فيكتوريا هاريسون نيفز تبعث بتقرير من بنغلادش حول مهمتها الأولى كمسؤولة صحفية في منظمة العفو الدولية – ضمن وفد المنظمة الذي زار البلاد.
لقد التحقتُ بمنظمة العفو الدولية قبل ستة أسابيع فقط كمسؤولة صحفية عليا فيها، بعد عقد من العمل في معترك الصحافة. وشعرت بأن لدي فكرة معقولة عن ما تنطوي عليه أنشطة حقوق الإنسان واعتقدت أن صلاحيات المنظمة تقتصر أساساً على مجال الحقوق المدنية والسياسية – قضايا مثل سجناء الرأي وحرية التعبير وسيادة القانون والمحاكمات العادلة.
لقد بذلت جهداً جدياً طوال شهر للإلمام بعمل المنظمة قبل الانضمام إلى البعثة المتوجهة إلى بنغلادش، وهو بلد لم أعرفه من قبل (نعم أنها فترة ما فتئت أتعلم فيها أشياء كثيرة جداً.)
وما أدركته بدرجة أكبر خلال الزيارة هو الإطار الكامل لحقوق الإنسان وبالتالي الإطار المحتمل لعملنا في هذا المجال.
وفي اليوم الأول للبعثة، التقينا بأعضاء المجتمع المدني والمحامين والصحفيين وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. واستمعنا إلى تجارب النشطاء والضحايا المحليين في داكا وما وراءها وأصغينا إلى أفكارهم حول الاحتياجات الواجب تلبيتها في بنغلادش، من أجل مساعدتنا على التحضير لاجتماعاتنا مع المسؤولين الحكوميين في فترة لاحقة من الأسبوع. وقد أجريت أنا شخصياً مقابلات مع عدد منهم، وما لمسته بشكل خاص هو الطاقة والتفاني الحقيقيين برغم الإحباطات والتحديات التي يواجهونها.
ثم أمضيا يوماً ونصف اليوم خارج داكا في زيارة مشاريع تابعة لمنظمة غير حكومية محلية في تانجيل وراجشاهي. وكان مجرد الخروج من صخب المدينة بحد ذاته فرصة لاكتشاف بنغلادش ومشاهدة القرى وحقول الأرز على طول الطريق، إضافة إلى لحظات التوتر والقلق على الطرقات بسبب الحافلات والشاحنات والمركبات ذات العجلتين التي يجرها أشخاص، ومشاهدة العاملين في المطاعم المحلية وحراس الأمن الذين تعرفوا على أيرين، والوزير الذي لم يعرف من هي عندما كان يغادر المطعم الكائن في محطة الخدمات الذي وصلنا إليه.
وكانت محطتنا الأولى اجتماعاً في إحدى القرى بشأن تسليف القروض الصغيرة، وجاءت النسوة إليه لتسديد الدفعات التالية من القرض، ومناقشة التعهدات التي يقدمنها عندما يحصلن على هذه القروض – لإتاحة المجال لبناتهن للذهاب إلى المدرسة، وتشجعيهن على الزواج فيما بعد. وكانت أيرين سعيدة بالجلوس على الحصير وسطهن والتحدث عن مشاريعهن. وقد ساد شعور بالارتياح المتبادل بينها وبينهن.
وفي صف حقوق الإنسان الذي أُقيم في قرية مجاورة، كانت النسوة والفتيات الصغيرات يتلقين دروساً حول القانون من جانب متطوع دربته BRAC، منظمة حقوق الإنسان نفسها. وجرى تبسيط حقوق الإنسان والقضايا القانونية وجعلها وثيقة الصلة بحياتهن. وكن يتعلمن القانون الذي يحظر المهور ويحدد السن القانونية للزواج. وأوضح الفريق التابع لـ BRAC الذي كان يرافقنا في الزيارات أنه في العديد من القرى، يتم اللجوء إلى كبار السن (الوجهاء) لتسوية النزاعات وإقامة العدل.
وكانت النساء وقريباتهن يشاركن في صف خاص بالحمل خارج منزل عاملة صحية محلية في محطتنا التالية. وكانت مدرَّبة على معالجة عدد من الأمراض البسيطة مثل الإسهال وعملت كذلك كقابلة قانونية محلية. وأبلغتنا أنها تزور حوالي 300 عائلة في المنطقة كل 20 يوماً.
وخلال هذه الزيارات تعرفت أيضاً على نساء حوامل وأحضرتهن إلى هذه الجلسات الشهرية حيث تعلمن أهمية التغذية خلال الحمل وقُدمت لهن مكملات غذائية، وفي المراحل اللاحقة، قُدمت لهن معلومات حول الولادة نفسها، وما يجب عمله إذا ما وقعت مشاكل وأين يطلبن المساعدة الطبية. ويناقش أزواجهن القضايا ذاتها في مجموعات منفصلة لتجنب إحراج بعض النسوة.
وفي إلينغا، حضر الأطفال الصغار الذين تركوا المدرسة أو لم يلتحقوا بها قط إلى المدرسة الابتدائية المحلية. وضم الكوخ المصنوع من الحديد المموج أحد أقرب الفصول الدراسية التي شاهدتها. وجلس الأطفال على الحصير في شكل حدوة حصان ووجوههم شاخصة إلى المعلمة واللوح (السبورة)، بعد أن تركوا جميع أحذيتهم التي رُتبت على شكل دائرة خارج الفصل الدراسي. وأشارت الخطوط الموجودة على الحصير إلى الأماكن التي ينبغي عليهم الجلوس فيها وأين يجب أن توضع كتبهم.وقد عُلقت الأعمال المدرسية على الجدران والزينة وأجهزة الهاتف الجوال من السقف. وبعد إظهار مهاراتهم في العد والغناء والرقص أمامنا، سألونا أسئلة مثل شكل مدارس القرية في بلداننا.
وفي المحطة الأخيرة، لم يتمكن إلا اثنان من أعضاء الوفد المشاركة. وقد حيّانا حشد من الناس الذين قدموا لنا الزهور والتقطوا الصور. ثم وجدت نفسي مع زميلي ديفيد ومندوبي المنظمة غير الحكومية BRAC عند الطاولة الأعلى في مركز للمساعدة القانونية. ولم أتوقع أن أشارك إلى هذه الدرجة، كما لم أكن أعرف ما أتوقعه من هذا الاجتماع.
وعندما تحدثت الفتاة الصغيرة الأولى عن طلب المساعدة القانونية بعد أن اغتُصبت، طلبتُ من وسائل الإعلام وطاقم آلات التصوير التابع لنا المغادرة. وكن بوضوح يشعرن بالألم بسبب تحدثهن عن هذه القضايا وبخاصة في حضور آلات التصوير. وكانت عدة فتيات ضحايا للاغتصاب وقدمت لهن BRAC مساعدة قانونية، ولم تشهد فعلياً إلا واحدة من البنات الست أو السبع الحاضرات إدخال الجاني إلى السجن، وكانت الأخريات ينشدن العدالة في معظم الحالات منذ حوالي ثلاث سنوات.
وكانت هناك ضحية أنثى لاعتداء بالحامض الحارق (ماء النار)، وحملت امرأة أخرى تعرضت للاغتصاب ووضعت مولودها وكانت تسعى للحصول على نفقة، ورفعت امرأة ثالثة دعوى محاولة اغتصاب، لكن الجلسة أُرجئت بصورة متكررة وهددت عائلة المتهم بقتل زوجها الذي اضطر إلى الفرار.
وكان هناك رجال أيضاً، أحدهم يتابع قضية مقتل ابنته البالغة من العمر ثلاث سنوات كما زُعم على يد جيرانه الذين نشب بينهم وبينه نزاع حول أرض، ورجل آخر كان يطالب بالعدالة لوفاة عمته التي فارقت الحياة بينما كانت تضع مولوداً حملت به نتيجة الاغتصاب، ورجل ثالث نجا أيضاً من اعتداء عليه بالحامض الحارق.
وفي كل قضية، ذهب الشخص أولاً إلى الوجهاء المحليين طلباً لإنصافه، لكن بلا جدوى، ثم اتصلوا بـ BRAC طلباً للمساعدة القانونية. واعترفوا جميعهم بأنهم يعانون من الفقر المدقع ما يحول دون رفع دعاوى قانونية بدون مساعدة المحامين الذين تقدمهم BRAC، لكنهم في الوقت ذاته اعترفوا أيضاً بأن انتشار الفساد في المحاكم الدنيا ببنغلادش يعني أن المتهمين الأثرياء ما زالوا يستطيعون رشوة موظفي المحكمة لتأخير الجلسات بصورة متكررة.
ووجدت أن الاجتماع الأول من نوعه الذي أحضره مؤثراً ومشوباً بالتوتر جداً. ولا تغيب عن بالي صورة الفتاة الصغيرة الخجولة التي كانت ترتدي ملابس صفراء اللون والتي بلغت الآن سن الرابعة عشرة وما زالت على مقاعد الدراسة، لكنها تعرضت للاغتصاب ولم يكن قد مر عليها أكثر من أحد عشر ربيعاً، وكانت لا تزال تتابع الإجراءات القانونية.
وفي لندن، يمكنك أحياناً أن تشعر بأنك بعيد عن المواضيع التي تكتب عنها. وهذا ما يحس به نفسه الصحفي الذي يغطي أخباراً جديدة. وإضافة على ذلك يمكن لقضايا حقوق الإنسان أن تبدو قانونية جداً. لكن الاستماع إلى الحقيقة من أفواه الأشخاص الذين يعانون منها، يجعلها أكثر واقعية بكثير.
ويبدو الأمر لي أشبه بقول مبتذل إلى حد ما، إذ تحدث محررون كثر على مر السنين عن الحاجة إلى التعرف على الوجه أو الصوت الإنساني الذي يقف وراء القضايا، لكن هذا صحيح جداً. فهو بالفعل الطريقة اللازمة لإقناع الناس بالقضايا وبأهمية عمل نشطاء حقوق الإنسان والمشاركين في حملاتها هنا وحول العالم.
لقد عدنا الآن إلى داكا استعداداً للاجتماعات التي سنعقدها مع المسؤولين الحكوميين والمؤتمر الصحفي الذي نختتم به البعثة، لكن عند التأمل في الأيام القليلة الأولى من الزيارة، اعتقد أنه يجمل بي أن أفهم الأساس الذي تستند إليه الحملة العالمية الجديدة لمنظمة العفو الدولية التي ستُطلق في العام المقبل وينصب تركيزها على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
وتبلور زيارة بنغلادش وبعض هذه المجتمعات الصلة القائمة بين الفقر وحقوق الإنسان بالنسبة لي. وقد أضاءت المشاريع مثل تلك التي زرناها على الكيفية التي غالباً ما يعاني فيها الفقراء من التمييز وانتهاكات حقوق الإنسان والتحديات التي يواجهونها في حصولهم على العدل. ويمكن للتعليم والتخويل والمشاركة أن تساعدهم على التغلب عليها.