما سيكون أول تبادل رسمي واسع النطاق المحتجزين المرتبطين بالنزاع منذ 2015.

الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري

وقامت كل أطراف النزاع بقمع حرية التعبير وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، من خلال الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والمضايقة والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة والمحاكمات الجائرة.

قامت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بمضايقة وتهديد النشطاء واحتجازهم تعسفياً، بمن فيهم نشطاء حقوق الإنسان. وشنت القوات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة في جنوب اليمن حملة من الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري، ضد أشخاص كانوا محتجزين في شبكة من السجون السرية، في ظروف قد ترقى إلى جرائم حرب.

واعتقلت القوات الحوثية بشكل تعسفي المنتقدين والمعارضين والصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان وأفراد من اتباع الديانة البهائية. وقد قامت منظمة العفو الدولية بتوثيق قضايا 66 فرداً، أغلبيتهم العظمى من الرجال، مثلوا أمام المحكمة الجزائية المتخصصة التي تتخذ من صنعاء مقراً لها – وهي محكمة مخصصة تقليدياً للقضايا المتعلقة بالإرهاب وذلك بسبب أنشطتهم السلمية. وفي جميع الحالات الموثقة، أخضع الحوثيون وقواتهم الأفراد للعشرات من الانتهاكات، بما في ذلك الاختفاء القسري، والاحتجاز التعسفي، والتعذيب، والمعاملة السيئة.

وقد تسببت الأوضاع في السجون ومراكز الاحتجاز، بما في ذلك الاكتظاظ الشديد في الزنازين وعدم إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية الكافية، والطعام الكافي والمياه النظيفة والصرف الصحي، في تفشي وباء فيروس كوفيد-19 في السجون التي يديرها الحوثيون، ما عرّض المعتقلين لمخاطر صحية بالغة. وقد تقاعست جميع الأطراف عن اتخاذ تدابير لحماية المعتقلين ووقف تفشي الفيروس في السجون ومراكز الاحتجاز من خلال تأمين الكمامات أو غيرها من منتجات النظافة.

وفيما يلي بعض هؤلاء الأشخاص المعتقلين لدى سلطات الأمر الواقع الحوثية والذين تناضل منظمة العفو الدولية من أجلهم:

حامد حيدرة 

حامد حيدرة يمني من أتباع الديانة البهائية، مثله مثل الآخرين في مجتمعه، أُجبر على التضحية بسنوات من حياته بسبب انتمائه الديني ليس إلا. هو محتجز منذ في ديسمبر/كانون الأول 2013، وقد خضع لعملية قضائية تشوبها عيوب جوهرية، تضمنت مزاعم بأنه تعرض للتعذيب والمعاملة السيئة في الحجز. وفي يناير/كانون الثاني 2018، حكمت عليه المحكمة الجزائية المتخصصة بالإعدام.

وفي مارس/آذار 2020، أعلنت سلطات الأمر الواقع الحوثية قرارها المتعلق بإطلاق سراح حامد حيدرة وإلغاء حكم الإعدام الصادر بحقه. وقد أطلق سراحه في 5 يوليو/تموز 2020، ولكنه أجبر على اللجوء إلى المنفى.

حامد حيدرة – سيجن رأي بهائي

الصحفيون العشرة

في خلال صيف 2015، احتجز الحوثيون مجموعة من 10 صحفيين هم: عبد الخالق عمران، هشام طرموم، توفيق المنصوري، حارث حميد، حسن عناب، أكرم الوليدي، هيثم الشهاب، هشام اليوسفي، عصام بلغيث، صلاح القاعدي؛ ولم توجه لهم أي تهمة أو يخضعوا لأي محاكمة منذ احتجازهم في 2015. وقدموا أخيرًا للمحاكمة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة في ديسمبر/كانون الأول 2019.

وخلال فترة احتجازهم، اختفى الرجال قسراً، واحتُجزوا بمعزل عن العالم الخارجي على فترات متقطعة وفي الحبس الانفرادي، وحُرموا من الحصول على الرعاية الطبية، وتعرض ثلاثة منهم على الأقل للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.

في أبريل/نيسان 2020، أمرت المحكمة الجزائية المتخصصة بإطلاق سراح ستة منهم وحكمت بالإعدام على الأربعة الآخرين وهم أكرم الوليدي، عبد الخالق عمران، توفيق المنصوري، وحارث حميد.

ومن بين الصحفيين الستة الذين برّأتهم المحكمة الجزائية المتخصصة، أطلقت سلطات الأمر الواقع الحوثية سراح صلاح القاعدي في 26 أبريل/نيسان 2020. أما الخمسة الأخرين فقد أطلق سراحهم في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2020 كجزء من صفقة تبادل الأسرى بعد 5 أشهر ونصف من تبرئتهم.

يوسف البواب

يوسف البواب أبٌ لخمسة أبناء، يعمل أستاذًا للسانيات، كما أنه أحد الرموز السياسية. في أكتوبر/تشرين الأول 2016، اعتُقل يوسف البواب تعسفيًا، أثناء خروجه من مسجدٍ محلي بصنعاء. في وقت لاحق من تلك الليلة، داهم الحوثيون منزله وصادروا ممتلكاته. لقد استغرق الأمر لأقاربه ثلاثة أشهر لتحديد مكانه وزيارته. إن ظروف اعتقاله، التي أعقبها رفض السلطات الكشف عن مصيره ومكان وجوده، هي بمثابة اختفاء قسري. وفي إبريل/نيسان 2017، اتُهم بعدة جرائم، تضمنت مساعدة التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات بمعلومات استخبارية تتعلق بأهداف عسكرية، وتدبير عمليات اغتيال؛ كما يُعاقَب على معظم هذه التهم بالإعدام. وشابت الإجراءات القانونية المُتخذة بحق يوسف البواب طوال فترة احتجازه، عيوب خطيرة.

وفي 9 يوليو/تموز 2019، حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة عليه، وعلى 29 آخرين – معظمهم أكاديميون وشخصيات سياسية – بالإعدام بتهمة التجسس لصالح التحالف بقيادة السعودية، في أعقاب محاكمة جائرة بشكل صارخ، شابتها انتهاكات للإجراءات القانونية الواجب اتباعها. والرجال الثلاثون، الذين تم اعتقالهم جميعاً بين 2015 و2016 هم بصدد استئناف الحكم.

أسماء العميسي

في 2016، كانت أسماء العميسي، وهي أم لطفلين، في طريقها إلى صنعاء عندما أوقفها الحوثيون واحتجزوها عند إحدى نقاط التفتيش. فتعرضت لمحنة قاسية جعلتها أول امرأة يمنية تواجه حكم الإعدام بتهم تتعلق بـقضايا “أمن الدولة”.

وقد تعرضت للضرب المبرح أثناء احتجازها. كما أُجبرت على مشاهدة اثنين من المحتجزين الآخرين معلقين من السقف من معصميهم أثناء ركلهم ولكمهم. ولم يتم توجيه تهمة لها، وإحالتها إلى المحكمة الجزائية المتخصصة التي تتعامل عادةً مع قضايا “الإرهاب” و “أمن الدولة”، حتى مايو/أيار 2017. بينما تم الإفراج عن الرجال الثلاثة في نفس القضية بكفالة، ظلت هي في الحجز. وفي 30 يناير/كانون الثاني 2017، حكم عليها القاضي بالإعدام. وفي 9 يوليو 2019، ألغى القاضي عقوبة الإعدام، وحكم عليها بالسجن لمدة 15 عاماً بدلاً من ذلك.

توحد شطرا اليمن الشمالي والجنوبي تحت اسم الجمهورية اليمنية برئاسة علي عبد الله صالح الذي سبق له وأن ترأس اليمن الشمالي على مدار 12 عاماً قبل ذلك التاريخ. ثم استمرت التوترات بين الشمال والجنوب مع اندلاع اشتباكات مسلحة متفرقة.
انسحب نائب الرئيس علي سالم البيض من حكومة الرئيس صالح وعاد إلى عدن في جنوب اليمن وطالب بوضع حد للتهميش الاقتصادي للجنوب وأعمال العنف السياسي. ثم اندلعت الحرب الأهلية في مايو/ أيار 1994 التي انتهت بانتصار قوات صالح في غضون ثلاثة أشهر.
تسبب اغتيال حسين بدر الدين الحوثي، مؤسس الحركة الحوثية، بإطلاق شرارة أول حرب في سلسلة ست حروب بين الرئيس علي عبد الله صالح والثوار الحوثيين في معقلهم بصعدة شمال البلاد.
انتقلت تداعيات الحرب السادسة إلى داخل أراضي المملكة العربية السعودية التي قامت على إثرها بشن ضربات جوية على جماعة الحوثي المسلحة في صعدة.
مقتل المئات في قمع احتجاجات شعبية تنادي بإسقاط الرئيس صالح ووضع حد للفساد والقمع وتحقيق المساءلة على صعيد انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة. وأُجبر الرئيس صالح على الاستقالة والتوقيع على اتفاق لنقل السلطة.
انتخاب عبد ربه منصور هادي رئيساً ليكون وبدء مرحلة انتقالية تستمر سنتين. ولكن لم تتوقف قوات الحكومة عن ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان لا سيما عمليات القتل غير المشروع والاختفاء القسري بحق مؤيدي الانفصال في الجنوب وتجدد النزاع مع جماعة الحوثي المسلحة في الشمال.
دعا الحوثيون إلى احتجاجات شعبية عقب إعلان الحكومة عن رفع الدعم عن مشتقات الوقود، وتقدم عناصر الجماعة جنوباً واستولوا على العاصمة اليمنية صنعاء. وبحلول فبراير/شباط 2015، قامت جماعة الحوثي بحل البرلمان وأعلنت عن عزمها تشكيل حكومة انتقالية.
تصاعدت حدة الاشتباكات بين المعارضين والموالين لجماعة الحوثي. فبعد أن ناشد الرئيس هادي دول الخليج والدول العربية بالتدخل عسكرياً شنت قوات التحالف بقيادة السعودية ضربات جوية على قواعد جماعة الحوثي المسلحة في صنعاء وصعدة. وفرّ الرئيس هاديّ إلى السعودية.
يستمر النزاع في الاحتدام. وفي أبريل/نيسان، بدأت محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في الكويت، ولكن انهارت في أوائل أغسطس/ آب. وفي 8 أكتوبر/ تشرين الأول، قتلت غارة جوية قادها التحالف بقيادة السعودية أكثر من 100 شخص كانوا يحضرون جنازة في صنعاء، وتسببت في جرح أكثر من 500 آخرين، وهي واحدة من أكبر الخسائر في الأرواح في أي حادث واحد منذ بدء حملة القصف التي يشنها التحالف.
لا يزال المدنيون اليمنيون يعانون على أيدي جميع أطراف النزاع. وقام التحالف بقيادة السعودية بتضييق الحصار البحري والجوي الجزئي على اليمن في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، مما عمَّق الأزمة الإنسانية الناجمة عن النزاع.
أسفرت المعركة المتقطعة من أجل السيطرة على الحديدة عن سقوط مئات القتلى والجرحى؛ وذكرت الأمم المتحدة أن نحو مليون شخص فرُّوا من المحافظة خلال العام. وفي ديسمبر/كانون الأول، نتج عن محادثات السلام التي عُقدت في السويد اتفاق تضمَّن تبادل السجناء ووقف إطلاق النار في محافظة الحديدة. كما شهد العام مقتل الصحفي السعودي جمال الخاشقجي داخل قنصلية السعودية في إسطنبول، مما دفع عدداً من بلدان الاتحاد الأوروبي إلى وقف صفقات الأسلحة مع التحالف بقيادة السعودية والإمارات كلياً أو جزئياً.
في أغسطس/آب، تولى المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة السيطرة فعلياً على مساحات واسعة من محافظات عدن وأبين وشبوة بعد اندلاع اشتباكات بين الجناح العسكري للمجلس والحزام الأمني والقوات المتحالفة مع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، في عدن وما حولها. وفي 5 أكتوبر/تشرين الأول، وقَّع الطرفان بوساطة السعودية، ينص على تشكيل حكومة جديدة يمثل فيه الشمال والجنب بشكل متساو، وعودة الحكومة اليمنية إلى عدن لاستئناف عملها، ودمج جميع القوات الأمنية والعسكرية تحت وزارتي الداخلية والدفاع على التوالي.

صراع المدنيين من أجل البقاء

فإلى جانب التسبب بقتل وجرح آلاف المدنيين، فقد تسببت أطراف النزاع بتفاقم الأزمة الإنسانية الحادة أصلاً، والناجمة عن سنوات الفقر وتردي الحوكمة، نجمت عنها معاناة إنسانية هائلة.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة النزاع الطويل الأمد، فإن آليات التكيف لدى السكان المدنيين تتفاقم وتصبح ضيقة. إذ أن حوالي 24.1 مليون يمني باتوا الآن بحاجة إلى مساعدات إنسانية كي يبقوا على قيد الحياة. فوفقًا لليونيسف، ترك النزاع على الأقل500  ألف من العاملين في القطاع العام بدون رواتب لمدة ثلاث سنوات، وتقدر المنظمة أن 12.24 مليون من الأطفال في حاجة المساعدات.

إن الظروف الاقتصادية المزرية زادت الأزمة الإنسانية الكارثية أصلاً في البلاد سوءاً. ومع تضخم الريال اليمني، وعدم قدرة الحكومة على دفع رواتب العاملين في القطاع العام، شهد العام 2018 موجة من المظاهرات التي اتَّسع نطاقها في شتى أنحاء جنوب اليمن، حيث خرج الناس احتجاجاً على الفساد، وحمَّلوا الحكومة مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي، الذي أدى إلى عدم قدرة الأغلبية العظمى من اليمنيين على شراء السلع الأساسية.

وفي تلك الأثناء، أسفرت المعركة المتقطعة من أجل السيطرة على الحديدة، في أواخر 2017، عن سقوط آلاف القتلى والجرحى بين صفوف المدنيين وذكرت مصادر الأمم المتحدة أن نحو مليون شخص فروا من المحافظة خلال العام. وقال أشخاص من أولئك الفارِّين إن الطرق المزروعة بالألغام ونقاط التفتيش التابعة للحوثيين، والعوائق المنتصبة على طول الطريق، جعلت مدة رحلة السيارة من الحديدة إلى عدن التي تستغرق 6 ساعات تتحول إلى محنة مروعة قد تستغرق ثلاثة أيام بطولها.

الخسائر البشرية بالأرقام

20,000+
عدد المدنيين القتلى والجرحى منذ عام 2015
16 مليون
يستيقظون جوعى كل يوم
3.65 مليون
أجبروا على على ترك منازلهم منذ 2015
24.1 مليون
عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية
أشخاص يحملون جثة محمد منصور التي تم استخراجها من تحت أنقاض أحد المنازل الذي دمرته غارة جوية بقيادة سعودية في صنعاء، اليمن ، في 25 أغسطس/ آب 2017. وقد نجت ابنته بثينة محمد منصور من الضربة الجوية. وقال أقاربها إن ثمانية من أفراد الأسرة، بينهم خمسة أطفال، قتلوا. REUTERS/Khaled Abdullah
الطفلة بثينة الريمي، البالغة من العمر 5 سنوات، في المستشفى، بعد أيام من الغارة الجوية التي قتلت عائلتها بأكملها. ففي 25 أغسطس/ آب، أصابت غارة جوية، شنها التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، مجموعة من المنازل في صنعاء، مما ألحق أضراراً شديدة بثلاثة من تلك المنازل، فقتلت سبعة أطفال، من بينهم خمسة من إخوان وأخوات بثينة. والقنبلة التي دمرت مبنى سكني في العاصمة اليمنية الشهر الماضي، مما أسفر عن مقتل 16 مدنيا وإصابة 17 آخرين – من بينهم بثينة البالغة من العمر خمس سنوات التي فقدت عائلتها بأكملها في الهجوم – تم صنع هذه القنبلة في الولايات المتحدة الأمريكية. © Rawan Shaif
عيسى البكري، والد أيمن البكري البالغ من العمر 17/16 عاماً والذي كان يعمل سائقاً لسيارة إسعاف عندما لقي حتفه أثناء غارة جوية على مستشفى تابع لمنظمة “أطباء بلا حدود” في عبس بمحافظة حجة في أغسطس/آب 2016. وقال عيسى وقد مزّقه الحزن وبدا عليه الذهول: “كان أيمن في المنزل يتناول غداءه عندما استُدعي لنقل إحدى المريضات إلى المستشفى. وعندما وقعت الغارة الجوية أحسَّ الأب بأن قلبه انتُزع من صدره على الفور. وقال: “بحثنا عنه في كل مكان”. وعندما وجدوه كان أيمن لا يزال يحمل المريضة بين يديه وقد احترقت كقطعة فحم. إن حياتي لن تظل على حالها أبداً بعدما انتزعوا ابني من حضني”. © Amnesty International
20 فبراير/شباط 2016: أم عبدالرحمن تحمل طفلها البالغ من العمر 10 أشهر. وكانا قد أُرغما على الفرار من منزلهما في محافظة صعدة، معقل الحوثيين في شمال البلاد، وذلك بسبب الضربات الجوية للتحالف. وهما يعيشان حالياً في مخيم للنازحين داخلياً في عمران المجاورة. © Rawan Shaif
مجمع الشيماء التربوي للبنات، بعد قصفه بصواريخ أطلقها التحالف بقيادة السعودية، الحديدة، 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2015. © Amnesty International
في مطلع يناير/كانون الثاني، قُصف منزل عبدالله حسيب في صنعاء في “ضربة جوية مزدوجة” بينما كان هو وأفراد عائلته نياماً. وقد نجوا بأعجوبة بعد أن وصلوا إلى الشارع العام عندما قُصف منزلهم مرة أخرى. وقال عبدالله: “كل ما أتذكره هو الغبار الثقيل الذي جثم على رئتيَّ… لقد كنا محظوظين، فلو لم نكن قد غادرنا المنزل بعد الضربة الأولى، لكنَّا الآن في عداد الموتى. سمعنا صوت الصاروخ بعد دقائق ورأينا النيران تلفُّ المنزل.” © Rawan Shaif
أُصيب هندي إبراهيم، وهو أب لطفلين وعمره 25 عاماً، بجروح نتيجة لانفجار وقع بينما كان يحاول مع قرويين آخرين إزالة مئات الذخائر الفرعية للقنابل العنقودية [القنيبلات] من قريتهم في صعدة بشمال اليمن. وقال هندي: “… كنا مضطرين لإزالتها بأنفسنا بسبب خطورتها على الأطفال. في ذلك الوقت دخلتُ المنزل ووضعتُ 10 قنيبلات على صينية وحملتها خارج المنزل. وبدأت القنيبلات بالاحتكاك ببعضها بعضاً وانفجرت إحداها، عندئذ أسقطتُ الصينية فانفجرت بقية القنيبلات”.
صبي يمني يتفقد الأضرار التي نجمت عن هجوم بالهاون على مدينة تعز بجنوب البلاد في 3 فبراير/شباط 2016، مع استمرار الصدامات بين مقاتلين من لجان المقاومة الشعبية الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والجماعات المسلحة الحوثية. © AHMAD AL-BASHA/AFP/Getty Images

انتهاكات حقوق الإنسان على أيدي جميع الأطراف

ارتكبت جميع أطراف النزاع في اليمن انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني. فقد قامت قوات “الحوثيين”، التي تسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد، بقصف أحياء سكنية في اليمن بدون تمييز، وأطلقت صواريخ بدون تمييز على المملكة العربية السعودية. واستمر “التحالف” الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والذي يدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، في قصف البنية الأساسية المدنية وتنفيذ هجمات بدون تمييز، وهو ما أدى إلى مقتل وإصابة مئات المدنيين.

ومنذ 2015، نفَّذت قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات عشرات الغارات الجوية العشوائية وغير المتناسبة على المدنيين والأعيان المدنية فأصابت المنازل والمدارس والمستشفيات والأسواق والمساجد ومواكب الأعراس والجنازات. وقد وثَّقت منظمة العفو الدولية 42 ضربة جوية للتحالف شكَّلت انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، ويصل العديد منها إلى حد جرائم الحرب. وقد نتج عنها سقوط 518 قتيلاً و433 جريحاً من المدنيين.

ففي 28 يونيو/حزيران، استُخدمت ذخيرة دقيقة التوجيه صُنعت في الولايات المتحدة الأمريكية في هجوم جوي للتحالف على منزل سكني في محافظة تعز، وهو ما أدى إلى مقتل ستة مدنيين. وكان من بين القتلى ثلاثة أطفال. وفي 1 سبتمبر/أيلول، أدت ضربة جوية استهدفت منشأة احتجاز يسيطر عليها “الحوثيون” في مدينة ذمار بجنوب غرب البلاد إلى مقتل 130 محتجزاً وإصابة 40 آخرين.

كما وثَّقت منظمة العفو الدولية استخدام التحالف ستة أنواع مختلفة من الذخائر العنقودية، من بينها نماذج مصنوعة في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والبرازيل، في محافظات صنعاء وحجة وعمران وصعدة.

وتُستخدم الأسلحة غير الدقيقة بشكل يومي في المناطق السكنية، مما يسبب خسائر في صفوف المدنيين ومثل هذه الهجمات بلا تمييز تشكل انتهاكاً لقوانين الحرب.

لقد قمنا بدفنهم في اليوم نفسه لأنهم تحوَّلوا إلى أشلاء مقطعة. لم يكن هناك جثث متبقية لفحصها. اختلط لحم هذا الشخص مع ذلك الشخص. تم تغليفهم [بالبطانيات] وأخذوا بعيداً

أخبر أحد أفراد عائلة ضحايا غارة جوية على منزل في ورزان، بمحافظة تعز من الحديدة، منظمة العفو الدولية في أغسطس/آب 2019.

كما أن الجماعات المسلحة متَّهمة بارتكاب العديد من انتهاكات حقوق الإنسان، من بينها استخدام أسلحة غير دقيقة في مناطق سكنية. فمنذ عام 2015 وثَّقت منظمة العفو الدولية تأثير استمرار النزاع في تعز، بما في ذلك عمليات القصف العشوائي من قبل قوات الحوثيين، بالإضافة إلى مليشيات أخرى، التي أدت إلى سقوط مئات القتلى والجرحى.

 كما أجرتْ المنظمة، في مايو/أيار 2018، مقابلات مع 34 مدنياً، ممن وصلوا إلى عدن بعد أن أرغمتهم المصادمات على النزوح من عدة قرى وبلدات في محافظة الحديدة. وقد تحدث هؤلاء عن الهجمات المخيفة بالهاون والضربات الجوية والألغام الأرضية، وغيرها من المخاطر في خضم الهجوم الجديد على الحديدة. كما قامت قوات الحوثيين بعسكرة المستشفيات على نحو متعمد بتمركز مقاتليها على سطح مستشفى يعمل بكامل طاقته في الحديدة، مما عرَّض العديد من المدنيين داخل المبنى للخطر.

شاهدتُ رجلاً يسير بأسرع ما يمكنه وهو يحمل كيساً يحتوي على بوله، وكان لا يزال موصولاً بأنبوب وهو يلوذ بالفرار إلى خارج المستشفى. إن ذلك المشهد سيظل عالقاً في مخيلتي حتى آخر العمر. كما كان هناك العديد من الأطفال. وقد رأيت 10 أطفال أو 12 طفلاً بين الآخرين، وهم يحاولون الفرار

عامل طبي في مستشفى الثورة

وفرض التحالف قيوداً على إدخال البضائع والمعونات، من قبيل المواد الغذائية والوقود والإمدادات الطبية، إلى اليمن، بينما أعاقت سلطات الأمر الواقع الحوثية عمليات نقل المساعدات الإنسانية داخل البلاد. وقد أحدثت تلك القيود تأثيراً ضاراً على إمكانية حصول المدنيين اليمنيين على الخدمات الأساسية والضرورية، ومنها الطعام والماء النظيفة. كما أحدثت تأثيراً حاداً على توفير الرعاية الصحية، وذلك جزئياً نتيجةً لعدم توفر الوقود اللازم لتشغيل المستشفيات.

 وأدى استمرار النزاع إلى نشوء فراغ سياسي وأمني، وإنشاء ملاذ آمن للجماعات والمليشيات المسلحة المدعومة من قبل دول خارجية. وأظهر تحقيق، أجرته منظمة العفو الدولية، أن أطفالاً في سن الثامنة اغتُصبوا في مدينة تعز اليمنية. ولم يخضع الجناة المشتبه بهم، ومن بينهم أعضاء في مليشيات مدعومة من قبل التحالف، للمساءلة حتى الآن.

ضربني بعقب بندقيته وقال: أريد أن أغتصبك. فبدأت بالبكاء. أمسكني من عُنقي ودفعني أرضاً. وبدأت أصرخ، ضربني مرة أخرى واغتصبني.

صبي في 16 من العمر يقول إنه اغتُصب في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2018 من قبل رجل ميليشيا متحالفة مع حزب الإصلاح في منطقة خاضعة لسيطرة هذا الحزب في مدينة تعز

الأسلحة التي تؤجِّج الأزمة

منذ نشوب النزاع قدَّمت مجموعة من الدول معدات عسكرية إلى قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات تزيد قيمتها على 15 مليار دولار أمريكي. وفي حين أن السعودية هي المتلقِّي الرئيسي لتلك المعدات، فإن دولاً غربية أمدَّت الإمارات ببوارج حربية تزيد قيمتها على 3.5 مليار دولار أمريكي، وطائرات مقاتلة ودبابات وعربات مدرعة وأسلحة صغيرة وأسلحة خفيفة وقطع غيار وذخائر لتلك الأسلحة.

وعلى الرغم من توفر أدلة دامغة على أن هذه الأسلحة تُستخدم في ارتكاب جرائم حرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة في اليمن، فإن دولاً من قبيل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، وغيرها من البلدان الأوروبية لا تزال تزوِّد قوات التحالف بالأسلحة، في انتهاك لالتزاماتها الدولية، ومنها معاهدة الحد من الأسلحة، بالإضافة إلى قوانين الاتحاد الأوروبي والقوانين الوطنية. وقد أبرز تحقيق مفتوح أجرته منظمة العفو الدولية الخطر المتنامي في نزاع اليمن لأن الإمارات تسلِّح المليشيات بطائفة من الأسلحة المتطورة بشكل متهوِّر. ويُظهر التحقيق كيف أصبحت الإمارات قناة رئيسية لتوصيل العربات المدرعة وأنظمة الهاون والبنادق والمسدسات والرشاشات، التي يتم تحويلها سراً إلى مليشيات لا تخضع للمساءلة ومتهمة بارتكاب جرائم حرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة.

ولم توقف عمليات بيع ونقل الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وغيرهما من الدول الأعضاء في التحالف سوى حفنة من الدول، كهولندا والنرويج والدانمرك وفنلندا وسويسرا.

إن منظمة العفو الدولية تحث جميع الدول على عدم تزويد أي طرف من أطراف النزاع في اليمن – سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة – بالأسلحة أو الذخائر أو المعدات العسكرية أو التكنولوجيا التي يمكن استخدامها في النزاع إلا بعد أن تضع حداً لمثل تلك الانتهاكات الخطيرة. وهذا ينطبق أيضاً على الدعم اللوجستي والمالي لمثل عمليات النقل تلك.

عندما تحيد الأسلحة عن وجهتها

تحويل الأسلحة إلى الميليشيات، خطر جديد يحدق باليمن