بعد انتهاء دورتنا التعليمية حول حقوق الشعوب الأصلية، ننظر في قضية منجم مارلن المثير للجدل في غواتيمالا، والجهد الذي بذلته منظمة العفو الدولية في كندا لضمان أن جميع المعنيين بالأمر يعرفون أنهم ليسوا بمفردهم.
تعيش الشعوب الأصلية في مقاطعة سان ماركوس، بغواتيمالا، على ما تنتجه أراضيها، فمصدر رزقها الرئيسي هو الزراعة المعيشية. ولكن، كما يحدث في كثير من الأحيان، تعرضت أراضيهم لتهديدات متكررة من قبل شركات التعدين الأجنبية التي تحاول جني الربح على حساب الشعوب الأصلية.
وفي هذه الحالة بالذات، فإن القوة الأجنبية تتمثل في شركة غولدكورب Goldcorp (سابقا Glamis Gold)، وهي شركة إنتاج الذهب الكندية التي تمددت خلال أمريكا الوسطى والجنوبية من أجل العثور على أرض جديدة غنية بالذهب حيث يمكنها القيام بأنشطة التعدين. وكان منجم مارلن، كما أوردته منظمة العفو الدولية في تقرير 2014، “موضوع احتجاجات المجتمع منذ نشأتها”. وتراوحت عواقب المصادمات بين المحتجين والشرطة بين الإصابات والتهديدات، وأدت في النهاية إلى وفاة بعض المتظاهرين مثل راؤول كاسترو بوكل، الذي أردي بالرصاص في 2005.
وقد أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً في، 2014، بعنوان: “التعدين في غواتيمالا: الحقوق المعرضة للخطر”؛ من أجل إدانة انتهاك حقوق الإنسان، وخاصة حقوق الشعوب الأصلية، وذلك بعد سنوات من البحث. فكشف هذا التقرير عن حالات مثل تلك التي وقعت في سان ماركوس، حيث فضح التقرير انتهاكات حقوق الإنسان، ونادى بدعم حق الشعوب الأصلية في عملية التشاور قبل أن يحدث أي شيء على الأرض التي هي موطنهم ومصدر رزقهم.
وفي مسعى منه للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس، قرر فرع منظمة العفو الدولية في كندا إنشاء سلسلة إذاعية تُعدّ التقرير باللغة الإسبانية ولغة المايا ولغة السيباكاب (وهي كلتا اللغتين الأصليتين اللتين لم تكتب على نطاق واسع ولكن بشكل شفهي في الغالب). وكانت هذه السلسلة التي أنشأها أبطال القصة (السكان الأصليون المعنيون بالقضية)، هي عبارة عن حكاية شخصية سيشعر جميع المشتركين فيها بالانتماء إلى هذه الحكاية. كما أنها كانت مبادرة مذهلة للتربية على حقوق الإنسان من شأنها أن تفتح الباب أمام التعليم للكثيرين ممن يطويهم النسيان عادة.
تقول تارا سكير، مسؤولة الحملات في برنامج الأعمال وحقوق الإنسان بالفرع الكندي لمنظمة العفو الدولية: “كنا نعلم أن التقارير المكتوبة باللغة الإسبانية أو الإنجليزية لا جدوى منها بالنسبة للعديد من الأشخاص – وخاصة النساء – الذين أجرينا مقابلات معهم بسبب ارتفاع مستويات الأمية، ولأن اللغة الإسبانية هي في الغالب لغة ثانية أو ثالثة “. وهذا الأمر استغلته الشركات، مما جعلتهم يوقعون على أوراق توافق على “عدد من الأشياء” التي لم يستطيعوا فهمها. ففي إحدى الحالات، على سبيل المثال، وقعت امرأة، تتحدث المايا، على أوراق توافق على تركيب خطوط كهرباء عالية الفلط على أرضها. وعندما حاولت إزالتها، وجهت شركة “غولدكورب” اتهامات ضدها. وتمت تبرئتها، لكن المحنة بأكملها لم تكن لتحدث أبداً إذا كانت قد فهمت ما كانت توقّع عليه.
والإذاعة المجتمعية متاحة على نطاق واسع، ويتم الاستماع إليها في هذه المجتمعات، والتي فتحت بابًا للفرع الكندي لمنظمة العفو الدولية للمساعدة في إبلاغ الجميع بالنتائج التي توصلوا إليها. ولم يكن هدف الفرع هو المساعدة في فهم الأطر القانونية حول التعدين وحقوق الإنسان (وخاصة حقوق السكان الأصليين) فقط، ولكن أيضا للحيلولة دون إساءة فهم تقرير منظمة العفو الدولية، مع وضع الأمور في نصابها الصحيح من المفاهيم الخاطئة الشائعة والشائعات. وكان الهدف النهائي هو إعلام المجتمعات بالاستراتيجيات التي يمكن أن يشاركوا فيها لحماية حقوقهم الإنسانية.
وتصر تارا على أهمية إشراك أولئك الذين تعاونوا في إعداد التقرير: “أردنا إعادة شيء ما للأشخاص الذين خاطروا بالاجتماع معنا”، كما تقول، وتضيف “لكننا لم نرغب في فرض محاضرة عليهم من بُعد عبر الإذاعة “. فهذه الفكرة تتيح دمج التقرير بشكل عضوي مع “السكان المحليين الذين يروون قصصهم الخاصة عن الصمود وحقوق الإنسان ووجود المنجم في حياتهم وآمالهم في المستقبل”. ففي نهاية المطاف، من هو أفضل تأهيلاً للحديث عن هذه القضية من الأشخاص الذين عايشوا هذا الوضع وفهموه بشكل مباشر؟
ولقد حقق التقرير والمسلسل الإذاعي نجاحًا باهراً، ووصل إلى العديد من المجتمعات المحلية وأخبرهم بأنهم لم يُنْسوا في نضالهم. والأهم من ذلك كله، أنه أخبر الناس عن الوضع، وأظهر لهم أنهم ليسوا وحدهم في نضالهم.
أما بالنسبة للمستقبل، فتأمل تارا أن تجعل الإذاعة الوصول أكثر سهولة إلى أولئك الذين لم يسمعونها عندما تم بث المسلسل في العام الماضي، وكذلك “إنشاء دليل للمناقشة والمواد بحيث يمكن للمعلمين المجتمعيين استخدام المسلسل في ورش العمل في مجتمعاتهم”. كما ترغب في إتاحة المسلسل على الإنترنت وترجمته إلى الفرنسية والإنجليزية لجمهور أوسع.
وقد وصل المنجم إلى نهاية دورة حياته المتوقعة في الآونة الأخيرة، لكن ما يزال النضال مستمراً، وتقول تارا: “هناك نزاع كبير الآن في المجتمع مع الشركة والحكومة حول مرحلة الإغلاق، والمعالجة، ومرحلة ما بعد إغلاق المنجم”، فقضايا مثل المنازل المتضررة، وجفاف مصادر المياه الصالحة للشرب، والقضايا الصحية ليست سوى بعض من العواقب التي يجب أن تواجه هذه المجتمعات بعد ذلك. فلا تزال العديد من المجتمعات الأخرى تناضل بجد من أجل أرضهم ضد الشركات الأخرى التي تحاول الاستفادة من أراضيهم. ولكن بفضل هذه السلسلة الإذاعية، وتطوير غيرها من قبل نفس الفريق، يعلمون أنهم ليسوا وحدهم الذين يناضلون من أجل إرساء العدالة.