أوروبا وآسيا الوسطى 2021
نظرة عامة على أوروبا وآسيا الوسطى
تصاعد مد أنظمة الحكم السلطوي في أوروبا وآسيا الوسطى خلال عام 2021؛ وأبدت بعض الدول صفاقة لم يسبق لها مثيل في ضربها حقوق الإنسان عرض الحائط، الأمر الذي كاد يجعل تعهداتها بالالتزام بحقوق الإنسان حبراً على ورق، ويحيل المنظمات الإقليمية إلى محافل عقيمة “للحوار” الأجوف. وفي بعض البلدان، تجلت مثل هذه التوجهات في استمرار تجاوز السلطات، وتقويض استقلال القضاء، وفي قمع الحريات، وتكميم أفواه المعارضين. وواجه المدافعون عن حقوق الإنسان في مختلف أنحاء المنطقة القيود، والملاحقات القضائية الجائرة، والترهيب.
وفي جميع أرجاء المنطقة، تغلغلت في أوساط الرأي العام السرديات المفعمة بكراهية الأجانب بشأن الهجرة، في الوقت الذي ازدادت فيه السياسة تشدداً. وظلت سياسة تحصين الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي ماضية قدماً، بينما أعلن الكثير من الدول على الملأ عدد من صدتهم بصورة غير قانونية على حدودها؛ و”الصد” مصطلح مُخفّف كثيراً ما يخفي وراءه ممارسات عنيفة إلى حد مروع. وقد حثت 12 من دول الاتحاد الأوروبي السلطة التنفيذية في الاتحاد على تخفيف مفعول قواعد حماية اللاجئين.
وتصاعدت العنصرية ضد السود، والمسلمين، وأفراد طائفة الروما واليهود. وشهدت بلدان كثيرة ردة فعل عكسية ضد المظاهرات التي نظمتها حركة حياة السود مهمة عام 2020، وعزز الخوف من الهجرة التحيز ضد المسلمين، وواجهت طائفة الروما المزيد من الإقصاء الاجتماعي في ظل وباء فيروس كوفيد-19، كما واجه اليهود تزايدًا ملحوظًا في الاعتداءات اللفظية والبدنية. وكان من الصعب ألا تتجلى العنصرية في سياسات التطعيم والمناخ التي تنتهجها الدول الأوروبية إزاء بقية دول العالم. وعلى النقيض من ذلك، كانت معدلات التطعيم داخل أوروبا مرتفعة نسبيًا، ولو أن الأرقام ظلت على انخفاضها في بعض بلدان أوروبا الشرقية ووسط آسيا.
وكثيراً ما صاحب العنصرية تحيزًا قائمًا على أساس النوع الاجتماعي وكراهية الجنسية المثلية. ولئن كانت بعض الدول قد أحرزت تقدماً على صعيد حقوق المرأة، فقد استمرت عدة دول أخرى في انتكاسها. وكان التحول إلى الحكم السلطوي مقترناً أيضاً بمبادرات تشريعية تصم أفراد مجتمع الميم وتقيد حقوقهم. ولعل هذا التردي السلطوي، مقروناً بالآثار التي خلفها وباء فيروس كوفيد-19، واستيلاء طالبان على زمام السلطة في أفغانستان، قد أعاد حقوق المرأة وحقوق مجتمع الميم عقوداً إلى الوراء في بعض البلدان.
وكان التراجع الداخلي مصحوباً بتصاعد الطابع العدواني في العلاقات الدولية؛ وظلت مخلفات الصراع بين أرمينيا وأذربيجان تحصد المزيد من الأرواح. ولم تحل نهاية العام حتى كانت روسيا قد حشدت قواتها على الحدود مع أوكرانيا؛ وتصاعدت نذر الحرب في أفق القارة الأوروبية.
تغول الدولة
كان تغول الدولة وتجاهلها للضوابط والموازين التقليدية جزءًا من مظاهر النزعة السلطوية في المنطقة. ففي روسيا، حُكم على أليكسي نافالني، وهو أحد زعماء المعارضة السياسية في البلاد، بالسجن مدة طويلة بتهم ذات دوافع سياسية، وتجاهلت روسيا أوامر المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بالإفراج عنه. وفي بيلاروس، اتخذت الحكومة تهديداً وهميًا بوجود قنبلة ذريعة لتحويل مسار طائرة مدنية كي يتسنى لها القبض على الصحفي المنفي رامان براتاسيفيتش الذي كان على متن الطائرة.
وأمعنت بعض الحكومات في تجاوز الحدود المشروعة لإجراءاتها تحت ستار وباء فيروس كوفيد-19، و”أزمات” الهجرة، ومكافحة الإرهاب أو التطرف؛ فقد أعلنت بولندا ولاتفيا وليتوانيا حالة الطوارئ التي قصرت عن الوفاء بالمعايير الدولية، وفرضت قيوداً بالغة على أنشطة وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية على الحدود.
ولجأت الحكومات إلى أساليب تقنية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم للنيل من منتقديها؛ فقد أظهر مشروع بيغاسوس أن المجر وأذربيجان وبولندا وكازاخستان استخدمت برمجية بيغاسوس التجسسية التي حصلت عليها من شركة المراقبة مجموعة “إن إس أو” في التجسس على المدافعين عن حقوق الإنسان، والصحفيين، وغيرهم، في الوقت الذي اعترفت فيه الحكومة الألمانية بشراء هذه التكنولوجيا. وتم تسريب الآلاف من الملفات التي تكشف النقاب عن المراقبة الواسعة النطاق التي مارستها أجهزة أمن الدولة الجورجية على الصحفيين، والموظفين الحكوميين، والسياسيين، ورجال الدين، والدبلوماسيين.
وأخضع البعض للمساءلة عن أفعالهم السابقة؛ ففي شمال مقدونيا، أدين رئيس الشرطة السرية السابق وغيره بتهمة التنصت غير المشروع. وقضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن ما تتمتع به حكومة المملكة المتحدة من سلطات تجيز لها اعتراض الرسائل بالجملة يفتقر إلى الضمانات والضوابط الواقية من سوء الاستخدام. وفي الوقت ذاته، أقر استفتاء شعبي في سويسرا قانوناً جديداً لمكافحة الإرهاب يمنح الشرطة سلطات واسعة النطاق. ولم يكن الانسحاب من أفغانستان مدعاة لإعادة النظر في غلو الحكومات في المراقبة أو غير ذلك مما ترتكبه من انتهاكات في إطار مكافحة الإرهاب.
تقويض استقلال القضاء
كان من بين الملامح الرئيسية لغلو الدولة في استخدام سلطاتها تقويض استقلال القضاء؛ فقد استمرت بولندا في تحديها للمحاولات التي تبذلها المنظمات الأوروبية لوضع حد لتقويض استقلال القضاء في البلاد، مما وضع الاتحاد الأوروبي إزاء أكبر أزمة لسيادة القانون يواجهها حتى اليوم. وفي سلسلة من الأحكام القضائية، خلصت كل من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ومحكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي إلى أن التغييرات القضائية في بولندا لا تستوفي شروط المحاكمة العادلة؛ ورداً على ذلك، أفتت المحكمة الدستورية في بولندا بأن القانون البولندي له الأسبقية على قانون الاتحاد الأوروبي، وأن الحق في محاكمة عادلة الذي تكفله الاتفاقية الأوروبية لا يتمشى مع الدستور البولندي، الأمر الذي دفع الأمين العام لمجلس أوروبا لإجراء تحقيق، وهو أمر نادر الحدوث.
وكانت الأوضاع أسوأ في بيلاروس حيث اتخذت السلطات من منظومة القضاء سلاحاً لمعاقبة ضحايا التعذيب والشهود على انتهاكات حقوق الإنسان. وفي جورجيا، ثارت بواعث قلق بشأن استقلال القضاء في أعقاب القبض على زعماء المعارضة البارزين، ومن بينهم الرئيس السابق ميخائيل ساكاشفيلي، ومعاملتهم بصورة مهينة في الحجز. وأشارت منظمات متعددة الأطراف إلى أن الدستور الجديد في قرغيزستان قد يحد من استقلال القضاء.
واكتفت تركيا باتخاذ خطوات ظاهرية بشأن القضاء، ولكنها تقاعست عن معالجة المثالب العميقة في جهاز القضاء. وقاومت تركيا الضغوط المبذولة عليها لحملها على تنفيذ الأحكام الرئيسية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وواجهت في نهاية العام الإجراءات الخاصة بالانتهاكات التي نادراً ما يتم اللجوء إليها.
حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها
حرية التعبير
سعت حكومات كثيرة لإسكات الأصوات المنتقدة، وتكميم أفواه منظمات المجتمع المدني التي يمكنها تجميع المظالم، ومنع مظاهرات الاحتجاج في الشوارع. وفي بعض البلدان، كانت المخاطر الرئيسية التي تهدد حرية الإعلام هي حملات التشهير، ومضايقة الصحفيين عبر الإنترنت، ولا سيما الصحفيات، والتهديدات. وفي البوسنة والهرسك، واجه الصحفيون نحو 300 دعوى تشهير، رفعها عليهم سياسيون في الأغلب والأعم، أما في كرواتيا فقد كان إجمالي دعاوى التشهير المرفوعة على الصحفيين يزيد على 900. وفي بلغاريا، والجمهورية التشيكية، وسلوفينيا، طالت اعتداءات السلطات وسائل الإعلام العامة.
وفي بولندا، ظل نشطاء الدفاع عن حقوق المرأة وحقوق مجتمع الميم يتعرضون للمضايقة والتجريم. وفي رومانيا، استجوبت أجهزة تنفيذ القانون الصحفيين الذين يجرون تحقيقات صحفية بشأن الفساد لا لشيء سوى عملهم الصحفي. وفي كوسوفو، أسقطت إحدى شركات الطاقة النمساوية دعاوى ترهيبية كانت قد رفعتها على ناشطة وناشط بيئيين تحدثا علناً عن الآثار التي خلفها بناء محطات توليد الطاقة الكهرومائية على الأنهار في البلاد.
وفي شرق المنطقة، تعرض للملاحقات الجنائية الكثير من نشطاء المجتمع المدني والصحفيين الذين سعوا للتعبير عن آراء معارضة بسبب أنشطة مشروعة، كما جرَّمت السلطات في مزيد من البلدان إهانة الشخصيات العامة. وتزايد استخدام روسيا وكازاخستان لقوانين مكافحة التطرف في قمع المعارضة.
وفي بيلاروس، استمرت السلطات في الزج بالنشطاء والصحفيين في السجون من أجل استئصال أي تعبير عن آراء مستقلة أو معارضة سلمية. وترددت ادعاءات متكررة تفيد أن السلطات البيلاروسية لاحقت المعارضين لها في المنفى؛ فقد رجحت الأدلة أن يكون مقتل الصحفي بافلو شرمتس عمداً جاء بتخطيط من هذه السلطات، بينما عثر على المعارض البيلاروسي في المنفى فيتال شيشو مشنوقاً في متنزه بالعاصمة الأوكرانية عقب شكواه من تهديدات أجهزة الأمن البيلاروسية له. وأفاد بعض مستخدمي الإنترنت في تركمنستان أنهم أجبروا على أن يحلفوا بالقرآن أنهم لن يستخدموا الشبكات الخاصة الافتراضية في الاتصال بشبكة الإنترنت.
حرية التجمع
فرضت الكثير من الدول قيوداً مفرطة على حرية التجمع السلمي أو احتفظت بها، بينما لجأت الشرطة في كثير من الأحيان إلى الاستخدام غير المشروع للقوة، أو أساليب حفظ الأمن التي تنطوي على التمييز المجحف ضد المتظاهرين. واستمرت اليونان في اتخاذ الوباء ستاراً تخفي وراءه التقييد المفرط للحق في حرية التجمع السلمي، ومن سبل ذلك فرض حظر شامل للمرة الثالثة على التجمعات العامة في الهواء الطلق، وتفريق عدة مظاهرات سلمية. كما استمر الحظر الشامل الذي تفرضه قبرص على التجمعات العامة. واستمرت السلطات التركية في فرض قيود تعسفية على حرية التجمع السلمي، واعتقلت المئات من الأشخاص بصورة تعسفية، واستخدمت معهم القوة على نحو غير مشروع، وأخضعتهم للملاحقة القضائية لمجرد ممارستهم حقوقهم.
وفي بيلاروس، أصبح الحق في التظاهر السلمي شبه منعدم، وفر الآلاف من الأشخاص من البلاد خوفاً من الأعمال الانتقامية. وفي روسيا، تعرض للملاحقة القضائية بصفة معتادة حتى الأفراد الذين يقومون باعتصامات فردية، وفي موسكو ورد أن السلطات استخدمت تكنولوجيا التعرف على هوية الأشخاص من سمات وجوههم للتعرف على المشاركين في مظاهرات سلمية ومعاقبتهم. وفي كازاخستان، أدت التشريعات المقيدة إلى رفض الكثير من طلبات تنظيم مظاهرات سلمية.
ولم يحرز أي تقدم بشأن الشكاوى الجنائية التي قدمها 40 شخصاً في صربيا لحقت بهم إصابات على يد الشرطة أثناء مظاهرة عام 2020. وفي المملكة المتحدة، قرر المدعون عدم ملاحقة المتظاهرين من حركة حياة السود مهمة قضائياً، وفي أيرلندا الشمالية اتخذت الشرطة خطوات لإعادة الغرامات التي كانت قد فرضتها على 72 متظاهراً. ولكن قدم للبرلمان مشروع قانون جديد مثير للجدل خاص بالشرطة، من شأنه أن يوسع سلطات الشرطة بصورة مفرطة مما يمكنها من فرض قيود شديدة على المظاهرات، كما ينص على عقوبات مفرطة الصرامة على المخالفين.
وفي نهاية عام 2021، أشعلت القيود المتعلقة بوباء فيروس كوفيد-19 مظاهرات كبيرة في إيطاليا وبلجيكا وكرواتيا والنمسا وهولندا. واتسمت بعض المظاهرات بالعنف، وأدت إلى اعتقال العشرات من الأشخاص، ووقوع إصابات في صفوف المتظاهرين والموظفين المكلفين بإنفاذ القانون.
حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها
ظلت حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها عرضة للخطر في مختلف بلدان المنطقة؛ ففي المجر، ألغي قانون يفرض قيوداً تعسفية على المنظمات غير الحكومية، ولكن القانون البديل أثار بواعث قلق جديدة، واكتشفت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي قانوناً آخر -يجرّم تقديم المساعدة للاجئين – مخالفاً لقانون الاتحاد الأوروبي. وفي اليونان، ظلت القواعد التنظيمية المقيدة لتسجيل المنظمات غير الحكومية التي تعمل مع المهاجرين واللاجئين قائمة. واتخذت السلطات التركية من توصيات فريق العمل المعني بالإجراءات المالية ستاراً للتمويه على تشريع جديد يسهّل مضايقة المنظمات غير الحكومية.
وفي شرق المنطقة، تمادت السلطات في الربط بين نشاط منظمات المجتمع المدني والأنشطة السياسية، وفرضت عقوبة السجن على المخالفين للقواعد المقيدة لحرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها. ودأبت السلطات الروسية على اتخاذ التشريع المتعلق بـ”العميل الأجنبي”، و”المنظمة غير المرغوب فيها”، وسيلة لشل عمل أو حظر أعداد كبيرة من منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية، وقامت بتصفية منظمة ميموريال، وهي في طليعة منظمات حقوق الإنسان التي تحظى بأعلى قدر من الاحترام، وزُعم أن هذا الإجراء اتخذ بسبب مخالفاتها لقانون “العميل الأجنبي”.
ولم تحل نهاية العام حتى كانت أكثر من 270 من منظمات المجتمع المدني قد تم حلها بقرارات تعسفية أو أرغمت على الإغلاق في بيلاروس. وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية، خلط ألكسندر لوكاشنكا بين المنظمات غير الحكومية والمعارضة السياسية، متوعداً بـ “ذبح كل هذه الحثالة التي تمولونها [الغرب]”. وفي أوزبكستان، ظل انتهاك القواعد المقيدة المتعلقة “بتشكيل جمعية عامة أو منظمة دينية بصورة غير مشروعة” جريمة يعاقَب مرتكبها بالسجن.
المدافعون عن حقوق الإنسان
استمرت الدول في الإخلال بالتزامها بتهيئة بيئة آمنة للمدافعين عن حقوق الإنسان تمكنِّهم من ممارسة نشاطهم. وواجه المدافعون عن المهاجرين قيوداً إدارية، وملاحقات جنائية، ومضايقات من الشرطة؛ أما المدافعون عن حقوق المرأة وحقوق مجتمع الميم فقد تعرضوا هم الآخرون للمضايقات، والملاحقات الجائرة، والتهديدات، وحملات التشهير.
وظل المدافعون عن حقوق المهاجرين يتعرضون لتجريم أنشطتهم في بلدان مثل إيطاليا، وفرنسا، وقبرص، ومالطا، واليونان. واستمرت القضايا القضائية ضد الأفراد والمنظمات غير الحكومية في اليونان وإيطاليا. كما شهد عام 2021 تبرئة بعض المدافعين عن حقوق المهاجرين، كما كان الحال مثلاً في قضية ستانستد في المملكة المتحدة.
واستأنفت السلطات البولندية أحكام البراءة الصادرة بحق ثلاث مدافعات عن حقوق المرأة وُجِّهت إليهن تهمة “إهانة المعتقدات الدينية” بسبب تعليقهن ملصقات تصور مريم العذراء وحول رأسها هالة من قوس قزح. وتعرضت المدافعات عن حقوق المرأة اللاتي يسعين لضمان الحق في تلقي الرعاية الطبية المرتبطة بالإجهاض المأمون والقانوني لحملات التشهير والتهديدات بالقتل.
وفي تركيا، واجه المدافعون عن حقوق الإنسان تحقيقات وملاحقات قضائية وإدانات لا أساس لها؛ وأصدق مثال على هذا هو قضية عثمان كافالا الذي ظل في الحجز بعد مضي أربع سنوات واجه خلالها تهماً جديدة بالرغم من حكم للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يدعو للإفراج عنه فوراً.
وفي روسيا، تعرض المدافعون عن حقوق الإنسان لأعمال انتقامية مروعة وواسعة النطاق؛ وعندما وجهت إلى المحامي الحقوقي إيفان بافلوف تهمة تعسفية هي “الكشف عن نتائج تحقيق أولي”، رحل عن روسيا، فأدرجت السلطات اسمه على قائمة “المطلوبين”. وقضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن السلطات تقاعست عن إجراء تحقيق وافٍ في اختطاف ومقتل نتاليا إستيميروفا. وفي بيلاروس، تعرض للاضطهاد نشطاء من كافة قطاعات المجتمع؛ وفي نهاية العام، كان سبعة من أعضاء منظمة فياسنا، وهي أهم منظمة حقوقية في البلاد، قد اعتقلوا بصورة تعسفية، وفرضت عليهم عقوبات جنائية بالسجن لمدد طويلة، أو كانوا لا يزالون محتجزين في انتظار صدور الأحكام. وفي أذربيجان، ظل حسين عبد اللييف في السجن بالرغم من أن الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي التابع للأمم المتحدة اعتبر احتجازه تعسفياً، ومن ثم طالب بالإفراج عنه.
حقوق اللاجئين والمهاجرين
شهد عام 2021 بناء أسوار حدودية جديدة، وتقويض منظومة الحماية، وقبولاً واسع النطاق للموت والتعذيب على الحدود باعتبارهما رادعاً للهجرة غير النظامية.
واعتبرت اليونان تركيا بلداً آمناً لاستقبال طالبي اللجوء من أفغانستان والصومال وغيرهما من البلدان. وبلغت الدنمارك مستوى جديداً من التدني في مساعيها من أجل إلغاء تصاريح إقامة اللاجئين السوريين، وإعادتهم إلى سوريا. وقام عدد من الدول بإعادة طالبي اللجوء الأفغان حتى وقت قصير قبل استيلاء طالبان على زمام السلطة في البلاد.
ويسرت السلطات البيلاروسية إنشاء طرق جديدة للهجرة عبر بيلاروس إلى الاتحاد الأوروبي، ودفعت المهاجرين واللاجئين بعنف إلى حدود بولندا، ولاتفيا، وليتوانيا، فأبطلت بذلك حقهم في طلب اللجوء على الحدود، وأضفت غطاء شرعياً على إعادتهم قسراً. وفي نهاية العام، كان عدد كبير من الأشخاص عالقين على الحدود، في حين لقي العديد منهم حتفهم. واستمرت الإعادة القسرية والعنيفة للمهاجرين عبر طرق الهجرة “القديمة”، من تركيا إلى اليونان، ومن وسط البحر المتوسط إلى إيطاليا، ومن المغرب إلى إسبانيا، في حين أجبر من تم إنقاذهم في عرض البحر على الانتظار فترات طويلة قبل السماح بنزولهم من القوارب.
وثمة دول كثيرة لم تجد غضاضة في أن تعلن على الملأ عدد من “منعتهم” من الدخول، وهو ما يعني في كثير من الأحيان أنها أعادتهم على الفور دونما تقييم لمدى احتياجهم للحماية. ووصلت الأرقام المعلن عنها في تركيا والمجر إلى عشرات الآلاف، بينما كان عدد من منعوا على الحدود بين بولندا وبيلاروس ولاتفيا وليتوانيا يتجاوز 40 ألفاً.
ومارست دول أخرى كثيرة أسلوب النقل القسري الفوري وغير المشروع للاجئين والمهاجرين دون النظر في ظروف كل منهم على حدة، ثم نفت ذلك؛ ومن بين هذه الدول البوسنة والهرسك، وكرواتيا، ومقدونيا الشمالية، واليونان. وتعرض الأفراد المنحدرون من أصل عرقي كازاخي الذين فروا من إقليم شينجيانغ في الصين للملاحقة القضائية بسبب عبورهم الحدود الكازاخستانية بصورة غير قانونية.
وأقرت بعض المحاكم بعدم قانونية مثل هذه الأفعال؛ فقد قضت المحاكم الدستورية في كل من صربيا وكرواتيا بأن الشرطة انتهكت حقوق هؤلاء الأشخاص في عمليات الإعادة القسرية. وقضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن كرواتيا قد انتهكت حقوق فتاة أفغانية لقت مصرعها عندما صدمها قطار عقب إعادتها قسراً إلى صربيا عام 2017. وخلصت المحاكم في النمسا وإيطاليا إلى أن عمليات الطرد القسري المتتالية لطالبي اللجوء إلى سلوفينيا وكرواتيا تنتهك القانون الدولي. ورغم هذه الأحكام القضائية، قلما أخضع المسؤولون عن الإعادة القسرية أو سوء المعاملة للمحاسبة.
واستمر تواطؤ الاتحاد الأوروبي وإيطاليا في تمويل عمليات “الإعادة القسرية” التي يقوم بها خفر السواحل الليبي إلى ليبيا، حيث تعرض المهاجرون لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وبحلول شهر أكتوبر/تشرين الأول، كان أكثر من 27,000 لاجئ ومهاجر قد اعترضتهم قوات خفر السواحل الليبي في عرض البحر المتوسط، وأعادتهم إلى ليبيا.
التمييز المجحف
أصبحت مظاهر العنصرية والتمييز المجحف ضد السود والمسلمين وطائفة الروما واليهود أكثر سفوراً من ذي قبل في سياقات كثيرة؛ ففي المملكة المتحدة، أصدرت الحكومة تقريراً ينفى بواعث القلق بشأن العنصرية المؤسسية، في حين قدِّم للبرلمان مشروع قانون جديد للشرطة ينذر بمزيد من التمييز المجحف ضد السود وطوائف الغجر والروما والرحَّل. أما السلطات الدنماركية فقد حذفت من تشريعاتها أي إشارة لأحياء “الغيتو”، ولكنها ما برحت تفرض قيوداً على الإسكان الاجتماعي للسكان من “ذوي الأصول غير الغربية”. وفي خطوات عزيت مبرراتها إلى مكافحة التطرف والإرهاب، شددت النمسا وفرنسا الرقابة التي تفرضها على مجتمعات المسلمين، وداهمت المساجد، و/أو أغلقت المنظمات التي ترصد كراهية المسلمين. وفي ألمانيا، بلغ عدد الجرائم المتعلقة بمعاداة السامية وغيرها من جرائم الكراهية ضد اليهود المبلغ عنها رسميًا 1,850 جريمة حتى 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وهو أكبر عدد منذ 2018. وقد سُجل ارتفاع حاد في حوادث مماثلة أُبلغ عنها في المملكة المتحدة، والنمسا، وإيطاليا، وفرنسا.
طائفة الروما
ظلت طائفة الروما تقاسي المضايقات والتمييز المجحف، بما في ذلك فصلهم عن غيرهم في التعليم والسكن والتوظيف؛ وظلت أحياء الطائفة تشهد وجوداً مكثفاً للشرطة، وتعاني من نقص التعليم المدرسي. وأثار مقتل اثنين من أفراد طائفة الروما على يد الشرطة في الجمهورية التشيكية واليونان ضجة واسعة تعيد إلى الأذهان حادث مقتل جورج فلويد في الولايات المتحدة.
وبعد سنوات من النضال لنشطاء حقوق الإنسان، صوت مجلس الشيوخ التشيكي لصالح مشروع قانون يقضي بتعويض الآلاف من نساء الروما اللاتي أخضعتهن السلطات لعمليات تعقيم غير مشروعة خلال الفترة بين 1966 و2012. واعتذرت حكومة سلوفاكيا رسمياً عن التعقيم القسري للآلاف من نساء الروما، ولكنها لم تضع بعد آلية فعالة لتعويضهن.
حقوق أفراد مجتمع الميم
ظل أفراد مجتمع الميم يعانون من العنف والتمييز المجحف ضدهم في مختلف أنحاء المنطقة. وبحثت بعض الدول أو اعتمدت تشريعات تصم أفراد مجتمع الميم أو تنطوي على تمييز ضدهم، ومن بين هذه الدول بولندا والمجر. وفي صربيا، رفض رئيس الجمهورية توقيع قانون بشأن الشراكات المدنية. وفي بلدان مثل بلغاريا وتركيا، أدلى بعض الساسة بأقوال أو أدوا أفعالاً ناجمة عن معاداة المثلية.
واعتبرت العلاقات الجنسية بين الرجال بالتراضي جريمة جنائية في تركمنستان وأوزبكستان. وفي روسيا، أشعل قانون “الدعاية المثلية” فتيل التمييز ضد مجتمع الميم، بينما لقي صحفي حتفه في جورجيا عندما شنت مجموعة من الرعاع هجوماً على مكاتب منظمة تبليسي برايد (فخر تبليسي) بالعاصمة الجورجية.
حقوق المرأة
الحقوق الجنسية والإنجابية
ظل تيسر الإجهاض المأمون والقانوني من القضايا الحقوقية المحورية في أندورا وبولندا وسان مارينو ومالطا، وغيرها من البلدان. ففي بولندا، دخل حيز التنفيذ حكم للمحكمة الدستورية يقضي بأن الإجهاض بسبب العيوب الجنينية الخطيرة مخالف للدستور؛ وفي العام التالي لصدور هذا الحكم، اتصلت34,000 امرأة بمنظمة الإجهاض بلا حدود، وهي منظمة غير حكومية تسهِّل سفر الحوامل إلى الخارج طلباً للرعاية والنصح بشأن الإجهاض.
وفي أندورا، ظلت تهم التشهير تلاحق مدافعة عن حقوق الإنسان، كانت قد أعربت عن قلقها أمام الأمم المتحدة بشأن الحظر التام الذي تفرضه الدولة على الإجهاض. وشهدت سان مارينو تطوراً إيجابياً تمثل في استفتاء شعبي جاءت نتيجته مؤيدة لإجازة الإجهاض بموجب القانون.
العنف ضد النساء والفتيات
ظلت المنطقة تشهد تباينًا فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة؛ فبينما انسحبت تركيا من معاهدة تاريخية على صعيد مكافحة العنف ضد المرأة، وهي اتفاقية إسطنبول، صادقت عليها كل من ليشتنشتاين ومولدوفا. كما أصلحت سلوفينيا قانونها بشأن الاغتصاب كي يصبح تعريفه قائماً على التراضي، كما كانت الجهود الرامية لإصلاح قوانين الاغتصاب تجري على قدم وساق في إسبانيا وسويسرا وهولندا.
غير أن العنف ضد المرأة ظل متفشياً على نطاق واسع في المنطقة؛ وقد خلص اتحاد المنظمات غير الحكومية الروسية المعنية بحقوق المرأة إلى أن 66% من ضحايا القتل العمد من النساء خلال الفترة من 2011 إلى 2019 كن ضحايا للعنف الأسري. وفي أوزبكستان، رفضت وزارة الداخلية طلباً من منظمة مي مولتشي غير الحكومية بشأن الملاحقات القضائية لمرتكبي جرائم العنف ضد النساء، بدعوى أن هذا الطلب “عديم الجدوى”. وفي أذربيجان، تعرض نشطاء الدفاع عن حقوق المرأة والصحفيون للابتزاز وحملات التشهير القائمة على أساس النوع الاجتماعي، في الوقت الذي استخدمت فيه السلطات أساليب العنف في فض المظاهرات النسائية التي خرجت احتجاجاً على العنف الأسري. وأدى استيلاء طالبان على زمام السلطة في أفغانستان إلى تعزيز الجهود في آسيا الوسطى من أجل الترويج للقيم “التقليدية”. وفي أوكرانيا، استمرت الاعتداءات الناجمة عن معاداة المثلية، وترددت أنباء عن نقص الخدمات المتاحة لضحايا العنف الأسري في المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة من إقليم دونباس.
الحق في الصحة والضمان الاجتماعي
استمرت الآثار البالغة الناجمة عن وباء فيروس كوفيد-19، وإن كانت وطأتها قد خفت نوعاً ما بفضل ارتفاع معدلات التطعيم في الكثير من بلدان المنطقة، ولا سيما بلدان الاتحاد الأوروبي. وألقى الوباء عبئاً ثقيلاً على كاهل أنظمة الصحة التي تعاني من نقص التمويل والمنهكة بأعباء تفوق طاقتها.
وأخلت بعض الدول بالالتزامات المفروضة عليها بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، في حين أعلنت عدة دول أخرى تمديد حالة الطوارئ الطبية، وعادت إلى فرض إجراءات الإغلاق وغيرها من القيود، مع تفشي موجات جديدة من العدوى، وظهور متحورات جديدة من الفيروس.
وأصبحت اللامساواة في التطعيم أكثر وضوحاً وجلاء من ذي قبل في المنطقة، وكثيراً ما كان السبب وراء ذلك هو ارتفاع مستويات التردد والإحجام عن التطعيم. ومن ثم فقد تم تطعيم أكثر من 80% من السكان في أيسلندا، وإسبانيا، والبرتغال، ومالطا، في حين لم تتجاوز هذه النسبة 30% في أرمينيا، وأوكرانيا، وبيلاروس، والبوسنة والهرسك، وجورجيا، وطاجيكستان، وقرغيزستان. وفي بعض الحالات، واجه المهاجرون الذين لا يحملون وثائق، وأفراد الفئات التي تعاني من التمييز المجحف على امتداد التاريخ – تحديات في الحصول على اللقاحات. وظلت معدلات الوفيات أعلى بدرجة مفرطة بين المسنين.
وقدمت أوروبا تعهدات كبيرة بالتبرع بجرعات اللقاحات، ولكن مما أدى إلى تفاقم اللامساواة العالمية في التطعيم استمرار الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، والنرويج، وسويسرا، في عرقلة المساعي للتخلي عن حقوق الملكية الفكرية مما يفسح المجال لزيادة عدد جرعات اللقاحات التي يتم إنتاجها إلى حد بعيد، ولا سيما في دول جنوب العالم.
وفي إقليم دونباس بأوكرانيا، ورد أن المرافق الطبية المحلية لم تكن قادرة على تقديم العلاج للأعداد الكبيرة من المرضى نظراً لعدم كفاية الموظفين الطبيين والإمدادات الطبية، بما في ذلك اللقاحات. وفي تركمنستان، استمرت السلطات في إنكار وقوع حالات إصابة بفيروس كوفيد-19، ولكنها جعلت التطعيم إجبارياً للبالغين في يوليو/تموز.
ودفع وباء فيروس كوفيد-19 بالمزيد من العمال إلى أوضاع معيشية غير مستقرة في غياب أنظمة شاملة للوقاية الاجتماعية؛ وكانت النساء والعمال المهاجرون بوجه خاص من الفئات الأشد تضرراً من هذه الأوضاع؛ ففي النمسا، عانت النساء المهاجرات اللاتي يعملن ويقمن في دور الرعاية من الإساءة، والتمييز المجحف في الأجور، وطول ساعات العمل إلى حد مفرط. وفي إيطاليا، أخضع العاملون في مجال الصحة ومجال الرعاية لإجراءات التأديبية وتعرضوا لأعمال انتقامية عندما أعربوا عن قلقهم بشأن ظروف العمل غير المأمونة في دور الرعاية أو سعوا للانخراط في أنشطة نقابية. وفي أرمينيا، أدى الوباء إلى تفاقم العبء الثقيل الواقع على كاهل النساء والفتيات بسبب العمل بلا أجر في الرعاية.
حقوق الإنسان في مناطق الصراع
لم يكد يحدث أي تغير في مناطق الصراع بدول الاتحاد السوفيتي السابق، مما يعني استمرار عوائق النمو في هذه البلدان؛ وكان لذلك آثار بالغة على مدى تمتع أهالي المناطق الواقعة على جانبي خطوط التماس بحرية التنقل والحق في الصحة.
وأدى الصراع الذي اندلع بين أذربيجان وأرمينيا عام 2020 إلى مقتل وإصابة أكثر من 100 شخص خلال العام بسبب انفجار الألغام التي زرعتها القوات الأرمينية في المناطق التي تنازلت عنها لأذربيجان. ولم يخضع مقترفو جرائم الحرب التي وقعت أثناء الصراع لأي مساءلة أو عقاب، ولم ينل ضحايا هذه الجرائم أي إنصاف، وظل رهن الاحتجاز أكثر من 40 شخصاً من أصل أرميني، وقعوا في الأسر في أعقاب وقف إطلاق النار، وورد أنهم يرزحون تحت وطأة ظروف غير إنسانية. أما المدنيون الآذريون الذين نزحوا أثناء صراع عام 2020، وبلغ عددهم 40 ألفاً، فقد عاد أغلبهم إلى ديارهم، ولكن الألغام وتدمير البنية التحتية، وتبدد مصادر الرزق، حالت دون عودة أكثر من 650 ألف نازح أثناء التسعينيات. وظل قرابة 36,000 مواطن من أصل أرميني في عداد النازحين داخليًا.
وظل الصراع دائراً في منطقة دونباس في أوكرانيا بينما تبادلت الحكومة والانفصاليون الذين تؤيدهم روسيا الاتهامات بخرق وقف إطلاق النار؛ وأفادت بعثة المراقبة التابعة للأمم المتحدة بوقوع ما لا يقل عن تسع حالات اعتقال تعسفي جديدة على أيدي عناصر جهاز الأمن السري الأوكراني. وفي نهاية العام، كانت روسيا قد حشدت أعداداً كبيرة من قواتها على الحدود مع أوكرانيا مما أثار المخاوف من احتمال وقوع غزو.
وفرضت قيود على حرية التنقل من وإلى الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة في الأقاليم الجورجية الانفصالية من أبخازيا وإقليم أوسيتيا الجنوبية/تسخينفالي. واستمر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة؛ ولم يجر أي تحقيق فعال بشأن وفاة إينال جابييف في الحجز عام 2020 في إقليم أوسيتيا الجنوبية/ تسخينفالي؛ وتوفي أنري أتيبا عقب احتجازه في أبخازيا.
التقاعس عن التصدي للأزمة المناخية
تتحمل أوروبا مسؤولية خاصة أمام العالم بأسره في التصدي للأزمة المناخية نظراً لدورها في الانبعاثات العالمية وثروتها. ورغم ذلك، فقد استمر تقاعس الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي عن اعتماد أهداف للحد من الانبعاثات، بما في ذلك انتهاج سياسات للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، مما ينسجم مع مستوى مسؤوليتها، ومع ضرورة إبقاء ارتفاع درجات الحرارة العالمية في حدود 1.5 درجة مئوية. وفي المفاوضات التي جرت في إطار مؤتمر الأمم المتحدة السنوي بشأن تغير المناخ (COP26)، عارضت الدول الأوروبية أيضاً إنشاء مرفق مالي عالمي لتقديم الدعم المالي للدول النامية التي تواجه خسائر وأضرار من جراء الأزمة المناخية. غير أن أسكتلندا والمنطقة البلجيكية من إقليم والونيا تعهدتا برصد مخصصات مالية لتغطية تلك الخسائر والأضرار.
ولجأ النشطاء إلى القضاء لإرغام الحكومات على الحد من الانبعاثات، ومكافحة التغير المناخي، وأحرزوا انتصارات قضائية في ألمانيا وبلجيكا وفرنسا. وفي قضية تعد بمثابة علامة فارقة في هذا الصدد، رفعتها منظمات المجتمع المدني، أمرت محكمة هولندية شركة شل بتخفيض انبعاثاتها الكربونية العالمية قبل نهاية عام 2030 بنسبة 45%، مقارنة بنظيرها عام 2019، وكان من بين حيثيات هذا الحكم مسؤولية الشركات عن احترام حقوق الإنسان. وفي جورجيا، ألغي مشروع إنشاء محطة لتوليد الطاقة الكهرمائية في أعقاب احتجاجات على المشروع بسبب بواعث قلق تتعلق بسلامة البيئة.
حقوق الإنسان في بلدان المنطقة وفي العالم
كان النزوع إلى الحكم السلطوي الذي شهدته المنطقة خلال العام مقترناً بالانفصال المطرد عن المنظمات المتعددة الأطراف؛ فبدت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عاجزة عن وقف الانزلاق نحو الصراعات، في حين تجاهلت الدول الكبرى نصائحها، ولم تكترث برصدها للأوضاع، إن سمحت بمثل هذا الرصد أصلاً. وبدا مجلس أوروبا عاجزاً عن حمل الدول الأعضاء على تنفيذ أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والوفاء بالتزاماتها. وأصبح الاتحاد الأوروبي مشلولاً بسبب الأزمات المتلاحقة التي منيت بها سيادة القانون، وبدا غير راغب في تنفيذ قواعده بشأن حقوق المهاجرين واللاجئين.
واستمرت الصين وروسيا في تعزيز واستخدام نفوذهما، ولا سيما في الشرق؛ وقوضت الدولتان الإطار الدولي لحقوق الإنسان، وساندت روسيا حملة القمع التي مارستها الحكومة البيلاروسية ضد شعبها. أما العقوبات الاقتصادية والسياسية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا وبيلاروس فقد عجزت عن وقف مد القمع المستمر بلا هوادة.
وفي المملكة المتحدة، أُعتمد تشريع من شأنه أن يسهل إفلات مرتكبي الجرائم التي وقعت في الخارج من العقاب؛ فقد تضمن قانون العمليات الخارجية قيوداً على الإجراءات القانونية المتعلقة بالعمليات العسكرية الخارجية، بما في ذلك تحديد مدد زمنية لتقادم الدعاوى المدنية المرفوعة، واستحداث قرينة ضد الملاحقة القضائية على معظم الجرائم المرتكبة قبل أكثر من خمس سنوات.
ولكن العام شهد بعض المبادرات الإيجابية؛ ففي مارس/آذار، أقر مجلس أوروبا توصية بشأن التدابير المناهضة للاتجار في سلع تستخدم في تنفيذ عقوبة الإعدام والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة. واتخذت بعض الدول خطوات للحد من عمليات النقل اللامسؤول للأسلحة. ومددت ألمانيا الحظر المؤقت المفروض على تصدير الأسلحة للسعودية – ولكن ذلك لم يشمل تصديرها للدول الأخرى المشاركة في الصراع الدائر في اليمن. وفي فرنسا، أطلقت منظمات غير حكومية دعاوى قضائية لضمان تحقيق الشفافية في عمليات توريد الأسلحة للسعودية والإمارات العربية المتحدة، بينما أقرت سويسرا قانوناً ينظم تصدير الأسلحة، ويحظر نقلها إلى بلدان تشهد صراعات داخلية أو معرضة لخطر وقوع انتهاكات جسيمة أو منهجية لحقوق الإنسان.
توصيات
إن هذه اللمحة العامة التي قدمناها آنفاً لأوضاع حقوق الإنسان في المنطقة خلال العام المنصرم يجب اعتبارها بمثابة صيحة تنبيه للحكومات كي تعود إلى الالتزام بحقوق الإنسان، والسعي معاً لتنفيذ التعهدات الواقعة على عاتق الدول. وحتى الآن، تجلى الشعور بالضرورة الملحة للوفاء بهذه الالتزامات في المقام الأول لدى النشطاء المناضلين في مجال تغير المناخ والمدافعين عن حقوق الإنسان، ولكن كليهما يخضعان لضغوط شديدة من الحكومات والمؤسسات. لقد باتت قضية حقوق الإنسان في أمس الحاجة لمزيد من الأنصار الآن، وإلا فقد تتبدد المكاسب التي حققتها على مدى العقود الأخيرة.
يجدر بالحكومات إدراك الدور الحاسم الذي ينهض به المدافعون عن حقوق الإنسان، بدلاً من وصمهم، والتشهير بهم، وتجريم أنشطتهم. ولا بد من إفساح المجال الذي يتمتع فيه جميع البشر بحقوقهم في حرية التعبير، وحرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، وحرية التجمع السلمي، وحمايته من تغول الدولة عليه تحت شتى الذرائع. ويجب على الحكومات وقف التحول إلى مجتمعات خاضعة للمراقبة، واحترام سيادة القانون، ووضع حد لتقويض استقلال القضاء.
كما ينبغي على الحكومات مضاعفة جهودها لمنع التمييز المجحف ضد الأشخاص السود والمسلمين وأفراد طائفة الروما واليهود وضمان امتناع العناصر التابعة للدولة عن تعميم الخطاب الذي يحمل في طياته الوصم وعن تنفيذ السياسات التي تستهدف هذه الجماعات.
وفي مواجهة استمرار وباء فيروس كوفيد-19، أصبح من الضرورة الملحة بمكان ضمان المساواة في إمكانية الحصول على اللقاحات داخل بلدان وفيما بينها، سواء بلدان المنطقة أو غيرها من المناطق، والتعاون بين الدول لضمان توفر العلاج واللقاحات بحيث تكون مقبولة للجميع، ومتيسرة لهم بأسعار معقولة.
وبينما لا يزال الفارون من ويلات الصراع والفقر يلقون حتفهم في البر والبحر أثناء محاولتهم الوصول إلى بر الأمان، يجب على الحكومات توسيع الممرات الآمنة للهجرة المنظمة المتاحة أمام المهاجرين، ولا سيما الأشخاص الذين يحتاجون للمجيء إلى أوروبا، بما في ذلك التأشيرات الإنسانية، وإعادة التوطين، ورعاية المجتمع المحلي، ولم شمل العائلات.
ويجب على الحكومات التحرك العاجل لمكافحة حالات العنف الطارئة، التي كثيراً ما تكون مستترة، ضد النساء والفتيات، وإيلاء الأولوية للقضاء على العنف القائم على النوع الاجتماعي، ومعالجة أسبابه الجذرية. كما ينبغي اتخاذ مزيد من الخطوات للقضاء على كافة أشكال التمييز، سواء في نص القانون أم في الممارسة الفعلية.
يجب على الحكومات زيادة أهدافها فيما يتعلق بتخفيض الانبعاثات، وتنفيذ سياسات كافية ومتماشية مع حقوق الإنسان، بما في ذلك التخلص التدريجي من استخدام وإنتاج الوقود الأحفوري من خلال إطار انتقالي عادل. كما يجب عليها رفع مستوى التمويل المناخي بصورة عاجلة للدول المنخفضة الدخل، والالتزام برصد مخصصات مالية إضافية لتغطية الخسائر والأضرار في الدول المنخفضة الدخل.