ليبيا: ست سنوات مرت، وما زال طريق العودة مسدوداً أمام التورغاء النازحين

قالت منظمة العفو الدولية اليوم إنه برغم مرور ست سنوات على إخراج التوارغاء من بلدتهم على أيدي قوات ميليشيا مصراتة في أغسطس/آب 2011، فما زال أبناء البلدة الذين يقرب عددهم من 40000 نسمة غير قادرين على العودة بأمان إلى ديارهم.

 وقد وُقِّعَ قبل شهرين، أي في يونيو/حزيران 2017، اتفاق سياسي يمهد السبيل لعودتهم. ومع ذلك فلم تُنَفَّذ بنود الاتفاق ولاقى بعض من حاولوا العودة منذئذ تهديدات وتعرضوا للترهيب. ولا يضمن الاتفاق كذلك سبل نيل العدالة والتعويض عن الانتهاكات الرهيبة التي تعرض لها التوارغاء في السنوات الأخيرة.

 وقالت هبة مرايف، مديرة البحوث لمنطقة شمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية “يكشف العجز عن محاسبة أحد على طائفة الانتهاكات التي تعرض لها التوارغاء منذ نزوحهم عن العواقب المفجعة لغياب القانون على مدى سنوات في ليبيا، حيث ارتكبت الميليشيات انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وهي بمنأى عن أي عقاب.

 “ودون إرادة سياسية واضحة تفرض تنفيذ الاتفاق لضمان عودة التوارغاء آمنين إلى ديارهم، لن تعدو الالتزامات العلنية التي جرى التعهد بها في يونيو/حزيران أن تكون مجرد بادرة جوفاء.”

يكشف العجز عن محاسبة أحد على طائفة الانتهاكات التي تعرض لها التوارغاء منذ نزوحهم عن العواقب المفجعة لغياب القانون على مدى سنوات في ليبيا، حيث ارتكبت الميليشيات انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وهي بمنأى عن أي عقاب

هبة مرايف، مديرة البحوث لمنطقة شمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية

 وكان مقاتلون من مصراتة قد هاجموا في أغسطس/آب 2011 بلدة توارغاء المجاورة التي كانت القوات الموالية للعقيد معمر القذافي تستخدمها قاعدة لشن هجمات. وطردت قوات مصراتة جميع سكان توارغاء من البلدة، ونهبت منازلهم وأحرقتها، وأحالت البلدة خراباً شاملاً. وتعرض أبناء توارغاء على مدى السنوات الست التالية لهجمات انتقامية لا تكل على أيدي قوات مصراتة، بما في ذلك عمليات اعتقال تعسفي، وتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، واختفاء قسري، وإعدام خارج نطاق القضاء. ولم يُجرَ حتى الآن أي تحقيق في هذه الانتهاكات ولم يُحَاسَب أحد على هذه الجرائم.

 وقد سبق أن أفاد قادة مصراتة العسكريون والسياسيون مراراً بأنهم لن يسمحوا للتوارغاء بالعودة إلى بلدتهم. ويكابد سكان البلدة السابقون الآن أهوال النزوح في شتى أنحاء البلاد، حيث يعيشون في أماكن إيواء مؤقتة في ظروف مروعة في أغلب الأحوال.

عدم التصدي للإفلات من العقاب

 ولا يضمن الاتفاق الذي وُقِّعَ في 19 يونيو/حزيران بين زعماء من التوارغاء ومصراتة، و”حكومة الوفاق الوطني”، ومسؤولين آخرين المحاسبة على الجرائم التي يشملها القانون الدولي وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتُكِبَت ضد أبناء توارغاء، ومن ثم فهو يعزز مناخ الإفلات من العقاب. وقد رحب كثير من أبناء التوارغاء بالاتفاق لأنه يضمن لهم على الأقل، حسبما بدا، الظروف التي تتيح عودة آمنة.

 وأضافت هبة مرايف قائلة “إن أي اتفاق يتجاهل الجرائم المروعة التي ارتُكِبَت ضد التوارغاء تجاهلاً سافراً مصيره دوماً إلى الفشل. لا يمكن أن يتيح سبيلاً حقيقياً للتقدم إلا اتفاق يضمن حق أبناء توارغاء في العودة الآمنة إلى بلدتهم ويعطي الأولوية للعدالة من خلال ضمان محاسبة المسؤولين عن الفظائع على ما فعلوه”.

طريق العودة مسدود

 وكانت أول محاولة للعودة قامت بها بعض الأسر من أبناء توارغاء بعد ثلاثة أيام من توقيع الاتفاق في يونيو/حزيران. وعلى الرغم من تأييد مسؤولي مصراتة للاتفاق علناً، فقد تعرضت الأسر للتهديد والترهيب عند إحدى نقاط التفتيش على أيدي أفراد من مصراتة، ورُدَّت على أعقابها عائدة إلى طرابلس.

 وأبلغ عماد إرقيعة، وهو ناشط من التوارغاء منظمة العفو الدولية بأنه توجه إلى البلدة ضمن قافلة تضم 35 سيارة، في 22 يونيو/حزيران، بعد التنسيق مع أفراد من مصراتة يؤيدون العودة. وقال إنه كان على بعد كيلومتر واحد من نقطة التفتيش الأخيرة عندما رأى سيارتين تعودان. وأضاف “أبلغوني بأنهم أُوقِفُوا وهُدِّدُوا. ومن ثم فقد ناديت على الأسر الأخرى القادمة في سيارات خلفي وقلت لهم أن يرجعوا لتفادي التصعيد، وبدأ بعض النساء يبكين”. وفي 29 يونيو/حزيران، خلال عيد الفطر، قامت مجموعة أصغر من الأسر بمحاولة أخرى للعودة. ووصف أحد أبناء التوارغاء، وكان مسافراً مع أمه التي يبلغ عمرها 87 عاماً، ما شعر به من ألم وخيبة أمل لدى عودتهم إلى البلدة، وعدم قدرتهم على البقاء فيها. وقال “كانت لحظة جياشة بالمشاعر، لا أخفي عليكم، كانت عيناي تفيضان بالدموع، لكن مستوى الدمار الذي لحق ببلدتنا يفطر القلب” مضيفاً أنه لم يقضِ هو وأمه سوى بضع ساعات هناك اضطرا بعدها للعودة من حيث جاءا.

 ومضت هبة مرايف تقول: “ينبغي للفصائل السياسية الليبية أن تضمن حماية التوارغاء من كل أشكال الترهيب، والتهديدات، والهجمات وأن تأمر كل الميليشيات المرتبطة بها بأن تسمح لأبناء الطائفة بالعودة الآمنة إلى بلدتهم.

ينبغي للفصائل السياسية الليبية أن تضمن حماية التوارغاء من كل أشكال الترهيب، والتهديدات، والهجمات وأن تأمر كل الميليشيات المرتبطة بها بأن تسمح لأبناء الطائفة بالعودة الآمنة إلى بلدتهم.

هبة مرايف، مديرة البحوث لمنطقة شمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية

“من الضروري أن تأخذ حكومة الوفاق الوطني و المجلس المحلي تاورغاء والمسؤولون في مصراتة، بما في ذلك المجلس البلدي مصراتة، زمام المبادرة في تمكين التوارغاء من العودة الآمنة وتأمين تلك العودة. وهذا يتضمن متابعة عملية العودة والاستقرار، وإعادة تأهيل المنازل، والمدارس، والبنية الأساسية في البلدة.”

وإضافة إلى ضمان العودة الآمنة للأسر النازحة من التوارغاء، تدعو منظمة العفو الدولية المسؤولين في مصراتة، وأعضاء المجلس البلدي بمصراتة، و”المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية”، ووزارة العدل إلى إقرار حق الضحايا من التوارغاء في الوصول إلى الحقيقة ونيل العدالة والإنصاف عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تعرضوا لها وما زالوا يكابدونها.

لمزيد من المعلومات بخصوص الفظائع التي ارتكبت ضد التوارغاء انظر:

“لسنا آمنين في أي مكان”، التوارغاء في ليبيا

ممنوعون عن ديارهم استمرار تهجير واضطهاد التوارغاء والمجتمعات المهجرة الأخرى