ميانمار: حرق قرى وإصابة ومقتل مدنيين مع تصاعد النزاع في ولاية أراكان

  • قتل أو جرح مدنيون، بمن فيهم أطفال
  • يؤكد تحليل الاستشعار عن بعد اشتعال النيران في قرى أراكان العرقية في 3 سبتمبر/أيلول

جمعت منظمة العفو الدولية أدلة جديدة على وقوع هجمات عشوائية على المدنيين في ولاية أراكان، وسط تصعيد خطير في النزاع المسلح المستمر بين جيش ميانمار و “جيش أراكان “

وتستند هذه الأدلة إلى شهادات مباشرة وصور ومقاطع فيديو تم الحصول عليها من داخل ولاية أراكان وتحليل صور الأقمار الصناعية وتقارير إعلامية ومصادر من المجتمع المدني. وقد تم تغيير أسماء الشهود.

إن تجاهل جيش ميانمار المطلق لمعاناة المدنيين يصبح أكثر فجاجة ووقاحة يوماً بعد يوم. يتعين على مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة إحالة الوضع في ميانمار على وجه السرعة إلى المحكمة الجنائية الدولية.

نائبة المدير الإقليمي للحملات في منظمة العفو الدولية مينغ يو ها

وقالت نائبة المدير الإقليمي للحملات في منظمة العفو الدولية مينغ يو ها “لا توجد مؤشرات على انحسار الصراع بين “جيش أراكان” وجيش ميانمار- ولا يزال المدنيون يتحملون العبء الأكبر”.

وأضافت “إن تجاهل جيش ميانمار المطلق لمعاناة المدنيين يصبح أكثر فجاجة ووقاحة يوماً بعد يوم. يتعين على مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة إحالة الوضع في ميانمار على وجه السرعة إلى المحكمة الجنائية الدولية”.

وتساور منظمة العفو الدولية أيضاً بواعث قلق بشأن التقارير الأخيرة عن زيادة تواجد القوات العسكرية التابعة لميانمار على طول الحدود بين ميانمار وبنغلاديش. وتمّ تحليل صور الألغام المضادة للأفراد التي عثر عليها مؤخراً خبير للأسلحة في منظمة العفو الدولية في منطقة مدنية وتم التعرف عليها على أنها ألغام أرضية من نوع إم إم 2 “MM2” والتي غالباً ما يستخدمها جيش ميانمار. ويمتاز هذا السلاح بأنه أكبر حجماً من معظم الألغام الأرضية المضادة للأفراد، وعادة ما يتسبب بأضرار جسيمة.

يستخدم كل من “جيش أراكان” وجيش ميانمار أسلحة مضادة للأفراد، وبالتالي فإن تحديد المصدر بشكل حاسم ليس ممكناً دائماً. وإن القيود المفروضة على الوصول إلى مناطق النزاع تعرقل جهود التوثيق الميدانية التي تبذلها منظمة العفو الدولية.

وأفادت تقارير من مصادر موثوقة في المجتمع المدني ووسائل الإعلام عن وقوع عدة حوداث شملت إصابة أو مقتل مدنيين بسبب الألغام الأرضية في ولايتي أراكان وشين في الأشهر الأخيرة.

ووقعت إحدى آخر تلك الحوادث مؤخراً في 18 سبتمبر/أيلول، عندما داست إمرأة من ولاية شين تبلغ من العمر 44 عاماً على لغم أرضي أثناء جمعها براعم الخيزران بالقرب من قاعدة كتيبة المشاة الخفيفة 289 التابعة لجيش ميانمار في باليتوا. وتوفيت متأثرة بجراحها بعد وقت قصير.

كما تلحظ منظمة العفو الدولية بقلق تقارير وسائل الإعلام المحلية الأخيرة عن استخدام جيش ميانمار لأطفال الروهينغا كعمالة عتالة قسرية في ناحية بوثيداونغ، في منطقة تشهد اشتباكات مع “جيش أراكان”.

“لم أعتقد أنها قد تكون قريتنا”

في صباح يوم 8 سبتمبر/أيلول 2020 كان مونغ سوي* في عمله بالقرب من قريته نياونغ كان في ناحية ميبون عندما سمع صوت قصف بأسلحة ثقيلة، شبهه بصوت الرعد.

“لم أكن أعتقد أنها قد تكون قريتنا. اعتقدت أن الصوت كان ينبعث من مكان آخر. حاولت الاتصال بزوجتي ولم تجب. سمعت الصوت مرتين متتاليتين خلال دقيقة، “جاين، جاين”.

ذهبت إلى القرية وسمعت أن بعض الناس قد تعرضوا لإصابات. وعندما وصلت إلى المنزل، كانت زوجتي وابنتي مستلقيتان على الأرض. لم تنبس ]زوجتي[ ببنت شفة. حاولت معاينة إبنتي ]البالغة من العمر 7 سنوات[ وكانت لا تزال على قيد الحياة. حملتها وحاولت مغادرة المكان.

لم أشاهد ]أي جنود[. كان صوت الأسلحة يأتي من مكان بعيد. وعندما حاولت الركض حاملاً إبنتي، سمعت المزيد من طلقات النار. حاولت حماية ابنتي من خلال الاستلقاء عليها بالقرب من السيل. ولكنها توفيت بعد مرور دقيقتين.

“وحتى بعد وفاة إبنتي، ظللت أسمع صوت الأسلحة يقترب مني…اضطررت للفرار تاركاً جثتها. وعدت إليها لاحقاً عندما توقف إطلاق النار”.

اضطررت للفرار تاركاً جثتها. وعدت إليها لاحقاً عندما توقف إطلاق النار.

والد طفلة تبلغ من العمر سبع سنوات قُتلت في قصف

ينفي مونغ سوي وجود مقاتلين من “جيش أراكان” في نياونغ كان، ويعتقد القرويون أن القصف بالأسلحة الثقيلة جاء من قاعدة عسكرية في ميانمار بالقرب من الحدود مع بلدة آن.

أودى القصف على قرية نياونغ كان في ناحية ميبون بحياة خمسة أشخاص، من بينهم زوجة مونغ سوي وابنته. جميعهم ينتمون إلى مجموعة أراكان العرقية، وكان من بينهم اثنان من الأطفال في السابعة من العمر، وأصيب عشرة آخرون في الهجوم.

ووفقاً لتقديرات إحدى منظمات المجتمع المدني، بلغ عدد المدنيين الذين قتلوا في هذا الصراع منذ ديسمبر/كانون الأول 2018 في ولايتي أركان وشين 289 شخصاً، وأصيب 641 بجراح.

ويصعب التحقق من الرقم الحقيقي للضحايا بشكل مستقل، فقد أعاقت عمليات حجب الإنترنت في الهواتف المحمولة والحملات الحكومية واسعة النطاق لقمع تغطية وسائل الإعلام جهود التوثيق في المناطق المتضررة من النزاع. ومع ذلك، في يوليو/تموز 2020، تمكنت منظمة العفو الدولية من توثيققصف العشوائي والضربات الجوية من قبل جيش ميانمار،  التي أسفرت عن مقتل أو إصابة المدنيين، بمن فيهم الأطفال.

وفي 14 سبتمبر/أيلول، أخبرت ميشيل باتشيليت، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان مجلس حقوق الإنسان إنه في بعض الحالات الأخيرة التي وقعت في ولاية أراكان، يبدو أن المدنيين “استُهدفوا أو هوجموا عشوائياً، ما قد يشكّل المزيد من جرائم الحرب أو حتى جرائم ترتقي إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية”

مونغ سوي هو نازح اليوم، ويقول إنه يريد أن يرى جيش ميانمار ينسحب من ولاية أراكان للحد من وقوع المزيد من الأذى: “بينما أعاني، وبعد خسارتي لعائلتي، لا أتمنى أن يمر أي من أفراد مجموعة أراكان بمثل هذه التجربة في المستقبل”.

“هجوم من الطريق وآخر من الجبل”: قرية محترقة تعرضت للهجوم من اتجاهين

يشير تحليل صور الأقمار الصناعية وشهادات الشهود الجديدة التي جمعتها منظمة العفو الدولية إلى أن جنود ميانمار أحرقوا قرية في ناحية كياوكتاو وسط ولاية أراكان في أوائل سبتمبر/أيلول.

يبدو أن أكثر من 120 مبنى في قريتي تاونغ بوك وهبار يار باونغ محترقة في صور الكوكب اعتبارًا من 10 سبتمبر/أيلول 2020. تم اكتشاف حرائق عن بعد في القرى باستخدام أجهزة استشعار الأقمار الصناعية في 3 سبتمبر/أيلول 2020.

وأبلغ أحد الشهود، وهو القروي أو كياو تين*، الذي يعيش في المنطقة، منظمة العفو الدولية أنه كان يسير مع بقرته عندما شن جيش ميانمار هجوماً على قرية هبا يار بونغ في 3 سبتمبر/أيلول.

“بدأو في إطلاق النار ودخلوا القرية. لم أعرف بالضبط مصدر إطلاق النيران..كنا نحاول الهرب إلى الجانب الآخر. لم نر ما كان يحدث بالضبط، فجميعنا لذنا بالفرار”.

وقال إنه بدا أن جيش ميانمار يطبق على القرية من اتجاهين: “مجموعتان من القوات، واحدة من كل اتجاه- واحدة من جهة الطريق والأخرى قادمة من الجبل. وكان هناك أيضاً صوت إطلاق نار من ]مكان بعيد[، ولكن كان هناك أيضاً شيء ما في جانب الطريق، قادم بالسيارة”.

وصرّح المتحدث باسم جيش ميانمار، اللواء زاو مين تون، للصحفيين أن مركبة للشرطة تعرضت لهجوم من قبل “جيش أراكان” بعبوة ناسفة تفجّر عن بعد بالقرب من القرية.

وبحسب المعلومات الواردة لمنظمة العفو الدولية شوهد جيش ميانمار وهو يعتقل رجلين من مجموعة أراكان العرقية في القرية في ذلك المساء. وبحسب ما ورد، تم العثور على جثثهم بالقرب من النهر مقتولين بطلقات نارية في صباح اليوم التالي.

ونقل الجيش الجثتين فيما بعد لتشريحهما في كياوكتاو. وأخبر جيش ميانمار وسائل الإعلام أنه لتولى على “جثتين للعدو وبندقية” من الموقع.

وقال أو كياو تين لمنظمة العفو الدولية: “بدأ جيش ميانمار هجوم الحرق العمد للممتلكات حوالي الساعة 9 مساءً. وبعد أن انتهوا من عملية إشعال النيران المتعمدة، انتقلوا إلى موقع جديد بالقرب من التل وشنوا هجوماً آخر هناك”.

وكشف تحليل صور الأقمار الصناعية التي قامت به منظمة العفو الدولية أن أكثر من 120 مبنى في قريتي تاونغ بوك وهبار يار باونغ التي تقطنهما مجموعة أراكان العرقية في ناحية كياوكتاو بدت وكأنها قد سويت بالأرض، في الصور الملتقطة في 10 سبتمبر/أيلول 2020.

كما فحصت منظمة العفو الدولية بيانات أجهزة استشعار الأقمار الصناعية في 3 سبتمبر/أيلول والتي أظهرت حالات شذوذ حرارية. وبالإضافة إلى ذلك، قامت منظمة العفو الدولية بتحليل مقطع فيديو لقرية هبار يار باونغ المتفحمة، تم تسجيله في 4 سبتمبر/أيلول من مركبة عابرة، وأظهر مشهداً عن مستوى الدمار الواسع النطاق. ويبدو أن مصادر المعلومات الثلاثة متوافقة مع التقارير عن عمليات الحرق المتعمد التي وقعت ليلة 3 سبتمبر/أيلول 2020.

وقال أو كياو تين إن حوالي 80 منزلاً دمرت بالكامل، بينما تضرر أكثر من 90 منزلاً آخر. بينما اضطر سكان هبار يار باونغ الـ500 إلى النزوح إلى بلدة كياوكتاو والاعتماد على المساعدات من مجموعات المجتمع المدني التابعة لمجموعة أراكان العرقيةالمتواجدة في كياوكتاو.

وتشير الأرقام الجديدة الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى نزوح 89564 شخصاً إلى 180 موقعاً في ولاية أراكان بين يناير/كانون الثاني 2019 و7 سبتمبر/أيلول 2020.

وتستند هذه الأرقام إلى الأرقام التي قدمتها حكومة ولاية أراكان وشركاء مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في المجال الإنساني. بينما تشير مجموعات المجتمع المدني المحلية إلى أن الرقم الحقيقي للنزوح أعلى على الأرجح، حيث فر القرويون إلى مناطق هي الآن اسمياً فقط تحت سيطرة الحكومة.

وتضيف هذه الأرقام إلى أزمة النزوح الجماعية القائمة أصلاً في أراكان، حيث يحتجز أكثر من 130,000 من الروهينغا في المخيمات منذ عام 2012.

“لم نكن نعرف شيئاً عما يجري”: انقطاع الإنترنت أثناء تفشي الوباء

رفعت السلطات الحظر عن خدمة الإنترنت عبر الهاتف المحمول الذي كان سارياً في أجزاء من ولاية أراكان وولاية شين المجاورة جزئياً في أغسطس/آب؛ ولكن السلطات خفضت سرعات الشبكة إلى الجيل الثاني (2G) في بعض المناطق الأكثر تضرراً من النزاع المسلح.

وصرحت حكومة ميانمار أن حجب خدمة الإنترنت عن الهاتف المحمول كان ضرورياً لمنع “التحريض” والتفجير عن بعد للألغام المتفجرة المضادة للأفراد من قبل “جيش أراكان”.

ولكن انقطاع الإنترنت قد أعاق إيصال المساعدات الإنسانية الهامة والوصول إلى المعلومات الضرورية حول مجريات الصراع ووباء كوفيد-19، مع انتشار الفيروس بشكل متزايد في جميع أنحاء ميانمار منذ منتصف أغسطس/آب، بما في ذلك ولا سيما في ولاية أراكان.

في حالة مونغ سوي، أدى الافتقار إلى الاتصال بالإنترنت إلى إبقاء أبناء قريته في الظلام بشأن نطاق ومكان عمليات القتال.

ليس لدينا أي اتصال بالانترنت ولا نعرف شيئاً عما يحدث، عن النزاع والهجمات في أماكن أخرى.

مونغ سوى

ويقول: “ليس لدينا أي اتصال بالانترنت ولا نعرف شيئاً عما يحدث، عن النزاع والهجمات في أماكن أخرى”.

وبالإضافة إلى انقطاع الإنترنت، لا يزال وصول المساعدات الإنسانية مقيداً بشدة في أنحاء عديدة من ولاية أراكان وإحدى نواحي ولاية شين بموجب مرسوم حكومي.

ولا يزال الوصول إلى الخدمات الصحية في ولاية أراكان بعيد المنال، وخاصة بالنسبة للسكان الروهينغا، الذين يعانون منذ فترة طويلة من قيود صارمة على الحركة والتنقل، وفي كثير من الأحيان للابتزاز من قبل أفراد الشرطة والجيش.

ويجب على حكومة ميانمار ضمان الوصول الكامل وغير المقيد إلى الجهات الإنسانية الفاعلة والسماح لجميع الأشخاص في الولاية بالحصول على الرعاية الصحية.

وتزداد بواعث قلق منظمة العفو الدولية من أن السلطات الكاسحة الممنوحة بموجب أوامر مكافحة انتشار فيروس كوفيد-19 هي وصفة جاهزة للانتهاكات- لا سيما في المناطق المتضررة من النزاع.

السرية والإفلات من العقاب يلطخان فضائح العنف الجنسي العسكري

في 11 سبتمبر/أيلول 2020، اعترف جيش ميانمار بواقعة اغتصاب ثلاثة من جنوده لإمرأة من مجموعة أراكان العرقية خلال عمليات عسكرية في بلدة راثيداونغ في 30 يونيو/حزيران بالرغم من إنكارهم التام عندما أثيرت المزاعم لأول مرة في يوليو/تموز.

وفي الأسبوع الماضي، كشف الجيش علناً، في بيان حول الحادث، اسم الضحية الناجية، ولكن دون تسمية الجناة.

وقالت مينغ يو ها: “حتى عندما يُجبر جيش ميانمار على الاعتراف بارتكاب مخالفات، فإن طريقة تعاملهم مع قضية العنف الجنسي المروعة هذه تُظهر إهمالاً تاماً للمساءلة”.

“هذه الأحداث المروعة تكشف الكثير عن قوات تاتماداو (جيش ميانمار)، ومدى تجذر افتراض الإفلات من العقاب داخل صفوفها”.

واختتمت قائلة: “يجب على المجتمع الدولي أن يدق ناقوس الخطر في ولاية أراكان الآن، أو أن يجيب عن الأسئلة لاحقاً حول سبب فشله في التحرك-مرة أخرى”.

يجب على المجتمع الدولي أن يدق ناقوس الخطر في ولاية أراكان الآن، أو أن يجيب عن الأسئلة لاحقاً حول سبب فشله في التحرك-مرة أخرى.

مينغ يو ها