لبنان: الألاف في طرابلس ما زالوا يعيشون في مساكن غير آمنة بعد مرور سنة على الزلازل

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن آلاف الأشخاص في مدينة طرابلس بشمالي لبنان يعيشون في أبنية غير آمنة تشكل خطرًا على حقهم في سكن لائق وحقهم في الحياة وسط لامبالاة الحكومة، بعد مضي أكثر من سنة على وقوع الزلازل المدمرة التي هدّمت أجزاء واسعة من تركيا وسوريا والحقت أضرارًا بأبنية في لبنان.

وفي تقرير موجز جديد بعنوان لبنان: “لسنا بأمان هنا”: الحكومة تخذل سكّان المباني الآيلة للسقوط في طرابلس، تبين للمنظمة أنه حتى قبل وقوع الزلازل، كان السكان في طرابلس قد دقوا ناقوس الخطر بشأن حالة مساكنهم المروّعة والناجمة عن عقود من الإهمال، وعدم تقيّد المقاولين بأنظمة السلامة. وقد تفاقمت أوضاع هذه المباني بفعل الأزمة الاقتصادية القاسية التي سلبت السكّان قدرة تحمُّل كلفة إجراء الإصلاحات أو الانتقال إلى مساكن بديلة.

وأتت زلازل شباط 2023 لتفاقم المشاكل البنيوية القائمة، ما ضاعف المخاطر التي تحدّق بالسكان. بيد أن الحكومة تقاعست عن إجراء المسوح الميدانية الشاملة للأبنية المهددة بالانهيار، وعن تقديم الدعم للسكان، وبدلًا من ذلك، اقتصر تدخل السلطات على إرسال إنذارات بالإخلاء، وفي بعض الحالات، فرض غرامات.

وقالت سحر مندور، الباحثة في الشؤون اللبنانية في منظمة العفو الدولية، إن “الحكومة اللبنانية لم تتحمل مسؤوليتها في حماية الحق بالسكن الآمن، فلم تعدّ خطة واضحة لإصلاح الأبنية المتضررة، ولم تُبدِ حرصاً جدياً على تقديم الدعم للسكان، ومن ضمن ذلك التعويض والسكن البديل حيثما ينطبق ذلك، على الرغم من أن المسوح الميدانية البلدية، الجزئية وغير المكتملة، أوضحت أن الأبنية غير آمنة بالفعل ويمكن أن تنهار في أي لحظة”.

“إن السكن اللائق هو حقٌّ من حقوق الإنسان. ومن المعيب أن السكان في المدينة التي لديها أعلى معدل فقر في لبنان تُركوا ليتدبروا أمورهم بأنفسهم، وفي بعض الحالات، سُلّموا إنذارات بالإخلاء. ونتيجة لإهمال الحكومة لهذا الحق وعدم جهوزية الدولة لتحمّل مسؤوليتها، يضطر الآلاف، بعد مضي عام على الزلازل، إلى مواجهة خيار مستحيل كل يوم، بين ما إذا كانوا سيواصلون العيش في منزل غير آمن أو سيواجهون العوز في بيتٍ أكثر أماناً ومؤقت”.

إن السكن اللائق هو حقٌّ من حقوق الإنسان. ومن المعيب أن السكان في المدينة التي لديها أعلى معدل فقر في لبنان تُركوا ليتدبروا أمورهم بأنفسهم، وفي بعض الحالات، سُلّموا إنذارات بالإخلاء.

سحر مندور، الباحثة في الشؤون اللبنانية في منظمة العفو الدولية

وفي الأشهر الستة الأخيرة وحدها، قُتل ثمانية أشخاص في لبنان بعد انهيار الأبنية التي يسكنون فيها. وفي 11 فبراير/شباط، انهار مبنى مؤلف من خمسة طوابق في الشويفات جنوبي بيروت. وقد بدأ المبنى بالاهتزاز لمدة 15 دقيقة قبل أن ينهار، ما منح السكان وقتًا لإخلائه على عجل.

داخل منزل معرض لخطر الانهيار في السوق القديم في طرابلس، لبنان، في 3 أبريل/نيسان 2023. ©Amnesty International

وفي مسح ميداني أُجري عام 2022، خلصت بلدية طرابلس إلى أن هناك 236 مبنىً مهددًا بالانهيار. وفي أغسطس/آب 2023، بعد مرور ستة أشهر على وقوع الزلزال، قالت البلدية إنها حددت 800-1000 مبنى مهدد، وهذا أعلى بأربعة أضعاف من عددها قبل وقوع الزلازل.

وقد قام باحثون من منظمة العفو الدولية بزيارات ميدانية إلى أحياء التل، والزاهرية، والسوق القديمة، والقبة، وضهر المغرّ في طرابلس في أبريل/نيسان 2023، حيث أجرى الفريق مقابلات مع 13 عائلة تعيش في أبنية صنّفتها البلدية المحلية بأنها معرّضة لخطر الانهيار. وأجرى الباحثون مقابلات متابعة مع 12 من تلك العائلات في ديسمبر/كانون الأول 2023 لتحديث المعلومات. كذلك قابلت المنظمة ممثلين عن الحكومتين الوطنية والمحلية، وتحدثت إلى ممثلين عن منظمات مجتمع مدني ناشطة في مجال الحق بالسكن.

وعقب وقوع الزلازل مباشرة، كلّفت الحكومة البلديات بإجراء مسوح ميدانية للأبنية غير الآمنة ورفع تقارير إلى وزارة الداخلية في غضون 72 ساعة. كذلك فوّض رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال الهيئة العليا للإغاثة – وهي هيئة حكومية أُسست في عام 1976 وتتولى مسؤولية تلقي تبرعات الإغاثة وتوزيعها على الأشخاص المحتاجين – بتوزيع 30 مليون ليرة لبنانية (حوالي 320 دولارًا أمريكيًا) “كبدل إيواء” للأشخاص الذين يعيشون في أبنية غير آمنة لتغطية بدل الإيجار لمدة ثلاثة أشهر، يُتوقع منهم خلالها إصلاح منازلهم أو إيجاد حل أكثر استدامة، على نفقتهم الخاصة.

وبعد مرور سنة، قال جميع السكان الذين أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات معهم إنهم واصلوا العيش في منازل تعرّضت لأضرار جسيمة لأنهم غير قادرين على تحمُّل تكلفة إصلاحها أو إيجاد مساكن بديلة. ولم تُكمل الحكومة المسح الميداني للمباني غير الآمنة، وكان شخص واحد فقط أجرت منظمة العفو الدولية مقابلة معه على علم ببدل الإيواء البالغ 320 دولارًا أمريكيًا.

استطعنا إنقاذ زوجتي التي أسعفناها أولًا. وبحلول الوقت الذي وصلنا فيه إلى ابنتي، كانت قد فارقت الحياة.

خالد ديكو، الذي قُتلت ابنته حومانة البالغة من العمر 5 سنوات إثر انهيار مبنى في 2022Khaled Diko, whose daughter Jumana, 5, was killed in a building collapse in 2022

طرابلس هي إحدى أكثر المدن تهميشًا في لبنان، وتضم أكبر عدد من الأبنية غير الآمنة في البلاد. وفي 18 سبتمبر/أيلول 2023، انهار مبنى تاريخي غير مأهول مكوّن من ثلاثة طوابق في حي الزاهرية، ما أثار مجددًا مخاوف ساكني الحي على سلامتهم. وفي يونيو/حزيران 2022، قُتلت جومانة ديكو البالغة من العمر 5 سنوات عندما انهار مبنى في ضهر المغرّ بطرابلس. وقال والدها خالد: “استطعنا إنقاذ زوجتي التي أسعفناها أولًا. وبحلول الوقت الذي وصلنا فيه إلى ابنتي، كانت قد فارقت الحياة”. وقبل سبعة أشهر من وقوع هذه المأساة، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، توفيت الشقيقتان صباح وحياة الزعبي بعدما انهارت شرفة بيت عائلتهما القديم في حي القبة.

مبنى صنفته البلدية على أنه معرض لخطر الانهيار، بالقرب من ساحة التل في طرابلس، لبنان، في 3 أبريل/نيسان 2023. © Amnesty International

لقد تضاعفت إخفاقات الحكومة جراء سنوات من سوء الإدارة والفساد، وأزمة اقتصادية مدمرة أوقعت نسبة تفوق 75% من السكان في أتون الفقر، في ظل غياب نظام حماية اجتماعية فاعل. ولا تستوفي أغلبية الأبنية في لبنان المعايير الدُنيا للسلامة.

وختمت سحر مندور حديثها بالقول: “نناشد الحكومة اللبنانية أن تفي على نحو عاجل بالواجبات المترتبة عليها وأن تحمي الحق في سكن آمن ولائق، على الرغم من الأزمة الاقتصادية. ويتعين عليها أن تتخذ فورًا خطوات لضمان سلامة أولئك الذين يعيشون في أبنية تُعدّ بأنها مهددة بالانهيار، وضمان حقهم في السكن”،

“وهذا يشمل تسريع وتيرة المسح الميداني الوطني للأبنية المهددة، وإصلاح المنازل المتضررة، وإبلاغ السكان بحقوقهم في بدل إيواء مؤقت، وتقديم مساكن بديلة لأولئك غير القادرين على إعالة أنفسهم – كل ذلك عبر عملية تشاور حقيقية مع الأشخاص المتضررين”.