ليبيا: أدلة على جرائم حرب محتملة تبرز الحاجة لتحقيق دولي

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن الهجوم المستمر منذ ستة أسابيع للسيطرة على طرابلس أدى لهجمات غير قانونية يمكن أن ترقى لجرائم حرب يجب أن يحقق فيها مدّعون عامّون دوليون. كاشفة أدلّة على وقوع هجمات عشوائية على المناطق المدنية في العاصمة الليبية.

 لقد جمعت المنظمة شهادات شهود عيان، وحلّلت الصور الملتقطة بالأقمار الإصطناعية، وهو ما يشير إلى تعرّض المناطق السكنية المكتظة بالسكان في منطقة “أبو سليم” في مدينة طرابلس لهجوم عشوائي بالصواريخ أثناء إحدى دورات القتال الشديد التي وقعت بين 15-17 أبريل/نيسان.

وقد وثّقت منظمة العفو الدولية كذلك الهجمات التي عرّضت حياة المئات من اللاجئين والمهاجرين للخطر.

وقالت ماجدالينا مغربي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “مع اتساع المعركة من أجل السيطرة على طرابلس، أظهرت الأطراف المتحاربة لامبالاةً مروعة بسلامة المدنيين والقانون الإنساني الدولي، وذلك بشن هجمات عشوائية على الأحياء السكنية. فهذه الهجمات الهوجاء قد تكون لها عواقب وخيمةٌ على المدنيين، وهي تعزّز الحاجة إلى أن تعمد المحكمة الجنائية الدولية إلى توسيع تحقيقاتها في جرائم حرب محتملة ارتكبتها كل أطراف النزاع الليبي”.

” إن الهجمات المتعمّدة على المدنيين والممتلكات المدنية، والهجمات العشوائية التي تودي بأرواح المدنيين وتصيبهم بجروح ترقى إلى مستوى جرائم الحرب. ويقع على عاتق كافة الأطراف التزامٌ مطلقٌ وفق القانون الدولي بحماية أرواح المدنيين، وبالتمييز بوضوح بين المدنيين والمقاتلين خلال شن هجماتهم”.

 وحسبما ذكرت منظمة الصحة العالمية؛ فمنذ بدء زحف قوات اللواء خليفة حفتر نحو طرابلس في 4 أبريل/نيسان، قتل أكثر من 454 شخصًا وجرح 2154 آخرين. وقد أكّد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية وقوع 111 إصابةً في صفوف المدنيين، بمن فيهم 23 قتيلاً مدنيًّا على الأقل، مع مخاوف من استمرار ارتفاع أعداد القتلى المدنيين. ومن بين القتلى والجرحى عاملون في القطاع الطبي.

لقد اضطر حوالي 70 ألف شخص للفرار من بيوتهم من جرّاء القتال. وقال متطوّع في ملجأ مؤقت حيث يأوي نازحين في مدرسة في منطقة “فرناج”، جنوب شرقي طرابلس، إن بعض النازحين شاهدوا البيوت التي أعادوا بناءها بعد النزاع الذي وقع عام 2011، تدمّر من جديد. كما تدهور الوضع الإنساني انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي، ونقص الإمدادات الطبية في المستشفيات.

الهجمات العشوائية على المناطق السكنية

حقّقت منظمة العفو الدولية في الهجمات الواقعة في الفترة بين 15 و17  أبريل/نيسان، وحدّدت ثلاثة أجزاء في منطقة أبو سليم” في طرابلس- وهي “حي الانتصار”، و”حي صلاح الدين”، والحي المعروف محليًّا باسم “عمارات ككلة”- تعرضت للقصف بأسلحة غير دقيقة على يد مهاجمين لم يتخذوا الإجراءات الاحتياطية الضرورية لحماية أرواح المدنيين والممتلكات والمرافق المدنية.

 ففي ليلة 16 أبريل/نيسان، أبلغ السكان عن عدة هجمات بالصواريخ في “حي الانتصار”. وقال واحدٌ من شهود العيان إن خمسة صواريخ أصابت خمسة بيوت مختلفة، ما أدى إلى مقتل أربع نساء ورجل واحد، وجرحِ فتاة صغيرة نقلت إلى المستشفى في حالةٍ حرجة غيْر أنها بقيت قيد الحياة.

إن تحليل منظمة العفو الدولية للصور الملتقطة عبر الأقمار الاصطناعية لمنطقة “أبو سليم” بين 13 و17 أبريل/نيسان يؤكد أن أضرارًا أصابت موقعي مباني مزدحمين في “أبو سليم”، علاوة على الأضرار التي لحقت بمنطقة “حي صلاح الدين” السكنية القريبة.

وبناءً على صور الأقمار الاصطناعية، وروايات شهود العيان، ورواياتٍ من مصادر أخرى موثوقة، لم تتمكن منظمة العفو الدولية من مشاهدة أي قواعد عسكرية أو نقاط تفتيش قريبة، ولم تعثر على أدلة جليّة تشير إلى وجود أي أهداف عسكرية في أيٍّ من المناطق السكنية عند وقوع الهجمات.

وتسيطر علي هذه المنطقة قوات الأمن المركزي لـ “أبو سليم”، وهي ميليشيات تابعة لـ”حكومة الوفاق الوطني” التي تتخذ من طرابلس مقرًّا لها. غير أن شهود عيان أفادوا أنه لم يكن هناك وجودٌ لمقاتلين في المنطقة.

وقال أحد شهود العيان وهو يشرح أن كل المقاتلين التابعين لحكومة الوفاق” قد غادروا المنطقة متوجهين لجبهات القتال:” حي الانتصار هو منطقة سكنية صِرفة. وكانت هناك عائلات وأطفال يعيشون فيه ويهتمون بشؤونهم الخاصة”.

وفي 15 أبريل/نيسان، هوجم حي “عمارات ككلة”، وهو مجمّع سكني كبير يقع جنوب “حي صلاح الدين”، على مسافة نحو كيلومترين من “حي الانتصار”.

وحسب شهود عيان فقد ضرب صاروخ مبنى شركة بناء محاذية للمجمع السكني. وأصاب صاروخ آخر شقة في الطابق الثالث في أحد الأبنية السكنية، وهو ما أسفر عن إصابة ما لا يقل عن شخصين.

 وقد تحققت منظمة العفو الدولية، وحلّلت على نحو مستقل، الصور المتعددة لموقع الهجوم، وتعرفت على الأضرار التي نجمت عن شظية أصابت منزلاً مدنيًا، ورأت أنها تتوافق مع قذائف مدفعية صاروخية، بما فيها صواريخ من نوع غراد عيار 122 مم. وحسب شهود عيان سقط صاروخ ثالث على الأرض، ولم يتسبّب في أي إصابات.

واستنادًا إلى تحليل منظمة العفو الدولية للصور الملتقطة عبرالأقمار الاصطناعية، علاوةً على ثلاث مقابلات أجرتها مع السكان، لم تعثر المنظمة على أي دليلٍ واضح على تموضع أي هدفٍ عسكريٍّ في حي “عمارات ككلة” عندما وقعت تلك الهجمات.

ولم تتمكن منظمة العفو الدولية أن تحدّد على نحو جازم أيًّا من الجانبين نفذ أيًّا من الهجمات على “حي الانتصار” أو “حي صلاح الدين”، أو حي “عمارات ككلة”.

وإضافةً لذلك، تحققت منظمة العفو الدولية من أشرطة فيديو وصورٍ منشورةٍ على وسائل التواصل الاجتماعي، وحددت أماكنها الجغرافية حيث تُظهر أضرارًا لحقت بمنازل مدنيين، وغيرها من المواقع المدنية، مثل أحد المساجد وسيارات إسعاف ومرافق مدرسية.

وقد تبادلت قوات “حكومة الوفاق” و”الجيش الوطني الليبي”، المعلن ذاتيًّا، بقيادة اللواء حفتر، اللوم على الهجمات العشوائية على الأحياء السكنية جنوبي طرابلس في 16 أبريل/نيسان. لكنّ سكان منطقة “أبو سليم” الذين أجريت معهم مقابلات أعربوا جميعهم عن اعتقادهم أن قوات تابعة للجيش الليبي الوطني هي المسؤولة.

عوضًا عن تعريض حياة المهاجرين واللاجئين العالقين في الاحتجاز للخطر، ينبغي على السلطات الليبية الإفراج عنهم على الفور وضمان سلامتهم. وهناك حاجةٌ ماسةٌ لإجلاء المهاجرين واللاجئين إلى مناطق أكثر أمنًا، بما فيها أوروبا

ماجدالينا مغربي

وتؤكد الصور التي راجعتها منظمة العفو الدولية أن ترسانتي “الجيش الوطني الليبي” وقوات “حكومة الوفاق” تشملان كلاهما  صواريخ من عيار 107 ملم ومنصات إطلاق صواريخ “غراد”. وتظهر صورتان نشرتا على وسائل التواصل الاجتماعي طائرة مقاتلة تابعه لـ”الجيش الوطني الليبي” أمام منصات إطلاق صواريخ غراد من طراز “بي إم-21.”

وكلا الصواريخ  من عيار 107 ملم وصواريخ “غراد” أسلحةٌ غير موجهة وليست دقيقةً، وينبغي ألا تُطلق في المناطق المدنية كَصَلياتٍ دفعةً واحدةً، وهو ما يجعل من المستحيل تمييز لأهداف العسكرية عن المدنية.

وقالت ماجدالينا مغربي:” إن القانون الإنساني الدولي يحظر استعمال المدفعية وغيرها من الأسلحة غير الدقيقة، كالصواريخ من نوع “غراد”، في المناطق المدنية، ويمكن لمثل هذه الهجمات العشوائية أن ترقى إلى مستوى جرائم حرب. وفي كلتا الحالتين الموثقتين، تجاهل المهاجمون على نحوٍ صارخ التزاماتهم باتخاذ كافة الاحتياطات المتاحة لتقليل معاناة المدنيين للحد الأدنى.”

الهجمات على مراكز احتجاز المهاجرين واللاجئين

في ليلة 7 مايو/أيار، أصابت غارة جوية مكانًا على بعد نحو 100 متر من مركز احتجاز المهاجرين في تاجوراء، شرقي طرابلس، حيث كان يُحتجز نحو 500 مهاجر ولاجئ في مخازن غير مستعملة للطائرات. وقد وصف شهود عيان الدويّ “المرعب” للغارة قائلين إنه تسبب في إغماء بعض المعتقلين.

وحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أصيب شخصان في الهجوم. وذكرت منظمه “أطباء بلا حدود” ان الشظايا المعدنية الثقيلة التي خلفتها الغارة اخترقت سقف أحد المخازن حيث تحتجز نساء، وكادت تصيب أحد الرّضع.

وتشير روايات شهود عيان وصورٌ ملتقطة عبر الأقمار الاصطناعية، حللتها منظمة العفو الدولية، إلى أن الغارة الجوية استهدفت مركبةً مدرعةً قرب مرفق للمستودع، قال محتجزون إنه يُستخدم لتخزين أسلحة، يقع في نفس المجمّع الذي يحوي مركز احتجاز المهاجرين. كما تظهر الصور العديد من المركبات المدرعة في المنطقة، وهو ما يشير إلى أن المقاتلين يستخدمون مجمع مركز الاحتجاز كمجمع عسكري.

وتتوافق الضربة مع نمط من الغارات الجوية الليلية التي تشنها طائرات تابعة لـ”الجيش الوطني الليبي” بدون طيار، تقوم بتشغيلها دولة الإمارات العربية المتحدة، وتضم طائرات من طراز “وينغ لونغ الصينية” الصنع التي تطلق صواريخ من نوع “بلو أرو-7”.

وذكر اثنان من المحتجزين في مركز احتجاز تاجوراء لمنظمة العفو الدولية أنهما أجبرا على أن ينخرطا في أنشطة ذات صلة بالنزاع مثل تحميل وتفريغ البنادق وتنظيف الرشاشات الثقيلة، رغماً عنهما.. 

وقال ثلاثة محتجزين لمنظمة العفو الدولية إنه بعد أيام قليلة، وفي 10 مايو/أيار، أصابت غارة جوية أخرى منطقة قريبة من مركز الاحتجاز.

وقالت ماجدالينا مغربي:” إن السلطات الليبية، باحتجازها مهاجرين ولاجئين قرب موقع عسكري نشط على هذا النحو، تعرّض للخطر حياة مدنيين يقعون في نطاق سلطتها تمامًا. وينبغي أن تبذل كل ما هو ممكن لإبعادهم عن الأهداف العسكرية. كما أن المزاعم بأن بعض المحتجزين أجبروا على العمل في المواقع العسكرية مرغمين تنتهك كذلك القانون الدولي”.

 وفي حادث منفصل، قال شهود عيان لمنظمة العفو الدولية إن رجالاً مسلحين أطلقوا النار  في 23 أبريل/نيسان على المهاجرين واللاجئين المحتجزين في مركز احتجاز “قصر بن غشير”، جنوب طرابلس. وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن ما لا يقل عن  12 شخصًا جرحوا ونقلوا إلى المستشفى.

وحسبما أفاد به شهود عيان، فقد دخل نحو  15 رجلاً إلى المركز، ثم بدأ بعضهم في مصادرة هواتف المحتجزين، وأمروا مجموعةً من المحتجزين المسيحيين بالكفّ عن أداء صلوات عيد الفصح. ثم بدأوا يطلقون الرصاص عندما رفض المحتجزون. وتشير الأدلة التي جمعتها المنظمة إلى أن مقاتلين تابعين لـ”الجيش الوطني” كانوا مسؤولين عن الهجوم علي المركز الواقع في منطقة تحت سيطرتهم.

وأضافت ماجدالينا مغربي: “عوضًا عن تعريض حياة المهاجرين واللاجئين العالقين في الاحتجاز للخطر، ينبغي على السلطات الليبية الإفراج عنهم على الفور وضمان سلامتهم. وهناك حاجةٌ ماسةٌ لإجلاء المهاجرين واللاجئين إلى مناطق أكثر أمنًا، بما فيها أوروبا”.

دوامة من الانتهاكات

بالاضافة إلى الانتهاكات التي ارتكبت خلال المعارك، ذكرت الأمم المتحدة أن هناك زيادةً في الاحتجاز التعسفي، وعمليات الاختطاف، والاختطاف والاختفاء القسري منذ نشوب القتال في طرابلس وحولها.

واختتمت ماجدالينا مغربي قائلة:” إن ازدياد التقارير عن عمليات الاختطاف والاعتقالات التعسفية على أيدي الطرفين منذ بدء الهجوم على طرابلس تثير القلق العميق. وينبغي عدم استهداف أي شخص بالاختطاف أو الاعتقال التعسفي اعتمادًا على خلفيته أو انتماءاته السياسية فقط”.

“إن الدوامة القاسية للانتهاكات المتصاعدة تعني أن الحاجة هي أكبر من أي وقتٍ مضى كي تعمد الدول إلى التنفيذ الكامل لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على ليبيا. ويجب إنشاء نظام محاسبة ذي معنى للتحقيق في الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي التي ارتكبتها كل الأطراف المتحاربة ومحاسبة المسؤولين عنها”.