قالت منظمة العفو الدولية اليوم أنه يظهر أن قوات التحالف الذي تقوده السعودية قد استخدمت تشكيلة برازيلية الصنع من الذخائر العنقودية المحظورة دولياً في إحدى هجماتها على حي سكني في منطقة أحمى في صعدة شمال اليمن خلال الأسبوع الحالي، ما أوقع أربعة جرحى وخلف ذخائر عنقودية ثانوية خطرة ملقاة في الأراضي الزراعية المحيطة.
وأجرت المنظمة مقابلاتٍ مع عدد من سكان المنطقة بما في ذلك اثنين من الضحايا وطاقم الفريق الطبي المعالج وأحد شهود العيان وناشط محلي زار الموقع بعد وقت قصير من وقوع الهجوم. وتحمل الذخائر الثانوية غير المنفجرة “الفاشلة” التي التُقطت صورها في موقع الهجوم أوجه شبه كثيرة مع القنابل العنقودية برازيلية الصنع التي عُرف عن السعودية استخدمها لها في الماضي.
وبهذه المناسبة، قال مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، فيليب لوثر: “نظراً لكون الذخائر العنقودية أسلحة عشوائية الطابع بحكم تصميمها، فيحظر القانون الإنساني الدولي العرفي استخدامها. وعليه فلقد حظرت نحو 100 دولة إنتاج هذا النوع من الذخائر أو تخزينه أو نقله أو استخدامه، اعترافاً منها بطبيعة الأذى الفريد من نوعه والأثر الدائم الذي يترتب على استخدام هذه الذخائر”.
وأضاف لوثر قائلاً: “علاوة على تسببها بمقتل المدنيين أو إصابتهم عقب استخدامها، تفشل الكثير من الذخائر العنقودية الثانوية في الانفجار لحظة ارتطامها بالهدف، ما يجعلها تشكل خطراً داهماً على حياة من يصادف لمسهم لها أو تعثرهم بها على مدار سنوات لاحقة. ويتعين على قوات التحالف بقيادة السعودية أن تتوقف فوراً عن استخدام هذه الذخائر، وعلى جميع الأطراف إعلان تعهدهم بعدم نشر واستخدام الذخائر العنقودية والموافقة على الانضمام للاتفاقية الدولية بشأن الذخائر العنقودية”.
نظراً لكون الذخائر العنقودية أسلحة عشوائية الطابع بحكم تصميمها، فيحظر القانون الإنساني الدولي العرفي استخدامها. وعليه فلقد حظرت نحو 100 دولة إنتاج هذا النوع من الذخائر أو تخزينه أو نقله أو استخدامه، اعترافاً منها بطبيعة الأذى الفريد من نوعه والأثر الدائم الذي يترتب على استخدام هذه الذخائر.
فيليب لوثر، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية
إفادات شهود العيان
وقع الهجوم باستخدام الذخائر العنقودية في ظهيرة يوم 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2015 واستهدف أحد الأحياء السكنية في أحمى التي تقع على بعد نحو 10 كم إلى الشمال الغربي من الطلح في مديرية سحار وعلى مقربة من مدينة صعدة. وتقع أحمى على بعد نحو 40 كم إلى الجنوب من الحدود مع المملكة العربية السعودية.
وقام ناشط محلي بزيارة موقع الهجوم بعد ساعات من وقوعه، وعثر على ثلاث ذخائر ثانوية غير منفجرة ملقاة على مسافة حوالي 20 متراً من بعضها البعض، حيث عثر على إحداها في حقل زراعي تابع لإحدى المزارع، وعثر على الثانية على مقربة من مشتل لزراعة الخضار، فيما وجد الثالثة ملقاة بجانب أحد المساجد. ويبعد أقرب هدف عسكري معروف لمنظمة العفو الدولية نحو 10 كم إلى الجنوب الشرقي من موقع وجود الذخائر، ويقع في سوق الطلح المعروف ببيع الأسلحة فيها وسبق استهدافه من لدن قوات التحالف في خمس مناسبات ماضية منذ بدء حملة القصف الجوي بقيادة السعودية في مارس/ آذار الماضي.
كما وصف شهود العيان مشاهدتهم لوابل من الصواريخ تمخر عباب الجو وتنفجر في الهواء على الرغم من عدم تحليق أي طائرة وقتها، وأعقب ذلك وقوع عشرات الانفجارات على الأرض. وتتسق تفاصيل هذه الإفادات وبقايا الذخائر التي عُثر عليها مع استخدام الذخائر العنقودية المحمولة بصواريخ أرض-أرض التي تُطلق باستخدام قاذفة إطلاق صواريخ متعددة (راجمات الصواريخ).
وتصادف مرور المزارع صلاح الزرعة (35 عاماً) على الطريق الرئيسي وعلى بعد نحو 50 متراً من مكان وقوع الضربة. وقال صلاح: “كنت على متن دراجتي البخارية متجهاً نحو ضحيان رفقة صديقي، وشاهدت حينها … أربعة صواريخ تهوي… وتوجه كل واحد منها باتجاه مختلف عن الآخر وبفاصل دقيقتين بين كل صاروخ والذي يليه. ووقعت أربعة انفجارات في الجو تلاها وقوع نحو 50 انفجاراً لحظة ارتطامها بالأرض. وسقطت على مجموعة مباني مكونة من نحو 30 منزلاً ودكاناً”.
كنت على متن دراجتي البخارية متجهاً نحو ضحيان رفقة صديقي، وشاهدت حينها … أربعة صواريخ تهوي… وتوجه كل واحد منها باتجاه مختلف عن الآخر وبفاصل دقيقتين بين كل صاروخ والذي يليه. ووقعت أربعة انفجارات في الجو تلاها وقوع نحو 50 انفجاراً لحظة ارتطامها بالأرض. وسقطت على مجموعة مباني مكونة من نحو 30 منزلاً ودكاناً.
المزارع صلاح، شاهد عيان
وأُصيب مزارع آخر هو صالح المعوض (48 عاماً) في الهجوم، وهو أب لعشرة أطفال. وتحدث صالح مع منظمة العفو الدولية هاتفياً من على سرير الشفاء في المستشفى الجمهوري بصعدة قائلاً: “كنت ماراً بالطريق الرئيسي قرب مكان وقوع الضربة على متن دراجتي البخارية، وشعرت حينها بالشظايا تخترق جسمي. ولقد أثرت الضربة على المزارع الواقعة على بعد عدة كيلومترات عن موقع الهجوم”.
الجروح الناجمة عن الإصابة بالشظايا
ووفق ما أفاد به طاقم المسعفين الذي قام بعلاج المصابين، لا زال أحد الجرحى واسمه عبد العزيز عبد ربه (25 عاماً) في حالة حرجة جراء إصابته بشظايا بمنطقتي البطن والصدر.
كما جُرح مدني آخر في الهجوم هو عبد الباري حسين (22 عاماً)، وأخبر منظمة العفو الدولية بما يلي: “كنت جالساً داخل دكاني لحظة وقوع الهجوم. ولم اسمع صوت هدير طائرة يسبقه ولكن كل ما سمعته هو دوي الانفجارات”. وتعرض عبد الباري لإصابات بالشظايا في منطقة البطن.
على الرغم من احتمال استهداف الهجوم للحوثيين وغيرهم من عناصر الجماعات المسلحة بين السكان المدنيين، فإن استخدام أسلحة عشوائية الطابع من قبيل الذخائر العنقودية هو أمر محظور وفق القانون الإنساني الدولي. وعليه، فإن استخدام هذه الأسلحة يخالف أحكام هذه القاعدة.
القنابل العنقودية المحظورة
وتحوي القنابل والذخائر العنقودية العشرات أو المئات من الذخائر الثانوية التي تنطلق في الهواء وتنتشر عشوائياً لتغطي مساحة واسعة تصل إلى مئات الأمتار المربعة. ويمكن إسقاطها من الجو أو إطلاقها محمولة على صواريخ أرض-أرض كما حصل في هذه الحالة.
كما تتسم الذخائر العنقودية الثانوية بارتفاع معدل فشلها أو عطلها، أي أن نسبة مرتفعة منها تفشل في الانفجار لحظة ارتطامها بالهدف ما يحولها حكماً إلى ألغام أرضية تربض على الأرض وتشكل خطراً على حياة المدنيين لسنوات قادمة. ويُحظر استخدام الذخائر العنقودية وإنتاجها ونقلها وبيعها بموجب أحكام اتفاقية عام 2008 بشأن الذخائر العنقودية التي بلغ عدد الدول الأطراف فيها نحو 100 دولة.
وحتى لو لم تكن البرازيل واليمن والسعودية وغيرها من الدول الأعضاء في التحالف بقيادة السعودية أطرافاً في الاتفاقية المذكورة، فيتعين عليها مع ذلك ووفق قواعد القانون الإنساني الدولي العرفي عدم استخدام الأسلحة العشوائية وذخائرها كونها تشكل خطراً عظيماً على المدنيين.
الذخائر برازيلية الصنع من طراز أستروس 2 (ASTROS II)
وثقت منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش وغيرهما من المنظمات الأعضاء في ائتلاف مناهضة الذخائر العنقودية استخدام قوات التحالف الذي تقوده السعودية لأربعة أنواع حتى الآن من الذخائر العنقودية في النزاع الدائر في اليمن بما في ذلك ثلاثة أنواع مختلفة من هذه الذخائر تم تصنيعها في الولايات المتحدة.
ولكن يشكل هذا الهجوم المناسبة الأولى التي يتم الاشتباه فيها باستخدام ذخائر عنقودية برازيلية الصنع ضمن النزاع الدائر حالياً.
يتعين على البرازيل أن تسارع إلى توضيح تفاصيل حجم الشحنات التي تم تصديرها من الذخائر العنقودية المحظورة وتعود إلى عقود خلت. وليس بوسع البرازيل وغيرها من الدول التي لا زالت تسمح بإنتاج ونقل هذه الأسلحة أن تدعي جهلها بحصيلة الخسائر التي توقعها في صفوف المدنيين باليمن وغيرها من الأماكن.
أتيلا روكي، المدير التنفيذي لفرع منظمة العفو الدولية في البرازيل
وثمة عدد من الشركات البرازيلية التي تصنع الذخائر العنقودية. وصحيحٌ أن منظمة العفو الدولية لم تتمكن من التحقق بشكل مستقل والقطع يقيناً بهوية الجهة الصانعة وطراز الذخائر العنقودية الثانوية التي أُسقطت على أحمى، إلا إنها تشبه تلك التي تصنعها شركة برازيلية تُدعى شركة “أفيبراس إندوستريا إيروسبيسيال إس إيه“.
ويُذكر أن الذخائر من طراز “أستروس 2” هي عبارة عن نظام قاذفة صواريخ متعددة (راجمة صواريخ) من صناعة شركة أفيبراس، صُممت بحيث تطلق عددا من الصواريخ بتواتر سريع ويمكن تحميل ثلاثة من صواريخها بنحو 65 ذخيرة ثانوية ويصل مداها إلى نحو 80 كم حسب نوع الصاروخ المستخدم. ويصف الموقع الرسمي للشركة على الإنترنت قاذفة الصواريخ المتعددة على أنها “قادرة على إطلاق صواريخ طويلة المدى كونها مصممة لتكون سلاحاً استراتيجياً يتمتع بقوة ردع كبيرة”.
ووفق “مرصد الألغام الأرضية والذخائر العنقودية” سبق وأن قامت شركة (أفيبراس) ببيع هذا النوع من الذخائر العنقودية إلى السعودية فيما مضى، ووثقت منظمة هيومان رايتس ووتش استخدامها من لدن القوات السعودية في الخفجي إبان الحرب مع العراق عام 1991 واصفة استخدامها بأنه قد خلّف “عدداً كبيراً من الذخائر الثانوية غير المنفجرة” في مكان الهجوم.
وتعليقاً على الموضوع، قال المدير التنفيذي لفرع منظمة العفو الدولية في البرازيل، أتيلا روكي: “يتعين على البرازيل أن تسارع إلى توضيح تفاصيل حجم الشحنات التي تم تصديرها من الذخائر العنقودية المحظورة وتعود إلى عقود خلت. وليس بوسع البرازيل وغيرها من الدول التي لا زالت تسمح بإنتاج ونقل هذه الأسلحة أن تدعي جهلها بحصيلة الخسائر التي توقعها في صفوف المدنيين باليمن وغيرها من الأماكن. ويتعين على البرازيل أن توقف إنتاج هذه الذخائر فوراً، وتتلف مخزونها منها وتنضم إلى الاتفاقية الدولية بشأن الذخائر العنقودية دون مزيد تأخير”.
هذا وقد تحدثت اليوم منظمة العفو الدولية إلى أحد المسؤولين الكبار في شركة أفيبراس الذي رأى الصور الواردة من اليمن. وقال إن الشكل “يشبه” تصاميم أفيبراس، ولم يستبعد أن تكون لهم، ولكنه قال إن احتمال ذلك ضعيف نظراً لصغر حجم العيار. إلا أنه اعترف بأن الشركة قد صنعت عيارات مشابهة في أوائل التسعينيات، وأنه سوف يقوم بإجراء تحقيق في هذا الأمر.