تونس: حملة قمعية ضد منظمات المجتمع المدني بعد أشهر من تصاعد العنف ضد اللاجئين والمهاجرين

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن الحكومة التونسية شنّت، خلال الأسبوعين الماضيين، حملة قمعية غير مسبوقة ضد المهاجرين واللاجئين، والمدافعين عن حقوق هؤلاء الإنسانية، وكذلك ضد الصحفيين. ويأتي ذلك بعد أقل من أسبوعين من اجتماع تنسيقي رفيع المستوى مع وزارة الداخلية الإيطالية حول إدارة الهجرة.

فمنذ 3 ماي/أيار، قامت السلطات التونسية باعتقال واستدعاء والتحقيق مع رؤساء أو موظفين سابقين أو أعضاء في ما لا يقل عن 12 منظمة، بسبب تهم غير واضحة، من بينها “جرائم مالية” لتقديم المساعدة للمهاجرين، بما في ذلك منظمة تونسية تعمل بالشراكة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على دعم طالبي اللجوء من خلال عملية تحديد وضع اللاجئين في البلاد. كما اعتقلت صحفيَّيْن، على الأقل، وأحالتهما إلى المحاكمة بسبب تقاريرهما المستقلة وتعليقاتهما في وسائل الإعلام.

بالتوازي مع ذلك، صعّدت قوات الأمن عمليات الترحيل الجماعي غير القانوني للاجئين والمهاجرين، فضلًا عن عمليات الإخلاء القسري المتعددة، واعتقلت وأدانت أصحاب عقارات قاموا بتأجير شقق للمهاجرين دون تصاريح.

وقالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “تصعد السلطات التونسية من حملات القمع الكيدية ضد منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق المهاجرين واللاجئين عبر استخدام ادّعاءات مضللة حول عملها، ومضايقة ومقاضاة العاملين في منظمات غير حكومية والمحامين والصحفيين. وتؤدي حملة التشهير عبر الإنترنت وفي وسائل الإعلام، بدعم من الرئيس التونسي نفسه، إلى تعريض اللاجئين والمهاجرين في البلاد للخطر. كما أنها تقوض عمل مجموعات المجتمع المدني، وتبعث برسالة مروعة إلى جميع الأصوات المنتقدة.

“يجب على السلطات التونسية أن تضع حدًا لهذه الحملة الشرسة فورًا، وأن توقف جميع الأعمال الانتقامية ضد العاملين في المنظمات غير الحكومية الذين يقدمون الدعم الأساسي، بما في ذلك المأوى، للمهاجرين واللاجئين. وينبغي للاتحاد الأوروبي أن يراجع بشكل عاجل اتفاقيات التعاون المبرمة مع تونس للتأكد من أنها ليست متواطئة في انتهاكات حقوق الإنسان ضد المهاجرين واللاجئين، ولا في قمع وسائل الإعلام والمحامين والمهاجرين والنشطاء”.

يجب على السلطات التونسية أن تضع حدًا لهذه الحملة الشرسة فورًا، وأن توقف جميع الأعمال الانتقامية ضد العاملين في المنظمات غير الحكومية الذين يقدمون الدعم الأساسي، بما في ذلك المأوى، للمهاجرين واللاجئين.

هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا

وتشمل أهداف حملة الحكومة المجلس التونسي للاجئين، وهو منظمة غير حكومية أعلنت مؤخرًا عن عروض للفنادق من أجل تقديم مقترحات لبرنامج يهدف إلى إيواء طالبي اللجوء واللاجئين. وقد اعتقلت السلطات التونسية رئيس المجلس التونسي للاجئين ونائبه، وأمرت النيابة بحبسهما احتياطيًا على ذمة التحقيق فيما يتعلق بتهم “تكوين تحالف إجرامي بقصد مساعدة شخص على دخول الأراضي التونسية دون وثائق سفر”. وأعلن الوكيل العام بتونس العاصمة أنه تم فتح تحقيق رسمي بحق “مجموعة من الجمعيات والمنظمات” التي “تستغل ولايتها لتقديم الدعم المالي لـ ’مهاجرين غير شرعيين‘”.

وفي 8 ماي/أيار، اعتقلت الشرطة التونسية أيضًا المدافعة عن حقوق الإنسان سعدية مصباح، رئيسة منامتي، وهي جمعية تونسية مناهضة للعنصرية تقدم الدعم للاجئين والمهاجرين، واحتجزتها على ذمة التحقيق فيما يتعلق بـ “جرائم مالية” تتصل بتمويل الجمعية. فتشت الشرطة مكاتب المنظمة في تونس، وكذلك منزل مصباح، واستجوبتها هي واثنين من موظفي منامتي حول تمويل الجمعية وأنشطتها وشركائها.

حملة قمع شرسة ضد المهاجرين واللاجئين

تأتي حملة القمع الأخيرة بالتوازي مع التصريحات التحريضية التي أدلى بها الرئيس قيس سعيّد خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي في 6 ماي/أيار، والتي هاجم فيها بشكل خاص منظمات المجتمع المدني، واصفًا إياها بـ “الخونة” و”العملاء [الأجانب]” و”الأبواق المسعورة ومدفوعة الأجر من الخارج”، بسبب حصولهم على تمويل أجنبي و”التطاول” على الدولة. وقال إن انتقاد الدولة يشكل خيانة. وجاء خطابه بعد فترة وجيزة من اجتماع روما بشأن الهجرة في 2 ماي/أيار 2024 بين وزراء داخلية إيطاليا وتونس والجزائر وليبيا.

في ست مناسبات، على الأقل، بين يوليو/تموز 2023 وأبريل/نيسان 2024، اتهم الرئيس التونسي علنًا منظمات المجتمع المدني بالتدخل في الشؤون الداخلية لتونس وتمويل الفساد، مشيرًا على وجه التحديد إلى تلقيها تمويلًا أجنبيًا كأساس لتشويه سمعة عملها.

وفي يوم الجمعة 3 ماي/أيار، قبل الفجر، قامت قوات الأمن التونسية بإجلاء مئات المهاجرين واللاجئين، بما في ذلك الأطفال والنساء الحوامل وطالبي اللجوء المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الذين كانوا يخيمون في حديقة عامة بالقرب من مكاتب المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تونس. أثناء عملية الإجلاء، وفقًا لتوثيق منظمة العفو الدولية، استخدم عناصر قوى الأمن الغاز المسيل للدموع، ومسدسات الصعق الكهربائي ضدهم، بما في ذلك ضد الأطفال. لقد ركلوهم ولكموهم وضربوهم بالهراوات.  وفي خطابه أمام مجلس الأمن في 6 ماي/أيار، أشار الرئيس أيضًا إلى أن قوات الأمن التونسية أعادت قسرًا 400 شخص إلى الحدود الليبية، في عملية ترحيل جماعي غير قانوني، على ما يبدو.

في 4 ماي/أيار، قامت قوات الأمن بإخلاء قسري لـ 15 مهاجرًا كانوا يقيمون في مجمع للشباب في المرسى، إحدى ضواحي شمال تونس العاصمة، منذ عام 2017. وكانت المجموعة، التي فرت من ليبيا في عام 2011، قد تم إجلاؤها من قبل من مخيم للاجئين تابع للأمم المتحدة في بنقردان، جنوب تونس، بعد إغلاقه في عام 2013. وقد رفضت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ما قدموه من طلبات اللجوء. ويتم احتجاز الرجال الـ 15 بتهمة البقاء في البلاد بشكل غير قانوني. ومثلوا أمام الوكيل العام من دون مترجم أو محامٍ.

وأضافت هبة مرايف قائلة: “تنفذ السلطات التونسية عمليات ترحيل جماعية تعسفية وغير قانونية دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة أو إجراء تقييمات الحماية الفردية، مما يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. ويجب عليها وقف عمليات الطرد هذه فورًا، وضمان حماية حقوق جميع اللاجئين والمهاجرين، بمن فيهم الأطفال، في جميع الأوقات”.

وفي الفترة ما بين 8 و10 ماي/أيار، اعتقلت السلطات شخصين وحكمت على شخص آخر بالسجن لمدة ثمانية أشهر بتهمة إيواء أشخاص غير مسجلين.

وفي 11 ماي/أيار، اعتقلت السلطات المحامية والإعلامية سنية الدهماني، بموجب المرسوم 54، بسبب  تعليقات  أدلت بها على التلفزيون وشككت فيها في مزاعم السلطات بأن المهاجرين يأتون إلى تونس بنية الاستقرار في البلاد. وفي 13 ماي/أيار، أمر أحد قضاة التحقيق بتونس العاصمة باحتجازها احتياطيًا.

كما اعتقلت السلطات صحفيَّيْن يوم السبت 11 ماي/أيار، وفقًا لمحاميهما، حيث تم استجوابهما حول عملهما، وتعليقات انتقادية مختلفة أدليا بها في وسائل الإعلام. في 15 ماي/أيار، اتهم أحد قضاة التحقيق بتونس العاصمة الصحفيَّيْن وأمر بحبسهما احتياطيًا بموجب الفصل 24 من المرسوم عدد 54 الذي ينص على المعاقبة بالسجن لمدة خمسة أعوام وبخطية قدرها خمسون ألف دينار (16,000 دولار أمريكي) بحق “كل من يتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج، أو ترويج، أو نشر، أو إرسال، أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذبًا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان”. ومن المقرر أن يمثلا للمحاكمة في 22 ماي/أيار. وفي 13 ماي/أيار، تم استدعاء ثلاثة ممثلين قانونيين لثلاث وسائل إعلام خاصة مختلفة (في الإذاعة والتلفزيون) لاستجوابهم حول تقاريرهم.

واختتمت هبة مرايف قائلة: “يجب على السلطات التونسية أن تتراجع بشكل عاجل عن هذه الانتكاسة الكبيرة في مجال حقوق الإنسان. وينبغي لها الكف عن هذه المضايقات القضائية، وإطلاق سراح جميع المحتجزين لمجرد ممارسة حريتهم في التعبير وفي تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها. فيجب أن يتمتع الناس بحرية التعبير عن آرائهم دون خوف من الانتقام”.

خلفية

في يوليو/تموز 2023، وقّع الاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم مع تونس وافق الاتحاد الأوروبي بموجبها، من بين أمور أخرى، على تقديم الدعم الفني لتونس لردع الهجرة المتجهة إلى أوروبا، بما في ذلك 105 ملايين يورو، مع التركيز على “إدارة الحدود”، بالإضافة إلى ما يقرب من مليار يورو على شكل قروض إضافية ودعم مالي وسط الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تعيشها البلاد. ولا تزال هذه الصفقة سارية، على ما افتقرت إليه من شفافية أو تدقيق برلماني. وقد راسلت منظمة العفو الدولية، مرارًا وتكرارًا، قيادة الاتحاد الأوروبي للإعراب عن بواعث قلقها بشأن تداعيات التعاون مع تونس دون إجراء تقييم مسبق للمخاطر المتعلقة بحقوق الإنسان.