نظرة عامة
لا يزال الفلسطينيون في قطاع غزة يرزحون تحت وطأة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحقهم، رغم توقيع اتفاق هشّ لوقف إطلاق النار. وتتفاقم العواقب المميتة والمدمرة لنظام الأبارتهايد الإسرائيلي ضدهم، والاحتلال غير القانوني للضفة الغربية وقطاع غزة. ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قُتل وأُصيب عشرات الآلاف من الفلسطينيين بجروحٍ خطيرة في قطاع غزة المحتل، وقُتل ما لا يقل عن 830 فلسطيني في الضفة الغربية، كما أن 90% من سكان القطاع باتوا مهجّرين.
منذ أن بدأت إسرائيل احتلالها لقطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، في يونيو/حزيران 1967، تسبّبت سياساتها الوحشية المتمثلة في مصادرة الأراضي والاستيطان غير القانوني، ونزع الملكية، فضلاً عن التمييز المؤسسي المجحف، في معاناةٍ ضخمةٍ للفلسطينيين هناك، وهو ما حرمهم من أبسط حقوقهم الأساسيّة. يُشكّل هذا الاحتلال العسكري عنصرًا أساسيًا في نظام الأبارتهايد القمعي الذي يضطهد ويسيطر على جميع الفلسطينيين الذين تتحكم إسرائيل في حقوقهم. يشمل ذلك من يعيشون في الأرض المحتلة، وفي إسرائيل، وفي الشتات، الذين لا يُسمح لهم بالعودة إلى ديارهم.
يعمل فريق خبرائنا بلا كللٍ لضمان كشف حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة. ولتوثيق الانتهاكات وتحديد ما إذا كانت الجرائم المرتكبة يشملها القانون الدولي، نجري تحقيقاتنا من خلال العمل الميداني، والبحث المكتبي، ومقابلة الضحايا والشهود. نحلل أنواعًا مختلفة من الأدلة ونستخدم تقنيات الاستشعار عن بُعد، إلى جانب أساليب بحث أخرى عن بُعد بهدف الكشف عن الانتهاكات.

أوقفوا الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة
أوقفوا الإبادة الجماعية الآن!
تداعيات الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية على حقوق الإنسان
منذ عام 1967، حافظت إسرائيل على حضور عسكري وأمني في قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، رغم صدور العديد من قرارات الأمم المتحدة التي ترفض ضم إسرائيل غير القانوني لأجزاء من الأرض الفلسطينية المحتلة وبناء مستوطنات غير قانونية.
يُعدّ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين واحدًا من أطول الاحتلالات العسكرية وأشدّها فتكًا في العالم. فعلى مدى عقود، اتّسم هذا الاحتلال بانتهاكات ممنهجة وواسعة النطاق لحقوق الفلسطينيين. وفي يوليو/تموز 2024 أفتت محكمة العدل الدولية بعدم قانونية الوجود الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة، وفي سبتمبر/أيلول 2024، دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إسرائيل لإنهاء احتلالها في غضون عامٍ واحد. كما أسهم هذا الاحتلال في ترسيخ نظام الأبارتهايد الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين وتعزيزه. ففي ظل نظام الأبارتهايد والاحتلال غير القانوني، ارتكبت إسرائيل إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
هيمنة إسرائيل على الفلسطينيين
يتعرض الفلسطينيون الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي لعددٍ لا يُحصى من انتهاكات حقوق الإنسان، يعززها نظام ممأسس قائم على الهيمنة والاضطهاد المُمنهجيْن. تتطلب الحياة اليومية في فلسطين التنقل عبر نظام معقد من حواجز التفتيش العسكرية، والأسوار، والجدران، والقواعد العسكرية. وتُحكِم إسرائيل قبضتها على جميع أوجه الحياة في فلسطين، من تسجيل السكان إلى إمدادات المياه والكهرباء، ما يسمح لها بتطبيق نظام هيمنة شديد القسوة على حياة الفلسطينيين.
وقد وصلت هذه الهيمنة إلى مستويات غير مسبوقة من القسوة في قطاع غزة، الذي تفرض عليه حصارًا غير قانوني منذ 17 عامًا، شُدِّدَ بشكل أكبر منذ 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023. كما أدى الحصار، مقترنًا بالعمليات العسكرية الإسرائيلية المتكررة، إلى إغراق القطاع في واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية والحقوقية في عصرنا الحديث.
منذ بداية الاحتلال، دأبت إسرائيل على تهجير آلاف الفلسطينيين قسرًا من أرضهم في الضفة الغربية المحتلة، ومصادرتها بشكل غير قانوني لإنشاء مستوطنات مخصصة حصرًا للمستوطنين الإسرائيليين اليهود. إنّ مجرد وجود هذه المستوطنات يشكل انتهاكًا للقانون الدولي وجريمة حرب. وتُعدّ سياسة إسرائيل في بناء وتوسيع المستوطنات غير القانونية على الأرض الفلسطينية المحتلة أحد المحرّكات الرئيسية للانتهاكات الجماعية لحقوق الإنسان الناتجة عن الاحتلال.

أوقفوا الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة
أوقفوا الإبادة الجماعية الآن!
نظام الأبارتهايد الإسرائيلي
لأكثر من 75 عامًا، وضعت إسرائيل ورسخت قوانين وسياسات وممارسات تتعمّد اضطهاد الفلسطينيين بشكل ممنهج. يعمل هذا النظام على ترسيخ هيمنة يهودية إسرائيلية في جميع أنحاء إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة، ويمتد أثره إلى اللاجئين الفلسطينيين أيضًا. فهم يعمدون إلى تقسيم الشعب إلى مناطق جغرافية وسياسية وإدارية منفصلة، بهدف إخماد المعارضة وفصل الفلسطينيين في جيوب معزولة بعيدًا عن الإسرائيليين اليهود. تشكل هذه الممارسات انتهاكًا للقانون الدولي، وتُعدّ جريمة أبارتهايد.
في يوليو/تموز 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيًا استشاريًا تاريخيًا حول شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، مؤكدة على أنّ الاحتلال والضمّ غير قانونيين، وأنّ السياسات والممارسات المرتبطة بهما ضد الفلسطينيين تشكّل انتهاكًا للقانون الدولي.
وقد استُخدم مصطلح “أبارتهايد” في الأصل للإشارة إلى نظام سياسي في جنوب إفريقيا رسّخ بشكل واضح التفرقة العرقية، والهيمنة والقمع من جانب مجموعة عرقية ضد مجموعة أخرى. وتبنى المجتمع الدولي منذ ذلك الحين هذا المصطلح لإدانة وتجريم مثل هذه الأنظمة والممارسات أينما وُجدت، وذلك بموجب “الاتفاقية الدولية بشأن قمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها”.
كيف تمارس إسرائيل الأبارتهايد ضد الفلسطينيين؟
أنشأت السلطات الإسرائيلية وعززت من وجود نظام ممأسس قائم على الاضطهاد والهيمنة لضمان سيطرتها على الفلسطينيين. ويعمل هذا النظام من خلال أربع استراتيجيات رئيسية:
- التقسيم إلى مناطق سيطرة منفصلة
- نزع ملكية الأراضي والممتلكات
- العزل والهيمنة
- الحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
يُحشر الفلسطينيون في جيوب معزولة داخل إسرائيل وفي جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، خاصّة في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وفي قطاع غزة. كما توجدالعديد من تجمعات اللاجئين الفلسطينيين، الذين يخضعون لنُظم قانونية وإدارية مختلفة تبعًا لمواقعهم. وأدى ذلك إلى تقويض الروابط العائلية والاجتماعية والسياسية بين التجمعات الفلسطينية، وقمع أي شكل من أشكال المعارضة لنظام الأبارتهايد.
نفَّذت السلطات الإسرائيلية عمليات استيلاء قاسية وواسعة لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم ومنازلهم قسرًا. وبمرور الوقت، ومع توسّع سيطرتها على الأراضي لصالح الإسرائيليين اليهود، وجد الفلسطينيون المهجّرون أنفسهم محاصرين في جيوب معزولة ومكتظة بشكل متزايد.
خلّفت عقود من المعاملة التمييزية والقيود المفروضة على الموارد واقعًا من التفاوتات المتفاقمة والقمع المستمر. ويعاني الفلسطينيون في المناطق الخاضعة لسيطرة إسرائيل من قلة الفرص المتاحة لكسب الرزق والاشتراك في أعمال تجارية بالمقارنة بالفرص المتاحة لليهود الإسرائيليين. كما يعانون من قيود عنصرية في الوصول إلى الأراضي الزراعية واستخدامها، والحصول على المياه والغاز والنفط وغيرها من الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى قيود على توفر خدمات الصحة والتعليم، وغيرها من الخدمات الأساسية.
تستخدم إسرائيل سياسة الاعتقال التعسفي بحق الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال، واحتجازهم دون توجيه تهم أو محاكمة، كأداة قمعية أخرى ضمن نظام الأبارتهايد، والذي يهدف إلى تفكيك النسيج الاجتماعي الفلسطيني وإخماد أي شكل من أشكال المعارضة.

الأبارتهايد الرقمي
ترسّخ السلطات الإسرائيلية نظام الأبارتهايد من خلال شبكة مراقبة موسعة، تشمل تكنولوجيا التعرف على الوجه. تُستخدم هذه الشبكة مع نظام تصاريح تنقّل تمييزي ومعقد، حيث يفرض قيودًا مادية خانقة على حركة الفلسطينيين من خلال الحواجز العسكرية، والمتاريس، والجدران والأسوار الفاصلة.
تشدد إسرائيل التضييقات على حركة الفلسطينيين داخل الأرض الفلسطينية من خلال “نظام الإغلاق”، والذي يتكون من شبكة معقدة من الحواجز العسكرية. ففي الضفة الغربية المحتلة، تُزوَّد حواجز التفتيش، وغيرها من البنى التحتية العسكرية الإسرائيلية، بنظام للتعرّف على الوجه يُعرف بـ”الذئب الأحمر”، يُستخدم لتتبع الفلسطينيين وأتمتة القيود القمعية المفروضة على حريتهم في التنقل.
فعندما يمر فلسطيني عبر حاجز إسرائيلي يُشغّل نظامَ “الذئب الأحمر”، ويُمسَح وجهه دون علمه أو موافقته، ويقارَن بالسجلات البيومترية الموجودة في قواعد البيانات التي تتضمن حصرًا معلومات حول الفلسطينيين.

أوقفوا الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة
أوقفوا الإبادة الجماعية الآن!
الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة
في أعقاب الهجمات الدامية التي شنّتها حماس ومجموعات فلسطينية مسلحة أخرى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي أسفرت عن مقتل 1,139 شخصًا، معظمهم من المدنيين، وأخذ أكثر من 200 شخص كرهائن، شنّ الجيش الإسرائيلي هجومًا مدمرًا على الفلسطينيين في قطاع غزة. وبحلول 11 فبراير/شباط 2025، أسفر هذا الهجوم عن مقتل 48,219 شخصًا وإصابة 111,665 آخرين، وفقًا لوزارة الصحة في قطاع غزة. ولا يزال الآلاف في عداد المفقودين، حيث يُعتقد أنهم دُفنوا تحت الأنقاض. كما هُجّر 90% من السكان، والكثير منهم بشكل متكرّر. ووفقًا للتقديرات المتحفظة لمجموعة الحماية التابعة للأمم المتحدة، تسببت الأعمال القتالية، والتهجير، والذخائر غير المنفجرة في إصابة 20% من سكان القطاع بإعاقات دائمة.
كما اعتقلت القوات الإسرائيلية تعسفيًا الآلاف من الفلسطينيين من قطاع غزة، بمن فيهم المئات من العاملين في القطاع الصحي. وفي بعض الحالات، تعرّض الفلسطينيون للاختفاء القسري أو الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي. ويتعرض الفلسطينيون المحتجزون لدى إسرائيل بشكل روتيني للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.
يواجه الفلسطينيون، ولا سيما سكان قطاع غزة، مستوى غير مسبوق من إراقة الدماء والمعاناة على أيدي القوات الإسرائيلية. ولا يمكن وصف التأثير المستمر لهذا الهجوم على الفلسطينيين، حيث أُبيدت عائلات بأكملها بسبب الهجمات الإسرائيلية، وسُوِّيت مدن وأحياء كاملة بالأرض. فقد عشرات الآلاف من الأطفال أحد والديهم أو كليهما، ولا يزال الناس عاجزين عن البدء في إعادة بناء حياتهم ومنازلهم.
توصلت تحقيقاتنا في الانتهاكات التي ارتكبتها جميع الأطراف في قطاع غزة إلى أدلة على وقوع جرائم حرب، كما خلصت إلى أن الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل في أعقاب 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ترقى إلى الإبادة الجماعية.
تشنّ إسرائيل هجمات مرّوعة مباشرة، عشوائية أو غير متناسبة، على المدنيين تتركهم في حالة خوف دائم. أمّا من ينجو من الهجوم الإسرائيلي المستمر بلا هوادة، فعليه أن يواجه أزمة إنسانية كارثية ناجمة عن التهجير الجماعي، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية، وتقييد الوصول إلى الغذاء، والمياه، والخدمات الصحية. كما ندّدنا بالجرائم التي ارتكبتها حماس ومجموعات مسلحة أخرى، بما فيها القتل المتعمد للمدنيين، وأخذ الرهائن، والهجمات العشوائية.
كأنه يوم القيامة هنا في دير البلح… عليك أن تحمي أطفالك من الحشرات، من الحر، بدون مياه نظيفة، ولا مراحيض، كل هذا والقصف لا يتوقف. بتحس إنك مش بني آدم هان [هنا].
محمد، الذي فرّ هو وعائلته من مدينة غزة إلى رفح في مارس/آذار 2024، ثم هُجّروا مرة أخرى في مايو/أيار 2024.
الإبادة الجماعية
في ديسمبر/كانون الأول 2024، أصدرنا تقريرًا تاريخيًا خلص إلى وجود أدلة وافية تثبت أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. فصّل التقرير الحجم غير المسبوق للدمار والخسائر في الأرواح في قطاع غزة، حيث قال خبراء إنه حدث بمستوى وسرعة لم يشهد العالم مثيلًا لهما في أي نزاع آخر في القرن الحادي والعشرين؛ إذ أتى على مدن بأكملها حتى سوّاها بالأرض، ودمّر المرافق الحيوية للبنية التحتية، والأراضي الزراعية، والمواقع الثقافية والدينية.
وحلّل التقرير النمط العام لسلوك إسرائيل خلال النزاع، وتصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين التحريضية الداعية للإبادة الجماعية. نظر التقرير في كل من النمط العام لسلوك إسرائيل والتصريحات الصادرة عن كبار مسؤوليها في سياق الحصار غير القانوني واللاإنساني المفروض على قطاع غزة، وعقود من الاحتلال العسكري غير القانوني، ونظام الأبارتهايد ضد الفلسطينيين، لتقييم القصد الخاص لإسرائيل في التدمير المادي للفلسطينيين في قطاع غزة.
وخلصنا إلى أن إسرائيل ارتكبت ثلاثة من خمسة أفعال محظورة بموجب اتفاقية “منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”:
- قتل أعضاء من الجماعة؛
- إلحاق أذى بدني أو نفسي خطير بأعضاء من الجماعة؛
- تعمّد إخضاع الجماعة لظروف معيشية يُراد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا.
ما هي الإبادة الجماعية؟
تنص اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها على أن الإبادة الجماعية هي أي من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلّي أو الجزئي لجماعة قومية، أو إثنية، أو عرقية، أو دينية بصفتها هذه:
- قتل أعضاء من الجماعة؛
- إلحاق أذى بدني أو نفسي خطير بأعضاء من الجماعة؛
- إخضاع الجماعة، عمدًا، لظروف معيشية يُراد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا؛
- فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة؛
- نقل أطفال من الجماعة، عنوةً، إلى جماعة أخرى.

أدلة على قصد التدمير
تعتمد إحدى الركائز الأساسية لتعريف أفعال الإبادة الجماعية على القصد الخاص لتدمير جماعة وطنية أو عرقية أو دينية. وفي سياق الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، قيّمت منظّمة العفو الدوليّة القصد الخاص من خلال التحقيق في الأدلة المباشرة وغير المباشرة.
- الأدلة غير المباشرة: النمط العام لسلوك إسرائيل في قطاع غزة.
- الأدلة المباشرة: تصريحات تجرّد الفلسطينيين من إنسانيتهم وتطالب بإبادتهم الجماعية صدرت عن مسؤولين في الحكومة والجيش الإسرائيليين.
كما أخذنا بعين الاعتبار أنواع الأدلّة في سياق نظام الأبارتهايد الإسرائيلي، والحصار غير الإنساني للقطاع والاحتلال العسكري غير القانوني لقطاع غزة وبقية الأرض الفلسطينية المحتلة على مدى 57 عامًا.
وجد باحثونا وخبراء حقوق الإنسان نمطًا عامًا لسلوك الحكومة الإسرائيلية في قطاع غزة يدل على وجود قصد التدمير. وهذا تضمن:
- الهجمات المباشرة المتكررة على المدنيين والأعيان المدنية، والهجمات العشوائية المتعمدة؛
- أوامر “الإخلاء” المضللة؛
- تعذيب الفلسطينيين واحتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي؛
- تدمير المواقع الثقافية والدينية؛
- والطبيعة الممنهجة والمتكررة لهذه الأفعال والإغفالات بهدف جعل قطاع غزة مكانًا غير صالح للحياة والتسبب في الموت البطيء للفلسطينيين.
ارتكبت إسرائيل هذه الأفعال والإغفالات رغم علمها بعواقبها الكارثية المتوقعة، ورغم صدور العديد من الأوامر عن محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير مؤقتة لمنع الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
أصدر المسؤولون في الحكومة والجيش الإسرائيليين تصريحات متكرّرة تُجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم، تتضمن دعوات لارتكاب أفعال إبادة جماعية وجرائم أخرى بحقهم. وتُعدّ هذه التصريحات من الأدلة المباشرة على قصد ارتكاب الإبادة الجماعية.

التهجير الجماعي
هُجّر مليونَا فلسطيني قسرًا، ولحق دمار شامل في الممتلكات المدنية والبنية التحتية في قطاع غزة المحتل. تسلط هذه الحقيقة الضوء على سجل إسرائيل المروّع في تهجير الفلسطينيين، ورفضها المستمر لاحترام حقهم في العودة إلى ديارهم.
أصدر الجيش الإسرائيلي أوامر “إخلاء” متكررة، أدّت إلى تهجير المدنيين قسرًا إلى مخيمات النزوح في الجنوب، بالأخص في المناطق المحيطة برفح. ووجد الفلسطينيون أنفسهم محاصرين في جيوب آخذة في التقلص، ويعيشون في ظروف لاإنسانية وغير آمنة. وسرعان ما انتشرت المجاعة والأمراض بين السكان، مما أدى إلى مزيد من الخسائر في الأرواح.
في مايو/أيار 2024، بدأت القوات الإسرائيلية اجتياحًا بريًا واسعًا لمدينة رفح، ما أسفر عن دمار كارثي وتعطيل عمليات الإغاثة الإنسانية الحيوية المنقذة للأرواح. وجاء ذلك رغم صدور أمر واضح من محكمة العدل الدولية بعدم القيام بذلك. ومع بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار، بدأت تتكشف صور الدمار وحجم الخسائر الهائلة الناجمة عنه.
ومع إغلاق معبر رفح البري، وهو المنفذ الوحيد من قطاع غزة إلى مصر، واستمرار العمليات العسكرية المكثفة في أنحاء القطاع، بات الفلسطينيون هناك بلا ملجأ أو مفرّ.

منع المساعدات الإنسانية
يواجه قطاع غزة أزمة إنسانية كارثية. فحتى قبل الهجوم العسكري الأخير، فرضت إسرائيل حصارًا خانقًا على قطاع غزة، قيدت فيه الوصول إلى المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الغذاء، والرعاية الطبية، والمأوى.
ورغم الأوامر المتكررة الصادرة عن محكمة العدل الدولية بضرورة السماح بالوصول للمساعدات الإنسانية للحؤول دون ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، واصلت إسرائيل انتهاك التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، حيث منعت المساعدات المنقذة للأرواح من الدخول إلى القطاع، أو فرضت عليها قيودًا مشددة.
وحذّر الخبراء المراقبون للمشهد من مغبّة مجاعة وشيكة، حيث يعاني نصف سكان قطاع غزة من انعدام الأمن الغذائي على نحوٍ كارثي. ومع تفاقم الأزمة الإنسانية، بات واضحًا أن الجيش الإسرائيلي استخدم المجاعة كسلاح فتّاك لإحكام سيطرته على قطاع غزة.

ماذا تفعل منظمة العفو الدولية للمساعدة؟
إن منظمة العفو الدولية ملتزمة بالكشف عن الحقيقة. على مدى عقود، دأب باحثونا ونشطاء حملاتنا على توثيق الانتهاكات الممنهجة الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. نعمل على تصميم حملات كسب تأييد استراتيجية لكشف الانتهاكات والمطالبة بتحقيق العدالة للضحايا وتعويضهم. كما نحشد مجتمعنا العالمي، والذي يضم 10 ملايين عضو، لرفع الأصوات المطالبة بتفكيك نظام الأبارتهايد، وإنهاء الإبادة الجماعية في قطاع غزة والاحتلال الإسرائيلي غير القانوني للأرض الفلسطينية.
أوقفوا الإبادة الجماعية الآن!
في ديسمبر/كانون الأول 2024، نشرت منظمة العفو الدولية تقريرًا يقدم أدلة دامغة على أن إسرائيل ترتكب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. سلّط البحث الضوء على الطبيعة المستمرة والمقصودة للجرائم التي ترتكبها إسرائيل، بما في ذلك أفعال الإبادة الجماعية، والأذى الجسيم الذي ألحقته بالشعب الفلسطيني والذي لا يمكن جبره.
وقد أدى هذا العمل أيضًا إلى إطلاق حملتنا العالمية لإنهاء الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ونحثها على التحقيق في الإبادة الجماعية التي حصلت في قطاع غزة أيضًا. تطالب حملتنا أيضًا الحكومات في جميع أنحاء العالم بالوفاء بالتزاماتها لمنع الإبادة الجماعية، وضمان تحقيق العدالة وجبر الضرر عن الجرائم التي يشملها القانون الدولي، وذلك من خلال دعم المحكمة الجنائية الدولية، واعتقال المطلوبين للمحكمة وتسليمهم لها.

أوقفوا الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة
أوقفوا الإبادة الجماعية الآن!
أوقفوا تسليح إسرائيل!
تأتي الكثير من الأسلحة، والذخائر، وغيرها من العتاد العسكري الذي تستخدمه إسرائيل لقصف قطاع غزة، من بلدان أخرى. ورغم محدودية المعلومات المتاحة للعامة حول هذه الصفقات، فإننا نعلم أن الكثير منها يأتي من الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والعديد من دول الاتحاد الأوروبي، مثل تشيكيا، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وسلوفاكيا.
تحظر “معاهدة تجارة الأسلحة” تصدير الأسلحة حيثما يكون هناك خطر جوهري بأن هذه الأسلحة قد تُستخدم في ارتكاب أو تسهيل ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان. هناك مجموعة هائلة من الأدلة، وثّقتها منظمة العفو الدولية إلى جانب منظمات حقوقية أخرى وخبراء الأمم المتحدة ولجان تقصي الحقائق، تؤكد بشكلٍ قاطع أن أي نقل للأسلحة إلى إسرائيل ينطوي على خطر واضح لا يمكن إنكاره.
لهذا السبب، يطالب أعضاء منظمة العفو الدولية في شتى أنحاء العالم، الدول بإيقاف نقل الأسلحة إلى إسرائيل. وعلى الدول التي تواصل إرسال الأسلحة إلى إسرائيل أن تدرك أنها قد تصبح متواطئة في الإبادة الجماعية وغيرها من الفظائع المرتكبة.
أوقفوا إطلاق النار الآن!
في يناير/كانون الثاني 2025، تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، الأمر الذي منح بصيصًا من الأمل لضحايا الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين. يأتي هذا الاتفاق بعد أكثر من عام من الحملات المكثفة التي قادها ناشطو حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية حول العالم، ومن بينهم منظمة العفو الدولية.
يجب أن يكون وقف إطلاق النار مستدامًا، وأن يصاحبه وصول آمن وغير مقيد للمساعدات الإنسانية في جميع أنحاء قطاع غزة. وعلى السلطات الإسرائيلية السماح لمحققي حقوق الإنسان والصحفيين الدوليين بالدخول إلى قطاع غزة بهدف التحقيق في الأوضاع هناك وتوثيقها والإبلاغ عنها.
فالاتفاق هشّ ومؤقت، وهذا ما يدفع فريقنا للاستمرار في مراقبة الوضع والمطالبة بوقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن المدنيين، والفلسطينيين المعتقلين تعسفيًا.

العدالة والمساءلة عن جميع الجرائم
إن الإفلات من العقاب على انتهاكات جميع الأطراف في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة هو السبب الرئيسي للانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان التي لا زلنا نشهدها.
وبالرغم من تزايد الأدلة على الجرائم التي ترتكبها السلطات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، فإن سبل تحقيق العدالة والمُساءلة لا زالت محدودة. تعمل منظمة العفو الدولية وغيرها من منظمات حقوق الإنسان حول العالم بلا كلل لضمان توثيق هذه الجرائم والإبلاغ عنها لمحاسبة إسرائيل على سلسلة جرائمها في الأرض الفلسطينية المحتلة.
في أعقاب الإبادة الجماعية والدمار الذي ألحقته إسرائيل بقطاع غزة، اتخذت العديد من المؤسسات القانونية الدولية خطوات مهمة لمحاسبة المسؤولين عنها. في ديسمبر/كانون الأول 2023، رفعت جنوب إفريقيا دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. وفي يناير/كانون الثاني، أمرت المحكمة إسرائيل بتبني إجراءات مؤقتة للحد من المخاطر التي قد تُلحق أضرارًا لا جبر لها للفلسطينيين في قطاع غزة. وقد جدّدت المحكمة هذه الأوامر مرة أخرى فيّ مارس/آذار ومايو/أيار 2024.
وفي يوليو/تموز 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية قرارًا تاريخيًا يقضي بعدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي وضمه للأرض الفلسطينية المحتلة. وبعدها بأشهر قليلة، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، وقائد كتائب القسام محمد دياب إبراهيم المصري، المعروف بمحمد الضيف، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
تمثل هذه التطورات خطوات مهمة نحو تحقيق العدالة، ولكنها لا تغطي سوى جزء ضئيل من الجرائم المرتكبة على مدار خمسة عقود من الاحتلال الإسرائيلي.
