الحقيقة المأساوية للعنف الأسري في تونس

كانت رفقة امرأة في السادسة والعشرين من عمرها وأم لصبي صغير، أرداها زوجها بالرصاص في فترة مبكرة من ذلك اليوم. وقبل يومين فقط أي في 7 ماي/أيار وخوفاً منها على حياتها توجهت إلى الشرطة ووكيل الجمهورية للإبلاغ عن الأذى الذي تعرّضت له على يدي زوجها. وفي حين سجلت الشرطة الشكوى وأحالتها إلى القضاء، إلا أنه لم يُلق القبض على زوجها فوراً برغم الجروح البليغة التي أصابها بها. كذلك تقاعس وكيل الجمهورية عن إصدار أمر باتخاذ أي إجراءات لحمايتها من مزيد من العنف برغم الخطر الشديد المحدق بسلامتها.

وتُجسّد حكاية رفقة الفجوة القائمة بين القانون والممارسة في تونس، حيث تبنّى مجلس نواب الشعب في سنة 2017 القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد النساء الذي حظي بإشادات كثيرة، لكن النساء ظللن على أرض الواقع يواجهن صراعاً شاقاً في الحصول على العدالة وضمان سلامتهن الشخصية.

وما برحت النساء التونسيات يتعرضن لمستويات عالية من العنف. ووفقاً لدراسة مسحية أجرتها وزارة المرأة تعرًضت نسبة 47% من النساء على الأقل للعنف الأسري في حياتهن. وقد ازدادت هذه الأرقام مع بداية تفشي فيروس كوفيد-19. وأعلنت وزارة المرأة أنه في عام 2020 فقط زاد عدد حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي سبعة أضعاف على ما كان عليه في السنوات السابقة.

أبلغتني كريمة بريني رئيسة جمعية المرأة والمواطنة – التي تنشط في محاربة العنف ضد النساء في الكاف بشمال شرقي تونس – أن الضحية اتصلت بها وهي في حالة انهيار مساء 7 ماي/أيار قبل يومين من مقتلها. وكانت تطلب مساعدة في تقديم شكوى ضد زوجها العنيف. وأبلغتها رفقة أن زوجها يعتدي عليها بالضرب بصورة متكررة. وفي ذلك اليوم ضربها وحاول خنقها. فذهبت إلى وحدة الشرطة الخاصة المسؤولة عن العنف ضد النساء لتقديم شكوى، لكنها وجدت المكتب مغلقاً وقيل لها إنها أتت “خارج ساعات العمل النظامية”. وبعد ساعات توجهت لتقديم شكواها في مكتب شرطة عادية. وأبلغت بريني أنهم أخذوا إفادتها وأحالوها إلى الفحص الجنائي. وفي المستشفى اعطاها الطبيب الشرعي استراحة لمدة 20 يوماً، ثم استدعت الشرطة زوجها – وهو عنصر في قوات الأمن – إلى مركز الشرطة. وقالت رفقة لبريني إنه هددها بينما كانت تنتظر في غرفة بمركز الشرطة قائلاً: “إذا لم تسحبي الشكوى فسوف أذبحك”.

لكن أفراد الشرطة لم يُلقوا القبض عليه في ذلك اليوم برغم كل ذلك. ورفضت رفقة العودة إلى المنزل معه وذهبت للبقاء مع والديها. وقالت بريني إنها نصحتها على الهاتف بتقديم شكوى إلى الوحدة الخاصة في اليوم التالي. وفي 8 ماي/أيار حاولت الاتصال بها مرة أخرى، لكنها لم تستطع الوصول إليها. فاتصلت بشرطي تعرفه في الوحدة الخاصة أكد لها أن الوحدة ستهتم بالقضية. وفي فترة لاحقة من ذلك اليوم قالت بريني إن الشرطي اتصل بها وأبلغها أنهم حققوا في القضية وأحالوا الشكوى إلى مكتب وكيل الجمهورية الذي لم ير أن الوضع يستدعي إلقاء القبض أو إصدار أي أمر حماية آخر. وعلمت بريني في 9 ماي/أيار أن رفقة قد أرديت بالرصاص الحي، ونُقلت إلى المستشفى. وتوفيت متأثرة بجروحها في فترة لاحقة من ذلك اليوم.

والأمر الصادم في هذه القصة هو التهاون المطلق للشرطة والقضاء إزاء المخاطر التي تعرّضت لها الضحية.

وقالت بريني إنه “يتعين عادة على القضاء في هذه القضية إما أن يأمر بإلقاء القبض على الجاني أو الإخطار بإصدار أوامر حماية ضده، نظراً لوجود عوامل خطر عديدة: فالضحية كانت قد أُصيبت بجروح بليغة، والجاني كان مسلحاً، وهدد بقتلها”.

لكن ما يثير قدراً أكبر من الصدمة هو إضفاء القضاء الشرعية على قرار عدم إلقاء القبض على الجاني وترك رفقة تواجه مصيرها المروّع لوحدها.

فقد أعلن الناطق باسم المحكمة الابتدائية في الكاف أن رفقة الشارني وزوجها قد مثلا أمام النيابة العمومية في 8 ماي/أيار، مبررا ضمنيا قرار إبقاء الجاني مطلق السراح بأن رفقة قررت إسقاط الشكوى والتصالح مع زوجها من أجل “حماية الأسرة وطفلها”. وتشي هذه الكلمات بكثير من الوضوح بانعدام الفهم للوضع الضعيف لضحايا العنف الأسري اللواتي تُلحِق بهن عادة أسرهن والمجتمع الكثير من الوصمات وتُعرِّضهن للضغوط لسحب الشكاوى والعودة إلى أفراد أسرتهن العنيفين. كما تبين كيف أن المسؤولين الرسميين يتجاهلون القانون الجديد الذي يمنح الشرطة والقضاء صلاحيات ومسؤوليات هامة في حماية النساء من العنف.

ما برحت النساء التونسيات يتعرضن لمستويات عالية من العنف. ووفقاً لدراسة مسحية أجرتها وزارة المرأة تعرًضت نسبة 47% من النساء على الأقل للعنف الأسري في حياتهن.

إن القانون الذي استحدث وحدات لمكافحة العنف الأسري داخل قوات الأمن الداخلي في تونس لمعالجة شكاوى العنف الأسري – أعطاها الحق في فرض “أوامر حماية” مؤقتة مثلاً بإصدار أمر إلى الشخص الذي يُشتبَه في أنه مذنب بترك المنزل، والبقاء بعيداً عن الضحية وأطفالهما، أو الامتناع عن الاتصال بالضحية. كما يُخوَّل القاضي المسؤول عن هذه القضايا بإصدار “أوامر حماية” لمنع إلحاق مزيد من الأذى بالضحية. وفي حالة رفقة لم يُطبق أي من هذه الإجراءات.

ولمنع حدوث مثل هذه الحالات في المستقبل ينبغي على الحكومة التونسية اتخاذ تدابير شاملة لحماية ومساندة ضحايا العنف الأسري. وهذا يتطلب تدريب الشرطة والقضاء ووكلاء الجمهورية على مقتضيات القانون، ومساءلتهم عندما يُقصّرون في تسجيل الشكاوى، وإصدار أوامر الحماية وتنفيذها، والتحقيق في القضايا. كما يعني زيادة الوعي حول خدمات مساندة ضحايا العنف الأسري وإطلاق حملات توعية وتثقيف الرأي العام لتغيير المواقف الاجتماعية التي تفضي إلى ممارسة العنف ضد النساء.

تمّ نشر هذه المقالة أولاً باللغة الإنجليزية على موقع نواة