فجوة هائلة في حياتنا

بعد مرور ثلاث سنوات على اختفاء والدها حكت رنيم معتوق البالغة من العمر 21 عاما قصة أسرتها لموقع “سيريا ديبلي” (شرح المسألة السورية).

رنيم معتوق هي ابنة خليل معتوق، المحامي المتخصص في مجال حقوق الإنسان ومدير المركز السوري للدراسات والبحوث القانونية، الذي اختفى في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2012 مع زميل له بينما كانا في طريقهما للعمل بدمشق. ومن المعتقد أنه قبض عليه بعد إيقافه عند إحدى نقاط التفتيش الحكومية، ثم احتجز في ظروف تبلغ حد الاختفاء القسري منذ ذلك الحين. ويوافق اليوم الذكرى السنوية الثالثة لتوقيفه.

عندما اختفى والد رنيم معتوق منذ نحو ثلاثة أعوام كان عمرها 21 عاما، وعندئذ شعرت هي وأسرتها وكأن عالمهم كله ينهار.

وقالت رنيم “لقد ترك اختفاؤه فجوة كبيرة في حياتنا. وبالنسبة لفتاة تعيش في الحي الذي كنا نعيش فيه، صار العيش بدونه جحيما”.

ولم يكن غريبا على أبيها خليل معتوق، وهو المحامي متخصص في حقوق الإنسان والذي يدافع عن السجناء السياسيين وسجناء الرأي في سوريا، أن يتعرض للتهديد والتحرش والترهيب من جانب السلطات السورية، بل إنه تعرض لحظر السفر من قبل أن يبدأ الصراع في سوريا.

لقد ترك اختفاؤه فجوة كبيرة في حياتنا. وبالنسبة لفتاة تعيش في الحي الذي كنا نعيش فيه، صار العيش بدونه جحيما

رنيم معتوق – ابنة خليل معتوق

وفي الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2012 اختفى معتوق بينما كان يقود سيارته متجها إلى عمله الذي يقع مقره على مقربة من دمشق مع صديقه ومساعده محمد ثاثا.

منذ ذلك الحين لم تسمع أسرته عنه شيئا. وقد أنكرت السلطات السورية احتجازها له، إلا أن تقارير غير رسمية توحي أنه تم استيقافه هو وزميله وألقي القبض عليهما عند نقطة تفتيش تابعة للحكومة. ومنذ ذلك الحين، ذكر عدد ممن أفرج عنهم من المعتقلين أنهم رأوه في معتقلات مختلفة في شتى أنحاء دمشق.

ويعد خليل معتوق واحدا من عشرات الآلاف الذين تعرضوا للاختفاء القسري على أيدي قوات الأمن السورية منذ بدء الصراع. وتعتبر منظمة العفو الدولية هذه الاختفاءات جزءا من عدوان منهجي واسع النطاق على السكان المدنيين يصل إلى حد الجرائم ضد الإنسانية.

صوب [خاطفي] مسدسا إلى رأسي لكنه ما لبث أن أطلق سراحي. والآن أعتقد أن كل ما كان يريده هو أن يلتقط لي صورا ليريها لأبي في السجن فيوهمه أنني وقعت بين يديه

رنيم معتوق

وبعد اختفاء والدها أصبحت الحياة شاقة على رنيم وأسرتها بمنطقة صحنايا الواقعة على مشارف دمشق والتي يعد أغلب سكانها من الموالين للحكومة.

وقالت رنيم “كان دائما يدافع عن حرياتي وقد رباني لأكون امرأة قوية مستقلة، لكني فجأة بعد أن فقدت حمايته أصبحت في مواجهة مجتمع عدواني”.

ففي مطلع عام 2013 قال لها رجل تظاهر بأنه يعرف مكان أبيها إنه سيساعدها على توصيل دواء إليه؛ حيث يعاني خليل معتوق من مرض رئوي ويحتاج لدواء بصورة منتظمة، وتخشى أسرته أن تكون حالته قد تدهورت تدهورا حادا في السجن. إلا أن ذلك الرجل اختطف رنيم بدلا من أن يساعدها.

وقالت رنيم “صوب [خاطفي] مسدسا إلى رأسي لكنه ما لبث أن أطلق سراحي. والآن أعتقد أن كل ما كان يريده هو أن يلتقط لي صورا ليريها لأبي في السجن فيوهمه أنني وقعت بين يديه”. وكان الرجل الذي تشك رنيم أنه من قوات الأمن الداخلي السورية قد احتجزها بضع ساعات قبل أن يطلق سراحها.

ثم ألقت الحكومة السورية القبض على رنيم في 17 فبراير/شباط 2014 حيث أخذوها من منزلها خلال مداهمة الحي الذي تسكن فيه.

كان هناك نحو 30 رجلا، يصيحون ويهددوننا بأسلحتهم. وقد أخذوا كل شيء من المنزل: المال وأجهزة الحاسوب والأوراق، كل شيء.

رنيم معتوق

وقالت رنيم “كان هناك نحو 30 رجلا، يصيحون ويهددوننا بأسلحتهم. وقد أخذوا كل شيء من المنزل: المال وأجهزة الحاسوب والأوراق، كل شيء”.

وما كادت رنيم ترتدي ملابسها حتى وضعوا القيود حول معصميها، وأخذوها إلى أحد أكثر فروع الاستخبارات العسكرية سيئة السمعة في سوريا – الفرع 277 – في منطقة كفر سوسة بدمشق، حيث احتجزت شهرين قبل أن تنقل إلى سجن “عدرا”.

وقد استجوبها المحققون بشأن “دورها في الثورة” وصلتها بالجماعات المسلحة.

وقالت رنيم “لم أقل لهم سوى الحقيقة وهي أنني كنت أساعد من يحتاج للمساعدة. تعرضت للضرب كثيرا في أثناء التحقيق. كذلك سألتهم عن أبي، وأين هو، لكنهم ضربوني مرة أخرى. وقال لي أحد المحققين “لا تكوني كأبيك”.

وفي السجن عاشت رنيم في ظروف احتجاز مروعة؛ فكانت هي وتسع نساء أخريات محتجزات في زنزانة صغيرة، طولها متران وعرضها متر واحد. وكانت ملاءات سريرها ملطخة ببقع الدم ومليئة بالحشرات الزاحفة.

وكانت تسمع من زنزانتها صرخات المعتقلين الآخرين خلال عمليات الاستجواب، بشكل يوحي بتعرضهم للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة.

وقالت رنيم “إن هذا وحده كان تعذيبا. ففي باب زنزانتنا كانت هناك نافذة صغيرة، وكنا نرى الجثث ملقاة في الممرات والحمامات. وفي كل صباح كان الحراس يأتون ليخرجوا بعض الجثث من الزنزانات، لكن ذلك يحدث عادة بعد أن يكون أصحابها قد ماتوا ببضعة أيام. كان معظمهم رجالا، ولكن كان من بينهم أطفال أيضا. وكان الأطفال يبدوا أنهم بين العاشرة والخامسة عشرة. وكانوا آخرون يظلون ملقين في زنازينهم لمدة أيام وهم في النزع الأخير بعد تعرضهم للتعذيب”.

وقالت رنيم لمنظمة العفو الدولية إنها عندما هددت بالإضراب عن الطعام، اعتدى أحد الضباط أمامها على زميلة لها من بين السجينات اعتداء جنسيا بزجاجة في محاولة لجعلها ترجع عن الإضراب، فأقلعت عنه.

وبعد أربعة أشهر في المعتقل أفرج عنها أخيرا في 11 يونيو/حزيران 2014. ولم يكد يمر وقت قصير حتى غادرت هي وأسرتها البلاد.

والآن تبدو رنيم التي أصبحت في الرابعة والعشرين أبعد ما تكون عن الانكسار بسبب تجربتها الأليمة؛ بل إنها استمدت منها القوة بشكل مدهش.

فعندما سجن أبوها لأول مرة أرادت هي وأسرتها أن يشاركوه شدته فتعمدوا العيش وسط البرد والجوع.

وقالت رنيم “لكن بعد القبض علي، فهمت أننا بحاجة إلى العكس من ذلك، بحاجة إلى أن نبقى أقوياء لأنني أعلم أنه قلق علينا، ويجب أن نكون بخير حتى نقف بجانبه عندما يفرج عنه”.

وقد ساعدتهم هذه القوة على اجتياز المحنة والتمسك بالأمل في أنه على الرغم من مرور ثلاث سنوات على اختفائه سيعود لأسرته في يوم من الأيام.

للاطلاع على المزيد بشأن حملة منظمة العفو الدولية الداعية لإنهاء الاختفاء القسري غي سوريا، اضغط هنا.