الصورة: جيران يتفقدون الدمار عقب مقتل 17 مدنيا في غارة جوية في منطقة سكنية في حي باب الشعب فى سعوان شرق صنعاء
Amnesty International ©
تشير شهادات جديدة جمعتها منظمة العفو الدولية من شهود عيان في أعقاب الضربات الجوية الأخيرة على صنعاء إلى تقاعس متكرر من جانب التحالف العسكري الذي تقوده السعودية عن اتخاذ الاحتياطات الكافية للحيلولة دون سقوط قتلى بين المدنيين في اليمن.
ففي الساعات الأولى من صباح يوم 1 مايو/أيار 2015، شُنَّت ضربة جوية على منطقة سكنية في حي باب الشعب بمنطقة سعوان الواقعة شرقي العاصمة اليمنية، مما أسفر عن مقتل 17 مدنياً وإصابة 17 آخرين. وقد أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع عدد من سكان المنطقة وشهود العيان في اليوم التالي للضربة، واستمعت إلى قصص مروِّعة من بعض الناجين من الضربة الجوية.
وقال سعيد بومدوحة، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، “إن هذه الشهادات المروِّعة هي دليل دامغ على تقاعس القوات العسكرية السعودية وحلفائها عن اتخاذ ما يكفي من الإجراءات لضمان عدم قتل مدنيين دونما ضرورة في حملة الضربات الجوية التي تشنها”.
إن هذه الشهادات المروِّعة هي دليل دامغ على تقاعس القوات العسكرية السعودية وحلفائها عن اتخاذ ما يكفي من الإجراءات لضمان عدم قتل مدنيين دونما ضرورة في حملة الضربات الجوية التي تشنها
سعيد بومدوحة، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية
ومضى سعيد بومدوحة قائلاً: “بموجب أحكام القانون الإنساني الدولي، يجب على جميع الأطراف في أي نزاع مسلح أن تتخذ احتياطات معينة في تخطيط هجماتها وفي تنفيذها من أجل الحد من معاناة المدنيين”.
وأضاف سعيد بومدوحة يقول: “ينبغي على التحالف الذي تقوده السعودية أن يفصح علناً عن معلومات مفصَّلة بشأن جميع الضربات الجوية التي شُنَّت على صنعاء يوم 1 مايو/أيار 2015، بما في ذلك أهداف الضربات، والإجراءات التي اتُخذت لتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين بصورة عارضة. فحتى إذا كان من المعتقد وجود مقاتلين في المنطقة، يتعين على القوات قبل شن هجماتها أن تتيقن من وجود مدنيين وأن تتخذ الإجراءات اللازمة لتجنب وقوع خسائر بين المدنيين، أو للحد من هذه الخسائر على الأقل”.
وذكر بعض شهود العيان وسكان المنطقة أن الضربة الجوية وقعت ما بين الساعة الواحدة والواحدة والنصف من فجر يوم 1 مايو/أيار 2015 في حي باب الشعب، الذي يضم حوالي 30 منزلاً متلاصقاً. وقد أسفرت الضربة الجوية عن تدمير تسعة منازل ومصرع 17 شخصاً، بينهم سبع نساء وستة أطفال. كما أُصيب 17 مدنياً، بينهم ست نساء وطفل يبلغ من العمر اربعة أعوام.
وفي حوار مع منظمة العفو الدولية، قال منصور محمد صالح شريه، وعمره 22 عاماً، إنه فقد ستة من أفراد عائلته في الضربة الجوية، كما أُصيب هو مع أربعة آخرين. وأضاف قائلاً:”في حوالي الساعة الواحدة فجراً كنت أحاول النوم في منزلنا في حي باب الشعب عندما سمعت صوت انفجار عال هز المنزل، ثم بعد دقيقة أو دقيقتين وجدت نفسي مدفوناً وسط ركام منزلنا، كنت أصرخ من آلام في جسمي كله وأسمع صراخ والدي يستغيث وهو تحت الأنقاض. أما باقي العائلة، فدُفنوا وهم نيام”.
واستطرد منصور قائلاً:”لم تكن هناك تحذيرات قبل الضربة الجوية. وكان 12 من أفراد العائلة يعيشون في ذلك المنزل، حيث كان بعض أفراد العائلة قد وصلوا من أحياء أخرى مستهدفة بحثاً عن ملجأ من القصف. فقدتُ ستة من أفراد عائلتي خلال الضربة الجوية، وهم: أخواتي أشواق، وعمرها 20 عاماً، ونوال، وعمرها 18 عاماً، ودلال، وعمرها 16 عاماً، وحنان، وعمرها 15 عاماً، وابن اختي حمد، وعمره خمس سنوات، وابنة اختي ريماس، وعمرها أربع سنوات. كلهم قُتلوا. وفي الوقت نفسه، أُصيب أبي وأمي، ويبلغان من العمر 70 عاماً، كما أُصيبت أختي وأُصيب قريب آخر فضلاً عني. وتخضع أمي حالياً للعلاج في وحدة العناية الفائقة بمستشفى الثورة. ما زلت في صدمة، ولا أستطيع أن أستوعب ما حدث”.
وقال شخص آخر من سكان المنطقة، ويُدعى عبد الله راجح، لمنظمة العفو الدولية، إنه استيقظ لدى عودة التيار الكهربائي للحظات في حوالي الساعة الواحدة فجراً. وأضاف قائلاً: “قررت أن أنتهز فرصة عودة التيار الكهربائي لتشغيل المضخَّة وتخزين بعض المياه. وفي تلك اللحظة سمعتُ صوت الانفجار الأول على بعد حوالي كيلومترين. وبعد دقيقتين، سقط صاروخ على منزل لا يبعد سوى بضعة أمتار عن منزلنا، مما أدى إلى ارتجاج منزلنا بشدة وتحطم النوافذ وتناثر الشظايا في كل مكان. وساعد جميع أهل الحي في جهود الإنقاذ، وشيعنا الموتى في جنازة ودفناهم يوم الأحد”.
وواصل عبد الله قائلاً:”أمينة محمد الوسلة، كانت تبلغ من العمر 28 عاماً، وهي أم لستة أطفال وزوجها يعاني من مرض شديد. وقد تُوفيت أثناء الضربة الجوية. ويعيش الأطفال حالياً في مدرسة مجاورة مع عمهم”.
ومن بين سكان المنطقة أيضاً خديجة أحمد عبد القادر الكبسي، التي فقدت خلال الضربة الجوية ثلاثةً من بناتها، وهن رجاء، وعمرها 13 عاماً؛ ويُسرا، وعمرها 15 عاماً؛ ونجوى، وعمرها 20 عاماً، بالإضافة إلى زوجها وحماتها. وقد قالت لمنظمة العفو الدولية ما حدث: “منزلنا دُمر، وجميع عائلتي قُتلوا. لم ينج سوى ابنى البالغ من العمر 19 عاماً وهو يعاني من إعاقة”.
وأفاد سكان المنطقة، عاقل الحي حفظ الله علي، أنه لم يكن هناك قتال أو تبادل لإطلاق النيران قبل الضربة الجوية، وأنه لم يكن هناك وجود لمقاتلين أو لأهداف عسكرية في الحي، حيث إن أقرب قاعدة عسكرية للقوات الجوية تقع على مسافة كيلومترين تقريباً في منطقة الخرافي. ووفقاً لما ذكره أفراد عائلة الكبسي، التي ضُرب منزلها خلال الضربة الجوية التي أثرت على الحي، فإن وسائل إعلامية سعودية كانت قد أشارت إلى أن كبير العائلة عبد الله الكبسي، الذي قُتل خلال الضربة الجوية، قد استُهدف باعتباره من زعماء الحوثيين، إلا إنهم نفوا بشدة هذه الادعاءات.
خلفية
تقضي أحكام القانون الإنساني الدولي بأنه يتعين على جميع الأطراف في أي نزاع مسلح أن يميزوا بين الأهداف العسكرية، من جهة، والمدنيين والمنشآت المدنية، من جهة أخرى، وأن يضمنوا توجيه الهجمات المباشرة على الأهداف العسكرية فقط. ويُحظر شن هجمات متعمدة على المدنيين الذين لا يشاركون بشكل مباشر في الأعمال الحربية أو على المنشآت المدنية، مثل المنازل والمنشآت الطبية والمدارس والمباني الحكومية التي لا تُستخدم لأغراض عسكرية، وتُعتبر مثل هذه الهجمات جرائم حرب. كما يُحظر شن هجمات عشوائية دون تمييز وبشكل غير متناسب (وهي الهجمات التي يُحتمل أن تؤدي إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى بين المدنيين أو إلحاق دمار بممتلكات مدنية على نحو يفوق المزايا العسكرية المنشودة).
وفي حالة الضربة الجوية على حي باب الشعب بمنطقة سعوان، فبالرغم من أن الهدف المقصود هو في الواقع زعيم حوثي من الجائز قانوناً استهدافه، فإن ذلك في حد ذاته لا يبرر الهجوم. وكان من الضروري أن يعلم مخططو الضربة الجوية بوضوح أن استخدام سلاح انفجاري قوي لمهاجمة شخص، يقيم في منزل مدني وفي وقت يحيد به أفراد أسرته المدنيون بالإضافة إلى مدنيين آخرين، سوف يؤدي إلى وقوع خسائر كبيرة بين المدنيين، وأن مثل سوف الهجوم سيكون على الأرجح غير متناسب أو عشوائي.
ويقتضي القانون الإنساني الدولي من أطراف النزاع أن تتخذ احتياطات معينة في تخطيط الهجمات وتنفيذها. ومن بين هذه الاحتياطات توجيه إنذار فعال مسبقاً بالهجمات التي قد تشكل خطراً على السكان المدنيين، ما لم تسمح الظروف بذلك، وإلغاء الهجوم أو وقفه إذا تبين أنه من المحتمل أن يسبب خسائر أو أضرار جسيمة بين المدنيين، واختيار وسائل وأساليب للهجوم من شأنها أن تقلل إلى الحد الأدنى من الأخطار على المدنيين والمنشآت المدنية.
وقد وثَّقت منظمة العفو الدولية ثماني ضربات شُنَّت على خمس مناطق مكتظَّة بالسكان (وهي: صعدة، وصنعاء، والحُديدة، وحجة، وإب) قبل الضربة الجوية على سعوان. وتثير بعض هذه الضربات بواعث قلق بشأن مدى الالتزام بأحكام القانون الإنساني الدولي.
وتبين البحوث التي أجرتها منظمة العفو الدولية أن ما لا يقل عن 139 شخصاً، بينهم 97 مدنياً على الأقل (وضمنهم 33 طفلاً) قد لقوا مصرعهم خلال هذه الضربات، كما أُصيب 460 شخصاً، بينهم 157 مدنياً على الأقل.
كما أدت الضربات الجوية وعمليات القصف عن تدمير عدد من المستشفيات والمدارس والجامعات والمطارات والمساجد وسيارات نقل الغذاء والمصانع ومحطات الوقود وشبكات الهاتف ومحطات الطاقة الكهربية والملاعب الرياضية أو عن إلحاق أضرار بها. وكان من شأن هذا أن يجعل آلاف الأشخاص محرومين من الطاقة الكهربية ويعانون من نقص الغذاء والوقود.