استعراض حالة حقوق الانسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعام 2018

نظرة عامة على المنطقة

يُعد مقتل متظاهرين فلسطينيين على أيدي القوات الإسرائيلية في غزة، ومقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل إحدى قنصليات المملكة العربية السعودية مثالاً ساطعاً على غياب المحاسبة في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي لجأت إلى استخدام القوة المميتة، وغير ذلك من أشكال العنف لقمع المعارضة.

وقد تزايدت حملة القمع على الجهات الفاعلة في المجتمع المدني والمعارضين السياسيين، بشكل كبير، في مصر وإيران والمملكة العربية السعودية. وفي هذه الدول جميعها، استُهدف عشرات من المدافعات عن حقوق الإنسان بسبب مناداتهن بحقوق المرأة، أو تظاهرهن احتجاجاً على العنف ضد المرأة، أو على التحرش الجنسي. وفي شتى أنحاء المنطقة، استخدمت السلطات الاحتجاز التعسفي والقوة المفرطة ضد المتظاهرين وإجراءات إدارية لفرض قيود على المجتمع المدني. وبالرغم من القمع، فقد شهد عام 2018، مثله مثل عام 2017، تطورات إيجابية محدودة على المستوى التشريعي والمؤسسي، فيما يتعلق بحقوق المرأة والعنف ضد المرأة. وكان من شأن بعض التطورات في لبنان وتونس أن تبعث بصيصاً من الأمل في بدء حدوث تغييرات في الوضع العام، الذي يتسم بتجريم العلاقات الجنسية بين أفراد من الجنس نفسه في مختلف أنحاء المنطقة. إلا إن السلطات في هاتين الدولتين، وفي دول أخرى، اعتقلت وحاكمت أشخاصاً بسبب ميولهم الجنسية الفعلية أو المفترضة. وانخفضت حدة الأعمال القتالية المسلحة في كل من العراق وسوريا. ونتيجة لذلك، قُتل عدد أقل من المدنيين، إلا إن كثيرين ظلوا يعانون آثار الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها جميع أطراف النزاعات في ليبيا وسوريا واليمن على وجه الخصوص، بما في ذلك جرائم الحرب، بالإضافة إلى الأوضاع الإنسانية المدمرة التي نشأت أو تفاقمت من جراء أفعال هذه الأطراف. وكانت هناك تطورات مهمة تهدف لمعالجة الانتهاكات التي وقعت في الماضي في كل من لبنان وتونس. وتعرضت أقليات عِرقية ودينية للاضطهاد من جانب الدول، وجماعات مسلحة، في عدة دول، من بينها الجزائر ومصر وإيران والعراق والمملكة العربية السعودية.

وكانت هناك بعض التطورات الإيجابية على المستوى التشريعي في المغرب وقطر والإمارات العربية المتحدة، وذلك فيما يتعلق بحقوق المهاجرين وعمال المنازل، ولكن العمال في هذه الدول وغيرها ظلوا يتعرضون للاستغلال وسوء المعاملة، كما كان المهاجرون من دول إفريقيا جنوب الصحراء، فضلاً عن اللاجئين وطالبي اللجوء، عرضةً لحملة قمع واسعة في دول المغرب. وكان من شأن القيود على الحصول على مياه الشرب والمياه اللازمة للاستخدامات المنزلية الأخرى في التجمعات المحلية المُهمَّشة، في إيران والعراق وتونس، أن تثير مخاوف بشأن التمييز، وأن تؤدي إلى تأجيج الاحتجاجات. وفي شتى أنحاء المنطقة، أدت الإجراءات الحكومية باسم الأمن إلى حالات من الاحتجاز التعسفي والمحاكمات الجائرة والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بالإضافة إلى إجراءات سحب الجنسية، وفرض الإقامة الجبرية، فيما يُعرف باسم “أوامر مراقبة الحدود”، وأدت، كما في حالة مصر، إلى استخدام أسلحة محظورة وإلى عمليات إعدام خارج نطاق القضاء. وكانت هناك بعض التطورات الإيجابية المحدودة فيما يتعلق بعقوبة الإعدام، ومع ذلك استمر إعدام عدد كبير من الأشخاص في مصر وإيران والعراق والمملكة العربية السعودية، وأُعدم كثيرون منهم بعد صدور الحكم عليهم إثر محاكمات جائرة. وما زالت الأزمة السياسية في الخليج، والتي بدأت في عام 2017، تؤثر على الحقوق الإنسانية لآلاف الأشخاص الذين يعيشون في مختلف أرجاء المنطقة، حيث أدت إلى تفريق عائلات، وإلى توقف أشخاص عن تلقي تعليمهم.

PDF التقرير الكامل بنسخة

لتحميل ملف: استعراض حالة حقوق الانسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعام 2018

قمع المعارضة

استخدام القوة المميتة وغيرها من أشكال العنف

كان هناك حدثان حظيا بتغطية إعلامية واسعة، وهما مقتل عشرات من المتظاهرين الفلسطينيين على أيدي القوات الإسرائيلية في قطاع غزة، ومقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية المملكة العربية السعودية في مدينة اسطنبول بتركيا، يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، ويُعتبر الحدثان مثالاً واضحاً على غياب المحاسبة في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تلجأ إلى استخدام القوة المميتة، وغير ذلك من أشكال العنف لقمع المعارضة. فوفقاً لما ذكرته منظمة محلية معنية بحقوق الإنسان، قُتل ما لا يقل عن 180 شخصاً، بينهم 35 طفلاً، خلال مظاهرات غزة، التي بدأت في مارس/آذار 2018، للمطالبة بحق اللاجئين في العودة إلى الأراضي التي شُردوا منها قبل 70 عاماً، وإنهاء الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة. وقد أدى الحدثان إلى الفحص والضغوط من أجل المحاسبة، ولكن ذلك لم يسفر عن إجراءات محددة لتحقيقها. ففي حالة الحدث الأول، شكَّل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لجنة تحقيق للنظر في أعمال القتل، والتي كان كثير منها غير مشروع، وكذلك النظر في الانتهاكات الأخرى. إلا إن السلطات الإسرائيلية رفضت، كما هو من عادتها، التعاون مع اللجنة، بينما تشير تجارب الماضي إلى أن أية تحقيقات محلية تتسم بأوجه قصور شديدة ولا تؤدي إلى تحقيق العدالة. وفي حالة الحدث الثاني، شكَّك مسؤولون كبار في الحكومات الغربية المتحالفة مع المملكة العربية السعودية في الرواية الرسمية المتقلبة للسلطات السعودية بشأن مقتل خاشقجي، كما أدلوا بتصريحات شددوا فيها على أهمية المحاسبة. غير أن هؤلاء المسؤولين تقاعسوا عن الاستجابة لدعوات المجتمع المدني من أجل إجراء تحقيق تقوم به الأمم المتحدة، وهو الإجراء الوحيد الذي قد يكون قادراً على كشف الحقيقة بشأن من أمر بتنفيذ عملية القتل، وذلك بالنظر إلى الادعاء القائل بأن ولي العهد في المملكة العربية السعودية كان ضالعاً في الجريمة وفي خضوع الجهاز القضائي بالمملكة لمشيئة القصر.

وفي سوريا، أفصحت الحكومة عن وفاة بعض الذين تعرضوا للاختفاء القسري خلال السنوات السابقة، وذلك بتحديث سجلات الحالة المدنية، ولكنها لم تسلم أهالي الضحايا رفات ذويهم المتوفين. وظل عشرات الآلاف من الأشخاص في عداد المختفين، وبينهم نشطاء سلميون ومعارضون للحكومة وعاملون في المجال الإنساني ومحامون وصحفيون.

وفي بلدان أخرى، استخدمت الدول القوة المفرطة لقمع المظاهرات. ففي إيران، حيث شارك عشرات الألوف من الرجال والنساء في مظاهرات على مدار العام احتجاجاً على الفقر والفساد والقمع والاستبداد، لجأت قوات الأمن إلى ضرب متظاهرين عُزل، وإلى استخدام الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه ضدهم، مما أسفر عن وقوع وفيات وإصابات. وفي العراق، قتلت قوات الأمن في مدينة البصرة ما يزيد عن 10 متظاهرين، كما أصابت مئات آخرين، عندما أطلقت الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع لتفريق سلسلة من المظاهرات المطالبة بفرص عمل، وبتحسين الخدمات العامة. وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، اعتدت قوات الأمن الفلسطينية بالضرب على متظاهرين كانوا يحتجون سلمياً على تصرفات السلطات في كل من الضفة والقطاع.

الاحتجاز التعسفي

تزايدت حملة القمع على الجهات الفاعلة في المجتمع المدني والمعارضين السياسيين بشكل كبير في ثلاث من أقوى دول المنطقة، وهي مصر وإيران والمملكة العربية السعودية. وكان من شأن الاعتقال التعسفي لعدد من النشطاء ومنتقدي الحكومة أن يؤثر بشكل سلبي على حرية التعبير في شتى أنحاء المنطقة. وكثيراً ما استخدمت السلطات قوانين مكافحة الإرهاب والقوانين المتعلقة بالأمن، بما في ذلك التشريعات الخاصة بجرائم الإنترنت، لتبرير عمليات القبض واقامة دعاوى.

ففي إيران، قبضت السلطات بشكل تعسفي على آلاف الأشخاص، معرضة مئات منهم لمحاكمات جائرة، ولأحكام بالسجن لمدد طويلة، وللتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة. وتعرض ما لا يقل عن 112 من المدافعات عن حقوق الإنسان للاعتقال أو المحاكمة أو استمرار سجنهن على أيدي السلطات، واستُهدف بعضهن على سبيل الانتقام بسبب أنشطتهن، بينما استُهدف البعض الآخر بسبب احتجاجهن سلمياً على ارتداء الحجاب الإلزامي، وهو أسلوب مسيء ومهين وينطوي على التمييز، بأن خلعن الحجاب علناً.

وفي مصر، قبضت السلطات بشكل تعسفي على ما لا يقل عن 113 شخصاً دونما سبب سوى تعبيرهم سلمياً عن آراء انتقادية، ومن بينهم كثير من الشخصيات السياسية البارزة الذين انتقدوا الرئيس علناً، أو سعوا للترشح ضده في الانتخابات الرئاسية. وقبضت السلطات على ما يزيد عن 30 من المدافعين عن حقوق الإنسان، وتعرض بعضهم للاختفاء القسري لفترات متباينة بلغ أقصاها 30 يوماً. وقُبض على سيدتين وأصدرت المحاكم أحكاماً بإدانتهما بعدما جاهرتا بالاحتجاج على التحرش الجنسي في مصر عبر صفحتيهما على موقع “فيسبوك”.

وفي المملكة العربية السعودية، تعرض عدد من منتقدي الحكومة والأكاديميين ورجال الدين والمدافعين عن حقوق الإنسان للمضايقة والاعتقال والمحاكمة على أيدي السلطات. ففي مايو/أيار 2018، شنَّت السلطات حملة اعتقالات شملت ما لا يقل عن ثمانٍ من المدافعات عن حقوق الإنسان، اللاتي سبق أن ناضلن ضد الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارات، وضد نظام ولاية الرجل. وبحلول نهاية العام، كان جميع المدافعين عن حقوق الإنسان السعوديين تقريباً إما رهن الاحتجاز أو يقضون أحكاماً بالسجن أو اضطُروا إلى الفرار من البلاد.

وفي بلاد المغرب العربي، لجأت السلطات الجزائرية والمغربية والتونسية جميعها إلى استخدام مواد في قانون العقوبات لاحتجاز ومحاكمة الصحفيين، بل وسجنهم في بعض الحالات. وفي منطقة الخليج، أبقت السلطات البحرينية والإماراتية على عدد من أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان في السجون بسبب تهم تتعلق بأحاديث وتصريحات أدلوا بها. وفي الكويت وعُمان، قُبض بشكل تعسفي على عدد من المتظاهرين ومنتقدي الحكومة، وحُوكم بعضهم. كما لجأت السلطات العراقية والأردنية واللبنانية والفلسطينية إلى اعتقال نشطاء وغيرهم، بشكل تعسفي، لأنهم جاهروا بانتقاد هذه السلطات أو شاركوا سلمياً في مظاهرات. واستخدمت السلطات الإسرائيلية مثل تلك الإجراءات لاستهداف النشطاء، بما في ذلك المدافعون عن حقوق الإنسان، الذين انتقدوا استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة.

تكميم الإعلام والجمعيات

بدأ في بعض بلدان المنطقة سريان قوانين جديدة تهدد حرية التعبير، أو حرية تكوين الجمعيات والانضمام إليها، أو حرية التجمع السلمي. فقد صدَّق الرئيس المصري على قانونين من شأنهما تكميم وسائل الإعلام المستقلة، حيث يمنحان سلطات الدولة سيطرة شبه كاملة على وسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية والمسموعة والمرئية. وأصدر الرئيس الفلسطيني عدة مراسيم تفرض قيوداً على حرية التعبير والتجمع السلمي، كما تحد من قدرة منظمات المجتمع المدني على العمل بحرية. وفي عُمان، نصَّ “قانون الجزاء” الجديد على تجريم الجمعيات أو التنظيمات التي “ترمي إلى مناهضة مبادئ الدولة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الأمنية”.

وحظرت السلطات المظاهرات ومنعت أنشطة المجتمع المدني أو التنظيمات السياسية في بلدان بشمال إفريقيا، وخاصة في الجزائر ومصر والمغرب، وكذلك في منطقة الخليج، وخاصة في البحرين والمملكة العربية السعودية. وفي بعض البلدان، مثل إيران والعراق والأردن، حظرت السلطات مواقع التواصل الاجتماعي أو أعاقت الاتصال بالإنترنت.

حقوق المرأة

استُهدفت عشرات من المدافعات عن حقوق الإنسان بسبب مناداتهن بحقوق المرأة، أو احتجاجهن على العنف ضد المرأة، أو على التحرش الجنسي، ولاسيما في مصر وإيران والمملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فقد شهد عام 2018، مثله مثل عام 2017، تطورات إيجابية محدودة على المستوى التشريعي والمؤسسي فيما يتعلق بحقوق المرأة والعنف ضد المرأة. وبالرغم من أن هذه التطورات لم تمثل تغييراً هائلاً، فقد كانت محصلة تشيد بنضال حركة حقوق المرأة طوال سنوات.

التغييرات التشريعية

في بلدان المغرب العربي، بدأ سريان قوانين تتضمن بنوداً لمكافحة العنف ضد المرأة. وألغت السلطات الفلسطينية بنداً قانونياً كان يجيز للمشتبه في ارتكابه جريمة الاغتصاب أن يفلت من المحاكمة والسجن إذا تزوج ضحيته. وكانت إجراءات مماثلة قد اتُخذت خلال عام 2017 في الأردن ولبنان وتونس، وكانت موضع ترحيب. وفي الأردن، أنشأت الحكومة دار إيواء للنساء المعرضات لخطر العنف الأسري بسبب ما يُعرف بقضايا “الشرف”. وجاءت هذه الخطوة بعد حملة طويلة الأمد قامت بها المنظمات الأردنية المعنية بحقوق المرأة.

وألغت المملكة العربية السعودية الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارات. وكانت هذه الخطوة بمثابة دليل على شجاعة المدافعات عن حقوق الإنسان، اللاتي دأبن طوال عقود على لفت أنظار وسائل الإعلام الدولية لذلك الحظر، وتعرضن للاضطهاد من جانب السلطات سواء قبل إلغاء الحظر، أو حتى بعد إلغائه في عام 2018، فيما يُعد مفارقة مريرة. وأعلنت الحكومة أن المرأة لم تعد بحاجة للحصول على إذن من ولي الأمر لكي تبدأ عملها التجاري الخاص، ولكن لم يتضح إذا كان هذا التعديل قد طُبق على أرض الواقع. وبشكل عام، ما زالت المرأة بحاجة إلى إذن من ولي الأمر للالتحاق بالتعليم العالي أو الحصول على وظيفة أو السفر أو الزواج.

وفي الأردن وقطر، اعتُمدت إجراءات تُجيز لأطفال المواطنة المتزوجة من أجنبي أن يحصلوا على إقامة دائمة، ولكن ما زال من غير الممكن أن يكتسبوا الجنسية.

التمييز الراسخ

ظل التمييز الراسخ ضد المرأة في القانون والممارسة العملية، وخاصة في مسائل الزواج والطلاق والميراث وحضانة الأطفال، من القضايا الكبرى في المنطقة. كما ظلت النساء والفتيات يفتقرن إلى الحماية المناسبة من العنف الجنسي وغيره من أشكال العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي. وكان وضع النساء والفتيات في مناطق النزاعات من الأمور التي تبعث على القلق بشكل خاص. ففي ليبيا، تقاعست السلطات عن حماية النساء من العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي على أيدي الميليشيات والمجموعات المسلحة. ونتيجةً لذلك، بالإضافة إلى حملات التشهير على مواقع التواصل الاجتماعي، اضطُرت نساء كثيرات إلى الانسحاب من المجال العام بشكل كامل. وفي اليمن، أدى النزاع الذي طال أمده إلى تفاقم التمييز ضد النساء والفتيات، وإلى تمتعهن بحماية أقل من العنف الجنسي وغيره من أشكال العنف، بما في ذلك الزواج بالإكراه.

حقوق “مجتمع الميم”

التطورات في لبنان وتونس

كان من شأن بعض التطورات في هذين البلدين أن تبعث بصيصاً من الأمل في بدء حدوث تغييرات في الوضع العام، الذي يتسم بتجريم العلاقات الجنسية بين أفراد من الجنس نفسه في مختلف أنحاء المنطقة. ففي لبنان، قضت محكمة استئناف جزائية بأن العلاقات الجنسية بالتراضي بين أفراد من الجنس نفسه لا تُعتبر جريمة جنائية. وفي تونس، قُدم إلى مجلس نواب الشعب (البرلمان) مشروع قانون ينصُّ ضمن ما ينصُّ على الغاء تجريم العلاقات الجنسية بين أفراد من الجنس نفسه.

الاضطهاد على أيدي سلطات الدولة

بالرغم من تلك التطورات، فقد واصلت السلطات في هاتين الدولتين، وفي دول أخرى، فرض قيود شديدة تحدُّ من تمتع أفراد “مجتمع الميم” بحقوقهم، سواء في القانون أو في الممارسة العملية. ففي لبنان، ذكرت الأنباء أن الشرطة ضايقت وآذت بعض أفراد “مجتمع الميم”، وخاصة في تجمعات اللاجئين والمهاجرين، واستخدمت أحياناً مادة في قانون العقوبات تجرِّم “المجامعة على خلاف الطبيعة”. وفي تونس، أفادت منظمة محلية غير حكومية بأن الشرطة قبضت على ما لا يقل عن 115 شخصاً فيما يتصل بميولهم الجنسية أو هويتهم النوعية المفترضة، وفيما بعد أُدين 38 منهم بتهم تتعلق بممارسة علاقات جنسية مثلية بالتراضي. كما أخضعت السلطات الأشخاص المتهمين بممارسة هذه العلاقات للفحوص الشرجية بالإكراه، فيما يُعد انتهاكاً لمبدأ حظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.

وفي مصر، قبضت السلطات على ما لا يقل عن 13 شخصاً بتهمة “ارتكاب فعل فاضح مخل بالحياء علناً” أو “اعتياد الفجور”، وذلك بسبب ميولهم الجنسية وهويتهم النوعية، الفعلية أو المُفترضة. وقبضت قوات الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية بشكل تعسفي على خمسة من نشطاء “مجتمع الميم”، وأساءت معاملتهم، وذلك وفقاً لما ذكرته منظمة محلية غير حكومية.

وفي عُمان، استمر تجريم العلاقات الجنسية بين أفراد من الجنس نفسه بموجب “قانون الجزاء” (قانون العقوبات) الجديد الصادر في عام 2018.

رجال يقفون إلى جانب الطريق ينتظرون فرص للعمل المؤقت في الرقة، سوريا، في 5 فبراير/شباط 2018. ينتهي الأمر بالعديد من العمال بإزالة حطام الأبنية المدمرة بشكل جزئي أو كلّي وهو عمل محفوف بالمخاطر حيث خلّف تنظيم الدولة الإسلامية المسلح الألغام التي كثيرًا ما تقتل و تجرح المدنيين © منظمة العفو الدولية
رجال يقفون إلى جانب الطريق ينتظرون فرص للعمل المؤقت في الرقة، سوريا، في 5 فبراير/شباط 2018. ينتهي الأمر بالعديد من العمال بإزالة حطام الأبنية المدمرة بشكل جزئي أو كلّي وهو عمل محفوف بالمخاطر حيث خلّف تنظيم الدولة الإسلامية المسلح الألغام التي كثيرًا ما تقتل و تجرح المدنيين © منظمة العفو الدولية

النزاع المسلح

انخفض عدد الأعمال القتالية المسلحة في العراق وسوريا. ونتيجة لذلك، قُتل عدد أقل من المدنيين، إلا إن كثيرين ظلوا يعانون آثار الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها جميع أطراف النزاعات في ليبيا وسوريا واليمن على وجه الخصوص، بما في ذلك جرائم الحرب، بالإضافة إلى الأوضاع الإنسانية المدمرة التي نشأت أو تفاقمت من جراء أفعال هذه الأطراف. وفي ليبيا، أدى حكم الميليشيات إلى اختلال عمل الجهاز القضائي. وفي قطاع غزة، أمكن احتواء صدام قصير بين إسرائيل وجماعات فلسطينية.

الأعمال القتالية المسلحة

في سوريا وليبيا واليمن، واصلت الأطراف المتعددة في النزاعات ارتكاب جرائم حرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني. وشنَّت قوات مسلحة، لديها قدرات جوية، ضربات جوية دون تمييز وهجمات مباشرة على مساكن مدنيين، وعلى مستشفيات ومنشآت طبية، واستخدمت في بعض الأحيان ذخائر عنقودية مُحرمة دولياً. وكان من بين هذه القوات: في ليبيا: “الجيش الوطني الليبي” المعلن من جانب واحد؛ وفي سوريا: القوات الحكومية السورية، المدعومة من روسيا، من جهة، وقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، من جهة أخرى؛ وفي اليمن: قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية. وشنَّت جماعات مسلحة بشكل تعسفي هجمات دون تمييز أسفرت عن مقتل مدنيين، وذلك عن طريق قصف أحياء سكنية، كما اختطفت عشرات المدنيين واحتجزتهم، وتعرض بعضهم للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة. وكان من بين هذه الجماعات: في ليبيا: عدد كبير من الميليشيات المتنافسة، التي أسفرت الاشتباكات فيما بينها عن مقتل وإصابة مئات المدنيين؛ وفي سوريا: جماعات المعارضة المسلحة، التي يتلقى بعضها دعماً عسكرياً من تركيا؛ وفي اليمن: قوات “الحوثيين” والقوات المتحالفة معها، بالإضافة إلى القوات اليمنية التي تدعمها الإمارات العربية المتحدة.

وفي سوريا، واصلت القوات الحكومية عمليات الحصار التي حرمت مئات الآلاف من الحصول على الرعاية الطبية وغيرها من السلع والخدمات الأساسية، وكذلك من تلقي المساعدات الإنسانية. وفي اليمن، واصلت قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية فرض قيود مفرطة على دخول السلع والمساعدات الأساسية، بينما أعاقت سلطات “الحوثيين” حركة قوافل الإغاثة داخل البلاد، مما أدى إلى تعميق الأزمة الإنسانية. ففي يونيو/حزيران، أفادت الأمم المتحدة أن حوالي نصف السكان، أي ما يُقدر بنحو 14 مليون نسمة، يتهددهم خطر المجاعة الوشيك، بينما يعصف وباء الكوليرا بالبلد بأسره.

النازحون داخلياً

في العراق، ظل حوالي مليوني شخص نازحين داخلياً. وعادةً ما كان أفراد بعض العائلات، التي يُعتقد أن لها صلات مع الجماعة المسلحة التي تطلق على نفسها اسم تنظيم “الدولة الإسلامية”، يُمنعون من العودة إلى ديارهم أو إلى أماكنهم الأصلية، وذلك نتيجة تهديدات من الجيران، ومن السلطات المحلية والعشائرية، ومن القوات العراقية. وقال بعض الذين تمكنوا من العودة إنهم تعرضوا للنزوح القسري وغيره من الانتهاكات. وتعرضت بعض العائلات، ولاسيما تلك التي تعولها نساء، لوصمة عار وعُوقبت بشكل جماعي بسبب علاقتها المُفترضة مع تنظيم “الدولة الإسلامية” لأسباب خارجة عن إرادتها. ففي مخيمات النازحين داخلياً، كان كثيرون يُحرمون من الحصول على الطعام والماء والرعاية الصحية. وتعرضت نساء، ممن يُفترض أن لهن علاقات مع تنظيم “الدولة الإسلامية”، للعنف الجنسي، وكان ذلك بشكل أساسي على أيدي عناصر مسلحة تنتمي لقوات الجيش وقوات الأمن في المخيمات.

وفي ليبيا، ظلت آلاف العائلات الليبية نازحة داخلياً. وحاولت عائلات من أهالي مدينة تاورغاء، الذين شُردوا داخلياً منذ عام 2011، العودة إلى المدينة عقب صدور مرسوم رسمي، ولكن جماعات مسلحة منعتهم من ذلك. وتعرض مخيم يأوي أكثر من 500 عائلة من أهالي تاورغاء لهجوم من إحدى الميليشيات، مما أسفر عن إخلاء قسري لنحو 1900 شخص من النازحين داخلياً.

وفي سوريا، كان هناك بحلول نهاية العام نحو 6,6 مليون شخص في عداد النازحين داخلياً منذ بدء الأزمة في عام 2011. وكان الآلاف يعيشون في مخيمات مؤقتة لا يتوفر فيها مستوى لائق للمعيشة. وعانت النساء، اللاتي قُتل أزواجهن أو آباؤهن أو أصبحوا في عداد المفقودين خلال النزاع، من عقبات جسيمة في استعادة ممتلكاتهن، حيث إن وثائق الملكية كثيراً ما تكون باسم أقاربهن الذكور. وفي الوقت نفسه، صدر قانون جديد يهدد حقوق من يعيشون في بعض المناطق العشوائية.

اللاجئون

شهد العام المنصرم تطورين إيجابيين محدودين فيما يتعلق باللاجئين السوريين في كل من لبنان، حيث أدى إجراء حكومي إلى تسهيل عملية تسجيل المواليد بالنسبة للاجئين، وفي الأردن، حيث أطلقت حملة رسمية لتسوية أوضاع أولئك الذين يعيشون بصفة غير رسمية في المناطق الحضرية. إلا إن هذين التطورين طغت عليهما طبيعة الحياة المحفوفة بالمخاطر، التي يعيشها اللاجئون وطالبو اللجوء السوريون، البالغ عددهم أكثر من خمسة ملايين. وواصلت السلطات في لبنان والأردن وتركيا، وهي البلدان التي تأوي معظم اللاجئين السوريين، منع دخول لاجئين جدد. وقالت السلطات في لبنان وتركيا إن أكثر من 300 ألف لاجئ قد عادوا إلى سوريا. وكان من شأن الأوضاع الإنسانية المزرية في البلدان المجاورة، والتي تفاقمت من جراء نقص المساعدات الإنسانية وعجز اللاجئين عن العثور على وظائف بالإضافة إلى العقبات الإدارية والمالية التي تعترض الحصول على تصاريح إقامة أو تجديدها، أن تدفع عدداً من اللاجئين إلى العودة. وكان عدد أماكن إعادة التوطين وغيرها من السبل الآمنة والقانونية المتاحة للاجئين، والتي عرضت توفيرها دولٌ غربية ودول أخرى، أقل بكثير من الاحتياجات التي حددتها “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”.

العدالة الانتقالية والمحاسبة

التطورات في لبنان وتونس

كانت هناك تطورات مهمة في كل من لبنان وتونس تهدف لمعالجة الانتهاكات التي وقعت في الماضي. فقد أقر مجلس النواب (البرلمان) اللبناني قانوناً يقضي بإنشاء هيئة وطنية للتحقيق في مصير ومكان آلاف الأشخاص المفقودين أو المخفيين قسراً خلال النزاع المسلح في لبنان بين عامي 1975 و1990. وكانت الجمعيات التي تمثل أهالي الضحايا المعنيين، بالتعاون مع منظمات شريكة، قد ناضلت من أجل تحقيق هذا الهدف طيلة ما يزيد عن ثلاثة عقود. وشهدت تونس تطوراً أساسياً يُعد بمثابة علامة بارزة في مسار عملية العدالة الانتقالية فيها. فقد انتهت “هيئة الحقيقة والكرامة” من عملها المتمثل في تقصي انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت في الماضي، وذلك بالرغم من محاولة من مجلس نواب الشعب (البرلمان) لإنهاء عملها قبل إتمامه. وحدد التقرير النهائي للهيئة أفراداً مسؤولين عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى الأسباب الكامنة وراء الانتهاكات الجسيمة، وقدم عدداً من التوصيات لضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات. وأحالت الهيئة 72 قضية للمحاكمة أمام دوائر جنائية متخصصة، ومن بينها قضايا تتعلق بحوادث اختفاء قسري ووفاة تحت وطأة التعذيب وقتل متظاهرين سلميين.

امرأة تنتظر الجلسة الأولى لمحاكمة أمام الدائرة الجنائية المتخصصة في قفصة في تونس، في 26 سبتمبر/أيلول 2018. وقد جرت المحاكمة بعد تحقيقات أجرتها هيئة الحقيقة والكرامة. © منظمة العفو الدولية / كالوم فرانسيس
امرأة تنتظر الجلسة الأولى لمحاكمة أمام الدائرة الجنائية المتخصصة في قفصة في تونس، في 26 سبتمبر/أيلول 2018. وقد جرت المحاكمة بعد تحقيقات أجرتها هيئة الحقيقة والكرامة. © منظمة العفو الدولية / كالوم فرانسيس

تفشي الإفلات من العقاب

بالرغم من تلك التطورات، فقد تفشى الإفلات من العقاب عن الانتهاكات التي وقعت في الماضي والانتهاكات الحالية في شتى أنحاء المنطقة. ويكفي للتدليل على ذلك إيراد مثال واحد ساطع سلَّطت منظمة العفو الدولية الضوء عليه من خلال عملها. فقد وافق عام 2018 ذكرى مرور 30 عاماً على تعرُّض آلاف السجناء من المعارضين السياسيين في إيران للاختفاء القسري ثم الإعدام سراً. وبالرغم من أن هذه الأفعال تُعد بمثابة جرائم مستمرة ضد الإنسانية، فقد أفلت المسؤولون عنها من قبضة العدالة، بل وتولى بعضهم مواقع مؤثرة، أو استمروا في مواقعهم المؤثرة، في الحكومة والجهاز القضائي في إيران.

الأقليات

الاضطهاد على أيدي سلطات الدولة

استمر تعرض أقليات عِرقية ودينية في المنطقة للاضطهاد على أيدي سلطات الدولة. ففي إيران، اعتُقل مئات من الآذريين (أتراك أذربيجان) وعرب الأحواز، وبينهم نشطاء يدافعون عن حقوق الأقليات، وذلك فيما يتصل بتجمعات ثقافية سلمية واحتجاجات سلمية. وفي المملكة العربية السعودية، طلبت النيابة العامة مراراً إعدام عدد من النشطاء الشيعة، الذين وُجهت إليهم اتهامات تتعلق بممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات والانضمام إليها، وحرية التجمع. وفي الجزائر، تعرض أفراد الطائفة الأحمدية، وهي أقلية دينية، لمضايقات على أيدي السلطات، التي أحالت عشرات منهم للمحاكمة أو التحقيق. كما أمرت السلطات بإغلاق ما لا يقل عن ثماني كنائس أو أماكن عبادة مسيحية أخرى. وفي مصر، استمرت الحكومة في فرض قيود على حق المسيحيين في العبادة، سواء في القانون أو الممارسة العملية. ولم تمنح السلطات الترخيص الكامل إلى لنحو 588 كنيسة من بين حوالي 3730 كنيسة ومبان ملحقة كانت قد تقدمت بطلبات للتسجيل بموجب قانون جديد يقتضي الحصول على موافقات من عدة جهات تابعة للدولة، من بينها أجهزة أمنية.

التطورات التشريعية

أقرَّت إسرائيل قانوناً جديداً نصَّ على توصيف دولة إسرائيل باعتبارها دولة للشعب اليهودي فقط، مما يؤكد وضع ما يقرب من ثلث السكان، أي الفلسطينيين من مواطني إسرائيل، باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية.

هجمات جماعة مسلحة

أعلن تنظيم “الدولة الإسلامية” مسؤوليته عن كثير من الانتهاكات، من بينها عمليات تفجير انتحارية وهجمات أخرى مميتة استهدفت الشيعة في العراق، الذين يشكلون أغلبية في هذا البلد، وإن كانوا أقلية في المنطقة عموماً، وكذلك عن هجمات على مسيحيين في مصر، مما أسفر عن مصرع وإصابة عشرات المدنيين.

العمل والهجرة

العمالة الأجنبية والمنزلية

كانت هناك بعض التطورات الإيجابية على المستوى التشريعي، في المغرب وقطر والإمارات العربية المتحدة، فيما يتعلق بالعمال والعاملات الأجانب وعمال وعاملات المنازل. ومع ذلك، ظل العمال والعاملات الأجانب يتعرضون للاستغلال في هذه الدول ودول أخرى، من بينها البحرين والأردن والكويت ولبنان وعُمان والمملكة العربية السعودية، وهو استغلال يعود في جانب كبير منه إلى نظم “الكفالة”، التي تحدُّ من قدرة العمال والعاملات على الخلاص من ظروف العمل التي تنطوي على انتهاكات.

وفي المغرب، أقر البرلمان قانوناً جديداً بشأن عاملات وعمال المنازل، نصَّ على حق عمال المنازل في الحصول على عقود مكتوبة، وفي وضع حد أقصى لساعات العمل، وفي ضمان الحصول على أيام إجازات، وفي الحصول على عطلات مدفوعة الأجر، وفي وضع حد أدنى للأجور. وبالرغم من هذه المكاسب، فإن القانون الجديد يوفر لعمال وعاملات المنازل قدراً أقل من الحماية مقارنةً بما تكفله “مدونة الشغل المغربية” (قانون العمل)، التي لا تشير إلى العمالة المنزلية.

وفي قطر، أُقر قانون جديد ألغى جزئياً شرط الحصول على إذن الخروج من البلاد، مما يتيح للغالبية العظمى من العمال والعاملات الأجانب الذين يشملهم قانون العمل بمغادرة البلاد بدون إذن من أصحاب أعمالهم. إلا إن القانون أبقى على بعض الاستثناءات، ومنها مثلاً أنه يحق لأصحاب الأعمال أن يطلبوا أذوناً للخروج لما لا يزيد عن خمسة بالمئة من العاملين/ات لديهم. ولا يزال الحصول على إذن الخروج شرطاً مطلوباً للعاملين/ات الذين لا يشملهم قانون العمل، بما في ذلك ما يزيد على 174 ألفاً من عمال وعاملات المنازل في قطر، بالإضافة إلى جميع العاملين في هيئات حكومية.

وفي الإمارات العربية المتحدة، أجرت السلطات عدة إصلاحات في مجال العمل يُحتمل أن تعود بالفائدة بوجه خاص على العمالة الأجانب، ومن بينها قرار بالسماح لبعض العمال والعاملات بالعمل لدى أكثر من صاحب عمل، وتنظيم عملية توظيف عمال وعاملات المنازل على نحو أكثر صرامة، واستحداث خدمة تأمينية منخفضة التكاليف تضمن حصول العمال والعاملات في القطاع الخاص على مستحقاتهم في حالة فقدان الوظيفة، أو تعثر صاحب العمل أو إفلاسه.

عاملات فيليبينيات يفحصن عيونهن في مركز لاصدار التأشيرات في العوير، على بعد 30 كم شرقي دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، في 1 أغسطس/آب 2018. © كامران جبريلي / أ.ب. / ريكس / شاترستوك
عاملات فيليبينيات يفحصن عيونهن في مركز لاصدار التأشيرات في العوير، على بعد 30 كم شرقي دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، في 1 أغسطس/آب 2018. © كامران جبريلي / أ.ب. / ريكس / شاترستوك

العمالة العابرة

شهدت بلاد المغرب حملة قمع استهدفت المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء من دول إفريقيا جنوب الصحراء. ففي الجزائر، تعرض آلاف من هؤلاء للاحتجاز التعسفي على أيدي السلطات، وللنقل قسراً إلى مناطق نائية في الجنوب، والإبعاد إلى دول مجاورة. فقد أفادت منظمات دولية ترصد الأوضاع هناك إلى أن ما يزيد عن 12 ألف شخص من مواطني النيجر، بالإضافة إلى ما يزيد عن 600 من بلدان إفريقيا الأخرى جنوب الصحراء، وبينهم مهاجرون شرعيون ولاجئون وطالبو لجوء، قد أُبعدوا دون مباشرة إجراءات إلى النيجر المجاورة. وفي المغرب، قُبض بشكل غير مشروع على آلاف من المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وبينهم أطفال ونساء حوامل، ثم نُقلوا إلى مناطق نائية في جنوب البلاد أو قرب الحدود مع الجزائر.

وظل الوضع سيئاً بالنسبة للاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين في ليبيا. وما زالت السلطات تحتجز بشكل غير قانوني اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين، وخاصة أولئك الذين تسللوا عبر البحر، في مراكز تسيطر عليها الميليشيات إلى حد كبير، رغم أنها مراكز رسمية. وكان اللاجئون وطالبو اللجوء والمهاجرون يُحتجزون في ظروف مروِّعة، ويُرغمون على العمل بالسخرة، ويتعرضون للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وكذلك لشتائم من جانب الحراس، وكثيراً ما كان ذلك للحصول على أموال من عائلاتهم مقابل الإفراج عنهم. كما تعرضت بعض النساء للاغتصاب.

حقوق العمال

شهدت عدة بلدان تقويض الحق في العمل وفي تنظيم نقابات عمالية. ففي إيران، نظَّم آلاف العمال مظاهرات وإضرابات سلمية احتجاجاً على عدم دفع الأجور، وتدني ظروف العمل، وغير ذلك من المظالم. واعتقلت السلطات مئات من المتظاهرين والمضربين السلميين، وحكمت على كثيرين منهم بأحكام بالسجن والجلد. واستمر الحظر المفروض على النقابات المستقلة. وفي مصر، فرَّقت السلطات بالقوة عدة إضرابات واحتجزت نقابيين لفترات طويلة رهن الحبس الاحتياطي السابق للمحاكمة، كما شطبت السلطات أسماء مئات من النقابيين المستقلين المجاهرين بآرائهم من قوائم الترشيح في انتخابات التشكيلات القيادية للنقابات المستقلة والرسمية على حد سواء.

الصحة والمياه والمرافق الصحية والسكن

المياه

كان من شأن القيود على الحصول على مياه الشرب والمياه اللازمة للاستخدامات المنزلية الأخرى في التجمعات المحلية المُهمَّشة في إيران والعراق وتونس أن تثير مخاوف بشأن التمييز وأن تؤدي إلى تأجيج الاحتجاجات. ففي إيران، تظاهر آلاف الأشخاص في محافظة خوزستان، وأغلب سكانها من عرب الأحواز الذين يشكلون أقلية في إيران، احتجاجاً على نقص المياه وسوء حالة المياه المتوفرة، بما في ذلك وجود مياه غير مُعالجة، مما أدى إلى إصابة نحو 350 شخصاً بعدوى أمراض في الأمعاء. وفي العراق، أفادت الأنباء أن عشرات الآلاف من سكان محافظة البصرة في جنوب البلاد قد أُصيبوا بتسمم استدعى علاجهم في مستشفيات، وذلك بسبب مياه الشرب الملوثة. وأدى ذلك إلى تأجيج الاحتجاجات ضد الفساد الحكومي وسوء الإدارة في مناطق الجنوب التي تعاني من الإهمال. وفي تونس، أدى نقص المياه وعدم كفاءة نظام توزيع المياه إلى انقطاع المياه بشكل متكرر في عدة مناطق، وهو ما أفضى إلى اندلاع احتجاجات.

الاحتلال والحصار

دخل الحصار غير القانوني الذي تفرضه إسرائيل جواً وبراً وبحراً على قطاع غزة عامه الحادي عشر، وهو الأمر الذي يقيِّد حركة دخول وخروج الأفراد والبضائع من القطاع، كما يُعتبر عقاباً جماعياً لسكان القطاع البالغ عددهم نحو مليوني نسمة. فعلى مدى معظم فترات العام، عانى قطاع غزة من نقص الوقود، مما أدى إلى عدم توفر الكهرباء إلا لمدة أربع ساعات يومياً كحد أقصى. وخفَّضت إسرائيل إلى مستوى غير مسبوق عدد التصاريح الطبية الممنوحة لأهالي غزة، والتي تتيح لهم دخول إسرائيل والضفة الغربية لتلقي العلاج. وأدى عدم منح تصاريح طبية إلى وفاة ما لا يقل عن ثمانية فلسطينيين، وذلك وفقاً لما ذكرته منظمة محلية غير حكومية. وتفاقم الوضع من جراء الإجراءات العقابية التي تفرضها السلطات الفلسطينية القائمة في الضفة الغربية، حيث خفَّضت الإعانات المقدمة من الكهرباء والمياه لقطاع غزة، كما فرضت قيوداً على دخول الأدوية إلى القطاع.

وفي الوقت نفسه، هدمت إسرائيل 148 من المنازل المملوكة لفلسطينيين في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. وجاء هدم 139 منها بسبب عدم وجود تراخيص، بينما هُدمت تسعة منازل لأسباب عقابية، وذلك وفقاً لما ذكرته منظمة محلية غير حكومية. ونتيجةً لذلك، أصبح 425 شخصاً، بينهم 191 طفلاً، بلا مأوى. وأقرَّت المحكمة العليا الإسرائيلية هدم قرية الخان الأحمر ونقل سكانها قسراً من أجل إفساح المجال لتوسيع مستوطنات إسرائيلية غير قانونية. وكان يعيش في القرية 180 من البدو، وكانت توجد بها مدرسة يدرس فيها 170 طفلاً من أهالي المنطقة.

الفلسطيني جهاد شوامرة يقف على حطام منزله الذي دمّره بنفسه،  كي لا يواجه احتمال دخول المستوطنين الإسرائيليين إليه بعد أن خسر ملكية أرضه في قضية في المحاكم الإسرائيلية في القدس الشرقية في بلدة بيت حنينا، 19 يوليو/تموز 2018. © رويترز / عمار عوض
الفلسطيني جهاد شوامرة يقف على حطام منزله الذي دمّره بنفسه، كي لا يواجه احتمال دخول المستوطنين الإسرائيليين إليه بعد أن خسر ملكية أرضه في قضية في المحاكم الإسرائيلية في القدس الشرقية في بلدة بيت حنينا، 19 يوليو/تموز 2018. © رويترز / عمار عوض

الأمن ومكافحة الإرهاب

أدت الإجراءات الحكومية بدعوى الأمن إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في شتى أنحاء المنطقة.

عمليات مكافحة الإرهاب في مصر

في مصر، قالت وزارة الداخلية إن أكثر من 164 شخصاً قُتلوا بالرصاص خلال حوادث تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن على مدار العام. ولم تحقق النيابة ولا أية جهة أخرى في هذه الوقائع، ولا في الادعاءات القائلة بأن كثيراً من الضحايا كانوا عُزلاً وفي حجز الشرطة قبل مقتلهم. وقد ظهرت بعض مقاطع الفيديو التي تبين أن القوات الجوية المصرية استخدمت الذخائر العنقودية، وهي مُحرمة بموجب القانون الدولي، خلال الحملة العسكرية في سيناء.

الاحتجاز التعسفي والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة والمحاكمات الجائرة

كثيراً ما سُجلت حالات احتجاز تعسفي وصدور أحكام قضائية إثر محاكمات جائرة في قضايا أمنية. فقد شهدت البحرين أول محاكمة عسكرية لمدنيين بموجب نظامها الجديد الذي يمنح المحاكم العسكرية ولاية قضائية على القضايا المتعلقة بالأمن القومي. وفي مصر، أصدرت المحاكم أحكاماً بالإعدام وأخرى بالسجن لمدد طويلة بعد محاكمات جماعية جائرة ومحاكمات عسكرية. وفي العراق، ظل في عداد المفقودين آلاف من الرجال والفتيان الذين قُبض عليهم بصورة تعسفية ثم اختفوا قسراً على أيدي قوات الحكومة المركزية العراقية والقوات الكردية، بينما كانوا يحاولون الفرار من المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” بين عامي 2014 و2018. واحتجزت السلطات الإسرائيلية، أو استمرت في احتجاز، آلاف من الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية المحتلة داخل سجون في إسرائيل، فيما يُعد انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني. وأفادت منظمة محلية غير حكومية بأن إسرائيل كانت تحتجز 480 فلسطينياً رهن الاحتجاز الإداري بحلول نهاية العام. وعادةً ما كانت ترد أنباء عن تعرض محتجزين بسبب دواعٍ أمنية للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة على أيدي القوات في تلك الدول وغيرها من دول المنطقة.

سحب الجنسية واجراءات مراقبة الحدود

فرضت السلطات في البحرين إجراء سحب الجنسية كعقوبة جنائية ضد من أُدينوا في قضايا تتعلق بالأمن القومي، حيث جرَّدت حوالي 300 شخص من جنسيتهم في عام 2018. وفي تونس، استخدمت السلطات أوامر الإقامة الجبرية، المعروفة باسم “اجراءات مراقبة الحدود”، لفرض قيود على الحق في حرية التنقل بالنسبة لآلاف الأشخاص. وكثيراً ما طُبقت هذه الإجراءات بشكل ينطوي على التمييز، استناداً إلى مظهر الشخص أو ممارسته الدينية أو إدانته جنائياً من قبل، وبدون تقديم أسباب لهذه الإجراءات أو الحصول على أمر قضائي بفرضها.  

عقوبة الإعدام

شهدت المنطقة بعض التطورات الإيجابية المحدودة فيما يتعلق بعقوبة الإعدام، سواء في القانون أو في الممارسة العملية. ومع ذلك، استمر إعدام أعداد كبيرة من الأشخاص في مصر وإيران والعراق والمملكة العربية السعودية، وأُعدم كثيرون منهم بعد صدور الحكم عليهم بالإعدام إثر محاكمات جائرة.

وانضمت دولة فلسطين إلى “البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، والذي يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام، وكانت بذلك أول دولة في المنطقة تنضم إلى هذا البروتوكول. ومع ذلك، لم تُتخذ أية إجراءات لترجمة هذا التعهد إلى واقع ملموس.

وصدر قانون جديد في المملكة العربية السعودية ينصُّ على أن يُعاقب الحدث الذي يرتكب جُرماً بالسجن لمدة لا تزيد عن عشر سنوات في قضايا الجرائم التي يُعاقب عليها بالإعدام. إلا إن القانون استبعد من هذا النص الجرائم التي يُعاقب عليها بالإعدام بموجب الشريعة الإسلامية. وبحلول نهاية العام، كان أربعة أحداث جناة على الأقل لا يزالون عرضةً لخطر الإعدام.

وفي إيران، انخفض عدد من أُعدموا لإدانتهم بجرائم تتعلق بالمخدرات، وذلك عقب تعديلات على قانون مكافحة المخدرات. ومع ذلك، واصلت المحاكم إصدار أحكام بالإعدام وغيره من العقوبات القاسية، مثل الجلد وبتر الأطراف وإفقاد البصر، ونُفذت إعدامات عديدة إثر محاكمات جائرة، ونُفذ بعضها علناً. كما أُعدم عدد من الجناة الأحداث.

ولم تُنفذ أية إعدامات خلال عام 2018 في البحرين والكويت، اللتين استأنفتا العمل بالعقوبة في عام 2017 بعد توقف دام عدة سنوات. ومع ذلك، استمر صدور أحكام بالإعدام في هذين البلدين، شأنهما شأن جميع البلدان الأخرى في المنطقة باستثناء إسرائيل.