- تخفيض ميزانية الصحة أكثر من 50 % في أربعة أعوام
- الطلاب مجبرون على الاختيار بين الدراسة والعمل
- قمع المتظاهرين المناهضين لإجراءات التقشف والقبض عليهم، وتعذيب بعضهم
قالت منظمة العفو الدولية في تقرير جديد لها صدر اليوم إن مجموعة الإجراءات التقشفية التي تنفذها السلطات التشادية توقع الناس في مزيد من الفقر، وتقوض الوصول إلى الرعاية الصحية الضرورية وتجعل التعليم بعيداً عن متناول الكثيرين.
ويوثق التقرير الذي عنوانه: ” خفض الإنفاق وإسكات الأصوات، التكلفة البشرية للإجراءات التقشفية” يوثق لتأثير تخفيضات الإنفاق الصارمة على الحق في الصحة والتعليم. كما أنه يرصد حملة الحكومة على المتظاهرين والنشطاء المعارضين لإجراءات التقشف التي اتخذتها استجابة للأزمة الاقتصادية الراهنة.
تحدثنا إلى النساء الحوامل اللاتي أجبرن على تأجيل فحوص صحية مهمة قبل الولادة لأنهن لم يستطعن تحمل تكاليف هذه الخدمات الأساسية. كما التقينا بالطلاب الذين أثيرت الشكوك حول مستقبلهم الناجح بسبب سحب منحهم الدراسية دون إنذار مسبق.
سميرة داوود، نائب المدير الإقليمي لمنظمة العفو الدولية لغرب ووسط أفريقيا
وقالت سميرة داوود، نائب المدير الإقليمي لمنظمة العفو الدولية لغرب ووسط أفريقيا:” تحدثنا إلى النساء الحوامل اللاتي أجبرن على تأجيل فحوص صحية مهمة قبل الولادة لأنهن لم يستطعن تحمل تكاليف هذه الخدمات الأساسية. كما التقينا بالطلاب الذين أثيرت الشكوك حول مستقبلهم الناجح بسبب سحب منحهم الدراسية دون إنذار مسبق”، ثم واصلت قولها: ” إن الحكومة التشادية يجب أن تعترف بقسوة هذه الإجراءات التقشفية، وبأن الأزمة الاقتصادية ليست مبرراً لهدر حقوق الناس، بما في ذلك حقهم في الصحة والتعليم. كما ينبغي على الحكومة كذلك الكف عن قمع وإسكات الذين يجرؤون على التعبير عن انتقادهم لهذه الإجراءات القاسية “.
وكانت الحكومة التشادية قد بدأت في 2015 بتطبيق إجراءات تقشف صارمة عقب أزمة اقتصادية زاد من سوئها الانخفاض الحاد في أسعار النفط الخام، وتفاقم أمرها بسبب افتقار البلاد إلى التنوع الاقتصادي. كما أن المؤسسات المالية الدولية التي أقرضت الحكومة أموالاً خلال الأزمة جعلت مساعداتها مشروطة بتخفيض الإنفاق العام. وقد دفع هذا الشرط الحكومة إلى اتباع سياسات قوضت حقوق الناس الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما فيها حق آلاف الأهالي في التعليم والصحة.
تحدثت منظمة العفو الدولية إلى 176 شخصاً من بينهم مسؤولون حكوميون في العاصمة نجامينا، وعدة مدن أخرى مثل ماساغيت وماساكوري وسرح، وزارت 32 مرفقاً صحياً في ثمانية أقاليم.
وصرح مسؤول صحي محلي من وفد الصحة الإقليمية في سرح لمنظمة العفو الدولية بأن الحكومة خفضت الإنفاق على المرافق الصحية المختلفة بنسبة الثلثين في 2017: ” الموارد شحيحة … فمن الصعب تنفيذ الأنشطة على أرض الواقع”.
المرضى يدفعون نفقات عالية للرعاية الصحية
انخفضت ميزانية الصحة في تشاد بنسبة تزيد عن 50 % بين 2013 و2017. وتم إنقاص بنود مثل الإعانات وخطوط الائتمان إلى المستشفيات.
كما أدت التخفيضات في الإنفاق الصحي إلى خفض الإنفاق على البرنامج الوطني للرعاية الصحية الطارئة بنسبة 70 %، والذي أنشئ في 2006 بهدف تغطية تكاليف الرعاية في حالات الطوارئ في المستشفيات، ويشمل ذلك الرعاية أثناء الولادة والرعاية عقب الولادة.
فعلى سبيل المثال، آلان، سائق عمره 40 عاماً، أنفق 41 دولاراً أميركياً – أي ثلث الحد الأدنى للأجر الشهري في تشاد وهو 113 دولاراً أميركياً – عندما وضعت زوجته ابنهما في أكتوبر/ تشرين الأول 2017.
وصرح بذلك لمنظمة العفو الدولية، قائلاً:
“لم تستفد زوجتي الحامل من برنامج الرعاية الصحية الطارئة المجاني، على الرغم من حقها في ذلك. لقد دفعت ثمن كل شيء بما في ذلك الاختبارات والقفازات، والملاءة البلاستيكية لتغطية سرير الولادة والتخدير. لم يكن هناك شيء اسمه الرعاية الصحية الطارئة المجانية. لقد دفعنا ثمن كل شيء. لم يعطونا أي شيء مجاناً سوى اللقاحات لمولودي الجديد. في السابق، كنا سنحصل على هذه الأشياء مجانًا. أما الآن، فعلينا أن ندفع ثمنها”.
كما تحدثت منظمة العفو الدولية كذلك إلى 12 امرأة حامل، سارت بعضهن مسافة قد تبلغ 15 كيلومتراً للوصول إلى أحد المراكز الصحية. وكنّ في الشهر الخامس أو السادس من حملهن، وكل امرأة منهن، باستثناء واحدة، كانت تحضر أول فحص لها قبل الولادة. وعندما سُئلن عن سبب انتظارهن هذا الوقت الطويل قبل الفحص، قالت النسوة إنهن لا يمتلكن المال اللازم لدفع تكاليف الرعاية السابقة للولادة.
وفي هذا الصدد قالت سميرة داود: ” أبحاثنا تشير إلى أنه في أعقاب إجراءات التقشف، لم يعد المحتوى الأساسي الأدنى للحق في الصحة مكفولاً.” وأضافت قائلة: ” إنه لا يوجد مبرر لتقويض المستويات الدنيا والضرورية للحق في الصحة حتى أثناء الأزمة الاقتصادية”.
كما يوثق التقرير النقص المنتظم في توافر الأدوية والمواد الأساسية مثل الباراسيتامول والمطهرات، بما فيها الكحول، في المرافق الصحية.
ويعد التعليم الضحية الكبيرة الأخرى لخفض الإنفاق الحكومي. فبين عامي 2014 و2016، خفضت السلطات التشادية الإنفاق على التعليم بنسبة 21 % كجزء من إجراءات التقشف.
وتم إلغاء المنحة الدراسية لكافة طلاب الجامعة وقدرها 53 دولارًا أمريكيًا شهريًا لكل طالب، واستثني من ذلك طلاب المدارس الطبية والمهنية الوطنية.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2017 زادت رسوم التسجيل في الجامعات العامة الضعف فأصبحت 94 دولارًا أمريكيًا، بينما أدخلت رسوم لإعادة التسجيل قدرها 53 دولارًا أمريكيًا للطلاب العائدين. وكانت الحكومة تدعم رسوم التسجيل قبل ذلك.
ونتيجة لذلك، أعرب كثير من الطلاب الذين تحدثت إليهم منظمة العفو الدولية عن مخاوفهم من أنهم سوف يضطرون إلى ترك الدراسة الجامعية لأن الحكومة لم تقدم بدائل مناسبة، خاصة للطلاب الفقراء اقتصادياً والذين يأتون من المناطق الريفية.
وقد وجد بعض الطلاب أعمالاً بدوام جزئي، مما يجعلهم يغيبون غالبًا عن دراستهم لتغطية نفقاتهم.
وأخبر مامادو، الطالب في جامعة نجامينا، منظمة العفو الدولية بأنه منذ إلغاء منحته الدراسية، لم يعد قادراً على شراء الكتب أو الطعام من مقصف الجامعة، أو تجديد اشتراكه في المكتبة.
وقال مامادو: ” منذ ستة شهور أجبرني هذا الوضع على البحث عن وظيفة. وأنا الآن أقود دراجة أجرة نارية. استأجر الدراجة بمعدل 3 آلاف فرنك أفريقي في اليوم (6 دولارات أمريكية) … وفي أغلب الأحيان، يجب أن أختار بين حضور دروسي وبين العمل الذي يسمح لي بالدعم المالي. إنه أمر صعب للغاية لأنني لا أستطيع الدراسة كما اعتدت من قبل “.
وفي الآونة الأخيرة، إضافة إلى تخفيض إعانات الموظفين المدنيين بنسبة 50 %، أجرت الحكومة إصلاحات إضافية لتوسيع القاعدة الضريبية. ففرضت ضرائب على بنود جديدة من مرتبات الموظفين الحكوميين، لم تكن تخضع للضريبة حتى 2018. فهذه التخفيضات، المقترنة بزيادة الضرائب على السلع الأساسية وزيادة تكاليف المعيشة، جعلت من الصعب على العاملين في القطاع العام إعالة أسرهم.
وقال أحد المدرسين لمنظمة العفو الدولية إنه في أعقاب الإجراءات الضريبية الجديدة، انخفض إجمالي راتبه الشهري الصافي بما في ذلك المزايا والمكافآت بنسبة 37 %، فأصبح 385 دولاراً في الشهر في 2016.
قمع الاحتجاجات المعارضة لإجراءات التقشف
في الفترة ما بين يناير/ كانون الثاني ومارس/ آذار 2018، وقعت عشرات الاحتجاجات ضد إجراءات التقشف في المدن التشادية الرئيسية، بما في ذلك العاصمة نجامينا. وقد قامت قوات الأمن بقمع جميع الاحتجاجات باستثناء واحد، فأطلقت الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين، واعتقلت أكثر من 150 شخصًا من بينهم طلاب وأطفال وقامت بتعذيب ما لا يقل عن اثنين من نشطاء مكافحة إجراءات التقشف. وقد اتهمت السلطات المتظاهرين برشق رجال الشرطة بالحجارة وتدمير المرافق العامة والسيارات الخاصة.
وفي 19 فبراير / شباط أُلقي القبض على ألان ديده كيمبا، الناطق باسم حركة الشباب ” عيينا” يه واقتيد إلى الحجز في مقر شرطة نجامينا. ووفقاً للمتحدث باسم الشرطة، ألقي القبض على ألان كيمبا ديداه لأن ضابط شرطة زعم أنه رآه وفي يده زجاجة من البنزين، وعلى وشك إحراق كومة من الإطارات. وقد أنكر آلان هذا الادعاء.
وأخبر آلان منظمة العفو الدولية بأنه تعرض للتعذيب على أيدي ضباط الشرطة، وفيهم المشرف عليهم، وقد ضربوه على باطن قدميه ومفاصله. وقال آلان إنه أُجبر على الانتقال من غرفة إلى أخرى بينما كانت ربط ساقاه مربوطتين خلفه إلى يديه. وذكر إن الشرطة اتهمته بقيادة الاحتجاجات ضد إجراءات التقشف. وبعد بضعة أيام، أُطلق سراحه بكفالة لأسباب طبية، وفي 26 فبراير/ شباط، أُسقطت جميع التهم الموجهة إليه.
وتدعو منظمة العفو الدولية الحكومة التشادية إلى اتخاذ خطوات فورية لمعالجة تأثير إجراءات التقشف على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك حقوق الناس في الصحة والتعليم. كما يجب على السلطات إنهاء الانتهاكات المتزايدة لحقوق الأهالي في التجمع السلمي وحرية التعبير.