السر المرير وراء بعض أحلام التنمية في مصر

لا يزال المحامي المصري عبد الناصر أحمد محمد السيد يعاني مر المعاناة لكي يبعد عن ذهنه ذكريات ذلك اليوم الذي طُرد فيه عنوةً من منزله في مصر القديمة.كان ذلك في مارس/آذار 2009، عندما فوجئ عبد الناصر بعدد من جنود الأمن المركزي يداهمون منزله ويعتدون عليه بالضرب ويلقون بأمتعته ومتعلقاته من النافذة. ولم يمض وقت طويل حتى كان أثاث بيته وكتبه وكل ما كافح طويلاً من أجل اقتنائه قد وُضع على شاحنات انطلقت إلى “مدينة 6 أكتوبر” حيث ألقت كل الأمتعة على قارعة الطريق.وقد وفرت السلطات المصرية شقة صغيرة لعبد الناصر، تقع على مسافة نحو 45 كيلومتر من سكنه الأصلي في مصر القديمة، إلا إنه لم يحصل على عقد، ومن ثم فهو يواجه الآن خطر الطرد مجدداً.ولكن بعد حوالي خمس سنوات من تلك الواقعة، وبينما يقف عبد الناصر أمام مقر إحدى لجان الأمم المتحدة في جنيف، فقد بدأ يشعر أخيراً أن هناك من يستمع إلى شكواه.وفي حديث مع منظمة العفو الدولية، قال عبد الناصر: “الحكومة تنظر إلينا وكأننا بلا رأي وبلا حقوق، وتعاملنا كما لو كنا مجرد أشياء يمكن التصرف فيها ولسنا بشراً لهم حقوق وآراء”.

ناطحات السحاب أم المساكن

ليست التجربة المريرة التي مر بها عبد الناصر فريدةً من نوعها، بل أصبحت أمراً شائعاً في القاهرة، بعد أن وضعت الحكومة في عام 2008 خطة للتنمية عُرفت باسم “القاهرة 2050″، وأُعيدت تسميتها باسم “القاهرة 2052” بعد الانتفاضة في عام 2011، وهي تهدف إلى تحديث العاصمة.ويعتقد الكثيرون أن هذه الخطة تتجاهل المشاكل الحقيقية التي يواجهها ملايين المصريين فيما يتعلق بالسكن في القاهرة، وأنها لا تعدو أن تكون مجرد وسيلة للتخلص من الأحياء الفقيرة وإفساح المجال لمشروعات الإسكان الفاخر.وترى منظمة العفو الدولية أن الخطة يمكن أن تؤدي إلى عمليات إخلاء قسري واسعة النطاق.ويقول نيكولاس بياشو، مسؤول الحملات المعني بشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية والذي يحضر اجتماع لجنة الأمم المتحدة في جنيف، إن “الحكومة المصرية لا تعالج مشكلة الفقر. فمن شأن الخطة أن تقتلع الآلاف، من ينتمون إلى الفئات الأكثر فقراً في مصر، من وظائفهم ومحيطهم الاجتماعي وتُلقي بهم في مدن جديدة لا تتوفر فيها خدمات أو فرص للعمل”.ويعيش نحو 12 مليون مصري حالياً في مناطق عشوائية، ويُضطر كثيرون للسكن فيها لعجزهم عن الحصول على سكن آخر بأسعار محتملة.ويواجه هؤلاء السكان كل يوم ما يهدر كرامتهم ويهدد حياتهم. فمنهم من يعيشون أسفل منحدرات صخرية معرضة للانهيار، أو بالقرب من خطوط الكهرباء ذات الضغط العالي، بل ومنهم من يعيشون في المقابر.ومن هؤلاء سيدة تُدعى مروة فؤاد. فعندما التقى بها مندوبو منظمة العفو الدولية في عام 2010، كانت تعيش وسط أنقاض بيتها المحترق في حي عشوائي بمنطقة الدويقة.وكان حريق قد نشب في هذا البيت، فلم تجد مروة سبيلاً لإنقاذ طفليها التوأم سوى إلقائهما من الشرفة، أملاً في أن يتمكن الجيران أسفل البيت من تلقفهما. وقد نجا الطفلان الرضيعان.وقد بذلت مروة جهوداً مضنية من أجل الحصول على ملجأ مؤقت أو سكن بديل، ولكن سلطات الحي تجاهلت مطلبها، فلم يكن أمامها أي خيار سوى أن تعود للعيش وسط أنقاض بيتها.

الفحص الدولي

سوف يجد المحامي عبد الناصر السيد أخيراً فرصةً لعرض محنته، وذلك بعد حوالي خمس سنوات على واقعة طرده قسراً من منزله.فاليوم، يحضر ممثلو الحكومة المصرية أمام “لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية” التابعة للأمم المتحدة في جنيف، من أجل الرد على التساؤلات المتعلقة بوضع حقوق الإنسان في مصر.وقد أبلغت الحكومة المصرية اللجنة أن برنامجها القومي للإسكان سيوفر آلاف الوحدات السكنية الجديدة. ومع ذلك، يبقى التساؤل عما إذا كانت الفئات الأشد فقراً في مصر سوف تتحمل أسعار هذه المساكن، وعما إذا كانت الوحدات السكنية المزمع توفيرها سوف تلبي الاحتياجات القائمة.وتعليقاً على ذلك، يقول نيكولاس بياشو: “الحقيقة أنه لا يوجد حل سريع لمشكلة السكن في مصر، ولكن هناك إجراءات فورية يمكن اتخاذها. فبوسع السلطات المصرية، على سبيل المثال، أن تصدر قانوناً يحظر الإخلاء القسري، ويكفل ألا تُطبق أية خطط من شأنها التأثير على تجمعات سكانية قبل عرضها على هذه التجمعات من أجل التشاور معها”.وإذا كان توفر فرصة أمام نشطاء حقوق الإنسان للتحدث مع لجنة الأمم المتحدة يُعد مؤشراً طيباً، فإن ثمة مخاوف من أن السلطات المصرية قد تلجأ قريباً إلى فرض قيود على مثل هذه الفرص أيضاً.فبينما تسهب الحكومة المصرية في الحديث أمام الأمم المتحدة عن إنجازاتها في مجال حقوق الإنسان، فإنها تُعد قوانين جديدة تفرض قيوداً على الاحتجاجات وعلى منظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك المنظمات العاملة بشأن الأحياء الفقيرة. ومن بين هذه القوانين مشروع قانون لمكافحة الإرهاب، من شأنه إغلاق الأبواب أمام أي انتقاد للحكومة، حسبما يرى نشطاء حقوق الإنسان.وقد قال أحد نشطاء حقوق الإنسان لمنظمة العفو الدولية: “يمكن أن أتعرض للقبض عليَّ لمجرد أنني تحدثتُ هنا”.