أسر تتمزق وحرية التعبير تتعرض للهجوم وسط الصراع السياسي في الخليج

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة تتلاعب بحياة آلاف المقيمين في الخليج في سياق النزاع مع قطر، مفرِّقة العائلات ومدمرة سبل عيش الناس ومستقبلهم الدراسي.

فقد قابل باحثو المنظمة عشرات الأشخاص ممن تضررت حقوقهم الإنسانية بفعل سلسلة التدابير الكاسحة التي فرضت على نحو تعسفي من جانب الدول الخليجية الثلاثة في نزاعها مع قطر.

وفي هذا السياق، قال جيمس لينتش، نائب مدير برنامج القضايا العالمية في منظمة العفو الدولية، الذي زار الدوحة الأسبوع الماضي: “بالنسبة لما قد يصل إلى آلاف الأشخاص في شتى أنحاء الخليج، فإن آثار الخطوات التي فرضت في أعقاب اندلاع النزاع السياسي قد وصلت إلى حدود تفطر القلب وتثير الفزع.

“وقد كان لهذه التدابير القاسية آثارها الوحشية، ففرقت الأطفال عن آبائهم وأمهاتهم، والأزواج عن زوجاتهم. بينما يواجه أشخاص كثر من مختلف أرجاء المنطقة- ليس من قطر وحدها وإنما من مواطني الدول نفسها التي تطبق هذه التدابير- خطر خسارة وظائفهم وانقطاع أبنائهم عن الدراسة. ويتعين على جميع الدول المنخرطة في هذا الصراع ضمان أن لا تؤدي ما تتخذه من إجراءات إلى انتهاكات لحقوق الإنسان.”

يتعين على جميع الدول المنخرطة في هذا الصراع ضمان أن لا تؤدي ما تتخذه من إجراءات إلى انتهاكات لحقوق الإنسان

جيمس لينتش، نائب مدير برنامج القضايا العالمية في منظمة العفو الدولية

وبينما لا تتخذ منظمة العفو الدولية نفسها موقفاً منحازاً لأحد في هذا النزاع السياسي، الذي يشمل أيضاً بلداناً بينها مصر والأردن واليمن، فإن المنظمة تشعر ببواعث قلق بالغ بشأن الآثار التي ستخلفها هذه الخطوات على الحق في الحياة الأسرية والحق في التعليم.

وفي ضربة جديدة وجهت إلى حرية التعبير في الخليج، جرى تهديد الناس في البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا ما تجرؤوا وانتقدوا هذه التدابير.

ففي 5 يونيو/حزيران، أمرت الدول الثلاث جميعاً الرعايا القطريين بمغادرة أراضيها خلال 14 يوماً، وأعلنت أن على جميع مواطنيها هي نفسها العودة من قطر، مهدّدة بفرض عقوبات على أي شخص لا يعود خلال هذه المهلة الزمنية. وطبقاً لما أوردته “اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بدولة قطر”، يعيش في قطر ما يربو على 11,000 من مواطني البحرين والسعودية والإمارات العربية المتحدة.

ويعيش العديد من القطريين في البحرين والسعودية والإمارات العربية المتحدة. ويمكن أن تلحق هذه التدابير الضرر بجميع هؤلاء.

كما تعرِّض سلسلة التدابير للخطر على نحو خاص الأشخاص الذين يعيش أقارب لهم في الدول الأخرى. فقد وثّقت منظمة العفو الدولية عدة حالات لأشخاص انقطعت سبل الاتصال بينهم وبين آبائهم وأمهاتهم أو أطفالهم أو أزواجهم، نتيجة لذلك.

فرفض السماح لرجل قطري ظل يعيش في الإمارات العربية المتحدة لأكثر من 10 سنوات بدخول البلاد، وأعيد إلى قطر عندما حاول العودة إلى أسرته من الدوحة، عقب إعلان التدابير، في 5 يونيو/حزيران، بفترة وجيزة. وتحمل زوجته الجنسية الإماراتية، ولذا فهي ممنوعة من السفر إلى قطر، بينما يحمل أطفاله الجنسية القطرية ويطلب منهم الآن مغادرة الإمارات. وقد تم الفصل بينه وبين أسرته الآن ولا يدري متى سيراهم مرة أخرى.

ووصف لمنظمة العفو الدولية كيف أن زوجته قد ناشدت الضابط المكلف بالحراسة كي ترى زوجها لمرة أخيرة. وقالت إن “الضابط قال، ‘مستحيل- عودي إلى بيتك”.

وأعرب لمنظمة العفو الدولية عن خشيته من أن يفصله أصحاب العمل الذين يشغِّلونه في الإمارات من وظيفته، نظراً لعدم قدرته على العودة بسبب جنسيته. 

وأبلغ رجل سعودي يعيش في الدوحة مع زوجته القطرية منظمة العفو أنه لا يستطيع زيارة والدته التي ترقد على سرير المرض في المستشفى بالسعودية في حالة حرجة، لأنه لن يتمكن إذا ما ذهب إلى السعودية من العودة إلى قطر ليكون مع زوجته وأبنائه:

“أذهب إلى الوطن فلا أعود أستطيع رؤية زوجتي. أو أبقى هنا، فلا أستطيع رؤية أمي.”

أذهب إلى الوطن فلا أعود أستطيع رؤية زوجتي. أو أبقى هنا، فلا أستطيع رؤية أمي.

رجل سعودي يعيش في الدوحة مع زوجته القطرية متضرر من التدابير التي أعلنت مؤخرا

وأبلغت امرأة قطرية تزوجت حديثاً باحثي المنظمة أنها كانت بصدد الترتيب للانتقال إلى البحرين للعيش مع زوجها، وهو مواطن بحريني، عندما أُعلن عن نفاذ التدابير:

“كنت في غاية السعادة بزواجي في السنة الماضية… وقبل الحظر، وبينما كنت أبحث عن وظيفة في البحرين، كنت أذهب إلى هناك كل نهاية اسبوع لرؤية زوجي وعائلتي وبيتي. والآن فعلوا هذا، ألم يفكروا بمصير الناس؟”

كما قابلت منظمة العفو الدولية عدة طلاب قطريين يشعرون بالقلق من أنهم لن يتمكنوا من إكمال تعليمهم في الإمارات العربية المتحدة والبحرين. وقالت إحداهم إن جميع فصولها الدراسية في الإمارات قد ألغيت لباقي السنة بأثر فوري.

إن القانون الدولي لحقوق الإنسان يخضع سلطة الدولة في مضمار تنظيم الهجرة وتقييدها لاشتراطات محددة، ومن غير الممكن بموجب هذا القانون تبرير التفريق في المعاملة بين مختلف فئات الأشخاص غير المواطنين إلا إذا كان ذلك ضرورياً لتحقيق هدف مشروع. أما الفصل بين أفراد الأسرة الواحدة بموجب سياسات الهجرة فهو انتهاك للحق في الحياة الأسرية.

حظر التعبير عن “التعاطف”

صدرت إلى المقيمين في المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة أو البحرين تحذيرات بأنهم سوف يواجهون عقوبات قاسية إذا ما أدلوا بتعليقات تدعم قطر.

فأعلن النائب العام في الإمارات العربية المتحدة أن الأشخاص الذين يبدون “تعاطفاً” مع قطر يمكن أن يواجهوا حكماً بالسجن يصل إلى 15 سنة، مستنداً في ذلك إلى أحكام قانونية مثلومة سارية المفعول حالياً؛ بينما أعلنت وسائل الإعلام التابعة للمملكة العربية السعودية، والخاضعة لسيطرة الدولة، أن مثل هذا التعبير يمكن أن يعتبر جريمة بموجب “نظام مكافحة جرائم المعلوماتية”. في حين هددت وزارة الداخلية البحرينية، هي الأخرى، بأن كل شخص يبدي “تعاطفاً أو محاباة” حيال السلطات القطرية، سواء أكان ذلك على الشبكة العنكبوتية أو في الفضاء العام، سوف يسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات ويدفَّع غرامة وفق أحكام “قانون العقوبات”.

ومضى جيمس لينتش إلى القول: “إن هذه التصريحات من حكومات لا يخلو سجلها من قمع التعبير السلمي ليست سوى محاولة فاضحة لإسكات الأصوات الناقدة لهذه السياسات التعسفية. ومن شأن مقاضاة أي شخص على هذا الأساس أن تشكل انتهاكاً واضحاً للحق في حرية التعبير. فلا ينبغي أبداً أن يعاقب أحد على تعبيره السلمي عن وجهات نظره، أو بسبب انتقاده قراراً حكوميا”.

بواعث قلق بشأن العمال المهاجرين في السعودية

ثمة بواعث قلق أيضاً من أن يجد العمال المهاجرون العاملون لدى مواطنين قطريين لرعاية ممتلكاتهم في المملكة العربية السعودية أنفسهم عالقين وغير قادرين على العودة إلى قطر، التي يحملون تصاريح إقامة فيها- مما سيجعلهم بلا وثائق، ويعرِّضهم للاستغلال أو الاعتقال أو الترحيل. وقد تحدثت منظمة العفو إلى عمال يعانون من هذا الوضع، وليست لديهم معلومات تذكر عما يمكن أن يحل بهم.

إن على المملكة العربية السعودية وسواها من دول الخليج حماية أي عاملين لدى أصحاب عمل قطريين، بما في ذلك تسهيل العودة الآمنة لمن يرغبون في العودة إلى أوطانهم، أو تقديم المساعدة لمن يرغبون في العودة إلى قطر.

واختتم جيمس لينتش بالقول: “ينبغي معالجة النزاعات السياسية بين الدول على نحو يحترم حقوق الإنسان. وما من مبرر لتمزيق أوصال الأسر، أو قمع التعبير السلمي، أو تعريض مصير العمال المهاجرين للخطر. كما ينبغي وقف جميع التدابير التعسفية فوراً”.

خلفية 

لا تسطيع المرأة في البلدان المتورطة في النزاع أن تعطي جنسيتها لأبنائها، بموجب قوانين الجنسية النافذة في البلاد، وبذا فإن الأطفال يرثون جنسية آبائهم. وهذا بحد ذاته انتهاك للحق في عدم التمييز وفي المساواة. ولا يُسمح في العادة بحمل الجنسية المزدوجة.

وقد قابلت منظمة العفو الدولية 35 شخصاً- من مواطني البحرين وبنغلاديش وقطر والسعودية والإمارات- ممن تضرروا بسبب هذه التدابير. حيث التقى باحثونا أغلبية هؤلاء الأشخاص في قطر. وتمت مقابلة الآخرين، من الموجودين في البحرين والسعودية، عن بُعد.