ميانمار

لا تتخذ منظمة العفو الدولية أي موقف من قضايا السيادة أو النزاعات الإقليمية. وتستند الحدود على هذه الخريطة إلى بيانات الأمم المتحدة الجغرافية المكانية.
العودة. ميانمار

ميانمار 2024

تصاعد النزاع المسلح الداخلي. وازدادت وتيرة الضربات الجوية العسكرية، وكذلك الهجمات العسكرية على المدارس والمستشفيات ومرافق البنية الأساسية المدنية. وأدى النزاع والقمع العسكري إلى حرمان أشخاص من حقهم في التعليم. وعانى أبناء جماعة الروهينغيا العِرقية من أسوأ أعمال العنف منذ عام 2017. واستمرت عمليات الاعتقال التعسفي، بالإضافة إلى المحاكمات الجائرة والمداهمات التي استهدفت نشطاء. وتعرَّض صحفيون لأحكام قاسية بالسجن، مما خلق تأثيرًا مروِّعًا بالإضافة إلى زيادة القيود على الحق في حرية التعبير. واستمرت شحنات وقود الطائرات في الوصول إلى البلاد، بالرغم من العقوبات والحملات العالمية لوقف سلاسل الإمداد من أجل منع الضربات الجوية.

خلفية

استمر الحكم العسكري عقب الإطاحة بالحكومة المُنتخبة ديمقراطيًا، في 1 فبراير/شباط 2021. وظل قائد الانقلاب الجنرال مين أونغ هلاينغ (Min Aung Hlaing) يقود مجلس إدارة الدولة، وهو الاسم الرسمي للمجلس العسكري. كما تولى منصب القائم بأعمال الرئيس بدلًا من مينت سوي (Myint Swe) الذي قيل إنه يعاني من مشاكل صحية. وبعد مرور قرابة أربع سنوات على الانقلاب، دخل وضع حقوق الإنسان في ميانمار مرحلةً جديدة ودامية. فقد عمَّ النزاع المسلح الداخلي المناطق الحدودية في غرب وشمال وجنوب شرق البلاد.

وواصلت منظمات عِرقية مسلحة قوية التحالف مع قوات الدفاع الشعبي، وهي الجناح العسكري لحكومة الوحدة الوطنية المعارضة، التي ظهرت في أعقاب الانقلاب، بالرغم من أن التحالفات بين الجماعات المكوِّنة بدأت في التصدُّع. وعانى الجيش من أجل فرض سيطرته على الأراضي، حيث فقد السيطرة على بلدات، وقواعد، ومواقع أمامية، ومراكز للشرطة. وتأثرت مدنٌ كثيفة السكان بالقتال، بما في ذلك ماندالاي ثاني أكبر مدينة في ميانمار. وتزايدت المخاطر على المدنيين، حيث كان جيش ميانمار يردُّ باستخدام قوة أشد. وبلغت الضربات الجوية أرقامًا قياسية، حيث وصلت خلال الشهور الستة الأولى من العام إلى خمسة أضعاف العدد مقارنةً بالعام الماضي. أمَّا عدد الأشخاص النازحين داخليًا فتجاوز ثلاثة ملايين نسمة. وظل أكثر من 20,000 شخص خلف القضبان. وتجاوز عدد الأشخاص الذين قُتلوا على أيدي الجيش خلال العام 6,000 شخص.

ووصلت الضربات الجوية العسكرية إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، وكانت أساسًا جزءًا من هجمات مُضادة في مواجهة العملية 1027. والعملية 1027، التي أُطلق عليها هذا الاسم نسبةً إلى تاريخ بدايتها في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، هي هجمات مناهضة للجيش بقيادة ثلاث منظمات عِرقية مُسلحة، وهي: جيش أراكان، وجيش تحرير تانغ الوطني، وجيش التحالف الوطني الديمقراطي في ميانمار. وكانت العملية قد بدأت في ولاية شان، وتوقفت خلال النصف الأول من عام 2024، بعد أن توسطت الصين لإبرام وقف لإطلاق النار، ثم استُؤنفت العملية وامتدت إلى عدة مناطق في البلاد. وبعد انضمام قوات الدفاع الشعبي، سيطر مقاتلو العملية 1027 على بلدات بأكملها، وعلى طرق استراتيجية، ومطار، بالإضافة إلى اثنين من القيادات العسكرية الإقليمية البالغ عددها 14. في نوفمبر/تشرين الثاني، طلب مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة توقيف بحق الجنرال مين أونغ هلاينغ على خلفية الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في ترحيل شعب الروهينغيا واضطهاده خلال العمليات العسكرية في عام 2017.

الهجمات وعمليات القتل غير المشروعة

اتسمت الهجمات العسكرية المضادة بالحفاظ على الطابع المُعتاد في الماضي، والمتمثِّل في هجمات عشوائية وغير متناسبة مقترنة بهجمات برية دامية. وأصابت الضربات الجوية العسكرية أبنيةً دينية، ومدارس، ومستشفيات، ومناطق لجأ إليها أشخاص من النازحين داخليًا، ومن بينها مُخيم وأحد الأديرة. كما اتُهم أعضاء العملية 1027 بارتكاب انتهاكات، من بينها التجنيد القسري لمدنيين.

ففي يناير/كانون الثاني، أسفرت ضربات جوية عسكرية عن مقتل 17 مدنيًا، من بينهم تسعة أطفال، كانوا قد تجمعوا لحضور الصلاة في كنيسة في قرية كانان بمنطقة ساغينغ، قرب الحدود الغربية مع الهند.1

وفي 9 مايو/أيار، شنَّ جيش ميانمار هجومًا على دير في قرية آه كي بان با لون ببلدة ساو، في منطقة ماغواي وسط ميانمار. وقال شهود إنه بعد أول ضربتين جويتين، عادت الطائرة المقاتلة وأطلقت نيرانًا كثيفة على من كانوا يفرِّون من الانفجارات الأولى. وأدت الهجمات إلى مقتل 12 مدنيًا وإصابة 26 شخصًا. أما الدير الذي يُعتقد أنه يعود إلى حوالي 100 عام، فقد دُمِّر.2 وفي مايو/أيار أيضًا، داهم الجيش قرية بيانغ فيو، بالقرب من سيتوي عاصمة ولاية راخين، مستهدفًا مدنيين من جماعة راخين العِرقية، بسبب الاشتباه في انتمائهم إلى جيش أراكان. وقد قُتل ما لا يقل عن 50 شخصًا.

وفي 19 يونيو/حزيران، قُتل أحد كبار الشخصيات الدينية في الطائفة البوذية في ميانمار، ويُدعى بادانتا مونيندا بيفامسا (Bhaddanta Muninda Bhivamsa)، إثر إطلاق النار عليه أثناء سفره في سيارة في بلدة نغازون بمنطقة ماندالاي. وكان بيفامسا، البالغ من العمر 78 عامًا، رئيس دير ناينميتايون في منطقة باغو. وكان مسافرًا مع راهب آخر، أُصيب بجراحٍ بالإضافة إلى السائق. وفيما بعد، قالت بعض الروايات إن الجنود أطلقوا النار عليهم، بعدما حاولت سيارتهم تجاوز شاحنة عسكرية في إحدى مناطق النزاع.

وفي 5 أغسطس/آب، أدى هجوم بمسيَّرة وبقذائف الهاون على أفراد من الروهينغيا، كانوا يفرون من القتال في شمال ولاية راخين، إلى مقتل حوالي 200 من الرجال والنساء والأطفال، وهو أسوأ هجوم ضد الروهينغيا منذ عام 2017.3 ونسب أفراد في المجتمع المحلي المسؤولية إلى جيش أراكان، وهو أحد الجماعات الثلاث المشاركة في العملية 1027 ضد الجيش. وفي رد رسمي أُرسل إلى منظمة العفو الدولية، نفى هذا الادعاء.

وفي 5 سبتمبر/أيلول، نفَّذ الجيش ضربةً جويةً على مخيم للأشخاص النازحين داخليًا في بلدة بيكون بولاية شان جنوبي البلاد، أدت إلى مقتل حوالي ثمانية مدنيين، بينهم ستة أطفال. وقالت إحدى سكان المنطقة إنه لم يكن هناك قتال بالقرب من الموقع، ولم يكن هناك سوى “نساء وأطفال ما بيدهم حيلة” نزحوا من جراء النزاع المسلح.

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

شنَّ الجيش هجمات غير مشروعة على المدارس، وقتل وأصاب طلابًا ومدرسين في انتهاك للحق في التعليم ضمن حقوق أخرى. وبالرغم من أن تطوير نظام تعليمي في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة قد مكَّن الطلاب من مواصلة دراستهم، فقد أدت الهجمات العسكرية، واحتدام النزاع المسلح، إلى وضع مزيد من الضغوط على مقدمي التعليم. فقد اضطُر كثيرون إلى بناء ملاجئ للحماية من القنابل على أراضي المدارس، أو إعادة بناء المدارس بعد تعرُّضها للقصف، أو تحويلها إلى وحدات تعليمية متنقلة لتجنُّب استهدافها.

وفي 6 فبراير/شباط، أصابت ضربة جوية إحدى المدارس في قرية داو سي إي (Daw Sei Ei) بولاية كاريني، مما أدى إلى مقتل أربعة أطفال. وأدى قصف مخيم الأشخاص النازحين داخليًا في ولاية شان جنوبي البلاد، في 5 سبتمبر/أيلول، إلى قتل طلاب وتشريدهم. وبحلول نهاية العام، كان ما يزيد عن 750 طفلًا قد قُتلوا أو أُصيبوا في شتى أنحاء ميانمار.

وكان من شأن التعطيل الدائم للتعليم، والذي بدأ خلال الجائحة، أن يدفع كثيرين إلى ترك دراستهم. وخلَّف الانقلاب وما أعقبه أثرًا شديدًا على سُبل الحصول على التعليم في البلاد. فقد كان هناك ملايين لا يلتحقون بأي فصول دراسية في مدارس رسمية، وأفادت الأنباء أن أكثر من 13,000 مدرسة اضطُرت إلى الإغلاق بسبب النزاع المسلح. كما سحب بعض الأهالي أطفالهم من المدارس، وفرُّوا إلى تايلند خوفًا على سلامتهم.

الاعتقال التعسفي والمحاكمات الجائرة

استمر بلا هوادة لجوء الجيش إلى استخدام المحاكم لسحق المعارضة. واحتُجز أشخاص تعسفيًا بدون تهمة في مراكز التحقيق. وأُجريت محاكمات جماعية في جلسات مُغلقة، بدون أن تتوفر سُبل تُذكر للحصول على مساعدة قانونية، كما تزايد استخدام قوانين أقسى، مثل قوانين مكافحة الإرهاب.

فقد حُكم على ميو مينت أو (Myo Myint Oo)، وهو صحفي في موقع داوي ووتش ميديا (Dawei Watch)، بالسجن مدى الحياة بتهم تتعلق بمكافحة الإرهاب؛ كما أُدين زميله أونغ سان أو (Aung San Oo) وحُكم عليه بالسجن 20 سنة.

التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة

استمر الجيش في الاعتماد على مراكز التحقيق من أجل انتزاع اعترافات بالإكراه قبل توجيه التهم. ففي 9 أكتوبر/تشرين الأول، قُبض على ناشطين من مؤيدي الديمقراطية هما بينغ فيو مين (Paing Phyo Min) وشين واي أونغ (Shein Wai Aung)، وأُرسلا إلى مركز للتحقيق بعد المداهمات.4

وظلت الظروف مزريةً أثناء الاحتجاز، بما في ذلك ما يتعلق بالطعام والمساعدة الطبية. فقد اعتدى حراسٌ بالضرب على عشرات النساء اللاتي احتُجزن تعسفيًا في سجن دايك-يو (Daik-U)، في منطقة باغو بوسط ميانمار. وفي 19 أغسطس/آب، تُوفي المخرج السينمائي بي مونغ سين (Pe Maung Sein)، البالغ من العمر 50 عامًا، بعد ثلاثة أيام من الإفراج عنه من السجن، حيث ظلت الإصابات التي لحقت به خلال “التحقيق” بدون علاج ملائم طيلة عامين. وفي أكتوبر/تشرين الأول، تُوفي زاو مينت مونغ (Zaw Myint Maung)، البالغ من العمر 73 عامًا وكان يشغل منصب رئيس الوزراء المحلي السابق لمنطقة ماندالاي في ظل الحكومة المدنية التي أطاح بها الانقلاب، وذلك بعد أن أمضى في السجن حوالي أربع سنوات. وكان قد نُقل إلى مستشفى ماندالاي المركزي قبل وقت قصير من وفاته متأثرًا بمرض سرطان الدم.

مساءلة الشركات

وصلت شحنات جديدة من وقود الطائرات إلى ميانمار، بالرغم من الدعوات العالمية لحرمان جيش البلاد من الموارد التي يحتاجها لتنفيذ ضربات جوية غير مشروعة. وفي يناير/كانون الثاني، كشفت منظمة العفو الدولية النقاب عن أساليب المراوغة الجديدة التي اتبعها الجيش لاستيراد وقود الطائرات على مدار عام 2023، إثر العقوبات التي فُرضت على أجزاءٍ من سلاسل الإمداد.5 ودخلت البلاد شحنتان إضافيتان على الأقل من وقود الطائرات خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى يونيو/حزيران 2024.

وأدت التغيُّرات التي جرت مؤخرًا في طرق الإمداد إلى شراء وبيع الوقود عدة مراتٍ قبل وصوله إلى فيتنام ثم شحنه إلى ميانمار. وفي حالتين، قامت ناقلة نفط تملكها الصين بنقل كمياتٍ من وقود الطائرات من فيتنام إلى ميانمار. ويُحتمل أن تكون شحنة ثالثة قد وصلت، على ما يبدو، إلى ميانمار من الإمارات العربية المتحدة، في مايو/أيار. ولم يتضح كيف استُخدم الوقود بعد وصوله، ولكن سيطرة الجيش على الميناء أثارت مخاوف كبيرة من احتمال أن يكون قد استُخدم لأغراض غير مدنية.

وفي أبريل/نيسان، اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارًا بشأن ميانمار دعا لأول مرة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى الامتناع عن تصدير أو بيع أو نقل وقود الطائرات إلى جيش ميانمار. وفي أكتوبر/تشرين الأول، أقر الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا مزيدًا من العقوبات، التي استهدفت مُجتمعةً سُبل حصول جيش ميانمار على الأموال، والمعدات، والمواد، بما في ذلك وقود الطائرات.

كما أشار مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بوضع حقوق الإنسان في ميانمار بقلق إلى التغيُّر في نمط إمدادات الأسلحة إلى ميانمار من المنطقة، مع زيادة المشتريات من تايلند. ولُوحظ انخفاض كبير في المشتريات من كيانات في سنغافورة.

الانتهاكات على أيدي الجماعات المسلحة

كانت هناك ادعاءات متزايدة عن انتهاكاتٍ ارتكبتها جماعات مسلحة مُعارضة. قال لاجئون من الروهينغيا ممن فرُّوا من ميانمار، لمنظمة العفو الدولية، إن جيش أراكان حرق منازلهم، وطردهم من ديارهم، وقتل مدنيين، وسرق ممتلكاتهم. وقد نفى جيش أراكان ارتكاب انتهاكات خلال قتاله ضد الجيش، الذي نفَّذ حملة قصف مكثَّفة في ولاية راخين، التي تُعد معقل جيش أراكان. كما اتُهمت جماعات مسلحة من الروهينيغيا بتجنيد أطفال قسرًا. وفي أبريل/نيسان، قام جيش التحالف الوطني الديمقراطي في ميانمار، والذي يشكِّل مع جيش أراكان جزءًا من تحالف الأخوة الثلاثة الذي أطلق العملية 1027، بتنفيذ عمليات إعدام خارج نطاق القضاء لبعض أفراده.

ووثَّقت مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، بشكل منفصل، حالات قتل لمدنيين على أيدي جماعات أخرى مناهضة للجيش. ففي سبتمبر/أيلول، أفادت بأن النصف الأول من العام شهد 124 بلاغًا عن أعمال قتل استهدفت مسؤولين، وموظفين حكوميين، ومُخبري الجيش بالإضافة إلى أفراد من عائلاتهم.


  1. “Myanmar: Military air strikes that killed 17 civilians ‘must be investigated as war crimes’”, 8 February ↩︎
  2. “Myanmar: ‘Reckless’ shipments of jet fuel continue as air strikes multiply”, 8 July ↩︎
  3. “ميانمار: الهجمات الجديدة ضد الروهينغيا صدى مقلق لموجة العنف الجماعي لعام 2017″، 21 أغسطس/آب ↩︎
  4. “Myanmar: Two activists at grave risk of torture after arrests”, 10 October ↩︎
  5. “Myanmar: New data suggests military still importing fuel for deadly air strikes despite sanctions”, 31 January ↩︎