لبنان: يجب إجراء تحقيق في الاستخدام المفرط للقوة، بما في ذلك استخدام الذخيرة الحية لتفريق الاحتجاجات

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن الجيش اللبناني قد استخدم القوة المفرطة، بما في ذلك الرصاص الحي، لتفريق الاحتجاجات في شمال لبنان، مما أسفر عن إصابة شخصين، على الأقل، بجروح خطيرة، وفقًا لإفادة شهود العيان، وتحليل لقطات فيديو تم التحقق منها.

ففي أعنف واقعة منذ بدء الاحتجاجات الجماهيرية، فتح الجيش النار على عشرات المحتجين الذين نظموا اعتصاماً في منطقة البداوي في طرابلس في 26 أكتوبر/تشرين الأول. فقد أصيب اثنان من المحتجين، على الأقل، بأعيرة نارية. كما قامت القوات المسلحة اللبنانية بتفريق الاحتجاجات بصورة عنيفة في صيدا والعبدة، كما تقاعس الجيش، وقوات الأمن الأخرى، عن التدخل بشكل فعال، لحماية المحتجين في بيروت من الهجمات العنيفة التي قام بها أنصار الجماعات السياسية خلال الأسبوع الماضي.

وقالت لين معلوف، مديرة البحوث للشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية: “إن استخدام الجيش اللبناني المفرط للقوة في البداوي، فضلاً عن تقاعس قوات الأمن عن حماية المحتجين السلميين، يبعث على قلق بالغ، ويجب التحقيق في الأمر فوراً، وبشكل مستقل وحيادي وشفاف”.

“ويجب أن تكون مساءلة الجناة أولوية ملحة. كما يجب على السلطات تبني موقف عدم التسامح المطلق مع أي استخدام مفرط للقوة ضد المحتجين السلميين. فالتقاعس عن القيام بذلك من شأنه أن يبعث برسالة خطيرة إلى قوات الأمن مفادها أن لديهم حرية التصرف في ارتكاب انتهاكات دون مواجهة

العدالة.”

يجب على السلطات تبني موقف عدم التسامح المطلق مع أي استخدام مفرط للقوة ضد المحتجين السلميين. فالتقاعس عن القيام بذلك من شأنه أن يبعث برسالة خطيرة إلى قوات الأمن مفادها أن لديهم حرية التصرف في ارتكاب انتهاكات دون مواجهة

لين معلوف، مديرة البحوث للشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية

استخدام الذخيرة الحية ضد المحتجين

خلال الحادثة التي وقعت في 26 أكتوبر/تشرين الأول، بدأ جنود من الجيش ومن فرع مخابرات جيش أولاً بضرب المحتجين باستخدام العصي وأعقاب البنادق، في محاولة لفتح طريق البداوي الذي كان قد قطعه المحتجون. ورد المحتجون بإلقاء الحجارة على الجنود، مما دفع الجيش إلى فتح النار بالذخيرة الحية، وإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع. وقد أصيب شخصان على الأقل.

وتؤكد السجلات الطبية، التي اطلعت عليها منظمة العفو الدولية، أن المحتج محمد العبدالله نُقل إلى المستشفى بعد إصابته بطلق ناري في بطنه. ووصف للمنظمة كيف فتح الجندي النار، رغم أنه كان يقف على بعد ستة أو سبعة أمتار منه: “رأيته يستهدفني وأنا ألقي الحجارة، وقلت لا تطلق النار!  سأتوقف عن إلقاء الحجارة … لكنه أطلق النار عليّ أربع مرات في البطن”. إن حقيقة أنه لم تتم مساءلة أي شخص قد جعله يشعر بأنه يعامل “كما لو أنني لا شيء”، كما أضاف.

بدأ الهجوم بعد أن رفض المحتجون، الذين كانوا يغنون ويجلسون على الأرض، مطالب الجيش بإخلاء الطريق.

وقال شاهد عيان: “ركضوا نحونا وبدأوا في ضربنا، وهم يدوسون علينا جميعاً، وانهالوا علينا ضرباً بالعصي، عندما وقع عدة جرحى على الأرض … بدأ المحتجون في إلقاء الحجارة على الجيش … ففتحوا النار”.

وتم احتجاز ما لا يقل عن أربعة أشخاص، بشكل غير قانوني، لمدة خمسة أيام من قبل الجيش، قبل إطلاق سراحهم. وخلال هذه المدة، مُنعوا من الاتصال بمحاميهم وعائلاتهم، الذين لم يتم إخبارهم بمكانهم. وقد يكون هذا الاحتجاز بمثابة جريمة الاختفاء القسري بموجب القانون الدولي.

ونقل أحد المحتجين الذي أُصيب في الظهر، من شمال لبنان إلى مستشفى الجعيتاوي في بيروت لإجراء عملية جراحية طارئة، وفقًا لشقيقه، الذي أخبر منظمة العفو الدولية أنه فقد القدرة على استخدام أطرافه السفلية.

وصرح الجيش اللبناني في بيان أن الجنود الذين كانوا يحاولون إخلاء الطريق في البداوي قد تعرضوا لهجوم من قبل المحتجين الذين ألقوا الحجارة، والمفرقعات النارية الكبيرة، عليهم مما تسبب في خمسة إصابات في صفوفهم، ودفعهم للرد بالغاز المسيل للدموع، وبعد ذلك بإطلاق الرصاص المطاطي، والرصاص الحي في الهواء، مما تسبب في وقوع عدد من الإصابات. وذكر البيان أيضاً أن الجيش فتح تحقيقاً في الحادث.

كما وثقت منظمة العفو الدولية الاستخدام المفرط للقوة لتفريق المحتجين في موقعين آخرين. في بلدة عبدة الشمالية، هاجم الجيش مجموعة من المحتجين السلميين الذين كانوا يقطعون الطرق في 30 أكتوبر/تشرين الأول.

وقال عمر ناصر هزيم: “بدأت قوات الجيش تتقدم في اتجاهنا واستمرينا في ترديد هتاف “سلمية”، ثم بدأوا في ركلنا بأحذيتهم، وضربنا بهراواتهم … ثم بدأوا في إطلاق الرصاص المطاطي، وإلقاء المزيد من قنابل الغاز المسيل للدموع علينا. وأغمي على العديد من المحتجين. واستمروا في ضربنا. “كان هناك نساء وأطفال معنا.” وأضاف أن المحتجين كانوا سلميين، لكن بعضهم بدأ في إلقاء الحجارة عندما تعرضوا للهجوم.

وفي مدينة صيدا الجنوبية، تم تفريق أكثر من 100 محتج ممن قطعوا الطريق السريع الرئيسي باستخدام القوة في الساعات الأولى من يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول. وقال أحد شهود العيان إن أكثر من 26 مركبة وصلت إلى مكان الحادث. ووصف الشهود كيف هاجم الجيش والمخابرات وقوات أمن الدولة المحتجين بضربهم بالهراوات ودهسهم بأحذيتهم. وتم نقل ثلاثة أشخاص على الأقل إلى المستشفى بسبب إصابتهم.

التقاعس عن توفير الحماية الكافية للمحتجين

كما وثقت منظمة العفو الدولية كيف تقاعست قوات الأمن اللبنانية عن التدخل بفعالية لحماية المحتجين السلميين الذين تعرضوا للهجوم من جانب مؤيدي “حركة أمل”، و”حزب الله” على طريق جسر “الرينغ” السريع في بيروت في 29 أكتوبر/ تشرين الأول. وقام المهاجمون المسلحون بالعصي بضرب المحتجين ومطاردتهم، وإضرام النار في خيامهم.

وقال شهود عيان إن قوات الأمن الداخلي، الموجودة في الموقع، حاولت حماية المحتجين، لكن فاق عدد “المعتدين” الذين هاجموا المحتجين عليهم بنحو 300.

يقع على عاتق قوات الأمن التزام واضح بحماية المحتجين السلميين من المضايقات أو الترهيب أو الهجمات العنيفة، ويجب عليها ضمان اتخاذ الخطوات اللازمة حتى يتمكنوا من التدخل بطريقة مناسبة لوقف هجمات مماثلة في المستقبل، وضمان حماية المحتجين السلميين.

لين معلوف

ووصف أحد الشهود مشاهد “الفوضى”، حيث بدأ المئات من المهاجمين، المسلحين بالعصي والحجارة، في مهاجمة المحتجين.

وقال متظاهر آخر: “كانوا يتنقلون بطريقة منظمة لإرهاب المحتجين. لقد فاقوا عدد قوات الأمن الداخلي بوضوح … وأرى من الغريب أنه لم يكن هناك سوى حوالي 50 من قوى الأمن الداخلي في مثل هذا الوقت الحرج”.

وقال العديد من الشهود إن قوات الأمن الداخلي تقاعست عن اعتقال أي من المهاجمين.

واختتمت لين معلوف قائلة: “يقع على عاتق قوات الأمن التزام واضح بحماية المحتجين السلميين من المضايقات أو الترهيب أو الهجمات العنيفة، ويجب عليها ضمان اتخاذ الخطوات اللازمة حتى يتمكنوا من التدخل بطريقة مناسبة لوقف هجمات مماثلة في المستقبل، وضمان حماية المحتجين السلميين”.