مصر: أوقفوا قمع أبرز منتقدي السلطات في محاكمة ذات دوافع سياسية

قبيل صدور حكم المحكمة يوم الأحد القادم، صرحت منظمة العفو الدولية أن ثلاثة من الناشطين البارزين يواجهون محاكمة يظهر أنها ذات دوافع سياسية ومبنية على إفادات شهود غير موثوق بها وأدلة واهية.ومن المتوقع في الخامس من يناير/ كانون الثاني أن تصدر محكمة جنايات  جيزة بمنطقة القاهرة الكبرى حكمها على ذمة قضية بحق 12 شخصا اتُهموا بمهاجمة وإحراق المقر الانتخابي للمرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق في 28 مايو/ أيار 2012.  وتشمل قائمة المتهمين ثلاثة من أبرز الناشطين الذين اشتُهروا بانتقادهم الانتهاكات التي ما انفكت قوات الأمن ترتكبها في ظل الحكومات المصرية المتعاقبة.وفي معرض تعليقه على الموضوع، قال القائم بأعمال مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية، سعيد بوميدوحة: “يجب على السلطات المصرية الإحجام عن استغلال الحكم المزمع يوم الأحد القادم كوسيلة لعقاب الناشطين المعارضين لها.  وثمة أسباب تدفع إلى الاعتقاد بأن المحاكمة مسيسة.  ولقد أنكر الناشطون الثلاثة تواجدهم في مسرح الجريمة، وثمة شكوك تحوم حول الأدلة المقدمة ضدهم”.”ويظهر أن إجراءات المحاكمة تأتي ضمن حملة تصعيدية  تشنها الحكومة بهدف إسكات أصوات منتقديها، لا سيما أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين بالإضافة إلى ناشطين المعارضين له.””ويتعين على السلطات عدم اللجوء إلى المضايقات القضائية من أجل سحق المعارضة.  إذ من الجوْر إصدار أحكام إدانة غير قائمة على تحقيقات مستقلة ومحايدة وكافية، ولا تأخذ بأدلة موثوقة.  كما يمكن تفسير مثل تلك الإدانات على أنها تهدف إلى الحيلولة دون قيام الناشطين الثلاثة بأداء مهام عملهم على صعيد حقوق الإنسان ونشاطهم السياسي”.واشتُهر المتهمان علاء عبد الفتاح، وأخته منى سيف، بانتقادهما لانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات الأمن والجيش إبان حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والتي لا زالت تُرتكب حتى تاريخه.  وأما المتهم الثالث، أحمد عبد الله من حركة شباب 6 أبريل، فقد سبق له وأن انتقد الحكومات المصرية علنا.  ولقد لعب الناشطون الثلاثة أدوارا بارزة في الانتفاضة ضد حسنى مبارك.  كما عارض الناشطون الثلاثة ترشيح أحمد شفيق الذي يعتبره الكثيرون من فلول نظام مبارك.  وأضاف بوميدوحة قائلاً: “لطالما كان الناشطون الثلاثة شوكة في جنب الحكومات المتعاقبة لدأبهم على انتقاد قوات الأمن، وهو ما تسبب بملاحقة جنرالات الجيش ومحمد مرسي لهم إبان حكمهم للبلاد”. وأردف بومدوحة القول أن “مجرد عودتهم إلى قفص الاتهام في أعقاب الإطاحة بمرسي لتُعد نذير شؤم حيال عزم السلطات على القضاء على المعارضة وردع الناس من مختلف ألوان الطيف السياسي والحيلولة دون جهرهم بآرائهم”.وفي مارس/ آذار الماضي، أُحيل الناشطون ثلاثة رفقة تسعة آخرين إلى المحاكمة بتهم تتعلق بافتعال حريق متعمد والسرقة وإتلاف الممتلكات واللجوء إلى العنف وتعريض السلامة العامة للخطر أثناء الاعتداء على المقر الانتخابي لأحمد شفيق أثناء الجولة االثانية من الانتخابات الرئاسية التي خاضها ضد محمد مرسي.ولقد اعتمدت النيابة العامة على إفادة مزعومة لرئيس مباحث بوصفه شاهد عيان، والأمر الذي ألقى بظلال من الشك على حيادية الإفادة ومصداقيتها.  وأما إفادات الشهود الست الأخرى التي وُظفت في إثبات التهم المسندة للناشطين، فلقد شملت إفادات شهود من أصحاب السوابق الجنائية أو ممن تشملهم تحقيقات جنائية جارية.  وعليه، فلقد أضحوا عرضة للاستجابة للضغوطات وتلاعب الشرطة وسلطات التحقيق بأقوالهم. ولقد مثل أمام المحكمة شاهد واحد فقط من شهود الإثبات على الرغم من طلب الدفاع استجواب شهود العيان المفترضين.  ولقد أفاد الشاهد الوحيد بأنه قد رأى علاء عبد الفتاح على مقربة من مسرح الجريمة ولكنه أقر بأنه لم يشاهده وهو يحمل أية أسلحة أو يرتكب أعمال عنف.  ولقد أقر الشاهد بأنه لم يتمكن من التعرف على المتهمين الآخرين. وعلى الرغم من طلبات الدفاع، فلم تُبرز أدلة مرئية ومسموعة وغيرها من الأدلة التي تربط المتهمين بالجريمة المنسوبة إليهم. كما قدم عدد من شهود النفي حجج غياب قانونية للمتهمين، وشهدوا أنهم لم يكونوا متواجدين بالقرب من مقر شفيق الانتخابي وقت وقوع الهجوم. واختتم بوميدوحة تعليقه قائلا: “ثمة اتجاه مقلق أخذ بالبروز مؤخرا ويتمثل في إجراءات قضائية يشوبها العوار والانتقائية في تطبيق العدالة.  إذ عمدت المحاكم المصرية إلى تبرئة ساحة عناصر قوات الأمن المتهمين بقتل متظاهرين في الوقت الذي قامت فيه بإصدار أحكام قاسية بالسجن على المحتجين السلميين.  وإذا ما أُريد للثقة في استقلالية القضاء المصري وحياديته أن تعود إلى سابق عهدها، فحري بالمحكمة أن تصدر حكمها في هذه القضية بناء على حيثياتها الموضوعية، ووفق المعايير الدولية المرعية في مجال المحاكمات العادلة، وأن ترفض الاستجابة للضغوط السياسية”. ولقد احتُجز علاء عبد الفتاح في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، واتُهم بالمشاركة في احتجاج “غير مرخص” أمام مبنى مجلس الشورى في 26 من الشهر نفسه.  وتعتبره منظمة العفو الدولية من بين سجناء الرأي، كونه احتُجز لا لشيء سوى لممارسته السلمية لحقه في حرية التعبير عن الرأي والتجمع.  واعتُقلت أخته، منى سيف، وتعرضت للضرب أثناء الاحتجاج نفسه، ولكن أُخلي سبيلها بعد ساعات دون توجيه التهم إليها.  ولا زال المتهمون الآخرون طلقاء بانتظار صدور الحكم.

معلومات إضافية عن المتهمين الذين مثلوا أمام المحكمة 

علاء عبد الفتاح هو مدون وناشط سياسي معروف، وقد تعرض للمضايقات على أيدي الحكومات المصرية المتعاقبة.اعتُقل علاء في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 إبان حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة للبلاد، واتُهم بالمشاركة في أعمال العنف التي اندلعت أثناء الاحتجاجات أمام مبنى التلفزيون في ماسبيرو بالقاهرة، والتي أدت إلى مقتل 27 شخصا.  وظل محتجزا إلى أن تم إطلاق سراحه في ديسمبر/ كانون الأول 2011 بانتظار انتهاء التحقيقات.  وتعتقد منظمة العفو الدولية أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد عمد إلى استهداف علاء عبد الفتاح جراء دوره كمدون وناشط بارز.  ولم تُبرز أبدا أدلة مقبولة تعزز من التهم المسندة لعلاء عبد الفتاح، ليجري إسقاط جميع التهم المنسوبة إليه في أبريل/ نيسان من عام 2012. وإبان فترة رئاسة محمد مرسي للجمهورية، استدعت النيابة العامة علاء عبد القتاح على صعيد احتجاجات جرت أمام مقر جماعة الإخوان المسلمين بالقاهرة في 22 مارس/ آذار الماضي.وعلى ذمة قضية حرق مقر أحمد شفيق الانتخابي، أخبر علاء المحكمة أنه لم يشارك في الاحتجاج أمام المقر، وأنه قد سمع عن الهجوم بعد وقوعه.وأما منى سيف، فلقد شاركت في تأسيس حركة “لا للمحاكمات العسكرية” في مصر، ورُشحت لنيل جائزة “مارتن إينالز” للمدافعين عن حقوق الإنسان، واعتُقلت وتعرضت للضرب على أيدي على عناصر القوات المسلحة أثناء اعتصام أُقيم أمام مبنى رئاسة الوزراء في ديسمبر/ كانون الأول 2011.كما اُلقي القبض عليها في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 رفقة عشرات المشاركين في احتجاج أمام مبنى مجلس الشورى للدعوة إلى إسقاط مواد الدستور التي تبيح محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية.  وظلت في عهدة قوات الأمن رفقة مجموعة من المحتجات إلى أن اُلقيت على قارعة طريق صحراوي في الواحدة من صباح يوم 27 نوفمبر/ تشرين الثاني دون توجيه التهم إليها.وعلى صعيد قضية حرق مقر أحمد شفيق الانتخابي، أوضحت منى أنها كانت متواجدة في منطقة أخرى من مناطق القاهرة وقت وقوع الهجوم.ويُعد أحمد عبد الله من أبرز أعضاء حركة شباب 6 أبريل التي لعبت دورا رئيسيا في “ثورة 25 يناير”، والتي أدت إلى الإطاحة بحسني مبارك.  وأيد أحمد عبد الله ترشيح محمد مرسي في بادئ الأمر إبان الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في عام 2012 التي خاضها الأخير ضد أحمد شفيق، ولكنه أصبح هو وحركته أكثر انتقادا لسياسات مرسي فيما بعد.  واستمر في إدانته الفاعلة لانتهاكات حقوق الإنسان.  وفي أعقاب الإطاحة بمحمد مرسي، شارك في تأسيس المفوضية المصرية للحقوق والحريات التي حرصت على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان وإدانتها. وقال أحمد عبد الله لمنظمة العفو الدولية و للمحكمة أنه لم يكن متواجدا أمام مقر شفيق الانتخابي وقت وقوع الهجوم. وفي 22 ديسمبر/ كانون الأول، صدر حكم بسجن أحد مؤسسي حركة شباب 6 أبريل، ومنسقها السابق، أحمد ماهر، ثلاث سنوات وفرضت عليه غرامات مالية باهظة رفقة زميله في الحركة، محمد عادل، وناشط آخر يُدعى أحمد دومة، وذلك بتهم تتعلق بالمشاركة في احتجاج “غير مرخص” والاعتداء” على قوات الأمن أثناء تأديتها لمهام عملها في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني.  وتأتي تلك التهم على خلفية احتجاج نظمه مؤيدو أحمد ماهر أمام مبنى محكمة جنج عابدين بتاريخ 30 نوفمبر/ تشرين الثاني، أي عندما قام الناشط المذكور بتسليم نفسه للنيابة العامة بغية الخضوع للاستجواب على ذمة تهمة المشاركة باحتجاج “غير مرخص” أُقيم أمام مبنى مجلس الشورى قبيل ثلاثة أيام من ذلك التاريخ.  واصطدمت قوات الأمن بالمحتجين أثناء المظاهرة، ولكن قال المحامون لمنظمة العفو الدولية أن أحمد ماهر كان يخضع للاستجواب داخل مكتب وكيل النيابة وقت وقوع الصدامات، بالإضافة إلى تواجد الناشط أحمد دومة في الداخل أيضا.  وتعتبر منظمة العفو الدولية الناشطيْن من سجناء الرأي كونهما احتُجزا لا لشيء سوى لممارستهما السلمية للنشاط السياسي.

خلفية:

تعرضت أوضاع حقوق الإنسان في مصر لعدة انتكاسات مؤخرا.  ففي 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تبنت الحكومة قانونا قمعياً جديدا خاص بالتظاهر وسرعان ما وضعته حيز التنفيذ كونه يحظر الاحتجاجات دون استصدار موافقة وزارة الداخلية، ويمنح صلاحيات تقديرية واسعة لقوات الأمن من أجل فض الاحتجاجات السلمية بالقوة، ويتعامل مع المحتجين السلميين كما لو كانوا مجرمين.  ووفق أحكام القانون الجديد، أُلقي القبض على منتقدي السلطات وتعرضوا للضرب والمضايقة القضائية.  ومؤخراً، أي في 2 يناير/ كانون الثاني الجاري، أصدرت إحدى محاكم الإسكندرية حكما بالسجن سنيتن على سبعة ناشطين وفرضت عليهم دفع غرامات باهظة جراء مشاركتهم في احتجاج “غير مرخص” أواخر العام الماضي.  ولا زال أربعة من أولئك الناشطين السبعة في الحجز.  وفي واقعة أخرى تبعث على القلق، قامت قوة قوامها حوالي 50 من عناصر قوات الأمن المسلحين بمداهمة مقر إحدى المنظمات غير الحكومية المعروفة المعنية بحقوق الإنسان، وهو المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وألقت القبض على ستة أشخاص وقامت بتعذيبهم وإساءة معاملتهم قبل أن تقوم بإخلاء سبيل خمسة منهم دون توجيه التهم إليهم.