تم نشر هذا التقرير بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة. وسوف يتم ترويج هذا التقرير في مؤتمر سيقام في تونس يوم 3 ديسمبر 2015.
في تقرير جديد تنشره اليوم، قالت منظمة العفو الدولية أن الثغرات التي تتخلل القوانين التونسية تمنح مرتكبي جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي والعنف الجسدي مخرجاً من العقاب بينما يتربص اللوم والعقاب بالضحايا في حال تجرأهم على الإبلاغ عن تلك الجرائم المرتكبة بحقهم.
ويأتي نشر التقرير المعنون “الاعتداء ثم الاتهام:ضحايا العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي في تونس” بالتزامن مع اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، ويركز على أن تونس الرائدة بين الدول العربية في مجال المساواة بين الجنسين لا زالت عقب مرور خمس سنوات تقريباً على انتفاضتها تتقاعس عن القيام بما يكفل توفير الحماية للنساء اللائي يتعرضن للعنف ومن يتم استهدافه على خلفية نوعه الاجتماعي وميوله الجنسية أو نشاطه الجنسي جراء قوانين معيبة، ونتيجةً للتوجهات والمواقف التمييزية المتجذرة.
إذ تتكفل تشكيلة من القوانين البالية وانعدام الفعالية في العمل الشُرَطي والأنماط السلبية المتجذرة تجاه النوع الاجتماعي بزيادة صعوبة سعي النساء للحصول على العدالة على صعيد ما ارتُكب من جرائم بحقهن
سعيد بومدوحة، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية
وبهذه المناسبة، قال نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، سعيد بومدوحة: “يكشف هذا التقرير التدهور المروع لكيفية تعامل تونس مع مفهوم الجريمة والعقاب. إذ تتكفل تشكيلة من القوانين البالية وانعدام الفعالية في العمل الشُرَطي والأنماط السلبية المتجذرة تجاه النوع الاجتماعي بزيادة صعوبة سعي النساء للحصول على العدالة على صعيد ما ارتُكب من جرائم بحقهن، وأحياناً يقومون بمحاكمتهم كأنهن المجرمات”.
وأضاف بومدوحة قائلاً: “لطالما قادت تونس الركب في العالم العربي بشأن كسر المحظورات وتعزيز حقوق المرأة. وعلى الرغم من الإصلاحات الإيجابية التي شهدتها تونس خلال السنوات الماضية، فلا زال بإمكان المغتصبين ومختطفي المراهقات في تونس اليوم الإفلات من جرائمهم إذا قاموا بالزواج من ضحاياهم. ويتم اللجوء إلى إشعار النساء بالعار لإجبارهن على إسقاط بلاغاتهن المقدمة بشأن ما يتعرضن له من اغتصاب زوجي أو عنف أسري. ومن المرجح أن يتعرض المثليون أو المثليات للملاحقة في حال الإبلاغ عما يتعرضون له بدلاً من ملاحقة المعتدين عليهم. وفي بعض الحالات، فإن رجال الشرطة هم من يرتكبون الإساءة بحقهم.
وأردف بومدوحة القول إنه “من المقلق أن نرى الناجين من ضحايا هذا الشكل من العنف لا سيما النساء والفتيات وهم يصطدمون بعراقيل كبيرة تحول دون اللجوء إلى القضاء وغالباً ما تتخلى السلطات عنهم”.
ويورد التقرير مقابلات مع عشرات الذين تعرضوا للاعتداء البدني والجنسي والاغتصاب والعنف الأسري والتحرش الجنسي لا سيما النساء والفتيات وغيرهن من الفئات المعرضة للإساءة في تونس من قبيل المثليين والمثليات وذوي الميول الجنسية الثنائية والمتحولين جنسياً ومزدوجي النوع الذين يتعرضون للاعتداء جراء ميولهم الجنسية أو هويتهم القائمة على النوع الاجتماعي (الهوية الجنسانية)، وعاملات الجنس. ويواجهون جميعاً عوائق قانونية أو مجتمعية في حال الرغبة بالإبلاغ رسمياً عن الاعتداءات المرتكبة ضدهم ولا يحصلون على المساندة الطبية أو الاجتماعية الكافية.
حكايات مروعة تتحدث عن الإساءة
تعيش نساء تونس وفتياتها في مجتمع يعطي الأولوية للحفاظ على “شرف” العائلة على حساب الحرص على عقاب المعتدين. ويتم التذرع بجلب العار لشرف العائلة بغية ثني النساء عن تحرير بلاغات أو شكاوى لا سيما من تتعرض منهن لاعتداء جنسي أو إساءة أُسرية. وغالباً ما ترفض الشرطة مثل هذا النوع من البلاغات والشكاوى أو تلقي باللوم على صاحبتها، وفي بعض الأحيان ترى الشرطة أن دورها كدور الوسيط بين الضحية والجاني حتى في حالات الشكاوى الأكثر عنفاً.
ومثل هذه المواقف الاجتماعية والقصور من طرف الدولة تعد أكثر ضررا في بلد لا زال العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي متفشياً فيه. فلقد تعرض نحو نصف نساء تونس (47% منهن) لشكل من أشكال العنف وفق نتائج دراسة مسحية وطنية أُجريت عام 2010 حول موضوع العنف ضد المرأة، وقليلة هي الإشارات التي تؤكد تحسن الأوضاع على هذا الصعيد منذ ذلك الحين.
وتجد الكثير من التونسيات أنفسهن أسيرات لدوامة العنف بما في ذلك تعرضهن للاغتصاب وغالبا ما يكون ذلك على أيدي ازواجهن. وتحدثت منظمة العفو الدولية مع نساء وصفن تعرضهن للصفع والركل والضرب بشتى الأدوات لا سيما الأحزمة والعصي وغير ذلك من الأجسام، أو تعرضن للتهديد بالسكاكين أو الخنق لا بل وحتى الحرق.
اعتاد زوجي أن يضربني يومياً… وعندما تقدمت بشكوى ضده في عام 2009 بعد أن كسر في إحدى المرات أنفي وأحدث جرحاً قطعياً في وجهي، وجهت الشرطة اللوم لي أنا شخصياً
امرأة لا زالت تتعرض للإساءة
وقالت امرأة لا زالت تتعرض للإساءة: “اعتاد زوجي أن يضربني يومياً… وعندما تقدمت بشكوى ضده في عام 2009 بعد أن كسر في إحدى المرات أنفي وأحدث جرحاً قطعياً في وجهي، وجهت الشرطة اللوم لي أنا شخصياً”.
وتقدمت ببلاغ ضد زوجها مجدداً في عام 2014، ولكن بدلاً من أن تقوم الشرطة باعتقاله، طلبت منه التوقيع على تعهد بعدم التعرض لها بالضرب ثانيةً. وما انفك لا يتورع عن ضربها دون أن يواجه أي عقوبات على فعلته هذه.
ووصفت نساء أخريات تعرضهن للاغتصاب من لدن أزواجهن؛ وقالت إحداهن التي تعرضت للاغتصاب الشرجي من زوجها:
“كانت أول مرة واقعني فيها أشبه ما تكون بالاغتصاب. فلقد كان عنيفاً وتسبب لي بجروح سرعان ما أُصيبت بالتهاب. ولم ننم معاً طوال أيام بعد أول ليلةٍ قضيناها سوية. ثم قال لي: أنت زوجتي ولي الحق في أن أفعل ما أريد”.
وأخبرت إحدى النساء منظمة العفو الدولية أنها تعرضت للاغتصاب وهي في سن السابعة عشرة من رجل التقت به عقب فرارها من العنف الأُسري في منزلها. وحملت على إثر ذلك وشعرت أنها مجبرة على الزواج من مغتصبها تفادياً للعار الذي يلحق بها إذا أصبحت أماً دون زواج. وهي الآن مطلقة، ولكن ثمة مادة في القانون التونسي تتيح لمغتصبي النساء دون سن 20 عاماً الإفلات من الملاحقة الجنائية على فعلتهم في حال قيامهم بالزواج من ضحاياهم، أي أن القانون لن يدين طليقها بتهمة ارتكاب جريمة الاغتصاب بحقها كونه قد قام بالزواج منها.
ويحذر التقرير من أن القوانين التي تتناول موضوع الاغتصاب في تونس تنطوي على عيوب كبيرة وتردع الضحايا عن الإبلاغ عما تعرضن له من جرائم. وعملياً، تركز هذه القوانين بشكل غير مبرر على إثبات استخدام العنف أو القوة، ما يجعل من الصعب على المرأة أن تثبت تعرضها للاغتصاب دون إبراز دليل طبي يوثق آثار الإصابات التي لحقت بها.
تخشى الضحية الشرطة بقدر خشيتها من المعتدي
يواجه المثليون والمثليات وذوو الميول الجنسية الثنائية والمتحولون جنسياً ومزدوجو النوع من ضحايا العنف الجنسي والبدني في تونس خطراً متفاقماً يتمثل في إمكانية صدهم من الشرطة أو تعرضهم لملاحقةٍ منها جراء انتشار كراهية المثليين أو المتحولين جنسياً على نطاق واسع، وتجريم تونس للعلاقات الجنسية المثلية التي تتم بالتراضي بين البالغين.
وتعرضت شاركي، وهي مثلية تبلغ من العمر 25 عاماً، لثمانية اعتداءات بدافع كراهية المثليين والمثليات خلال السنوات التسع الماضية حيث تعرضت للطعن والضرب المبرح في بعض المناسبات. وعندما أبلغت عن تعرضها للاعتداء، حذرها أعوان الشرطة من احتمال الحكم عليها بالسجن ثلاث سنوات لأنها مثلية الجنس.
كما تحدثت منظمة العفو الدولية مع متحولين جنسياً تعرضوا للملاحقة الجنائية بتهمة “خدش الحياء والأخلاق العامة” بسبب مظهرهم الخارجي.
ويمكن اللجوء إلى القوانين الخاصة “بخدش الحياء أو عدم الاحتشام” لمعاقبة ضحايا العنف الجنسي. ففي سبتمبر/ ايلول 2012، اُسندت إلى امرأة تُدعى مريم بن محمد تهمة “الاعتداء على الأخلاق العامة” عقب أن اتهمت شرطيين باغتصابها.
وتتعرض عاملات الجنس في تونس لمخاطر خاصة من الاستغلال الجنسي والابتزاز وغير ذلك من أشكال الاستغلال من طرف الشرطة. ويؤدي تجريم العمل في مجال الجنس إلى تردد عاملات الجنس كثيراً في التقدم ببلاغات خوفاً من ملاحقتهن جنائياً.
وقالت إحدى النساء لمنظمة العفو الدولية أنها تعرضت طوال سنتين لإساءة جنسية واستغلال بشكل متكرر من أحد رجال الشرطة بعد أن اكتشف أنها تعمل في مجال الجنس.
ووصفت امرأة أخرى من عاملات الجنس كيف تعرضت للتحرش الجنسي عقب القبض عليها قائلةً: “نعتني رجال الشرطة الذين ألقوا القبض علي بالمومس وأنه لا حق لي بالدفاع عن نفسي. وعمدوا إلى لمس ثديي عندما قاموا بتفتيشي. فهم يعتقدون أن كل شيء مباح عندما تكون المرأة عاملة جنس وأنها مجرد نكرة لا قيمة لها”.
وتشكل عقوبة السجن خمس سنوات بحق من تثبت إدانته بتهمة ارتكاب الزنا ذكراً كان أم انثى عائقاً آخراً يحول دون قيام النساء بالشكوى من تعرضهن للإساءة الجنسية. وتحدثت منظمة العفو الدولية مع نساء تعرضن للتهديد بإسناد تهمة الزنا إليهن عندما حاولن الإبلاغ عن تعرضهن للاعتداء الجنسي.
قلب الطاولة على العنف
اعتُبر دستور عام 2014 في تونس إنجازاً تاريخياً على صعيد ضمان حقوق الإنسان وتكريس المكاسب التي حققتها حركة حقوق المرأة على مدار السنين. فهو يكفل توفير قدرٍ أكبر من الحماية للنساء ويضمن المساواة بين الجنسين وعدم التمييز. ويشمل الدستور أيضاً ضمانات هامة تكفل حماية حقوق المثليين والمثليات وذوي الميول الجنسية الثنائية والمتحولين جنسياً ومزدوجي النوع. كما يكفل حق كل شخص في الخصوصية وحرية التعبير والفكر والرأي.
ولكن توقفت مؤخراً الجهود التي تُعنى بصياغة مشروع قانون جديد لمكافحة العنف ضد النساء والفتيات، والذي يقترح أيضا نزع الصفة الجنائية عن العلاقات الجنسية المثلية.
وتحث منظمة العفو الدولية تونس على تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الجريئة التي تكفل وضع حد للتمييز والعنف المستشرييْن واللذان ما انفكا يتسببان بتدمير حياة الكثيرين. ونخص بالذكر هنا ضرورة القيام بالإصلاحات التالية:
-
ضمان توسيع نطاق ولوج الناجين من العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي إلى المنظومة الصحية والاحتكام إلى القضاء دون تحيز اجتماعي أو قانوني ضدهم؛
-
واعتماد قانونٍ شاملٍ يتصدى للعنف الموجه ضد النساء والفتيات، وذلك امتثالاً لواجبات تونس الدولية في مجال حقوق الإنسان؛
-
ومراجعة القوانين الضارة بهذه الفئة والقيام بما يلي على وجه التحديد: الاعتراف قانونياً بمفهوم الاغتصاب الزوجي، ووقف إفلات المغتصبين والمختطفين من الملاحقة الجنائية في حال زواجهم بضحاياهن من القاصرات، ووقف تجريم إقامة العلاقات الجنسية بالتراضي بين البالغين خارج إطار الزوجية والعلاقات الجنسية المثلية.
وقال سعيد بومدوحة: “على تونس واجب حماية حقوق الأشخاص الذين تعرضوا للاغتصاب والإساءة المروعة بدلاً من إلقاء اللوم عليهم وإلحاق وصمة العار بهم. ويتعين على السلطات أن ترسل بإشارات واضحة مفادها أنه لن يتم التغاضي عن العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي بعد اليوم. وفقط بالإصلاحات الجريئة التي تتحدى المعايير الاجتماعية والجنسانية القائمة سوف تتمكن تونس من أن تكون قادرة حقاً على القضاء على عدم المساواة القائمة على النوع الجنسي وحماية المستهدفين جراء هويتهم الجنسية أو نوعهم الاجتماعي”.
واختتم بومدوحة تعليقه قائلاً: “يتعين على السلطات أن تجري تحقيقات مستقلة ومحايدة في جميع أشكال العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي وتوفير المزيد من خدمات المساندة للضحايا”.
خلفية
يأتي التقرير الحالي ضمن سياق الحملة العالمية “جسدي…حقوقي” التي تشنها منظمة العفو الدولية بهدف وقف سيطرة الحكومات على الحياة الجنسية والإنجابية وتجريمها.