ليبيا: المحاكمة غير العادلة للمسؤولين في عهد القذافي تفضي إلى أحكام مزرية بالإعدام

قالت منظمة العفو الدولية إن إدانة ما يربو على ثلاثين من المسؤولين في عهد القذافي اليوم، بما في ذلك فرض أحكام بالإعدام على تسعة منهم، يأتي عقب محاكمة لطختها مخالفات خطيرة تسلط الضوء على عدم قدرة ليبيا على تسيير العدالة بصورة فعالة، طبقاً للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة.

وبين الأشخاص التسعة الذين حكم عليهم بالإعدام بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم أخرى، إبان النزاع المسلح لسنة 2011، نجل العقيد معمر القذافي، سيف الإسلام القذافي، ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق، عبد الله السنوسي. وفرضت على 23 مسؤولاً آخر أحكام بالسجن تتراوح بين السجن المؤبد والسجن خمس سنوات، بينما برئت ساحة أربعة آخرين وأحيل متهم واحد إلى العلاج الطبي ولم يصدر بحقه أي حكم.

وفي هذا السياق، قال فيليب لوثر، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، إنه “وعوضاً عن أن تساعد المحاكمة على تبيان الحقيقة وتضمن المساءلة عن الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبت إبان النزاع المسلح لسنة 2011، فقد كشفت عن مدى هشاشة نظام القضاء الجنائي، المعلّق بخيط رفيع في بلد مزقته الحرب ولا تحكمه سلطة مركزية. 

عوضاً عن أن تساعد المحاكمة على تبيان الحقيقة وتضمن المساءلة عن الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبت إبان النزاع المسلح لسنة 2011، فقد كشفت عن مدى هشاشة نظام القضاء الجنائي، المعلّق بخيط رفيع في بلد مزقته الحرب ولا تحكمه سلطة مركزية.

فيليب لوثر، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية

“وهذه القضية قد ظلت على الدوام محكاً للقضاء الليبي، ولكنها بيَّنت في نهاية المطاف مدى الصعوبات التي تواجه تحقيق العدالة في وقت يتحكم خلاله صوت البنادق بحكم القانون.

“أما أحكام الإعدام هذه- التي تشكل أقصى انتهاك لحقوق الإنسان- فتصب الملح على الجرح وينبغي أن تُنقض في مرحلة الاستئناف.”

ومن المتوقع أن تحال أحكام الإدانة إلى غرفة النقض في المحكمة الليبية العليا. وتقتضي حقوق من وجدتهم المحكمة مذنبين اليوم في المحاكمة العادلة إجراء مراجعة كاملة ومستقلة ومحايدة لإجراءات مقاضاتهم وللأدلة التي استخدمت ضدهم، ويتعين على “المحكمة العليا” التصدي للمزاعم الخطيرة المتعلقة بعدالة المحاكمة وانتهاكات حقوق الإنسان في هذه القضية عندما تنظر الطعن في قرارات الإدانة. وكي تفعل ذلك، يتعين عليها ممارسة سلطتها في مراجعة الأدلة التي نظرتها المحكمة، وكذلك مراجعة تأويلات المحكمة التي حاكمت المتهمين للقانون.

ولقد دأبت منظمة العفو الدولية مراراً وتكراراً على المطالبة بتسليم سيف الإسلام القذافي إلى “المحكمة الجنائية الدولية”، التي أصدرت مذكرة قبض بحقه ما زالت سارية المفعول.

ومضى فيليب لوثر إلى القول: “لقد رفضت السلطات الليبية تسليم سيف الإسلام القذافي إلى ‘المحكمة الجنائية الدولية’ بغية إثبات أنها قادرة على تحقيق العدالة على الصعيد الوطني. ولكن لم نر حتى الآن سوى الفشل في ذلك، بعد أن أخضعته لسلسة متصلة من الانتهاكات. فقد حوكم وأدين غيابياً، في واقع الحال، وما زال محتجزاً بمعزل عن العالم الخارجي في مكان سري دونما أدنى فرصة للاتصال بمحام.

“والسبيل الوحيد إلى إحقاق العدالة فعلاً لضحايا الجرائم الخطيرة التي ارتكبت إبان نزاع 2011 هو تسليم سيف الإسلام القذافي إلى ‘المحكمة الجنائية الدولية’، وضمان محاكمات عادلة لجميع المحتجزين من الموالين للقذافي.” 

والسبيل الوحيد إلى إحقاق العدالة فعلاً لضحايا الجرائم الخطيرة التي ارتكبت إبان نزاع 2011 هو تسليم سيف الإسلام القذافي إلى المحكمة الجنائية الدولية، وضمان محاكمات عادلة لجميع المحتجزين من الموالين للقذافي.

فيليب لوثر

خلفية

امتدت محاكمة “رموز النظام السابق”، كما هي معروفة في ليبيا، من 24 مارس/آذار 2014 حتى 21 مايو/أيار 2015. ووجِّهت إلى سيف الإسلام القذافي وعبد الله السنوسي و35 مسؤولاً آخر، بمن فيهم دبلوماسيون ووزراء وأعضاء في أجهزة الأمن، سلسلة من التهم بارتكاب جرائم إبان انتفاضة 2011 وما تلاه من نزاع. وشملت هذه: القصف العشوائي؛ والتحريض على الاغتصاب؛ وإصدار أوامر بفتح النار على المتظاهرين؛ وتجنيد مرتزقة أجانب وتسليحهم؛ والمشاركة في أعمال نهب وسلب وتخريب وقتل.

وتعتقد المنظمة أن العديد من المتهمين السبعة والثلاثين قد حرموا من الحق في العون القانوني، وفي أن يظلوا صامتين، وفي أن يبلغوا على وجه السرعة بالتهم الموجهة إليهم، وفي أن يطعنوا بالأدلة التي قدمت ضدهم، وفي حضور المحاكمة. وفي بعض الحالات، احتجز المعتقلون بمعزل عن العالم الخارجي وفي أماكن احتجاز غير رسمية لفترات مطولة.

وحوكم سيف الإسلام القذافي، الذي كان محتجزاً لدى إحدى الميليشيات في الزنتان، وسبعة متهمين آخرين كانوا محتجزين في مصراتة، عبر اتصال عن طريق الفيديو. وفي بعض الأحيان، قوض سوء الاتصال عبر الأقمار الصناعية قدرتهم على متابعة الإجراءات. بينما توقف سيف الإسلام القذافي عن الظهور عبر اتصال الفيديو بعد بدء النزاع في غرب ليبيا في السنة الفائتة، التي انتهت إلى طرد كتائب الزنتان من طرابلس، ما عنى أن محاكمته كانت بالنتيجة غيابية.

وحسبما فهمت المنظمة، فإن العديد من المتهمين استجوبوا دون وجود محام، على الرغم من طلباتهم المتكررة والضمانات التي يكفلها القانون الليبي. ولا يبدو أنه قد فتحت تحقيقات تذكر في مزاعم التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة التي أثارها الدفاع. ولم يعين محامون لبعض المتهمين إلا عقب بدء المحاكمة، ما قوّض حقهم في دفاع فعال.

ولم يتمكن العديد من محامي الدفاع من زيارة موكليهم على انفراد في سجن الهضبة، وهو مرفق احتجاز يخضع لإجراءات أمنية فائقة، حيث كانت جلسات المحاكمة تعقد أيضاً. وتخلى بعض هؤلاء عن القضية وسط ادعاءات بأنهم قد تعرضوا للتهديد والترويع والمضايقات.  

واستندت قضية الادعاء إلى حد كبير على أدلة تم الحصول عليها من نحو 240 شهادة أدلى بها شهود، رغم عدم دعوة أي من هؤلاء للمثول أمام المحكمة أو الخضوع للاستجواب من جانب الدفاع. وعلى العكس من ذلك، لم يسمح لمحامي الدفاع بأن يستدعوا شاهدين لكل متهم وأعربوا عن مواجهة صعوبات في استدعاء الشهود بالنظر إلى الحالة الأمنية.

وفوق هذا وذاك، عقدت المحاكمة على خلفية نزاعات متجددة أدت إلى انهيار السلطة المركزية وإلى انقسام مؤسسات الدولة في منتصف 2014. ومذّاك، ارتكبت جميع الأطراف انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وخروقات خطيرة للقانون الدولي الإنساني، يرقى بعضها إلى مرتبة جرائم حرب. وقد حدت أعمال العنف بصورة جوهرية من قدرة المجتمع الدولي على مراقبة الإجراءات وأضعفت إلى حد كبير نظام القضاء الجنائي، الواهن أصلاً. وقد أعلنت وزارة العدل في الحكومة المعترف بها دولياً، في شرق البلاد، عدم اعترافها بما صدر عن المحكمة من أحكام.