قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن تحقيقًا في الضربتَيْن الإسرائيليتَيْن على مجموعة تضم سبعة صحفيين في جنوب لبنان في 13 أكتوبر/تشرين الأول يكشف أن الهجوم – الذي أودى بحياة الصحفي عصام عبد الله، الذي كان يعمل في وكالة “رويترز” وأصاب ستة أشخاص آخرين بجروح – يرجّح أن يكون هجومًا مباشرًا على مدنيين يجب التحقيق فيه كجريمة حرب.
وقد تحققت منظمة العفو الدولية من صحة ما يزيد على 100 مقطع فيديو وصورة، وحلّلت شظايا الأسلحة التي أُخذت من الموقع، وأجرت مقابلات مع تسعة شهود. وتشير النتائج إلى أنه كان واضحًا أنّ المجموعة تضم صحفيين وأن الجيش الإسرائيلي عرف أو كان يجب أن يعرف أنهم مدنيون، ومع ذلك هاجمهم بضربتين فصلت بينهما 37 ثانية.
وقالت آية مجذوب، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “إن التحقيق الذي أجريناه في الحادثة يكشف النقاب عن أدلة مرعبة تشير إلى وقوع هجوم بلا رحمة على مجموعة من الصحفيين الدوليين الذين كانوا يقومون بعملهم في نقل أخبار العمليات الحربية. يحظر القانون الإنساني الدولي بشكل تام الهجمات المباشرة على المدنيين والهجمات التي تُشن بلا تمييز ويمكن أن ترقى إلى جرائم حرب”. “تجب محاسبة المسؤولين عن انتهاك القانون عبر قتل عصام عبد الله وإصابة ستة صحفيين آخرين بجروح. لا يجوز أبدًا استهداف أو قتل صحفي لمجرد أنه يقوم بعمله، كما لا يمكن السماح لإسرائيل بقتل الصحفيين ومهاجمتهم، ثم الإفلات من العقاب. يجب إجراء تحقيق مستقل ونزيه في هذا الهجوم القاتل”.
يجب محاسبة المسؤولين عن انتهاك القانون عبر قتل عصام عبد الله وإصابة ستة صحفيين آخرين بجروح. يجب إجراء تحقيق مستقل ونزيه في هذا الهجوم القاتل
آية مجذوب، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية
وكان الصحفيون السبعة ينقلون الأخبار من جنوب لبنان، مرتدين خوذات وسترات واقية من الرصاص، كُتبت عليها كلمة “صحافة”. منذ الساعة الخامسة من بعد الظهر في 13 أكتوبر/تشرين الأول، لم يتحركوا من الموقع المكشوف نفسه قرب بلدة علما الشعب في قضاء صور، أي قبل نحو ساعة من الهجوم، وبقوا على مرأى كامل من القوات الإسرائيلية الموجودة على الجانب الآخر من الحدود. كما حملت إحدى السيارات علامة “TV” (تلفزيون) على غطاء محركها.
في اللقطات التي صوّرها الصحفيون، يمكن أن نشاهد ونسمع مروحية إسرائيلية من طراز “أباتشي” وعلى الأرجح مسيّرة إسرائيلية أيضاً، وقد حامتا فوقهم لأكثر من 40 دقيقة قبل أن تُشن الضربة الأولى. ولدى القوات الإسرائيلية أبراج مراقبة، وعناصر على الأرض على الناحية الأخرى من الحدود، وطائرات تُحلّق لمراقبة الحدود عن كثب. كان يجب أن يوفّر كلّ ذلك معلومات كافية للقوات الإسرائيلية بأن هؤلاء كانوا صحفيين ومدنيين، لا أهدافًا عسكرية.
ولم تجد منظمة العفو الدولية أي مؤشر على وجود أي مقاتلين أو أهداف عسكرية في الموقع الذي حدثت فيه الضربات، ما يُرجّح أن هذه الضربات هي هجمات مباشرة على المدنيين.
واستنادًا إلى استعراض لمقاطع الفيديو والصور الملتقطة من موقع الحادثة – ومن ضمن ذلك تحليل شظايا الأسلحة في الموقع، والجروح التي أصيب بها الضحايا، وتحليل لمنطقتيّ ارتطام الصاروخين على جدار حجري بجانب الطريق وفي حفرة قريبة منه، حدّدت منظمة العفو الدولية أن الضربة الأولى – التي قتلت عصام عبد الله وألحقت إصابة جسيمة بمصورة الفيديو لدى وكالة الأنباء الفرنسية AFP كريستينا عاصي – هي ناتجة عن قذيفة مدفعية من عيار 120 ملم أُطلقت من التلال الفاصلة بين النواقير والجرديح في إسرائيل. وبعد 37 ثانية فقط، تعرّضت المجموعة لضربة ثانية، هذه المرة بسلاح مختلف، يُرجح أن يكون صاروخًا موجهًا صغيرًا، ما تسبب باشتعال النيران في سيارة فريق الجزيرة.
وقالت آية مجذوب إنه “بموجب القانون الإنساني الدولي، يترتب على أطراف النزاع واجب واضح بحماية المدنيين – بمن فيهم الصحفيون – وعليهم في كافة الأوقات التمييز بين المدنيين والأهداف المدنية من ناحية وبين المقاتلين والأهداف العسكرية من ناحية أخرى. خلال نزاع مسلح، إن دور الصحفيين مهمّ جدًا لضمان التدقيق في سير الأعمال القتالية وتسليط الضوء على الانتهاكات المحتملة”.
المنهجية
قابلت منظمة العفو الدولية تسعة شهود: ثلاثة من الصحفيين الذين أصيبوا في الضربات وستة آخرين كانوا بالقرب من موقع الهجوم، وسمعوا أو شاهدوا الضربات وما أعقبها.
وتَحقّق مختبر أدلة الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية من صحة 57 مقطع فيديو يتعلق بالضربتين، صوّرها الصحفيون الذين كانوا في موقع الحادثة. ويشمل ذلك 24 مقطع فيديو صوّرها الصحفيون قبل الهجوم، وسبعة توثّق لحظة الهجوم، و22 ما حدث في أعقابه. كذلك حلّل الفريق 55 صورة، من ضمنها صور شظايا الأسلحة.
كذلك تشاورت منظمة العفو الدولية مع “إيرشوت” ِEarshot، وهي منظمة غير ربحية متخصصة في إعداد تحقيقات في التسجيلات الصوتية لاستخدامها في إطار مناصرة حقوق الإنسان، إلى جانب ستيفن بيك من شركة “بيك أوديو فورنزيكس” Beck Audio Forensics الذي أجرى تحليلًا صوتيًا للمُسيّرة والمروحية اللتين سُمع صوتاهما في اللقطات التي صوّرها الصحفيون.
وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول، بعثت منظمة العفو الدولية برسائل إلى وزارة الدفاع اللبنانية وقوات اليونيفيل – وهي بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان – طالبةً معلومات حول تحقيقاتهما في هجوم 13 أكتوبر/تشرين الأول، فضلًا عن سجلات الحوادث الأمنية على طول الحدود في ذلك اليوم. كذلك بعثت الأمانة الدولية لمنظمة العفو الدولية برسائل إلى الناطق العسكري باسم الجيش الإسرائيلي ووزير الدفاع الإسرائيلي في 28 نوفمبر/تشرين الثاني و2 ديسمبر/كانون الأول على التوالي فيما يتعلق بهذا الهجوم. ولم تتلقَّ المنظمة أي ردود في وقت إصدار هذا البيان الصحفي. كما راجعت المنظمة تصريحات مرتبطة بالهجوم أدلى بها الجيش الإسرائيلي.
الهجوم على الصحفيين
في 13 أكتوبر/تشرين الأول، تجمّع المصوّر الصحفي لرويترز عصام عبد الله، ومصوّر رويترز ثائر السوداني، والمصوّر الصحفي لرويترز ماهر نزيه، والمصوّرة لدى وكالة الأنباء الفرنسية كريستينا عاصي، والمصوّر الصحفي لوكالة الأنباء الفرنسية ديلان كولنز، ومراسلة قناة الجزيرة كارمن جوخدار، والمصوّر الصحفي للقناة إيلي برخيا، في موقع قريب من علما الشعب في جنوب لبنان لنقل أنباء الاشتباكات الدائرة بين القوات الإسرائيلية وحزب الله.
وقبل ساعة و23 دقيقة بالضبط من الضربة الأولى على الصحفيين، وجّه الجميع كاميراتهم نحو الجنوب الغربي باتجاه نقطة حانيتا، وبدأوا يصورون موقعًا عسكريًا إسرائيليًا على الحدود مع لبنان. وقد التقطت المشاهد التي أُخذت من ثلاث كاميرات مختلفة البنية التحتية العسكرية الإسرائيلية، مثل برج مراقبة، وهوائي، ودبابة ميركافا إسرائيلية تقصف باتجاه منطقة الدبشة في لبنان.
وبعد ثوانٍ، عند الساعة 6.02 مساءً، أطلقت دبابة إسرائيلية متمركزة إلى الشرق من الصحفيين، القذيفة الأولى، وقتلت عصام عبد الله. الذي كان يجلس على حافة حجرية، وأصابت كريستينا عاصي بجروح بالغة. وسقطت ضربة أخرى بعد 37 ثانية – باستخدام سلاح مختلف – على الأرض بالقرب من سيارة الجزيرة، ما تسبب باشتعالها.
وقال إيلي برخيا: “كنت أنظر إلى عصام عندما سمعت الانفجار [الأول]. وشاهدت جسم عصام يطير مع وهج وحرارة خلفه … فصعدت على عجل إلى التل، وسمعت كريستينا تصرخ “لا أشعر بساقيَّ” فعدتُ مهرولًا إلى حيث هي، وشاهدت ديلان يبحث عن رباط لجراحها”.
أما ديلان كولنز فقد وصف المشهد المؤلم وهو يهرع لمساعدة زميلته المصابة كريستينا، بعد اكتشافه بأن ساقها قد تهشّمت جراء الانفجار الأول. وقال لمنظمة العفو الدولية: “حالما التفتُ حولي، سمعت صوت كريستينا تقول ’يا ربّ!‘ فأقول لها ’أنت بخير‘. فهرعت نحوها مباشرةً ورأيت أن ساقيها قد تعرّضتا للتهشيم حتى مستوى الركبة”.
وقد وقع الانفجار الثاني بينما كان يحاول شدّ رباطين حول ساقَيها. وقال: “عندما وقع الانفجار الثاني، صُعقت وشعرت بالدوار، ولكن في ذاكرتي المشوشة، أتذكر سقوط ساق عصام أمامي، وأتذكر إنني نظرت إلى الأعلى وشاهدت كارمن بجوار السيارة، كان وجهها أسود وتمشي مترنّحةً. وكان ظهرها بكامله مغطىً بالشظايا”.
أخبرت كارمن منظمة العفو الدولية بأنها بعد الضربة الثانية، رأت إيلي برخيا على الأرض واعتقدت أنه توفي. “وعلى صوت واطي، قلت ’إيلي؟‘ ردّ: ’كارمن، أنا موجوع‘”.
حالما التفتُ حولي، سمعت صوت كريستينا تقول ’يا ربّ!‘ فأقول لها ’أنت بخير‘. فهرعت نحوها مباشرةً ورأيت أن ساقيها قد تعرّضتا للتهشيم حتى مستوى الركبة
المصوّر الصحفي لوكالة الأنباء الفرنسية ديلان كولنزالذي أُصيب في الهجوم نفسه
تُظهر مقاطع الفيديو والصور للآثار الناجمة عن الهجوم والتي تحققنا من صحتها، ثلاثة صحفيين جرحى – كريستينا عاصي، وإيلي برخيا، وكارمن جوخدار – وجثمان عصام عبد الله وسيارة الجزيرة المحترقة.
وقد اطّلعت منظمة العفو الدولية على التقرير الصادر في 13 أكتوبر/تشرين الأول عن مصلحة الطب الشرعي والأدلة الجنائية في وزارة العدل اللبنانية عقب فحص جثمان عصام عبد الله. وأفاد التقرير بأنّ جسده أُصيب بجروح وحروق بليغة.
وفقدت كريستينا عاصي إحدى ساقيها وكانت لا تزال في المستشفى عند إصدار هذا البيان الصحفي. وأصيب ديلان كولنز بجروح ناجمة عن شظايا في وجهه وذراعيه وظهره. وأصيب ماهر نزيه بجروح في ذراعيه وجروح أخرى ناجمة عن شظايا، وأصيب ثائر السوداني بجروح ناجمة عن شظايا في كامل الجانب الأيسر من جسده. كذلك أصيبت كارمن جوخدار بجروح ناجمة عن شظايا وجروح أخرى لا سيما في النصف الأسفل من جسدها، وأصيب إيلي برخيا بجروح بالغة في ذراعَيْه وتهشّم كتفه.
موقع الصحفيين
تجمّع الصحفيون في 13 أكتوبر/تشرين الأول بجانب طريقٍ يمر فوق تل قريب من علما الشعب في صور، على بعد نحو كيلومتر واحد من الحدود الإسرائيلية. وكان الصحفيون قد تجمّعوا في هذا الموقع من أجل تصوير الاشتباكات الدائرة في حانيتا بشمال إسرائيل، في أعقاب الاشتباه بمحاولة تسلل من جانب مجموعات فلسطينية مسلحة ووقوع انفجار عند السياج الحدودي بعد ظهر ذلك اليوم، وقال الجيش الإسرائيلي إنه تسبب “بضرر طفيف”. وبعد ذلك بوقت قصير، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه “استبعد” محاولة التسلّل لكن أضاف أنّه “تمّ رصد إطلاق نار باتجاه عدد من الحواجز العسكرية عند الحدود اللبنانية”، وأنّ الجيش الإسرائيلي “ردّ بإطلاق نار مدفعية” نحو البنية التحتية لحزب الله وأنّ “المدفعية ضربت باتجاه مصدر إطلاق النار”.
وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام في لبنان أنه “حدث تبادل لإطلاق النار بين المقاومة [حزب الله] والعدو الإسرائيلي” عند المنطقة الحدودية بين بلدتَيْ علما الشعب والضهيرة.
كانت سيارتنا بيضاء، وقد أبقينا جميع أبوابها مفتوحة عن قصد للإعلان بأننا صحفيون نقف على تل خالٍ من أي وجود عسكري، أو أشجار، أو أشخاص، وبالكاد به بضعة بيوت، ورمل أبيض. وبما أننا صحفيون، لا نختار مواقع تثير الشبهات؛ بل نختار مواقع مكشوفة تمامًا
المصوّر الصحفي لقناة الجزيرة إيلي برخيا
وتشير المشاهد التي التقطتها كاميرات الصحفيين الذين تعرّضوا للهجوم والتي اطّلعت عليها منظمة العفو الدولية إلى أنهم كانوا يصوّرون الاشتباكات الحدودية الدائرة بين القوات الإسرائيلية وحزب الله وجماعات مسلحة أخرى في خمسة مواقع مختلفة، يرجح أن تكون في بلدات النواقير، وأدميت، وحانيتا ومحيطها في إسرائيل على بعد 1.5 كيلومتر على الأقل من موقعهم.
وتُظهر لقطات الفيديو التي صوّرها الصحفيون وتحققت منظمة العفو الدولية من صحتها أن الطواقم الإعلامية كانوا على تل يقع على طريق بجوار منزل يتيح رؤية واسعة للوادي الذي يشكل الحدود بين لبنان وإسرائيل. وقد وضع ذلك الصحفيين ضمن خط رؤية واضح لمجموعة من المواقع العسكرية الإسرائيلية، من بينها النواقير، والجرديح، وحانيتا.
وأخبر الصحفيون من وكالة الأنباء الفرنسية، والجزيرة، والمؤسسة اللبنانية للإرسال (LBC)، وتلفزيون الجديد منظمة العفو الدولية بأنهم اختاروا هذا الموقع عمدًا لأنه يقع على تل، ما يسمح لهم بتصوير ونقل أخبار الاشتباكات الجارية في حانيتا على تل آخر يفصله عنهم وادٍ. وأبلغ الصحفيون منظمة العفو الدولية أنه في أعقاب ما بدا أنه معركة تبادل رصاص على الجانب الإسرائيلي من الحدود، بدأ الجيش الإسرائيلي عملية “تمشيط” للتيقن من أنه قضى على التهديد المتمثل بالتسلل المشتبه به.
وتُبيّن مقاطع الفيديو والصور التي تحققت منظمة العفو الدولية من صحتها أن الصحفيين السبعة كانوا يرتدون دروعًا على أجسادهم دُوّنت عليها كلمة “صحافة”، وأن السيارة الزرقاء التابعة لطاقم رويترز كانت مُعلّمة بكلمة “تلفزيون” مع شريط أصفر على غطاء محركها.
وقد وصف إيلي برخيا لمنظمة العفو الدولية الإجراءات الاحترازية التي اتخذها الصحفيون قائلًا: “كانت سيارتنا بيضاء، وقد أبقينا جميع أبوابها مفتوحة عن قصد للإعلان بأننا صحفيون نقف على تل خالٍ من أي وجود عسكري، أو أشجار، أو أشخاص، وبالكاد به بضعة بيوت، ورمل أبيض. وبما أننا صحفيون، لا نختار مواقع تثير الشبهات؛ بل نختار مواقع مكشوفة تمامًا”.
وأضافت كارمن جوخدار: “كنا سبعة مراسلين نرتدي سترات صحفية، وخوذات، ولدينا ثلاث سيارات إعلامية، وعدة كاميرات على حوامل ثلاثية. كان من المستحيل أن يخطئ أحد في تمييزنا”.
المراقبة
رصدت الصور التي التقطتها الجزيرة، فضلًا عن طاقم تلفزيون العربي الذي كان يصوّر الاشتباكات من موقع متاخم في علما الشعب – صورة لمروحية أباتشي إسرائيلية تحلّق فوقهم.
ويشير التحليل الصوتي للقطات الذي أجرته “إيرشوت” وستيفن بيك إلى أنه قبل أكثر من 40 دقيقة من وقوع الهجوم على الصحفيين، كان يمكن سماع صوت مروحية وطائرة تدفعها مروحة (مُسيّرة) تحومان في الجو. وكانت هاتان الطائرتان تقومان بالمراقبة، وكانتا مروحية أباتشي إسرائيلية وعلى الأرجح مُسيّرة إسرائيلية.
كذلك أظهرت اللقطات التي صوّرها الصحفيون برج مراقبة على التل في حانيتا. ويطلّ البرج على علما الشعب، ويضمّ محطة اتصالات استخبارية لإشارات الجيش الإسرائيلي، مسؤولة عن تزويد عناصره بمعلومات استخبارية آنيّة خلال العمليات. وتشير صور ولقطات الأقمار الصناعية التي تحققت منظمة العفو الدولية من صحتها إلى وجود بنية تحتية مشابهة في الجرديح يمكن أيضًا رؤية موقع الصحفيين منها.
تحليل مصدر الضربات والأسلحة
تشير صور ومقاطع الفيديو لآثار الضربات والتي تحققت منظمة العفو الدولية من صحتها إلى أن الهجوم الأول انطلق من التلال الواقعة بين قريتَيْ النواقير والجرديح في إسرائيل.
وقد أجرت منظمة العفو الدولية تحليلًا لموقع جثمان عصام عبد الله عقب الضربات، والاتجاه الذي تبعثرت فيه الحجارة من الحافة التي كان يجلس عليها، فضلًا عن الاتجاه الذي كانت الكاميرا تهتز فيه وتسقط على الأرض عقب الضربة. ويشير تحليل شظايا الأسلحة إلى أن الذخيرة التي أودت بحياة عصام عبد الله كانت قذيفة مدفعية من عيار 120 ملم، هي على الأرجح مقذوف من طراز أم 339 من صنع شركة “آي أم آي سيستمز” IMI Systems الإسرائيلية، وتم التعرف عليها في التحقيقات الأخرى التي أجرتها منظمة العفو الدولية في الهجمات التي شنها الجيش الإسرائيلي.
ويشير التحليل إلى أنها أُطلقت من موقع إسرائيلي قريب من الجرديح، في الجهة الشرقية من موقع الصحفيين. وتؤكد اللقطات التي صوّرها الصحفيون في ذلك اليوم أن الجيش الإسرائيلي كان يطلق النار من تلك المنطقة.
وقد أحدثت الضربة الثانية – التي وقعت بعد 37 ثانية – حفرة ضحلة صغيرة بالقرب من الإطار الأمامي لسيارة الجزيرة. وبناءً على صور شظايا الأسلحة، فمن المرجح جدًا أن تكون هذه الذخيرة صاروخًا موجهًا صغيرًا، لكن منظمة العفو الدولية لم تتمكن من تحديد الطراز، أو اتجاه النار، أو منصة الإطلاق على وجه الدقة.
وعقب الهجوم الذي وقع في 13 أكتوبر/تشرين الأول، قال مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان، في مؤتمر صحفي: “من الواضح أننا لا نود أبدًا إصابة أو قتل أي صحفي أو إطلاق النار عليه… لكن كما تعرفون، نحن في حالة حرب، وهذه أشياء يمكن أن تحدث”. وفي اليوم التالي، قال الجيش الإسرائيلي إن “الحادثة قيد المراجعة”.
وقد وثقت منظمة العفو الدولية ومنظمات أخرى لحقوق الإنسان السجل الحافل لإسرائيل في الإفلات شبه التام من العقاب على الانتهاكات التي ترتكبها، بما في ذلك جرائم يشتبه بأنها جرائم حرب ارتكبتها قواتها الأمنية، لذلك يتحتم إجراء تحقيق مستقل ونزيه في هذا الهجوم.
وفي مايو/أيار 2023، شددت لجنة حماية الصحفيين على أنه في السنوات الـ 22 الماضية، لم توجَّه تهمة إلى أي فرد من أفراد القوات المسلحة الإسرائيلية، ولم يخضع للمساءلة أي فرد منها على قتل ما لا يقل عن 20 صحفيًا.
وفي العام 2000، وثّقت منظمة العفو الدولية ضربة إسرائيلية في جنوب لبنان أودت بحياة الصحفي اللبناني عبد الرحمن طقوش الذي كان يعمل لدى الـ “بي بي سي” BBC في ذلك الوقت. ولم تُخضع إسرائيل المسؤولين عن ذلك للمساءلة.
ومنذ فترة قصيرة، تقاعست السلطات الإسرائيلية عن مساءلة الجناة على قتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة التي أردتها القوات الإسرائيلية بالرصاص في الضفة الغربية المحتلة عام 2022.
خلفية
قُتل ثلاثة صحفيين لبنانيين كانوا يغطون الأعمال القتالية في جنوب لبنان. وبالإضافة إلى الحادثة الموثقة في هذا التقرير والتي قُتل فيها عصام عبد الله، قُتل ثلاثة مدنيين، من بينهم صحفيان من قناة الميادين المحلية – المراسلة فرح عمر والمصور ربيع المعماري – ومرافقهما المواطن حسين عقيل، في غارة على قرية طير حرفا في صور.
منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، أكدت لجنة حماية الصحفيين وفاة ما لا يقل عن 63 صحفيًا وعاملًا في مجال الإعلام – 56 فلسطينيًا، وأربعة إسرائيليين، وثلاثة لبنانيين.
ينبغي إجراء تحقيق مستقل ونزيه في هذه الأحداث أيضًا.
لقد تصاعدت الأعمال القتالية عند الحدود بين إسرائيل ولبنان بشكل ملحوظ منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وأطلق حزب الله وجماعات مسلحة أخرى قذائف على شمال إسرائيل، أسفرت عن مقتل ثلاثة مدنيين إسرائيليين، بحسب الجيش الإسرائيلي. وتجري منظمة العفو الدولية تحقيقًا في الهجمات التي شنها حزب الله وغيره من الجماعات المسلحة على شمال إسرائيل لتحديد ما إذا كانت تمثل انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي.
ووفقًا لتقارير إعلامية، أودى القصف الإسرائيلي على لبنان بحياة ما لا يقل عن 16 مدنيًا حتى الآن. وفي الشهر الماضي، وثقت منظمة العفو الدولية استخدام الجيش الإسرائيلي لقذائف الفسفور الأبيض المدفعية في قرى الضهيرة والماري وعيتا الشعب، والتي يمكن اعتبار بعضها هجمات عشوائية، وبالتالي غير قانونية. وفي 14 أكتوبر/تشرين الأول، أنكرت السلطات الإسرائيلية أنها استخدمت الفسفور الأبيض في عملياتها العسكرية في غزة ولبنان.