تثبتت منظمة العفو الدولية،من خلال أدلة جديدة، من أن التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية قد أطلق مؤخرًا صواريخ برازيلية الصنع تحتوي ذخائر عنقودية محظورة في قصفه لثلاث مناطق سكنية وأراض زراعية محيطة بوسط مدينة صعدة، ما أدى إلى جرح مدنيين اثنين والتسبب بأضرار مادية
وفي تعليق لها على مواصلة التحالف استعمال الذخائر العنقودية، قالت لين معلوف، مديرة قسم البحوث في المكتب الإقليمي لمنظمة العفو الدولية في بيروت، إن “التحالف الذي تقوده السعودية يحاول عبثاً تبرير استعماله الذخائر العنقودية بالادعاء أن ذلك يتوافق مع القانون الدولي، على الرغم من الأدلة الملموسة على الكلفة الإنسانية في صفوف المدنيين الذين يحاصرهم النزاع.
“إن الذخائر العنقودية أسلحة غير تمييزية، بحكم طبيعتها، وتلحق أذى لا يمكن تصوره بحياة المدنيين. واستعمال مثل هذه الأسلحة محظور بموجب القانون الانساني الدولي العرفي تحت كل الظروف. وفي ضوء الأدلة المتزايدة باطراد، بات مُلحاً اليوم أكثر من أي وقت مضى أن تنضم البرازيل إلى ’ الاتفاقية الدولية بشأن الذخائر العنقودية‘، وأن تتوقف المملكة العربية السعودية والدول الأعضاء في التحالف عن استعمال أية ذخائر عنقودية”.
إن الذخائر العنقودية أسلحة غير تمييزية، بحكم طبيعتها، وتلحق أذى لا يمكن تصوره بحياة المدنيين
لين معلوف، مديرة قسم البحوث في المكتب الإقليمي لمنظمة العفو الدولية في بيروت
وقد قابلت منظمة العفو الدولية، عقب الهجمات الصاروخية، ثمانية من الأشخاص المقيمين في المواقع التي تعرضت للقصف، بمن فيهم شاهدا عيان-أحدهما امرأة أصيبت في الهجوم. كما تحدثت المنظمة إلى أحد النشطاء المحليين، وقامت بتحليل صور فوتوغرافية وأشرطة فيديو لآثار القصف قدمها “المركز اليمني التنفيذي للتعامل مع الألغام”، وهو مرصد وطني لمراقبة استعمال الذخائر قام بفحص الموقع خلال 30 دقيقة من الهجوم.
حيث أكد العاملون في المركز على استعمال الطراز نفسه من الذخائر العنقودية في هجوم منفصل، وقع في أواخر يناير/كانون الثاني، بمديرية العبدين، على بعد خمسة كيلومترات إلى الجنوب من مدينة صعدة.
الأحياء المتضررة
طبقاً لأقوال شهود العيان والسكان المحليين، ضربت الصواريخ مناطق قٌحزة والضباط والروضة السكنية، وأدى القصف إلى سقوط ذخائر صغيرة على البيوت في المعلّا وأحفاد بلال، وكذلك على المقبرتين، الجديدة والقديمة، في وسط المدينة، وعلى المزارع المجاورة.
ووصفت لطيفة أحمد مسعد، البالغة من العمر 22 سنة، الهجوم على أحفاد بلال، الذي وقع بينما كانت نائمة في منزلها، حيث كانت مع زوجها، طلال الشهري، وطفلها البالغ من العمر ثلاثة أشهر، حسن، وطفلها البالغ من العمر ثلاث سنوات، حسين:
“دخلت القنبلة البيت، واخترقت سقف غرفة النوم. هناك ثقب كبير مستدير في السقف. وفي ذلك الحين، سمعنا صوت انفجار كبير وبعد ذلك بثوان، انفجرت القنبلة في الغرفة وأُصبنا. وانفجرت ثلاث قنابل خارج البيت مباشرة… لم يلحق أي أذى بالطفلين ولكنهما أصيبا بالصدمة… وأصيبت قدم زوجي جراء إصابته بشظية. وأصيبت قدمي اليسرى وذهبنا إلى مستشفى السلام مباشرة تلك الليلة”.
انفجرت القنبلة في الغرفة وأُصبنا. وانفجرت ثلاث قنابل خارج البيت مباشرة… وأصيبت قدم زوجي جراء إصابته بشظية. وأصيبت قدمي اليسرى
لطيفة أحمد مسعد
وكانت العائلة قد فرت لمسافة 78 كيلومتراً إلى مدينة صعدة قبل أربعة أشهر عقب قصف منزلهم في باقم، على بعد 12 كيلومتراً إلى الجنوب من الحدود مع المملكة العربية السعودية:
“أُجبرنا على ترك بيتنا في باقم عندما قصف. سقطت القنبلة في غرفة المعيشة مباشرة ودمرت المنزل. واضطر الجميع إلى مغادرة المنطقة. حيث كان القصف مستمراً. غادرنا بعد شهرين أو ثلاثة من قصف منزلنا… أتينا إلى صعدة سيراً على الأقدام. مشينا 20 كيلومتراً وكنت حاملاً في شهري السادس في حينه، ثم التقطتنا سيارة ونقلتنا إلى مدينة صعدة”.
ووصف أحد المقيمين في المعلا، وهي إحدى المناطق التي تضررت من الهجوم الأخير، لمنظمة العفو الدولية، سماعه انفجاراً مدوياً على النحو التالي:
“سمعت صوتاً قوياً جدًا. وبعد ذلك مباشرة، سمعت أصواتاً شديدة للغاية، وكأن شيئاً كان ينتشر. كان ذلك سريعاً جداً واستمر فترة 20 إلى 30 ثانية”.
وتحدث رئيس الفريق 12 التابع “للمركز اليمني التنفيذي للتعامل مع الألغام”، يحيى رزق، لمنظمة العفو الدولية، عن زيارة فريقه لحيي الروضة وأحفاد بلال:
“وجدنا حاوية ]ناقلة[ واحدة وقنبلة صغيرةغير منفجرة في الروضة. والروضة منطقة مكتظة بالسكان اخترقت فيها القنابل]الذخائر الصغيرة[ سقفي منزلين. حيث اخترقت إحداها السقف وجرحت رجلاً وزوجته في أحفاد بلال-عندما دخلت غرفة نومهما قريباً من الساعة 11 مساء. ونقلا إلى المستشفى في الليلة نفسها. لكن معظم الأضرار لحقت بالممتلكات والبيوت والسيارات. ولاحظنا وجود 12 ثقباً جراء سقوط القذائف في الروضة، بالقرب من مزارع الفواكه. وكذلك 12- 13 موقعاً تأثرت بالقصف في أحفاد بلال. ووجدنا قنبلة صغيرة غير منفجرة في الروضة سقطت من شجرة واستقرت في التربة تحتها، وقمنا بتصويرها”.
وأكد أعضاء فريق المركز كذلك أنهم قاموا بمسح للمناطق السكنية في قُحزة، ذات الكثافة السكانية العالية، حيث لاحظوا وجود ثقوب ناجمة عن القذائف وأضراراً لحقت بالمنازل. وقال يحيى رزق: “سقطت القنابل [الذخائر الصغيرة] على شرفات المنازل وبين البيوت. وجميعها انفجرت، غير أنها لم تلحق إصابات بالأشخاص. ولكن كانت النوافذ جميعها محطمة ولحقت أضرار بما يصل إلى 30 سيارة”.
واستناداً إلى وصف فريق “المركز اليمني التنفيذي للتعامل مع الألغام”، وعقب تفحص الصور وأشرطة الفيديو في أعقاب الهجوم، بما في ذلك صور العبوات وقنبلة صغيرة لم تنفجر، فقد أصبح بإمكان منظمة العفو الدولية تحديد نوع الذخيرة المستخدمة بعد تفحص بقاياها بأنها صاروخ أرض- أرض من طراز آستورس 2 “ASTROS II”.
و”آستورس 2″ هو منظومة صاروخية متعددة سبطانات الإطلاق تصنعها شركة “أفيبراس” البرازيلية. وهي قادرة على إطلاق صواريخ متعددة متتالية وبسرعة، حيث يحتوي كل صاروخ على 65 ذخيرة صغيرة ويصل مداه إلى 80 كيلومتراً، تبعاً لنوع الصاروخ. وتصف العروض التسويقية للشركة هذه المنظومة بأنها “قادرة على إطلاق صواريخ طويلة المدى، ومصممة كمنظومة أسلحة استراتيجية ذات قدرة ردعية عظيمة“.
أدلة متعاظمة
قامت منظمة العفو الدولية بتوثيق أول استخدام معروف لهذه الأنواع من الذخائر العنقودية في اليمن في 27 أكتوبر/تشرين الأول ضد منطقة أحمى، إلى الشمال من مدينة صعدة، حيث جرح ما لا يقل عن أربعة أشخاص، بينهم طفلة عمرها أربع سنوات.
وفي مايو/أيار 2016، عثرت منظمة العفو الدولية على مزيد من الأدلة على النوع نفسه من الذخائر العنقودية في قرى بمحافظة حجة، على بعد 30 كيلومتراً عن الحدود مع السعودية. وحتى وقت قريب، في ديسمبر/كانون الأول 2016، قامت منظمة “هيومان رايتس ووتش” أيضاً بتوثيق استخدام الذخائر العنقودية البرازيلية الصنع في مدينة صعدة.
وقد قامت منظمة العفو الدولية و”هيومان رايتس ووتش”، حتى الآن، بتوثيق سبعة أنواع من الذخائر العنقودية التي تقذف من الجو، ومن منصات أرضية المصنوعة في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والبرازيل. وقد اعترف التحالف باستعمال ذخائر عنقودية، مصنوعة في المملكة المتحدةوالولايات المتحدة، في هجماته التي شنها في اليمن.
واختتمت لين معلوف تعليقها قائلة: “كم عدد المدنيين الذين ينبغي أن يقتلوا أو يصابوا، أو يروا ممتلكاتهم تُدمّر، جراء استعمال هذه الأسلحة المحظورة دولياً، قبل أن يدين المجتمع الدولي استعمال التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية الذخائر العنقودية، ويمارس الضغوط على أعضاء التحالف كي ينضموا على الفور إلى’الاتفاقية الدولية بشأن الذخائر العنقودية‘؟”.
خلفية
تحتوي الذخائر العنقودية على ما بين عشرات ومئات الذخائر الصغيرة، التي تنفجر في الهواء وتنتشر بصورة عشوائية على منطقة واسعة تصل مساحتها إلى مئات الأمتار المربعة. ويمكن أن يتم إسقاطها أو إطلاقها من طائرة، أو إطلاقها، كما هو الحال هنا، عن طريق صواريخ أرض-أرض.
وتتصف القنابل العنقودية الصغيرة بأنها ذات معدل مرتفع من حيث “فشل الانفجار”-ما يعني أن نسبة عالية منها لا تنفجر لدى ارتطامها، وتصبح من الناحية الفعلية ألغاماً أرضية تتهدد المدنيين لسنوات عقب استعمالها. واستعمال الذخائر العنقودية وإنتاجها وبيعها ونقلها محظورة بموجب “الاتفاقية بشأن الذخائر العنقودية لسنة 2008″، التي يصل عدد الدول الأطراف فيها إلى نحو 100 دولة.
في 19 ديسمبر/كانون الأول 2016، أوردت “وكالة الأنباء السعودية” الحكومية أن الحكومة السعودية سوف توقف استعمال الذخائر العنقودية المصنوعة في المملكة المتحدة، من طراز “BL-755″، ولكنها ادعت بأن “القانون الدولي لا يحظر استعمال الذخائر العنقودية”، وبأنه بينما انضمت بعض الدول إلى “اتفاقية الذخائر العنقودية”، لتصبح دولاً أطرافاً فيها، إلا أنه “لا المملكة العربية السعودية ولا شركاؤها في التحالف دولاً أطرافاً” في الاتفاقية. وادعت، فوق ذلك، بأن الذخائر العنقودية المصنوعة في المملكة المتحدة التي استعملها التحالف قد استخدمت ضد “أهداف عسكرية مشروعة”، وأن الذخائر العنقودية “لم تستعمل في مراكز سكانية مدنية”، وكذلك أن التحالف “تقيد بالكامل بمبدأي التمييز والتناسب للقانون الدولي الإنساني”.
وبينما تدرك منظمة العفو الدولية وجود هدف عسكري، هو قاعدة “كهلان” العسكرية، على بعد 3 كيلومترات إلى الشمال الشرقي من صعدة، إلا أن مجرد وجود هدف عسكري لا يبرر بحد ذاته استعمال ذخائر عنقودية محظورة دولياً-ولا يبرر بصورة خاصة استعمالها لقصف أحياء مأهولة بالسكان المدنيين. ومع أن البرازيل واليمن والمملكة العربية السعودية والدول الأعضاء في التحالف الذي تقوده السعودية، المشاركة في النزاع، ليست أطرافاً في الاتفاقية، إلا أنه يتعين عليها، بمقتضى القانوني الدولي العرفي، عدم استعمال الأسلحة العشوائية بطبيعتها، التي تمثل في كل الأحوال تهديداً للمدنيين. وتنطبق القاعدة العرفية التي تحظر استعمال الأسلحة التي لا تميز بطبيعتها على استعمالها تحت جميع الظروف، بما في ذلك عندما يكون القصد من استعمالها قصف هدف عسكري.
وطبقاً لمنظمة “مرصد الألغام الأرضية والذخائر العنقودية“، فقد باعت شركة “أفيبراس” هذا النوع من الذخائر العنقودية إلى المملكة العربية السعودية فيما سبق، وقامت “هيومان رايتس ووتش” بتوثيق استعمالها من قبل القوات السعودية في الخفجي، في 1991.