إيران: يجب ألّا تحرم وفاة الرئيس رئيسي ضحايا إرثه الحقوقي المروع من حقهم في المساءلة

قالت منظمة العفو الدولية اليوم، إثر وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية في محافظة أذربيجان الشرقية، إن وفاته يجب ألا تحرم الناس في إيران من حقهم في إرساء العدالة، ومعرفة الحقيقة، والحصول على التعويض عن الجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت منذ الثمانينات خلال تواجده في السلطة.

وإبراهيم رئيسي، الذي عُيِّن وهو في العشرين من عمره مدعيًا عامًا في كرج بمحافظة ألبرز عام 1980، سرعان ما ارتقى في المناصب ليتولى العديد من المناصب القضائية والتنفيذية العليا، قبل أن يصبح رئيسًا في عام 2021. فعلى مدى السنوات الـ 44 الماضية، أشرف على أو شارك بشكل مباشر بعمليات الاختفاء القسري والإعدام خارج نطاق القضاء لآلاف المعارضين السياسيين في الثمانينات، والقتل غير المشروع والاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب لآلاف المتظاهرين؛ والاضطهاد العنيف للنساء والفتيات اللواتي يتحدَّيْن الحجاب الإلزامي، من بين انتهاكات جسيمة أخرى لحقوق الإنسان.

وقالت ديانا الطحاوي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “كان ينبغي التحقيق مع إبراهيم رئيسي جنائيًا، بما في ذلك على خلفية الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاختفاء القسري والتعذيب، عندما كان على قيد الحياة. ويجب ألا تسلب وفاته ضحاياه وعائلاتهم حقّهم في معرفة الحقيقة ومساءلة جميع المتواطئين في جرائمه.

“فعلى مدى عقود، تمتع الجناة الذين يتحملون المسؤولية الجنائية بالإفلات الممنهج من العقاب السائد في إيران. ويجب على المجتمع الدولي أن يتحرك الآن لإنشاء مسارات تضمن الحق في المساءلة لضحايا الجرائم بموجب القانون الدولي، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي ارتكبها إبراهيم رئيسي وغيره من المسؤولين الإيرانيين”.

يجب على المجتمع الدولي أن يتحرك الآن لإنشاء مسارات تضمن الحق في المساءلة لضحايا الجرائم بموجب القانون الدولي، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي ارتكبها إبراهيم رئيسي وغيره من المسؤولين الإيرانيين.

ديانا الطحاوي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا

التورط في مجازر السجناء عام 1988

في عام 1988، كان إبراهيم رئيسي عضوًا في “لجنة الموت” التي نفذت عمليات الاختفاء القسري والإعدام خارج نطاق القضاء المستمرة لعدة آلاف من المعارضين السياسيين في سجن إيفين بطهران، وسجن جوهردشت بمحافظة ألبرز، بين أواخر يوليو/تموز وأوائل سبتمبر/أيلول 1988. ومنذ ذلك الحين، حُرم الناجون وأسر الضحايا بقسوة من معرفة الحقيقة وإرساء العدالة وتلقي التعويض لعقود من الزمن، وتعرضوا للاضطهاد بسبب سعيهم إلى المساءلة.

في مايو/أيار 2018، دافع إبراهيم رئيسي علنًا عن عمليات القتل الجماعي واصفًا المذابح بأنها “أحد الإنجازات التي يفخر بها نظام [الجمهورية الإسلامية]”.

ودعت منظمة العفو الدولية في تقريرها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 إلى إجراء تحقيق جنائي مع إبراهيم رئيسي على خلفية الجرائم المستمرة ضد الإنسانية المتمثلة في الاختفاء القسري والاضطهاد والتعذيب وغيره من الأفعال اللاإنسانية، بما فيها الإخفاء الممنهج لمصير الضحايا ومكان رفاتهم.

الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي يلقي كلمة
الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي يلقي كلمة

التورط في القمع المميت للاحتجاجات

على مدى العقود التي شغل فيها إبراهيم رئيسي مناصب قضائية متعددة، بما فيها منصب رئيس السلطة القضائية من عام 2019 إلى عام 2021، كان القضاء الإيراني محركًا رئيسيًا لانتهاكات حقوق الإنسان والجرائم بموجب القانون الدولي، حيث أخضع عشرات الآلاف من الأشخاص للاعتقال والاحتجاز التعسفيَّيْن، والاختفاء القسري، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والمحاكمات بالغة الجور، والعقوبات التي تنتهك حظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة مثل الجلد وبتر الأطراف والرجم.

وتحت إشراف إبراهيم رئيسي، منح القضاء حصانة شاملة للمسؤولين الحكوميين وقوات الأمن المشتبه في مسؤوليتهم الجنائية عن القتل غير المشروع لمئات الرجال والنساء والأطفال، وإخضاع آلاف المتظاهرين للاعتقالات التعسفية الجماعية، وتعريض ما لا يقل عن المئات منهم للاختفاء القسري والتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة أثناء وفي أعقاب الاحتجاجات التي عمت البلاد في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

وبصفته رئيسًا لإيران ورئيسًا للمجلس الأعلى للأمن القومي، خلال انتفاضة “المرأة – الحياة – الحرية” بين سبتمبر/أيلول وديسمبر/كانون الأول 2022، أشرف إبراهيم رئيسي على وأشاد بحملة القمع العنيفة  التي أطلقتها قوات الأمن خلال الاحتجاجات في البلاد، مما أدى إلى القتل غير المشروع لمئات المتظاهرين والمارة، وإصابة آلاف آخرين، فضلاً عن التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بما في ذلك الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، للمتظاهرين المعتقلين. 

التورط في الارتفاع المروع في عمليات الإعدام

بعد وصول إبراهيم رئيسي إلى سدة الرئاسة في عام 2021، دعا، هو وكبار المسؤولين تحت قيادته، إلى زيادة استخدام عقوبة الإعدام في “الحرب على المخدرات” المتجددة. ومنذ ذلك الحين، ارتفعت عمليات الإعدام بشكل حاد، وبلغت ذروتها بإعدام ما لا يقل عن 853 شخصًا في عام 2023، مما يمثل زيادة بنسبة 172% عن عام 2021.

وينتج الارتفاع المروع في عمليات الإعدام إلى حد كبير عن العودة إلى السياسة المميتة لمكافحة المخدرات، التي شهدت في عام 2023 تنفيذ السلطات ما لا يقل عن 481 عملية إعدام على خلفية جرائم متعلقة بالمخدرات، مما يمثل زيادة بنسبة 264٪ عن عام 2021.

في ديسمبر/كانون الأول 2022، قدمت الحكومة مشروع قانون إلى البرلمان بناءً على تعليمات إبراهيم رئيسي، والذي من شأنه توسيع نطاق استخدام عقوبة الإعدام على خلفية الجرائم المتعلقة بالمخدرات إذا تم إقراره ليصبح قانونًا. في 8 يناير/كانون الثاني 2024، وافقت اللجنة القانونية والقضائية البرلمانية على المبادئ العامة لمشروع القانون.

وتحت إشراف إبراهيم رئيسي، بصفته رئيسًا للسلطة القضائية ورئيسًا للبلاد، أعدمت السلطات الإيرانية ما لا يقل عن 2,462 شخصًا في البلاد.

التورط في الاعتداء العنيف على حقوق المرأة

في عام 2022، نسّق إبراهيم رئيسي تطبيق أشد صرامة لقوانين الحجاب الإلزامي، وبلغ ذروته بوفاة مهسا/جينا أميني أثناء احتجازها في سبتمبر/أيلول، بعد أيام من اعتقالها بشكل عنيف على أيدي شرطة “الآداب” الإيرانية، وسط تقارير موثوقة عن تعرضها للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة؛ مما أدى إلى انتفاضة “المرأة – الحياة – الحرية” وما تلاها من حملة قمع مميتة.

ومنذ الانتفاضة، قامت السلطات الإيرانية، برئاسة إبراهيم رئيسي، والأجهزة التنفيذية المختلفة مثل وزارة الداخلية التي تعمل تحت إمرته، باضطهاد النساء والفتيات في حملة قمع عنيفة لفرض قوانين الحجاب الإلزامي المهينة والتمييزية في إيران.

منذ أبريل/نيسان 2024، كثّفت السلطات الإيرانية تطبيقها العنيف لقوانين الحجاب الإلزامي من خلال تنفيذ حملة جديدة على مستوى البلاد تسمى “خطة نور”. وفي الأسابيع الأخيرة، زادت الدوريات الأمنية بشكل ملحوظ في الأماكن العامة التي تفرض الحجاب الإلزامي من خلال مراقبة شعر النساء وأجسادهن وملابسهن.

وقد ظهرت مقاطع فيديو مروعة، على وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر قوات الأمن وهي تعتدي بدنيًا على النساء والفتيات في الأماكن العامة، وتعتقل النساء والفتيات وتحتجزهن بطريقة عنيفة، بما في ذلك عن طريق جرّهن إلى مركبات الشرطة وهن يصرخن.


واختتمت ديانا الطحاوي قائلةً: “يشكّل إرث إبراهيم رئيسي تذكيرًا صارخًا بأزمة الإفلات من العقاب في إيران، حيث لا يفلت أولئك المشتبه بهم بشكل معقول في ارتكاب جرائم بموجب القانون الدولي من المسؤولية فحسب، بل يكافَؤون بالثناء والمناصب رفيعة المستوى داخل آلية القمع في الجمهورية الإسلامية، التي ستستمر لا محالة في ظل غياب إصلاحات دستورية وتشريعية وإدارية أساسية.

“ينبغي على الدول أن تجري تحقيقات جنائية مع المسؤولين الإيرانيين الذين يشتبه بشكل معقول في ارتكابهم جرائم بموجب القانون الدولي بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية لضمان رؤية الناجين وعائلات الضحايا للجناة وهم يحاكمون ويحاسبون على جرائمهم”.

خلفية

وفقًا لوسائل الإعلام الرسمية والمسؤولين الإيرانيين، توفي إبراهيم رئيسي في 19 مايو/أيار 2024 عندما تحطمت مروحيته في منطقة فرزغان بمقاطعة أذربيجان الشرقية في إيران. ولقي جميع الأفراد الذين كانوا على متن المروحية حتفهم، ومن بينهم وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، وطيارَيْ المروحية وطاقمها.