إيران: ينبغي وقف القمع الوحشي المتزايد والتحقيق في الوفيات التي وقعت في صفوف المحتجين

وسط بواعث القلق من تزايد قمع المظاهرات التي امتدت إلى مختلف أنحاء إيران في الأسبوع الماضي، قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن السلطات الإيرانية يجب أن تكفل الحق في الاحتجاج السلمي، والتحقيق في الأنباء التي تفيد بأن قوات الأمن استخدمت الأسلحة النارية بصورة غير قانونية ضد المحتجين العزَّل، وتوفير الحماية لمئات المعتقلين من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.

وقد أكَّدت البيانات الرسمية مقتل ما لا يقل عن 22 شخصاً، بينهم اثنان من أفراد الأمن، منذ 28 ديسمبر/كانون الأول عندما بدأ آلاف الإيرانيين بالتجمهر في الشوارع كي يُسمعوا أصواتهم ضد الفقر والفساد والقمع السياسي والاستبداد.

وقال فيليب لوثر، مدير البحوث وكسب التأييد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “إن الموظفين المكلفين بتنفيذ القوانين لهم الحق في الدفاع عن أنفسهم، وعليهم واجب حماية سلامة الجمهور. بيد أن الأنباء الواردة بشأن استخدام قوات الأمن الأسلحة النارية ضد المحتجين العزَّل مثيرة للقلق البالغ، ومن شأن استخدامها أن يشكل انتهاكاً لالتزامات إيران بحقوق الإنسان بموجب القانون الدولي.”

“ويتعين على الحكومة الإيرانية فتح تحقيق عاجل وفعال ومستقل في حوادث القتل وغيرها من الأنباء المتعلقة باستخدام القوة المفرطة وغير الضرورية، وتقديم المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان إلى ساحة العدالة.”

ونُشرت أشرطة فيديو وشهادات شهود عيان عبر وسائل التواصل الاجتماعي والنوافذ الإعلامية، أظهرت أو وصفت شرطة الشغب وغيرها من قوات الأمن وهي تستخدم القوة المفرطة وغير الضرورية، بما في ذلك إطلاق الذخائر على المحتجين العزَّل وتنهال على المحتجين بالضرب بالهروات وتستخدم الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين. ولم تتمكن منظمة العفو الدولية من التحقق في أفلام الفيديو أو روايات الشهود.

مئات الأشخاص عرضة لخطر التعذيب

قُبض على أكثر من ألف شخص واحتُجزوا في سجون سيئة الصيت، اشتهرت باستخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة على مدى الأيام السبعة الماضية، حيث حُرم العديد منهم من الاتصال بعائلاتهم ومحامييهم.

وذكرت وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان أن السلطات سجَّلت ما لا يقل عن 423 معتقلاً في سجن إيفين بطهران وحده في الفترة من 31 ديسمبر/كانون الأول 2017، إلى 1 يناير/كانون الثاني 2018.

إن الاحتجاج السلمي حق للجميع، ويريد العديد من الأشخاص في إيران ممارسة ذلك الحق.

فيليب لوثر، مدير البحوث وكسب التأييد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية

ويُعتقد أن مئات المعتقلين محتجزون في سجن إيفين في “قسم الحجر الصحي” المكتظ بالنزلاء والذي لا يتسع لأكثر من 180 نزيلاً. و”قسم الحجر الصحي” هو المكان الذي غالباً ما يُحتجز فيه المعتقلون لفترة قصيرة بعد القبض عليهم ويُخضعون للفحص لمعرفة ما إذا كانوا يحملون مخدرات أو عدوى قبل نقلهم إلى عنبر عام. وقد نُقل بعضهم إلى أقسام يديرها الحرس الثوري أو وزارة الاستخبارات.

وقال فيليب لوثر: “إن للسلطات الإيرانية سجلاً فظيعاً في مجال الاعتقالات الجماعية التعسفية للمتظاهرين السلميين. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الحجم المقلق لموجة الاعتقالات الحالية، فإن من المرجح أن يكون العديد من هؤلاء المحتجزين محتجين سلميين احتُجزوا تعسفياً، ووجدوا أنفسهم في سجون أوضاعها مزرية ويشيع فيها التعذيب كأداة لانتزاع الاعترافات ومعاقبة المعارضين”.

“ويجب على السلطات الإيرانية أن تكفل الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المحتجزين بسبب مشاركتهم السلمية في المظاهرات أو التعبير عن دعمهم لها أو انتقاد السلطات، وينبغي حماية جميع المعتقلين من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.

ويبدو أن معظم المظاهرات كانت سلمية، ولكن المحتجين استخدموا العنف في بعض الحالات، بما في ذلك إلقاء الحجارة وإشعال الحرائق وإلحاق الضرر بالمباني والمركبات وغيرها من الممتلكات.

وأضاف لوثر يقول: “يبنغي أن توجَّه، بشكل عاجل، تهم جنائية معترف بها إلى الأشخاص المشتبه في أنهم ارتكبوا أفعالاً جنائية، ومحاكمتهم وفقاً لإجراءات قضائية تفي بالمعايير الدولية للمحاكمات العادلة أو إطلاق سراحهم. كما ينبغي توضيح الصفة القانونية لهم وكشف النقاب عن أماكن وجودهم وإبلاغ عائلاتهم بذلك فوراً.

الخطاب الهجومي

على الرغم من تأكيد الرئيس حسن روحاني يوم الأحد الموافق 30 ديسمبر/كانون الأول 2017 بأن للمحتجين الحق في انتقاد الحكومة، فإن خطاب السلطات فيما بعد يشير إلى أنها تعتزم الرد على الاضطرابات بطريقة قاسية على نحو متزايد.

في 1 يناير/كانون الثاني، طلب رئيس القضاء صادق لاريجاني من “جميع المدَّعين العامين” استخدام “منهج متشدد”.

في 2 يناير/كانون الثاني، حذَّر رئيس المحكمة الثورية في طهران موسى غضنفر آبادي بأن وزارة الداخلية أعلنت أن الاحتجاجات غير قانونية وأن الذين يستمرون في المشاركة فيها سيواجهون عقوبات مشددة، وهدَّد بأن قادة الاحتجاجات ومنظِّميها يمكن أن توجَّه لهم تهمة “الحرابة” (العداء لله والرسول) التي يعاقَب عيلها بالإعدام لأنهم مرتبطون بأجهزة المخابرات الأجنبية وينفذون أجنداتها”.  

وفي اليوم نفسه اتهم المرشد الأعلى في إيران السيد على خامنئي “أعداء” البلاد بالتحريض على الاحتجاجات.

في 3 يناير/كانون الثاني، صرَّح وزير الإعلام وتكنولوجيا الاتصالات الإيراني محمد جواد أذري جهرمي بأن خدمة “تليغرام” الشهيرة ستظل محجوبة ما لم توافق على إزالة “المحتويات الإرهابية”.

وقال المدير التنفيذي لخدمة “تليغرام” إنها رفضت طلب السلطات إغلاق القنوات التي تعزز وتدعم الاحتجاجات بطريقة سلمية. كما أن تطبيق التواصل الاجتماعي “انستغرام” لا يزال محجوباً. ففي 31 ديسمبر/كانون الأول قال الوزير جهرمي إن حجب “تليغرام وانستغرام” الذي بدأ ذلك في اليوم سيكون مؤقتاً.

إن الخطاب الهجومي للسلطات كان مصحوباً بقيام وسائل إعلام مُصرّح لها من قبل الدولة بنشر قائمة بالمحتجين المطلوبين، مع إظهار وجوههم ودعوة أفراد الجمهور إلى التعرُّف على هوياتهم وإبلاغ السلطات عنهم.

ومضى فيليب لوثر يقول: “إن تصاعد عملية ترهيب المحتجين وفرض القيود غير المتناسبة بشكل صارخ على الحق في حرية التعبير عبر الانترنت على مدى الأيام الأخيرة إنما يؤدي إلى ازدياد المخاوف من أن السلطات الإيرانية قد تلجأ إلى استخدام الأساليب القمعية لسحق الأصوات المعارضة”.

“إن الاحتجاج السلمي حق للجميع، ويريد العديد من الأشخاص في إيران ممارسة ذلك الحق. ولكن بدلاً من اللجوء إلى القمع واتهام المحتجين بالتواطؤ في مؤمرات أجنبية منسقة، يتعين على السلطات الإيرانية معالجة سجلها الخاص في عدم احترام طائفة من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية”.

خلفية

منذ 28 ديسمبر/كانون الأول 2017، امتدت الاحتجاجات التي بدأت في مشهد، ثاني أكبر مدينة في إيران، إلى نحو 40 مدينة في شتى أنحاء البلاد.

وقد عبَّرت الشعارات التي رُفعت في المظاهرات عن مزيج من التظلمات الاقتصادية والسياسية – من الشكاوى المتعلقة بتفشي الفقر وارتفاع معدلات البطالة والفساد وانعدام المساواة- إلى المطالبة بإطلاق سراح السجناء السياسيين ورفض النظام السياسي الحاكم برمته، الذي شجبه المحتجون باعتباره “دكتاتورية” دينية، بشقيْه الإصلاحي والأصولي.

 إن إيران لم تشهد احتجاجات على نطاق واسع كهذا منذ الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية المختلف بشأنها في عام 2009، ففي تلك المناسبة قُتل أكثر من مئة شخص. وتعرَّض آلاف الأشخاص للتوقيف والاحتجاز بصورة تعسفية والتعذيب وغيره من أشكال المعاملة السيئة عندما قامت السلطات بقمع الاضطرابات بيد من حديد.

وينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية- وإيران دولة طرف فيه- على احترام حرية التجمع وحرية التعبير.