الأداء الاقتصادي لتونس يخفي أوضاعاً مزرية لحقوق الإنسان

قالت منظمة العفو الدولية إن النمو الاقتصادي في تونس الذي تحقق في العقود الأخيرة ربما كان مصحوباً بتحسن في الأوضاع المعيشية  للعديد من التونسيين، ولكنه لم يعدْ بالفائدة على الجميع. كما أنه لم يقترن بتحسن في التمتع بحقوق الإنسان.

وكان التباين الاجتماعي- الاقتصادي الفاضح بين الشمال والجنوب في تونس واضحاً تماماً أثناء الاضطرابات التي اندلعت في منطقة قفصة بجنوب غرب البلاد في عام 2008. وقد قوبلت الاحتجاجات السلمية للعمال والشباب العاطلين عن العمل بالاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن، وعمليات الاعتقال التعسفي، والتعذيب أو غيره من ضروب إساءة المعاملة، والسجن إثر محاكمات جائرة.

ويصادف هذا الشهر الذكرى السنوية الأولى لموجة الاحتجاجات التي أشعلت شرارتها ما اعتُبر أنه عملية تعيينات غير عادلة من قبل شركة فوسفاط قفصة في الرديف، والحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وسرعان ما امتدت الاضطرابات التي بدأت في يناير/كانون الثاني 2008 إلى مدن أخرى، واستمرت حتى يوليو/تموز 2008.

واعتقلت قوات الأمن التونسية تعسفياً نحو 300 من المتظاهرين في منطقة قفصة، وتعرض العديد منهم للتعذيب أو غيره من ضروب إساءة المعاملة. وقُدم ما لا يقل عن 200 شخص للمحاكمة بسبب المشاركة في الاحتجاجات، ويقضي بعضهم أحكاماً بالسجن مدداً تصل إلى ثماني سنوات إثر محاكمات جائرة.

وصدرت أحكام بالسجن على النقابيين الذين اعتُبروا من قادة الاضطرابات في قفصة إثر محاكمات جائرة، ولا تزال عائلات المعتقلين تتعرض للترهيب والمضايقة: إن منظمة العفو الدولية تدعو إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن النقابيين الذين استُهدفوا لأنهم اعتُبروا قادة للاضطرابات.

وقالت حسيبة حاج صحراوي، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، إنه “بعد مرور سنة، وعلى الرغم من الكلمات المعسولة للرئيس بن علي بالتصدي لتظلمات السكان، فإنه لم يتم إحراز أي تقدم على أية جبهة.”

“ولم يسفر التحقيق الذي أُعلن عن إجرائه في حادثة مقتل اثنين من المتظاهرين عن أية نتائج. ولا يزال النقابيون من أمثال عدنان حاجي وبشير لعبيدي والطيب بن عثمان يقبعون وراء القضبان إثر محاكمات تمثل ازدراء للعدالة، ولا تزال عائلات المعتقلين تتعرض للمضايقة، ولم يطرأ تغيير يُذكر على مجمل الأوضاع في منطقة قفصة”. ووفقاً لتقرير جديد لمنظمة العفو الدولية، فإن التونسيين مازالوا يعيشون في ظل مناخ لا يُسمح فيه بانتقاد الحكومة أو سياساتها، وتتعرض الاحتجاجات الاجتماعية للقمع بلا هوادة. كما تُفرض قيود صارمة على الحقوق في حرية التعبير والتجمع والاشتراك في الجمعيات- وهي الشروط الأساسية للاحتجاج.

وقد نُشر التقرير المعنون بـ: “خلف المعجزة الاقتصادية في تونس: انعدام المساواة وتجريم الاحتجاج”، ليتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لاعتقال القادة النقابيين وتفريق المظاهرات بصورة عنيفة على أيدي قوات الأمن التونسية. ويفحص التقرير أوضاع حقوق الإنسان في البلاد، ويبين كيف أن المناطق الشمالية والساحلية والمواقع السياحية في تونس استفادت من النمو الاقتصادي، في حين أن المناطق الجنوبية والريفية أصبحت أكثر تهميشاً.

لقد تُركت مناطق وسط البلاد وغربها وجنوبها في حالة متخلفة من حيث البنية التحتية والخدمات الاجتماعية. ونتيجة لذلك، تسود معدلات أعلى للأمية والبطالة في هذه المناطق. كما يفتقر السكان إلى مياه الشرب والمجاري والخدمات الصحية والكهرباء والتجهيزات المنزلية والسكن على نحو كاف.

وأضافت حسيبة حاج صحراوي تقول: “إذا كانت السلطات جادة بشأن التصدي لحالة الفقر والحرمان من الحقوق التي يعاني منها أهالي قفصة، فإنها بدلاً من التعامل مع المحتجين بشكل سلمي وكأنهم مجرمون، فإنها يجب أن تطلق سراحهم فوراً. فأهالي قفصة لم يفعلوا شيئاً سوى المطالبة بكرامتهم وحقوقهم ليس إلا.”

وقد نُشر التقرير كجزء من حملة المطالبة بالكرامة التي أطلقتها منظمة العفو الدولية في مايو/أيار 2009. وتهدف الحملة إلى فضح ومحاربة انتهاكات حقوق الإنسان التي تسبب الفقر وتعمقه. وهي تركز في البداية على قضايا كتلك التي أُثيرت في قفصة في عام 2008، والتي تُظهر الصلة بين الحرمان وانعدام الأمن والإقصاء والحيلولة دون مشاركة الناس في القرارات التي تؤثر على حياتهم.
إن الهدف العام للحملة يتمثل في وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان التي تبقي على الناس تحت نير الفقر.

ودعت منظمة العفو الدولية في تقريرها السلطات التونسية إلى:

إطلاق سراح جميع سجناء الرأي بلا قيد أو شرط؛

فتح تحقيقات مستقلة ومحايدة ووافية في مقتل المحتجين على أيدي قوات الأمن؛

البدء بإجراء تحقيق في مزاعم التعذيب وغيره من ضروب الانتهاكات على أيدي قوات الأمن، ومحاسبة المسؤولين عنها، وتحقيق الإنصاف للضحايا؛

إلغاء جميع القوانين التي تجرِّم الاحتجاج السلمي؛

توفير الخدمات العامة الأساسية، بما فيها المياه والمجاري والرعاية الصحية، لجميع مناطق البلاد على قدم المساواة.