استمرار الاضطرابات في التبت مع تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان

يصادف يوم الثلاثاء الذكرى الخمسين لإجهاض انتفاضة التبت في 1959، التي أدت إلى فرار الزعيم التبتي، الدالاي لاما، إلى الهند.  

وشهدت ذكرى السنة الماضية موجة من الاحتجاجات السلمية في معظمها في إقليم التبت ذي الحكم الذاتي وفي المناطق المحيطة التي يقطنها تبتيون. وأدت مظاهرات الاحتجاج هذه إلى اعتقالات تعسفية وغير ذلك من انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقال المطوَّل والسجن والتعذيب وغيره من صنوف سوء المعاملة.

وقد أدى عدم معالجة المظالم التي طال عليها الأمد لشعب التبت، بما في ذلك عدم المساواة في التوظيف وفرص التعليم، واعتقال عشرات التبتيين والتوسع في حملة “التثقيف الوطني”، إلى إشعال فتيل احتجاجات استمرت طيلة الأشهر الاثني عشر شهراً المنصرمة.

وقد قامت المنظمات التبتية فيما وراء البحار بتوثيق ما بين 130 – 200 مظاهرة احتجاج منذ مارس/آذار 2008.

وشارك في الاحتجاجات الشعبية في المناطق التي يسكنها تبتيون رهبان وراهبات، وأناس عاديون ورعاة مواشي. ورافق أنباء حملات احتجاج التبتيين تشديد للتدابير الأمنية ودعوات إلى “سحق” أي مظاهرات مؤيدة للدالاي لاما، ولا سيما على مدار الأسابيع الأخيرة. وعلى الرغم من هذا، فقد استمرت الاحتجاجات الشعبية للتبتيين في أرجاء مختلفة من الإقليم.

وقد فسر بعض المراقبين التدابير الأمنية المشددة، التي شملت إخراج رهبان وراهبات من الأديرة وتزايد حضور قوات “الشرطة الشعبية المسلحة”، بأنها أعمال استفزازية.

وبدأت “حملة الشتاء للضرب بيد من حديد والتفتيش الموحد” في لاسا في 18 يناير/كانون الثاني. وتهدف الحملة إلى “الحفاظ بنشاط على النظام والاستقرار الاجتماعي في المدينة”، وتستهدف بصورة خاصة من هم ليسوا من السكان الدائمين في لاسا.

وطبقاً لصحيفة “أنباء لاسا المسائية”، فقد قامت الشرطة، خلال الأيام الثلاثة الأولى من الحملة، بعملية “تفتيش دقيق” طال زهاء 6,000 شخص في المجمعات السكنية وأماكن السكن المستأجرة والفنادق وبيوت الاستضافة ومقاهي الإنترنتب والحانات. واعتقلت الشرطة 81 مشبوهاً بحلول 24 يناير/كانون الثاني، بمن فيهم شخصان ضبطت على هاتفيهما النقّالين “أغان وشعارات رجعية”.

وورد أن “الشرطة الشعبية المسلحة” قد أطلقت النار على راهب تبتي أشعل النار بنفسه في 27 فبراير/شباط 2009. وكان الراهب يرفع علماً تبتياً منـزلي الصنع يحمل صورة للدالاي لاما.

ووقعت الحادثة في مقاطعة “نغابا” (بالصينية: آبا)، في مقاطعة نغابا التبتية ذات الحكم الذاتي، بإقليم سيتشوان، في أعقاب تفريق السطات المحلية مجموعة من مئات الرهبات تجمعوا للعبادة والاحتفال.

وأكدت وكالة أنباء الصين الرسمية، شينخوا، أن احتجاجاً قد عُقد، وأن راهباً قد نُقل إلى المستشفى للعلاج جراء إصابته بحروق. ونفت السلطات الصينية في وقت لاحق  أن ناراً قد أطلقت.

وقد جعل الإغلاق المستمر للتبت من الصعب التحقق المستقل مما يرد من أنباء وأثار مخاوف من أن تقارير انتهاكات حقوق الإنسان التي تصل إلى العالم الخارجي لا تشكل سوى قسطاً يسيراً مما يحدث في الواقع.

وكان المراسلون الصحفيون الأجانب يحتاجون فيما مضى إلى تصريح خاص للسفر إلى إقليم التبت ذي الحكم الذاتي. إلا أنه وفي أعقاب أعمال الشغب التي وقعت في ربيع 2008، لم يسمح لهؤلاء بزيارة الإقليم إلا ضمن رحلات جماعية تنظِّمها الحكومة.

وقد دعت منظمة العفو الدولية السلطات الصينية إلى السماح لخبراء حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة وغيرهم من المراقبين المستقلين بدخول الإقليم لتقصي أوضاع حقوق الإنسان في الإقليم وفي المناطق التي يقيم فيها التبتيون من الأقاليم المجاورة.

وردّت السلطات الصينية طلبات زيارة تقدم بها عدة خبراء لحقوق الإنسان تابعون للأمم المتحدة إلى إقليم التبت ذي الحكم الذاتي واصفة إياها بأنها “غير ملائمة”. وفي مارس/آذار، أطلقت كتاباً أبيض حول “50 سنة من الإصلاح الديمقراطي في التبت” اتهمت فيه “القوى الغربية المعادية للصين” بتدريب “عصبة الدالاي لاما” ودعم “القوى الانفصالية” التي تحاول كبح تقدم الصين وتقسيمها.
ويبعث هذا بإشارة مقلقة إلى اتجاه السلطات نحو الداخل وتأطير الاحتجاجات ضمن حوادث جنائية منعزلة، وإلى عدم الاعتراف بنطاق المظالم ومدى شعور التبتيين بها عبر مختلف مناطق الإقليم.

إذ ذكرت السلطات الصينية أن 21 شخصاً قتلوا على أيدي المتظاهرين الذين قاموا بأعمال عنف في احتجاجات 2008، بينما تقول مصادر التبتيين أن ما يربو على 100 تبتي قد قتلوا.

وبحسب “لجنة الولايات المتحدة للكونغرس والسلطة التنفيذية الخاصة بالصين”، فإن ما يربو على 1,000 شخص اعتقلوا بالعلاقة مع احتجاجات مارس/آذار 2008 ما زالوا مجهولي المصير. وتشير روايات من أفرج عنهم إلى أنهم حبسوا في ظروف بائسة، كما تعرضوا للضرب والحرمان من العلاج الطبي، وعانوا من شح الطعام والشراب.  

وتقول التقارير الرسمية إنه قد حكم على 76 شخصاً بالعلاقة مع أعمال الشغب في ربيع 2008. وصدرت بحق من أدينوا أحكام سجن تتراوح ما بين ثلاث سنوات لفترة ثابتة والسجن المؤبد. وحُكم على معظمهم بجرائم وصفت بأنها “إشعال الحرائق والسلب وتأجيج الاقتتال وإثارة المشاكل، وحشد جمهور بغرض اقتحام مقرات أجهزة الدولة، وعرقلة الخدمات العامة والسرقة”.

وقد قامت منظمة العفو الدولية بتوثيق نمط من المحاكمات الجائرة، بما في ذلك عدم تمييز السلطات الصينية بين الأفراد الذين شاركوا في احتجاجات سلمية ومن ارتكبوا أفعالاً جرمية.

ودعت منظمة العفو السلطات الصينية إلى توضيح الصورة بالنسبة لجميع من قتلوا أو جرحوا أو فقدوا، وإلى إعلان أسماء جميع من اعتقلوا في التبت وأماكن وجودهم وأي تهم وجهت إليهم.

كما دعت المنظمة إلى مباشرة تحقيق غير متحيز على وجه السرعة في مزاعم تعرض المعتقلين التبتيين للتعذيب وغيره من صنوف سوء المعاملة بغية تقديم المسؤولين عنها إلى ساحة العدالة؛ وإلى فتح تحقيق غير متحيز في وفيات المعتقلين في الحجز الرسمي على مدار السنة الماضية، والإفراج الفوري عن جميع من هم محتجزون لسبب وحيد هو ممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع.