قالت منظمة العفو الدولية اليوم، مع بدء مؤتمر بروكسل الوزاري الثامن للاتحاد الأوروبي حول “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”، إنه يجب على الحكومات المانحة التي تجتمع في بروكسل، وخاصة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ضمان ألا تساهم أي أموال تم التعهد بتقديمها لدعم اللاجئين السوريين في لبنان في انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الترحيل القسري إلى سوريا.
في 2 أيار/مايو، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن حزمة مساعدات بقيمة مليار يورو للبنان، مخصصة جزئيًا لتدعيم الأجهزة الأمنية اللبنانية بحيث يمكنها الحد من الهجرة غير النظامية عبر البحر الأبيض المتوسط من لبنان إلى أوروبا. وبعد أيام فقط، في 8 مايو/أيار، أعلن الأمن العام اللبناني عن إجراءات جديدة شاملة ضد اللاجئين السوريين، بما في ذلك القيود على قدرتهم على الحصول على تصاريح الإقامة والعمل في البلاد، وكثّف المداهمات وعمليات الإخلاء الجماعي والاعتقال والترحيل. هناك حاجة ماسة إلى وضع شروط مُحكَمة وآليات مراقبة لضمان أن يكون أي تمويل للسلطات اللبنانية لصالح المجتمعات المحتاجة، وألا يساهم في انتهاكات حقوق الإنسان.
وقالت آية مجذوب، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “مرة أخرى، وضعت الرئيسة فون دير لاين رغبتها في الحد من تدفق اللاجئين إلى أوروبا بأي ثمن قبل التزامات الاتحاد الأوروبي بحماية اللاجئين الفارين من الصراع أو الاضطهاد. يبدو أن هذا قد شجع السلطات اللبنانية على تكثيف حملتها الشرسة التي تستهدف اللاجئين بخطاب الكراهية، والترحيل القسري، والتدابير الخانقة المتعلقة بالإقامة والعمل”.
“ومع ذلك، لا يزال لبنان البلد الذي يستضيف أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة لعدد السكان، ويكابد من أجل مساعدة اللاجئين وسط أزمة اقتصادية حادة. للتضامن مع لبنان، ينبغي على الدول الأوروبية زيادة عدد عمليات إعادة التوطين في الدول الأوروبية للاجئين السوريين المقيمين في لبنان.
“ويجب على الجهات المانحة في المؤتمر الإنساني السنوي من أجل سوريا، والبلدان المضيفة للاجئين، الضغط على السلطات اللبنانية من أجل الوقف الفوري لحملتها القمعية غير المسبوقة ضد اللاجئين السوريين، ورفع الإجراءات التعسفية التي تهدف إلى الضغط عليهم لمغادرة البلاد، على الرغم من المخاطر الموثقة جيدًا التي قد يواجهونها إذا عادوا إلى سوريا”.
تواصل منظمات حقوق الإنسان، ومن بينها منظمة العفو الدولية، توثيق تعريض قوات الأمن السورية والميليشيات التابعة للحكومة لاجئين يعودون إلى سوريا للاحتجاز التعسفي والتعذيب والاخفاء القسري والقتل.
“ماذا بوسعنا أن نفعل غير الاختباء؟!”
على مدى الشهرين الماضيين، بدأت السلطات اللبنانية بالفعل في تصعيد خطاب الكراهية تجاه اللاجئين، واتخذت إجراءات تقييدية إضافية تهدف إلى الضغط على اللاجئين للعودة.
وتحدثت منظمة العفو الدولية إلى ثمانية لاجئين وصفوا كيف يعيشون في خوف؛ ويتجنبون مغادرة المنزل، أو الذهاب إلى العمل، أو إرسال أطفالهم إلى المدرسة. وطلب جميعهم عدم الكشف عن هوياتهم خشية اقتصاص السلطات الأمنية منهم بسبب تحدّثهم عن ظروفهم.
تتفق منظمات حقوق الإنسان بالإجماع على أنه لا يوجد أي جزء من سوريا آمن لعودة اللاجئين.
آية مجذوب، منظمة العفو الدولية
وقد أعلنت البلديات ساعات حظر تجول تمييزي ضد اللاجئين السوريين، وأغلقت العشرات من الشركات الصغيرة في جميع أنحاء لبنان التي توظف سوريين أو يديرها سوريون. كما أوقفت المديرة العامة للأمن العام اللبناني إجراءات منح أو تجديد الإقامات من خلال عقد إيجار سكن، وكفالة شخص لبناني، ومن خلال ضمانات مالية. كما حذرت المواطنين اللبنانيين من تشغيل أو إيواء أو توفير السكن للاجئين السوريين الذين لا يحملون وثائق إقامة في لبنان، مضيفة أنه سيتم إقفال المؤسسات والمحلات التجارية التي يملكها أو يشارك في ملكيتها أو يديرها لاجئون سوريون، إذا لم تلتزم بالقواعد القديمة والجديدة للأمن العام اللبناني.
كما استأنفت المديرية العامة للأمن العام اللبناني تنظيم ما يسمى بالعودة “الطوعية والآمنة” للاجئين السوريين، حيث عاد أكثر من 400 لاجئ في رحلة يوم 14 مايو/أيار.
وقال رجل سوري، كان في صدد تجديد تصاريح إقامته وإقامة عائلته عندما تم الإعلان عن القيود الجديدة التي فرضتها مديرية الأمن العام، لمنظمة العفو الدولية: “في هذه المرحلة توقفت عن الذهاب إلى مكاتب الأمن العام، وتواريت أنا وزوجتي عن الأنظار. نحن لا نعمل، حاولنا أن نكون نظاميين، لكننا فشلنا مرارًا وتكرارًا. فقد زار العديد من عناصر الأمن منزلنا واستفسروا عنا من حولنا طوال السنوات الماضية. ولا مرة واحدة وجدوا أي مخالفة تعرّض وضعنا للخطر. ومع ذلك، تلقيت أمر ترحيل، وزوجتي أوراقها معلّقة وهي في حالة من عدم اليقين، ولا يُسمح لأبنائي بتجديد تصاريح إقامتهم من خلال كفيل عملهم. ماذا بوسعنا أن نفعل غير الاختباء؟”
83% على الأقل من اللاجئين السوريين ليس لديهم إمكانية الحصول على وضع الإقامة، مما يعني أنهم معرضون لخطر الاعتقال والترحيل. و90% من اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر.
وقال رجل سوري آخر يدير متجرًا صغيرًا للبقالة لمنظمة العفو الدولية أن الأمن العام زار متجره مؤخرًا وأمره بإقفاله ومغادرة البلاد. واضاف قائلًا “لا أستطيع التوقف عن العمل؛ يجب أن أدفع الإيجار لصاحب المحل وتكلفة البضائع للتجار”.
سوريا ليست آمنة
خلصت تقارير صدرت عن الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى منظمات لحقوق الإنسان بما في ذلك منظمة العفو الدولية– جميعها إلى أن سوريا لا تزال غير آمنة للعودة، وأن اللاجئين معرضون لخطر انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والاضطهاد، لدى العودة. وفي الأشهر الأخيرة، شهدت سوريا أيضًا أسوأ تصعيد في أعمال العنف منذ عام 2020.
وقالت أم سورية لطفلين لمنظمة العفو الدولية: “أقسم لو كان هناك منطقة آمنة في سوريا لكنت أول من يعود! أمنة، أي لا تخضع لسيطرة النظام [السوري]. فالنظام ليس آمنًا بالنسبة لنا. كثيرون مثلنا، لو مُنحوا إمكانية العودة إلى المناطق التي لا تخضع لسيطرة النظام، لأسرعوا بالعودة دون الحاجة إلى رحلات عودة منظمة! لو كان لدي أمل بنسبة واحد بالمئة في أن نكون أنا وزوجي آمنين عند عودتنا، أقسم أننا ما كنّا لنبقى في مثل هذه الظروف القاسية هنا”.
واختتمت آية مجذوب قائلة: “تتفق منظمات حقوق الإنسان بالإجماع على أنه لا يوجد أي جزء من سوريا آمن لعودة اللاجئين. يجب على السلطات اللبنانية التوقف عن ترحيل اللاجئين بإجراءات موجزة إلى مكان يتعرضون فيه لخطر الانتهاكات، وأن ترفع القيود، وتنهي حملتها الشرسة ضد اللاجئين. وبالمثل، يقع على عاتق دول الاتحاد الأوروبي التزام قانوني وأخلاقي بالامتناع عن إعادة القوارب التي تحمل المهاجرين إلى لبنان قسرًا”.