قالت منظمة العفو الدولية اليوم، إنه على مدار الأيام الاثني عشر الماضية، شنت السلطات المصرية أكبر حملة قمع في ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، فاعتقل أكثر من 2300 شخص – من بينهم ما لا يقل عن 111 طفلاً. لقد قامت السلطات بعمليات اعتقال واسعة لمئات من المحتجين السلميين، كما قامت بالمزيد من عمليات الاعتقالات التعسفية المستهدفة لمحامين حقوقيين، وصحفيين، ونشطاء سياسيين، وسياسيين.
ويتم التحقيق مع الغالبية العظمى من المعتقلين كجزء من قضية واحدة. فإذا تمت إحالتهم إلى المحاكمة، فستكون أكبر قضية جنائية متعلقة بالتظاهر في تاريخ مصر.
وقالت نجية بونعيم، مديرة الحملات لشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “لقد دبرت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي هذه الحملة للقضاء على أدنى مؤشر للمعارضة، وإسكات صوت كل منتقد للحكومة. فموجة الاعتقالات الجماعية غير المسبوقة، التي شملت العديد من الذين لم يشاركوا حتى في الاحتجاجات، إنما تبعث برسالة واضحة مفادها – أن أي شخص يُتصور أنه يشكل تهديدًا لحكومة السيسي سيتم سحقه”.
“إن المشاركة في احتجاج سلمي ليست جريمة. فرد السلطات المصرية المروع على المظاهرات السلمية إنما يبرهن على ازدراءها التام لحقوق الإنسان، ويظهر استخفافاً صارخًا بالحق في الاحتجاج السلمي وحرية التعبير. ويجب على السلطات الإفراج فوراً ودون قيد أو شرط عن أي شخص محتجز لمجرد ممارسة حقه في حرية التجمع، أو حرية التعبير بصورة سلمية”.
ففي تحدٍ نادر للرئيس السيسي، وحكومته، اندلعت احتجاجات صغيرة في عدة مدن في جميع أنحاء مصر بدأت في 20 سبتمبر/أيلول. وقد سعت السلطات المصرية إلى منع الجولة الثانية من الاحتجاجات في 27 سبتمبر/أيلول بإغلاق أجزاء كبيرة من وسط القاهرة، والقيام بعمليات اعتقال جماعية.
وفي 26 سبتمبر/أيلول، ذكر بيان رسمي، صادر عن مكتب النائب العام المصري، أنه تم استجواب “أقل من 1000 شخص” فيما يتعلق بمشاركتهم السلمية في التظاهرات. وأكد أنه تم الاطلاع على حسابات المتهمين على وسائل التواصل الاجتماعي بحثاً عن أدلة على “التحريض على التظاهر“. وذكر البيان أن الدعوات للتظاهر المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي ستعتبر دليلاً على “جريمة” “التجمع غير المصرح به”.
قام محامو حقوق الإنسان الذين يعملون مع منظمات – من بينها المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمفوضية المصرية للحقوق والحريات – بتوثيق اعتقال ما لا يقل عن 2300 شخص حتى الآن. ووفقًا للمحامين، تم إطلاق سراح عشرات المحتجزين دون إجراء استجواب، لكن كثيرين آخرين ما زالوا يمثلون أمام النيابة.
وطبقاً لمركز بلادي للحقوق والحريات، هناك ما لا يقل عن 111 طفلاً، تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاماً، من بين المعتقلين، وتعرض العديد منهم للاختفاء القسري لفترات تتراوح بين يومين وعشرة أيام. ويواجه 69 شخصاً،على الأقل، تهماً تشمل “الانتماء إلى جماعة إرهابية” و “إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”، على الرغم من أن الكثير منهم لا يمتلكون حتى هواتف محمولة.
وقامت منظمة العفو الدولية بتوثيق اعتقال خمسة أطفال، ثلاثة منهم كانوا يشترون لوازم وملابس مدرسية، من وسط القاهرة في ذلك الوقت؛ وكان اثنان عائدين إلى المنزل من المدرسة، في السويس. وما زال والدا أسامة عبد الله لا يعرفان مكان ابنهما البالغ من العمر 16 عاماً. فمنذ اعتقاله في 21 سبتمبر/أيلول، لم يتمكن والداه من إعطائه دواءه، أو إبلاغ السلطات أنه من المقرر أن يُجرى له عملية جراحية طارئة. وقد اطلعت منظمة العفو الدولية على نسخ من تقريره الطبي.
كما تحققت منظمة العفو الدولية من شريط فيديو يظهر فيه “مخبرين” يرتدون ملابس مدنية وهم يضربون فتى يبلغ من العمر 17 عاماً، ويعتقلونه في وسط القاهرة.
ومُنع معظم الأطفال المعتقلين من الاتصال بعائلاتهم، واحتُجزوا مع البالغين في انتهاك للمعايير الدولية.
اعتقال محامين وصحفيين وسياسيين
وثقت منظمة العفو الدولية اعتقال 10 صحفيين، ومما يثير الدهشة أن معظمهم يعملون في وسائل الإعلام الموالية للحكومة، وخاصة في السويس والمحلة، وما لا يقل عن 25 من السياسيين والأكاديميين من أربعة أحزاب سياسية مختلفة. ومن بين هؤلاء خالد داوود، الصحفي والرئيس السابق لحزب الدستور الليبرالي، بالإضافة إلى أستاذي العلوم السياسية حسن نافعة وحازم حسني. ويواجه ما لا يقل عن عشرة أشخاص تحقيقات في تهم “تتعلق بالإرهاب”.
في صفعة شديدة لحق المتهمين في الحصول على دفاع قانوني، تم استهداف المحامين أيضاً باعتقال ما لا يقل عن أربعة أثناء قيامهم بعملهم، واعتقل ما مجموعه 16 محامياً.
ففي 29 سبتمبر/أيلول، دخل محامي حقوق الإنسان ومدير مركز عدالة للحقوق والحريات محمد الباقر إلى مبنى نيابة أمن الدولة العليا لتمثيل الناشط المحتجز علاء عبد الفتاح، ولكن تم اعتقاله بنفس التهم التي لا أساس لها الموجه لموكله. وتشمل هذه التهمة “الانضمام لجماعة محظورة” و”نشر أخبار كاذبة”. استجوبته النيابة بشأن عمل منظمته، ولم تقدم أي أدلة ضده باستثناء تقرير تحقيق جهاز الأمن الوطني، الذي لم يسمح له ولا لمحاميه بالاطلاع عليه.
تعتبر منظمة العفو الدولية محمد الباقر سجين رأي محتجز فقط بسبب عمله في الدفاع عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. وتطالب منظمة العفو الدولية بإطلاق سراحه فورا ودون قيد أو شرط.
وأضافت نجية بونعيم قائلة: “إن الطبيعة الواسعة النطاق والتعسفية للاعتقالات إنما هي مؤشر واضح على مدى شعور السلطات المصرية بالقلق إزاء احتمال اندلاع مزيد من الاحتجاجات”.
“فقد تعرض الناس من جميع مناحي الحياة للاعتداء. ويجب السماح للمحامين والسياسيين والصحفيين، وغيرهم، بالقيام بعملهم بحرية، والتعبير عن آرائهم، دون مواجهة أي أعمال انتقامية”.
كما اعتقل ما لا يقل عن سبعة مواطنين أجانب، وأجبروا على “الاعتراف”، امام الكاميرا، بالتآمر ضد مصر. وتم بث مقاطع الفيديو على قناة تلفزيونية خاصة. وتخشى منظمة العفو الدولية أن يكونوا قد أُرغموا على تجريم أنفسهم تحت الإكراه.
إعادة اعتقال سجناء سابقين
في خطوة تعد جائرة وغير قانونية بشكل خاص، لجأت السلطات المصرية أيضًا إلى إعادة اعتقال سجناء سابقين تحت مراقبة الشرطة – وفي بعض الحالات لم يكونوا بالقرب من التظاهرات أبداً.
فقد أعادت قوات الأمن اعتقال علاء عبد الفتاح، الناشط السياسي ومهندس البرمجيات الذي برز خلال انتفاضة 2011، في 29 سبتمبر/ أيلول، بينما كان يقضي فترة الحكم تحت المراقبة في قسم شرطة الدقي. وكان قد قضى سابقاً عقوبة السجن لمدة خمس سنوات ظلما لمشاركته في مظاهرة سلمية في 2013. كجزء من شروط مراقبة الشرطة، عند الإفراج عنه في مارس 2019، طُلب منه قضاء 12 ساعة كل ليلة في قسم الشرطة لمدة خمس سنوات. وعلى الرغم من أنه كان محتجزا ًفي وقت التظاهرات، تم اعتقاله بتهمة نشر أخبار كاذبة، والانضمام لجماعة محظورة
أما محمد إبراهيم، مؤسس المدونة المعروفة “أوكسجين مصر”، فقد أعيد اعتقاله أيضًا لنشره مقاطع فيديو عن التظاهرات الأخيرة، بينما كان يقضي فترة المراقبة في أحد أقسام الشرطة بالقاهرة في 21 سبتمبر/أيلول.
وتدعو منظمة العفو الدولية السلطات المصرية إلى وضع حد لاستخدام إجراءات المراقبة ضد نشطاء سلميين لمعاقبتهم على ممارستهم لحقهم في حرية التعبير، وحرية التجمع السلمي.
عمليات توقيف وبحث عشوائية
لمنع وقوع المزيد من التظاهرات في 27 سبتمبر / أيلول، أنشأت الشرطة عدة نقاط تفتيش غير رسمية في وسط القاهرة والإسكندرية، حيث أوقف “المخبرون”، ورجال الشرطة بملابس مدنية، الأفراد عشوائياً، وأمروهم بتسليم هواتفهم المحمولة لفحص حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، مما أدى، في بعض الحالات، إلى اعتقالهم. كما أجرت السلطات عمليات تفتيش للعديد من المنازل في وسط القاهرة، دون أمر قضائي.
وفي إحدى الحالات، تم اعتقال شخص لمجرد تنزيله تطبيق أخبار، معروف بنشر مقالات تنتقد السلطات، على هاتفه. ولا تعتبر عمليات البحث العشوائية هذه انتهاكًا صارخًا لحق الفرد في الخصوصية بموجب دستور مصر نفسه فحسب؛ بل أيضًا بموجب معاهدات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية التي تعدّ مصر طرفًا فيها.
تحقيقات تتسم بالعيوب البالغة
كما وجد بحث منظمة العفو الدولية وجود عيوب بالغة في التحقيقات التي أجريت مع المعتقلين، وتجاهل صارخ للإجراءات القانونية الواجب اتباعها.
وتعتبر الغالبية العظمى من الاعتقالات تعسفية لأنها تستند إلى فعل الاحتجاج السلمي، أو المشاركة في الدعوة للقيام بالاحتجاج. كما أن التهم الموجهة للمعتقلين ترجع فقط إلى ممارستهم السلمية لحقهم في التجمع، وتستند إلى قوانين التجمع العتيقة في مصر، التي تجرم التجمع غير المصرح به، أو أحكام قانون العقوبات التي تجرم التعبير المشروع عن الرأي.
وفقًا للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فقد تم اعتقال ما لا يقل عن 2285 شخصاً، على ذمة التحقيقات كجزء من ست قضايا منفصلة. وتندرج الغالبية العظمى للمعتقلين (2268) في القضية رقم 1338/2019، ويواجهون تهم “مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها“، و”نشر أخبار كاذبة”، و”إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي” و”المشاركة في تظاهرة بدون ترخيص“. وأمرت السلطات باحتجازهم على ذمة التحقيقات، بغض النظر عن ظروفهم الفردية.
وقد اعتُقل كثيرون في البداية في معسكرات قوات الأمن المركزي ومنعوا من الاتصال بذويهم أو محاميهم. كما رفضت السلطات الكشف رسمياً عن مكان وجود العديد من المعتقلين.
واحتُجز العديد من المعتقلين لعدة أيام قبل أن يتم استجوابهم في نهاية المطاف، في غياب محاميهم، مما يعتبر انتهاكًا لحقوقهم القانونية. ففي العديد من الحالات، تم استجواب مجموعات كبيرة في نفس الوقت، مما أسفر عن توجيه التهم نفسها إلى المئات من نفس المجموعة، وأمر احتجازهم احتياطياً بشكل جماعي، في نفس الوقت. وهذه الممارسات تنتهك قوانين مصر وتعهداتها والتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان.
وتدعو منظمة العفو الدولية السلطات إلى الكشف عن مكان جميع المعتقلين حالياً، وضمان اتصالهم بالمحامين، وذويهم، وتقديم الرعاية الطبية لهم إذا كانوا يحتاجون لها.
رد فعل عنيف ضد منظمات حقوق الإنسان
منذ اندلاع التظاهرات، حاول الرئيس والنائب العام، والهيئة العامة للاستعلامات، والعديد من منصات وسائط الإعلام الموالية للحكومة تشويه سمعة المتظاهرين والسياسيين بوصفهم بأنهم “إسلاميون” أو “إرهابيون”.
كما نددوا بتصريحات عدد من منظمات حقوق الإنسان المصرية والدولية، من بينها منظمة العفو الدولية، ووصفوها بأنها “مسيسة”، وأنكروا تمامًا أنهم ينتهكون حقوق مئات المصريين. وصرح مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف أيضًا بأن المركز قد تعرض للمضايقة من قبل قوات الأمن خلال الأسبوع الماضي.
واختتمت نجية بو نعيم قائلة: “فبدلاً من قضاء الوقت في محاولة التستر على انتهاك حقوقهم الإنسانية، من خلال مهاجمة منظمات حقوق الإنسان التي تسلط الضوء على الانتهاكات، يجب على السلطات المصرية التركيز على إنهاء موجة الاعتقالات التعسفية الجماعية، والإفراج عن جميع المعتقلين بسبب ممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير، وحرية التجمع”.
لمزيد من المعلومات أو ترتيب مقابلة، يُرجى الاتصال بـ:
القسم الإعلامي لمنظمة العفو الدولية، المديرة الإعلامية لمكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لندن: [email protected] أو إرسال بريد إلكتروني خارج أوقات الدوام إلى: [email protected] أو الاتصال على الهاتف: +44 (0) 203 036 5566